شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    مانشستر سيتي يستهل مونديال الأندية بالفوز على الوداد المغربي بهدفين دون مقابل    وزارة الصحة تستقبل طائرة مساعدات إنسانية وطبية تركية تبلغ 37 طناً لمكافحة الكوليرا    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    تقرير أممي: الجيش مسؤول عن الجرائم وتدهور الوضع الإنساني في السودان    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    كامل إدريس يؤكد عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين السودان والكويت    "الدعم السريع" تبسط سيطرتها الكاملة على قاعدة الشفرليت العسكرية    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    عودة الحياة لاستاد عطبرة    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسباب إنخفاض الدولار مقابل الجنيه (2/3)
نشر في الراكوبة يوم 21 - 11 - 2014

قلنا في الحلقة السابقة أن الطلب الحقيقي علي الدولار و غيره من العملات الصعبة يتمثل في طلب المستوردين أو الذين يحتاجون الدولار و العملات الصعبة الأخري لغرض استكمال عمليات الإستيراد سواء كانت جهات حكومية و شبه حكومية أو قطاع خاص أو أفراد. فبينما كان سعر الشراء المفرق في السوق الأسود من تجار العملة يتم بمعدلات منخفضة و صلت إلي 8.8 جنيه للدولار الواحد فقد بلغ سعر البيع للمستوردين أو الطالبين الحقيقيين (النهائيين) للدولار حوالي 9.8 جنيه للدولار (كما جاء في موقع صحيفة التيار الصفحة الإقتصادية بتاريخ 13/10/2014م عن بكري الخليفة). و هذا أمر طبيعي لأن السوق السوداء بطبيعتها تنشأ دائما عندما يكون هنالك فائضا في الطلب أي أن المعروض من الدولار و غيره من العملات الصعبة عبر القنوات الرسمية أقل من المطلوب منها مما يضطر المنتجين و المستوردين اللجوء للقنوات غير الرسمية لتوفير إحتياجاتهم من العملة الصعبة و بالتالي فإن أي حديث عن إنخفاض الطلب علي الدولار يصبح إفتراض غير منطقي يضحضه الوجود الفعلي الماثل أمام الجميع للسوق السوداء و تَحَكُمِها في تجارة العملات الصعبة و قدرتها علي امتصاص أي كمية يضخها البنك المركزي داخل القنوات الرسمية باعتبار أن السوق السوداء في حقيقة الأمر تحركها و تديرها مافيا و قوي متنفذة تتربع علي قمة هرم السلطة تمتهن هذه التجارة الفاسدة و تعتبرها مصدرا سهلا للثراء لا يمكن أن تفرط فيه تحت أي ظرف من الظروف و هي تعلم ببواطن الأمور و تعرف ما لدي الدولة و ما عليها و تعرف أزماتها و إحتياجاتها و بالتالي فهي تتحكم في طلب الدولار و عرضه حسب توقعاتها المؤكدة النابعة أصلا من علمها بما يدور في دهاليز الدولة.
و عادة ما تظهر السوق السوداء في الإقتصاديات المستقرة نتيجة تدخل الدولة بقرار إداري من البنك المركزي بتحديد السعر الرسمي للدولار مثلا بأقل من سعره التوازني البحت الناتج عن التفاعل الطبيعي لقوي العرض و الطلب و تصبح بالتالي عملية محاربة السوق السوداء عملية سهلة قد تختفي بمجرد التراجع عن القرار. أما في الإقتصاديات المتدنية أو المنهارة كحالة بلادنا فإن تحديد سعر الدولار بأقل من قيمته التوازنية في ظل إقتصاد يعاني اختلالات هيكلية إنهارت معها كل مصادر العملات الصعبة لن يؤدي إلا إلي اتساع السوق السوداء و زيادة قوتها و قدرتها علي استهداف القنوات الرسمية ذاتها كمصدر لتزويدها بالدولار و هذا ما يفسره أن أي دولار يضخه البنك المركزي في الجهاز المصرفي (بنوك و صرافات) لا يعود إلي البنوك و الصرافات و ينتهي به المآل لتجار السوق السوداء. و هذه العملية في تقديرنا لا تتم عبطا و إنما بتخطيط محكم من المتنفذين المتحكمين في السوق السوداء و يحققون منها أرباحا لا طائل لها. فمصادر العملة الصعبة الطبيعية