((نصر هلال قمة القمم العربية))    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبتمبرالأخضر..نفح الذكرى ومرارة التاريخ (2 )


بسم الله الرحمن الرحيم
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
جلست أمام التلفاز حالي كحال أي فرد من الشعب السوداني أترقب بقليل من التفاؤل وكثير من الحذر و القنوط و الحزن المؤتمر الصحفي للسيد رئيس الجمهورية حول رفع الدعم من المحروقات .
وأن لم تخني الذاكرة ،فقد جاء هذا المؤتمر في مساء نفس اليوم الذي أنتفضت فيه مدينة ودمدني وكان يوم الأثنين .
قام المواطنون الغاضبون من رفع الدعم عن المحروقات بحرق كل محطات تزويد الوقود بالمدينة وبعض أقسام الشرطة ، ثم أتجه بعدها بعضهم الى حي المنيرة حيث دار الحركة الأسلامية أو دار المؤتمر الوطني ( كلاهما سيان أو وجهان لعملة واحدة ) وقاموا هو الآخر بحرقه و أتلاف مافيه من أوراق و مستندات و ممتلكات .
الغريب و المثير للتفكر و التأمل من جهة و التندر و السخرية من جهة أخرى في قصة حرق دار الحركة الأسلامية بمدينة ودمدني ، التي تقع جوار جامعة الجزيرة بحي المنيرة وهو أحد أرقى أحياء المدينة ، أنني حينما عدت لمفكرتي أثناء كتابة هذا المقال ، وجدت أن كل من علقوا على هذه الحادثة من النشطاء عبر مواقع التواصل الأجتماعي المختلفة ، كتبوا عن دوافع الشباب الثائر من أستهداف هذا المبنى تحديدا دون غيره من المقار الحكومية الآخرى ، حيث أتفقوا وأكدوا على أن هنالك سبب آخر نفسي و أجتماعي مهم غير المحركات السياسية المعروفة للكافة دفعت هؤلاء الثوار لحرقه !
كان الناشطون يرون أن منتسبي مايعرف بالحركة الأسلاموية الذين كانوا يأتون كل يوم أثنين للمبنى لتناول أفطار الصائم ، ضمن مشاريع تزكية المسلم التي ينظمونها لمتبوعيهم ، لم يكونوا ممن كان يضع نصب عينيه وهو يمارس هذه السنة الشريفة الآية الكريمة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) ، فيتآسى برسول الله صلوات الله عليه وسلامه في شكل أفطاره ، وأقصد في ذلك الأفطار على رطبات ، فأن لم تكن رطبات فتميرات ،فأن لم تكن تميرات ، حسا حسوات من ماء .
كان الأمر على عكس ذلك تماما !
فما كان يشاهده الجيران ويتحدث به العامة عن هذا الأفطار الذي كان يحضره الوالي (المجاهد ! ) ، وأعضاء حكومته وكبار المسؤولين بالولاية ، أنه كانت تذبح فيه الذبائح وتطرح فيه كل أنواع المشويات و المقبلات و الحلويات على الموائد بأسراف مستفز للغاية .
هذا قطعا مما يصفونه هم بخير ساقه الله ألينا و فضل كبير من رب عظيم !
و قيل أيضا أن المشردين المساكين من ( الشماسة) و غيرهم ، ومعهم القطط والكلاب الضالة كانت تترقب و تترصد هذا اليوم بفارغ صبر ، فتجدها تتزاحم أمام المبنى صفا واحدا في أنتظار خروج هؤلاء الصائمين أصحاب الكروش الممتلئة من المكان بنسائهم وأطفالهم ، فيخرج هؤلاء ويدخلوا هم أصحاب البطون الخاوية منقضين بشراسة من أجل ألتهام ماتبقى من فضلاتهم !
تعاملت للأسف الشديد الشرطة والأمن بوحشية شديدة و تجاوز غير قانوني وغير مبرر مع متظاهري مدينة ودمدني في ذلك اليوم ، وتواترت علينا الأخبار بسقوط العديد من القتلى و عشرات الجرحي( دون أحصائية دقيقة ) ، بسبب أستخدام قوات مكافحة الشغب الرصاص الحي لدفع و كبح المتظاهرين .
