يأتي هذا المقال استكمالاً لنقاشات مع بعض ومجموعة من المفكرين والمنظريين من روافد وتيارات الحركة الإسلامية السودانية عبر وسائط إعلامية متعددة ، فاردنا توسيع دائرة النقاش لإشراك اكبر قدر ممكن من الناس لتعم فائدة النقاش للجميع ، حيث يزعم هؤلا ويبرئون مشروع الحركة الإسلامية الذي يطلق عليه المشروع الحضاري الذي ندفع ثمن تطبيقه لما يقارب ربع قرن من الزمان ويزيد من إفقار تام وتعطيل لكل منظومة الحياة في السودان وتدمير كامل وتخريب متعمد لكل البنية التحتية والموارد الطبيعية والبشرية عبر السياسات المتخبطة الغير مدروسة حيث شمل التدمير كل المناحي من التعليم والزراعة والصحة والصناعة وحتي منظومة الأخلاق لم تسلم من هذا الإنهيار المتكامل والشامل ...الخ. فهؤلا يبرئون المشروع وينسون انه أس المشكلة ويزعمون ان الخطأ في التطبيق والتنزيل وهذا ما لا يستقيم عقلا ولا يقبله العقل والتفكير السليم والموضوعي ، وذلك لاسباب منطقية وبديهية، وقد اثبتت التجربة الإنسانية جمعاء ان كل المشاريع والبرامج الفكرية التي تنطلق مرجعيتها الفكرية والتنظير اليها من داخل حقل الدين او القومية/العرق مصيرها المحتوم سيكون الفشل ، و النتيجة التسلط علي رقاب الاخريين لانها ببساطة قائمة علي الاحادية الثقافية والدينية وهذا لم تنجو منه تجربة الحركة الإسلامية السودانية بمراحلها التاريخية المتنقلة وصولا لاسمها الحالي و من قبلها منبعها الأصلي والتي هي جزء لا يتجزء منها ومن افكارها المتمثلة في حركة الإخوان المسلمين التي اسسها حسن البنا في مصر عام 1928م ، وهي حركة قائمة علي الاحادية الدينية والثقافية والحاق الاخريين بمشروعها الحضاري المتخيل الذي يعتقدون أنه ينقل البشرية من غابات الجهل والتخلف الي مزاعم البعث الحضاري المتوهم المبني علي الماضي الذي لم يعد بعد ولا يمكن له ان يعود إطلاقاً لانه ماضي ، فهذه الجماعة تشكلت في ظروف تاريخية شملت حركة كبيرة للتنوير اكتسحت اوربا باكملها والعالم أجمع لتنتج لنا قيم العلمنة والحداثة وما بعد الحداثة بدلاً من التأقلم مع هذا الواقع الجديد، وإحداث قطيعة معرفية وفكرية تستلزم مراجعات كاملة لكل التراث الإسلامي و المتخيل الديني كما حدث في اوربا وفي فرنسا تحديداً مع الدين المسيحي فذهبوا للتقوقع وتغيب العقل ومحاولة بناء مركزية دينية ثقافية مضادة اعتقدوا أنها يمكن ان تصمد في مواجهة مد العلمنة وما عقبها من قواسم أجمعت عليها التجربة الإنسانية من مواثيق دولية ومعاهدات تعلي من شان الانسان وتحترم كرامته وانسانيته وتعطيه حقه في يكون اخر مختلف ويحترم ، معاهدات أسست للمساواة والعدالة وعدم التميز علي أساس الدين او العرق او اللون . واذا انتقلنا للتجربة الإسلامية ذات نفسها طيلة تاريخها هل هنالك نموذج يمكن الاسترشاد به كنموذج لدولة حاضنة للجميع معيارها المواطنة كأساس للحقوق والواجبات من دولة الخلافة مروراً بدولة الامويين وفظائعها الاليمة ومروراً بالدولة العباسية الي اخر الدول الإسلامية انتهاء بالخلافة في تركيا وتفيكيها وانهيارها في الحرب العالمية الاولى ، فهذه القليل من النماذج لذلك فكل المشاريع التي استندت للدين والعرق كمرجعية للتنظير والتأطير ستنهار بلا شك لانها قائمة علي حقائق غير موضوعية لا تستند علي الواقع المبني علي التعدد والتنوع اللغوي والديني والاثني وغيرها ، وفي ذات الوقت توجه الدولة الاحادية والدينية بعيد وغير مقبول لدي التوجه العالمي الجديد والوجدان الانساني الاممي المبني علي الانفتاح وقبول الاخر والتداخل والتماذج الثقافي الذي أنبثق من المعاهدات والمواثيق التي أشرنا اليه سابقاً في متن هذا المقال ، فتجارب القوميين في المنطقة باءت بالفشل من الناصريين والبعثيين، والنازيين في المانيا بقيادة هتلر كلها نهايتها كان الفشل لتجاوزهم الواقع ومحاولة قفذهم علي الحقائق . علي هذه التيارات والمجموعات من قوي الاسلام السياسي أن تقراء واقع الحقائق والمعطيات جيداً وتعلي من إحترام التنوع والتباين الثقافي والديني واللغوي وان تتعامل معه كحقيقة وواقع وليس استعياب وإعادة انتاج داخل الحقل وان يتنزل ذلك في برامج وسياسات ومشاريع سياسية حقيقية فهذا أفيد لهم وللشعب السوداني واعتقد ان السودانيين تجربة ربع قرن من الزمان مع الإسلاميين علمتهم من هم الحركة الإسلامية وما مشروعها ، فالقيم الانسانية المشتركة ومواثيق حقوق الانسان هي الماركة العالمية المسجلة والرابحة ، هذه التيارات مطالبة بأحداث قطيعة فكرية ومعرفية مع مشاريعها الفكرية حتي تحدث نقلة نوعية داخل منظوماتها بدلاً عن هذا التوهان والتخبط الذي تعيشه من الحنين الي الماضي والحلم بنموذج لا يمكن تحقيقه ، فانتقاد المواقف السياسية للمؤتمر الوطني من قبل هذه التيارات وحده غير كافي ننتظر خطوات و مراجعات حقيقية حول الكثير من القضايا الرئيسية تتعلق المواطنة وغيرها من القضايا الرئيسية والاستراتيجية لا يمكن للشعب السوداني ان يقبل ان يكون حقل تجربة اخري لمشروع حركة إسلامية مغامرة بعد هذه التجربة المريرة ولا اعتقد ان هذا قد يحدث . [email protected]