المتمثلة في الصادرات من السلع والخدمات، الحوالات المالية الداخلة (الواردة)، القروض الخارجية المسحوبة، الإستثمارات الأجنبية في الداخل، التحويلات الإدخارية للمغتربين، حقوق السحب الخاصة كلها منهارة علي عقبيها تشكو دود الأرض و يكشف حالها ميزان المدفوعات الذي ظل يسجل عجزا متواصلا طوال السنوات الماضية حيث سجل الحساب الجاري عجزا في الربع الثاني من عام 2014م قدره 765 مليون دولار مقارنة بعجز قدره 566.7 مليون دولار في الربع الأول من نفس العام و عجز قدره 1429.2 مليون دولار في الربع المقابل من عام 2013م كما سجل الميزان التجاري عجزا في الربع الثاني من عام 2014 قدره 140.2 مليون دولار و سجل صافي حساب الخدمات والدخل والتحويلات عجزاً قدره 624.8 مليون في الربع الثاني من العام 2014م مقارنة بعجز قدره 591.7 مليون دولار في الربع الأول من نفس العام و عجزا قدره 742.4 مليون دولار في الربع المقابل من عام 2013م. و أظهر الحساب المالي والرأسمالي صافي تدفق للداخل قدره 674.8 مليون في الربع الثاني من عام 2014م مقارنة ب 1093.5 مليون دولار في الربع الأول من نفس العام و 1257 مليون دولار في الربع المقابل من عام 2013م و نتيجة لكل تلك الحركات انخفضت الإحتياطيات الرسمية من العملات القابلة للتحويل بمبلق قدره 2.7 مليون دولار (حسبما جاء في الملخص الإقتصادي "الصفحة الخامسة و السادسة" من العرض الإقتصادي و المالي للفترة يناير/يونيو 2014م الصادر عن البنك المركزي و المنشور في موقعه علي الإنترنت). و من المعروف أن ميزان المدفوعات يعتبر من المقاييس الرئيسية لمدي توافر العملات الصعبة كونه يعبر عن جميع العمليات التجارية بين سكان أي دولة والعالم الخارجي و هو يتكون من:
أولا: الحساب الجاري (الميزان الجاري) و الذي يتكون بدوره من:
الميزان التجاري: وهو عبارة عن صافي الصادرات السلعية أي الصادرات ناقصا منها الواردات. فكلما زادت الصادرات عن الواردات كلما كان الميزان دائنا أو فائضا و العكس صحيح.
ميزان السلع والخدمات: ويشمل الميزان التجاري مضافا إليه الخدمات من نقل وسياحة وتأمين وخدمات بنكية.
صافي الحوالات بدون مقابل: جميع الحوالات الخاصة المتمثلة في الحوالات الداخلة كتحويلات المغتربين علي سبيل المثال أو الخارجة المتمثلة في تحويلات الوافدين المقيمن داخل البلد للخارج مثل البعثات الدبلوماسية الأجنبية و تحويلات العمالة الأجنبية للخارج أو الحوالات الحكومية بدون مقابل الخارجة أو الداخلة المتمثلة في تحويل الحكومة للبعثات الدبلوماسية أو للوفود الرسمية للخارج.
ثانيا: الميزان الرأسمالي: ويشمل صافي الاستثمارات المباشرة من شراء العقارات وبناء المصانع والاستثمارات المالية والموجودات الرأسمالية فكلما كانت الإستثمارات في الخارج أعلي من الإستثمارات الداخلة كلما سجلت إحتياطيات الدولة من النقد الأجنبي فائضا و العكس صحيح. نشير هنا إلي أن بيانات البنك المركزي غير دقيقة في إحصائيات هذا البند بإعتبار أن الكثير من استثمارات السودانيين في الخارج و شرائهم للعقارات تتم خارج القنوات الرسمية فحجم العقارات و الشركات و الاستثمارات التي تمتلكها مافيا الطغمة الفاسدة في دبي و ماليزيا و تركيا و إندونيسا و غيرها كلها تمت خارج القنوات الرسمية و لذلك فهي لم تظهر في ميزان المدفوعات و لعل المقصود من إخفائها تحقيق فائض في هذا البند ليس إلا.
ثالثا: القطاع النقدي (الاحتياطات): ويشمل صافي موجودات البنك المركزي والبنوك التجارية والمؤسسات المالية من الاحتياطات فكلما كانت إحتياطيات الدولة من النقد الأجنبي في الخارج أعلي منها في الداخل كلما زادت قدرة البلد للتبادل التجاري مع مختلف دول العالم و بالتالي كلما كان ذلك في صالح ميزان المدفوعات.