لم تكن تلك المظاهرات محدودة ، فقد عمت معظم أرجاء و أحياء المدينة مما أضطر الوالي ( المجاهد ! ) الذي شعر حقيقة أن الأرض تميد من تحت قدميه ، للأستنجاد بالخرطوم لأرسال كتائب ممن يسمونهم بالمجاهدين من منسوبي جهاز الأمن والمخابرات لأعادة الأمن والأستقرار للمدينة ، وملاحقة رؤوس المنظمين لتلك المظاهرات والتنكيل بهم .
كانت ودمدني السني الشرارة الأولى لسبتمبر الأخضر ، ولم يكن ذلك غريبا عليها ، كما كانت في التاريخ الوطني مهد شرارة الأستقلال الوطني الأولى وتشكيل فكرة مؤتمر الخريجين عبر رائدها الأول الأستاذ أحمد خير المحامي .
قدمت المدينة المجاهدة ( دون واليها المجاهد ! ) لسبتمبر الأخضر حوالي الخمسة عشر شهيدا على رأسهم الشهداء الأبرار مازن سيدأحمد و أبراهيم محمد علي و بابكر يوسف والشهيدة منى عبدالرحمن و أمل منزير والطفل هاجر عبدالعليم .
**********
تابعت المؤتمر الصحفي حتى النهاية ، وكان رسمي و ظنوني السالبة فيه مسبقا في محلها ، فلم تخب ولم تحد ولم تتناقض حتى لحظة أنتهاء السيد رئيس الجمهورية من عرض وجهة نظر الحكومة في القرار ، ثم رده على كل أسئلة الصحفيين و الأعلاميين .
سار رئيس الجمهورية في حديثه على نفس المنوال الذي سبقه أليه وزراءه و مستشاريه في الأيام الماضية ، وعلى رأسهم طبعا د.مصطفى عثمان أسماعيل في التبرير و التأكيد على أنه لا مناص من تطبيق حزمة السياسات الحكومية القاضية برفع الدعم عن المحروقات .
لاأدري عزيزي القارئ الكريم ، ولكني وفي أثناء كتابتي لهذه الفقرة تذكرت في الخير للحظات تلك الكلمات التي كتبها وساقها السير جيمس روبرتسون في كتابه ( السودان من الحكم البريطاني المباشر الى فجر الأستقلال ) ، وهو الذي جاب السودان طولا و عرضا وشغل عدة وظائف من مساعد مفتش وحتى أعلى منصب سياسي في البلاد ساعتها ، وهو السكرتير الأداري للحاكم العام لحكومة السودان .
قال السير جيمس روبرتسون ، في خطاب له العام 1951م وجهه لحكام المديريات و رؤساء المصالح و بعض كبار الموظفين وأعضاء الشركات ، وأحاول هنا أقتطاف جزء يسير من الخطاب ، قال ( أنه لا أحد يستطيع أن يتنبأ ماذا سيحدث لنا جميعا في الأثنى عشر شهرا القادمة ، حيث يبدو ان ظلال حرب حقيقية أصبحت أكثر أقترابا وأكثر ظلاما ، و يبدو أيضا أن مستقبل هذه البلاد يبدو غامضا ، لكن عندما ننظر في الظلام الذي حولنا ، نرى أشعة من نور توقظ نفوسنا ) .
بدا لي أن خطاب السيد رئيس الجمهورية في المؤتمر الصحفي بعد مراجعتي لبعض التعليقات في مفكرتي الخاصة وموقعي بالفيس بوك ، سالبا ومحبطا ومنفرا حد الأشباع ، وأقل ما يمكن أن أصفه به ، هو نفس الوصف الذي كان يطلقه الكثيرون من حكام المديريات و رؤساء المصالح و بعض كبار الموظفين على خطابات السير جيمس روبرتسون الدورية الشهرية ........ أنها ( العصير المهدئ للعم جيمي ) !
و الطريف و العجيب في الأمر أيضا أن هنالك رابط ثالث جمع السير جيمس روبرتسون بهذه الأنقاذ غير وصف خطاب رئيس الجمهورية بالعصير المهدئ ، و وصف مستقبل السودان بالمظلم ( طبعا في نظر السير جيميس وعلى أيدي الأنقاذيين والأخيرين لايرون أبدا ان مستقبل هذه البلاد معهم مظلما لذلك ذكرنا نحن على أيديهم ) ، وهو أنه السير جيمس توفى وغادر الحياة الدنيا في نفس السنة الكبيسة التي حملت لأهل السودان ، أنقلاب الأنقاذ على النظام الدستوري الديمقراطي القائم العام 1989م .
أنقل لكم بعض ما خرجت به من أنطباعات و تعليقات لخطاب رئيس الجمهورية في المؤتمر الصحفي يومها ، مع التأكيد على أنه كان أحد الأسباب الرئيسية التي أججت المشاعر وأخرجت كثير من الشباب الثائر في اليوم التالي في مدينة أم درمان ، وبقية مدن العاصمة ، جنبا الى جنب ، مع سبب حزن الناس وغضبهم على سقوط قتلى و جرحى في ودمدني بسبب أستعمال الشرطة والأمن الرصاص و الذخيرة الحية لأخماد المظاهرات :
1 – أن الشعوب التي تدخل في مساومات مع حكامها على حريتها ،توقع في نفس الوقت وثيقة عبوديتها ،وتقيم البرهان الساطع على أنها أمة مازالت في طور التخلق والتشكيل . هي أمة لا تزال عاجزة عن أن ترى بعينيها ، وتسمع بأذنيها ، وتسعى على رجليها .
2 – جلس أحمد بلال الطيب بجانب السيد رئيس الجمهورية مبتسما ، ليقدمه لقبيلة الأعلام وللشعب السوداني في المؤتمر الصحفي .
سبحان الله ! ألم يقرأ هذا الشخص من سيرة الشريف حسين الهندي وكفاحه ، أو يلتصق به في حياته بالمنفى ليتعلم منه شيئا قليلا ، لتظهر على وجنتيه القمحية الحمراء المكتنزة شحما ولحما شيئا من حمرة الخجل أوالحياء من عظات وعبر التاريخ .
3 – حينما بدأ السيد رئيس الجمهورية الحديث عن ما أسماه ببرنامج الأصلاح الأقتصادي للحكومة ، آبى ألا وأن يسفه كعادته الديمقراطية الثالثة و يذكر الناس ، بحالة البلاد في تلك الفترة قبل أن تهل علينا الأنقاذ .
الأشارة هنا منه ذكية للغاية ومقصودة والمخاطب بها المواطن العادي البسيط ، لأن مايعرف بشريحة النخبة الواعية تعلم جيدا الفرق الشاسع بين حال البلاد في الديمقراطية الثالثة وبين حالها اليوم مع الأنقاذ .
4 - وصف السيد رئيس الجمهورية الأقتصاد وقتها بأنه كان منهارا ، وأن هنالك ندرة في كل السلع تقريبا ، الوقود بالصفوف ، والدقيق كوتات ( حسب وصفه ) كان بالصفوف أيضا ، فالذي كان يريد قبل الأنقاذ مثلا شراء رغيف كان عليه أن يستقيظ قبل صلاة الفجر ، والذي كان يريد بنزين كان عليه أن يبيت في الصف منذ منتصف الليل .
وهنا أستميح القارئ العزيز فسحة من السطور والكلمات لأترحم وأشكر ذلك الناشط السياسي الذي رد على هذا الحقيقة التي لا ننكرها أبدا فقال : ( رحم الله أهل الديمقراطية الثالثة فقد أكتفوا بأن يجعلوا السودانيين يقفون صفوفا للرغيف و البنزين ، بينما جاء بعدهم قوم قسموا البلاد الى نصفين ثم قاموا بتبديل صفوف الرغيف و البنزين بصفوف أخرى ... صفوف من ( الأحياء ) المشردين في كل بقاع الأرض بالخارج حتى وصلوا القطب الشمالي و دولة أسرائيل ، وصفوف من (الموتي و الأكفان و المقابر الجماعية ) بسبب الحرب التي أشعلتها الأنقاذ في كل أرجاء الوطن أو كالتي جلست متفرجة عليها بين القبائل المتناحرة !
5 – القول بأن المنزل الذي فيه عربية أو أثنين أو ثلاثة أو خمسة هو أحد مظاهر الترف في نظر الحكومة ، و أن الأنقاذ ظلت تدعم كل جالون بنزين في هذه العربات الخاصة ب 17 جنيه كان أحد الطبزات الكبيرة التي كاد قلبي أن يهوي من توابعها .
هذا الكلام وأن قصد به شيئ آخر لكنه سوف ينزع من سياقه لدى العوام ، وبالتي سوف يمعن في زيادة معدلات الجريمة و مشاعر الحقد الأجتماعي المتفشية أصلا بين المواطنين ، وتزيدها سوءا على السوء الذي هي عليه الآن ، والسبب يرجع في الأول و الأخير لسياسات الأنقاذ الأقتصادية الفاشلة التي أدت الى أرتفاع حدة الفقر والتي لم ينجو منها حتى وكيل الوزارة ( حسب وصف الرئيس نفسه ) ، و التفاوت الكبير في معدلات الدخل بين طبقتين فقط في المجتمع السوداني ، واحدة مترفة تصرف صرف من لا يخشى الفقر في كل شيء ، والثانية معدمة تعيش الكفاف أو دون ذلك .
حسنا فعل أستاذنا الجليل الصحفي فضل الله محمد في مداخلته الرائعة حينما رد بشكل مهذب وغير مباشر على كلام الرئيس قائلا أن العربة في السودان وضمن أطار علاقات الشعب السوداني الأجتماعية المتداخلة والمتشابكة ليست ترفا بل هي ضرورة ، وهي لا ينتفع بها صاحبها فقط ، بل تنتفع بها العائلة و الجيران و الأصدقاء و حتى ركاب فضل الظهر .
6 – في المؤتمر الصحفي قال رئيس الجمهورية ان الأنقاذ عندما وصلت للحكم كان المواطنون يقفون جميعا في صفوف طلبا للسلع كالدقيق و البنزين و غيرها من مقتنيات و مواد ، ثم وفي نفس المؤتمر الصحفي أعترف أن المجتمع السوداني تحول بعد أكتشاف البترول لمجتمع أستهلاكي ، ثم أنقسم الى طبقتين واحد مترفة حد الأشباع و اخرى معدمة حد النهاية !
7 – مشاركة د.الباقر أحمد عبدالله لا تستحق التعليق عليها ، وأما مشاركة النائحة المستأجرة الذي يعمل بكرري فكان لها الفضل الكبير ليجعل بحديث الأفك و النفاق الذي عرضه على الرئيس وأخذ الآخرين يضحكون ببلاهة معه فيه تأكيدا له ، كان سببا رئيسيا ليكون مكان سكنه نفسه بؤرة وقود وأنطلاقة لهبة سبتمبر في كل أرجاء منطقة شمال أم درمان بمحلية كرري !
مشاركة الصحفي ضياء الدين بلال جيدة في حدود أثارته لفكرة الفساد الحكومي ، والسياسة الخارجية الخرقاء للنظام بتحالفاته مع حماس و أخوان مصر و أيران والتي كلفت المواطن ( وليس النظام ) الغالي و الرخيص بسبب الحصار ، أضافة الى اللغة الأستعلائية للأنقاذ الممثلة في تصريحات كل المسؤولين فيها والتي تنفث منا و أذى والأمثلة على ذلك تطول وتكثر ولا تنتهي .
8 – جاءت ردود السيد الرئيس بأختصار على النحو التالي – الأنقاذ ستظل على مبادئها في مايخص سياساتها الخارجية ( دعم حماس و أيران وغيرها من ملفات ) – الأنقاذ هي الحكومة الوحيدة التي مكنت للمراجع العام أن يقدم تقريره مباشرة للبرلمان ( دون ان يذكر الجهات الأمنية التي ترفض تقديم حساباتها لنفس المراجع ) – تهم الفساد يجب أن تكون على بينة ، قدموا الأدلة ثم أسألونا بعد ذلك عن التحقيق فيها !
أغلقت التلفاز وذهبت لأدون في مدونتي آخر تعليق لي بعد أن ملأ الأحباط نفسي من حديث رئيس الجمهورية و من جلس امامه في القاعة الرئاسية بقاعة الصداقة من صحفيين و أعلاميين . كتبت وقتها دون أن أعلم ماسوف ينطوي عليه هذا المؤتمر الصحفي من تداعيات .........
غدا يوم أسود وحزين على السودان والشعب السوداني . غدا تطبيق قرار رفع الدعم عن المحروقات . متى يا شعبي تثور لكرامتك !!؟
مصطفى عثمان أسماعيل وزير أستثمار النظام يصرح و يقول : ( ان لم نطبق رفع الدعم عن المحروقات سوف تشحد الحكومة) . نجيب الخير مسؤول العلاقات الخارجية بحزب الأمة القومي يرد عليه بالقول ننصح الحكومة بالتسول و الشحدة بدلا من أن يتسول أو يشحد الشعب السوداني ، وأما الحزب الأتحادي الديمقراطي الأصل ينفض يده من قرار رفع الدعم عن المحروقات على لسان القيادي د. يحي مكوار .
أنتهى فصل وبدأ آخر من الرواية ، وبين هذا و ذاك أحب ان أختم هذا المقال مع ضيف شرفه الراحل السير جيمس روبرتسون آخر و اكبر مسؤول سياسي في حكومة السودان قبل الأستقلال و الذي أصطحبنا فيه كثيرا ، وأسترقنا منه الأقوال و الكلمات .
فيكفيه فخرا له و أعتزازا منا ، أنه كان صاحب المقولة الشهيرة ( أن الأستعمار البريطاني جاء ليخدم مصالحه في كل مستعمراته ، ألا السودان ، فقد جاءه الأنجليز ليخدموا شعبه ) ، او تلك الأخرى التي قال فيها ( أن المدن السودانية أمنة كالمدن في المملكة المتحدة ، أو أنها أكثر أمنا عندما تقوم بالسير فيها ليلا ) !
كانت آخر كلمات الوداع للسير جيمس روبرتسون وهو يحزم أمتعته و حقائبه مغادرا البلاد عائدا الى المملكة المتحدة ... عندما غادرت السودان ، كان التفكير في الناس العاديين هو الذي يحزنني اكثر . كان من الممكن مقابلة الكثيرين من القادة مرة أخرى في لندن ، أو في السودان أذا كان هنالك فرصة للذهاب الى هنالك مرة أخرى . لكن رجال الشرطة الذين عرفتهم وسافرت معهم في ظروف صعبة ، وسائقي العربات ، والجناينية ، والعمال الآخرين ، وشيوخ القرى و أصحاب الحوانيت ، ليس من المحتمل أطلاقا أن أقابلهم مرة أخرى ! كيف سيكون حالهم مع الحكومة القادمة ؟وهل سيعنى بهم الحكام الجدد مثلما حاولنا نحن من قبل ؟هل سيضع الحكام الجدد مصالح الناس قبل مصالحهم ؟
أعتذر عن الأطالة القارئ العزيز في هذا المقال ، ولكن حديثنا عن سبتمبر الأخضر نفح الذكرى و مرارة التاريخ لم ينتهي ، فللحديث بقية .
ينوه الكاتب أن هذه المقالات متسلسلة ، ومربوطة ببعضها البعض ، يمكن للقارئ الكريم العودة للحلقات السابقة عبر موقعي الراكوبة أو مكتبة الكاتب في موقع سودانيل . كما يحب أن يعيد التنويه أيضا منعا للخلط أن كاتبه ليس البروفيسور البخاري الجعلى القيادي بالحزب الأتحادي الأصل المعروف ولكن نجله الأكبر .
د.عبدالله البخاري الجعلي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.