وجود السوق السوداء كجهة وسيطة غير رسمية متحكمة و مهيمنة علي سوق الدولار و غيره من العملات الصعبة يخلق نوعين من الطلب:
الأول: يتمثل في طلب تجار العملة (سماسرة السوق السوداء) علي الدولار و هذا النوع من الطلب الوسيط يمكن توصيفه بأنه أقرب ما يكون للطلب تام المرونة (و إن كان لا ينطبق عليه هذا المصطلح بنسبة 100%) باعتبار أن الطلب تام المرونة يعني أن الأفراد يشترون كميات غير محدودة من السلعة رغم ثبات سعرها, فالمنتج علي سبيل المثال يستطيع بيع أي كمية من السلعة التي ينتجها عند السعر 6 دولار أما إذا رفع سعره عن 6 دولار فلا أحد يشتري منه. هذه الحالة تنطبق علي تجار العملة باعتبارهم يمثلون جانب الطلب أو المشتري في هذه الحالة فطلبهم علي الدولار الذي يجمعونه من المغتربين و الوافدين الأجانب بكميات قليلة مفرقة تتراكم علي المدي الطويل طلب دائم لا ينقطع يتخذ شكلا أفقيا كمنحني الطلب تام المرونة و هم دائما علي استعداد للشراء بالسعر الذي يفرضونه فالمرونة هنا تساوي ما لا نهاية. بمعني أن المغترب أو الوافد لا قوة له في فرض سعر البيع الذي يرغب فيه و بكل بساطة يقال له (يفتح الله) إذا حاول رفع سعره. هذا النوع من الطلب لا تأثير له علي سعر الدولار باعتبار أن تاجر العملة هو الذي يحدد السعر فضلا عن أن عملية التجميع تأخذ وقتا طويلا متفرقا تحرص فيه مافيا السوق السوداء توسيع شبكتها في الخارج عبر سماسرة غير رسميين لاستلام الدولار في الخارج و تسليم أهالي المغتربين في الداخل و تحويلها لحسابات تجار العملة في الخارج و هي شبكة أنشط من شبكة تجميع الدولار من المغتربين العائدين للإجازات في الداخل فلم يعد هنالك مغتربا يحوِّل عن طريق البنك.
الثاني: طلب المنتجين و المستوردين و المسافرين للسياحة و العلاج و الدراسة و كذلك طلب الحكومة نفسها علي الدولار لأغراض إستيراد آلة الحرب و القمع و مخصصات الوفود و البعثات فهو علي عكس طلب مافيا السوق السوداء طلب عديم المراونة يتخذ منحناه شكلا رأسيا أي أن مرونته تساوي صفرا و ذلك لأن طالبي الدولار المذكورين أعلاه لا يستطيعون فرض أو تحديد سعر الدولار و هم دائما مضطرين لقبول السعر الذي يفرضه تاجر العملة. و حتي المستوردين الذين حاولوا و لا زالوا يحاولون تجميع الدولار مباشرة من المغتربين و الوافدين و غيرهم كانت و لا زالت مشكلة نقص السيولة تقف عقبة أمامهم فدورة التشغيل لديهم سواء كانوا أصحاب مصانع أو تجار تعتبر طويلة لا تقل في أغلب الأحيان عن تسعة أشهر علي الأقل فعملية الإستيراد و شحن و وصول البضائع أو مدخلات الإنتاج المستوردة تكتمل خلال ثلاثة أشهر علي أقل تقدير و عملية التخليص و التخزين لا تقل عن شهر و عملية التوزيع تأخذ أيضا فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر نسبة لضعف متوسط دخل الفرد و تفشي العطالة و بالتالي إنخفاض القوة الشرائية ثم بعد ذلك تستغرق عملية تحصيل مستحقات البيع الآجل أيضا فنرة لا تقل عن شهران حتي تتوافر لديهم السيولة من العملة المحلية ليقوموا بعد ذلك رحلة البحث المضنية للحصول علي الدولار. و لتعويض الخسارة الناتجة عن تناقص القيمة الحقيقية للعملة المحلية (أي قوتها الشرائية) خلال فترة دوراتهم التشغيلية الطويلة فهم يضطرون لزيادة أسعار منتجاتهم و وارداتهم في الدورة التشغيلية التالية و النتيجة هي مضاعفة أسعار السلع و الخدمات التي يتحملها المواطن البسيط المغلوب علي أمره و التي ترتفع تبعا لهذه الدورة المعقدة كل تسعة أشهر (مع افتراض ثبات العوامل الأخري). و بالتالي فإن عملية إنخفاض سعر الدولار تكون محصورة فقط خلال فترة الطلب الوسيط للحصول علي الدولار بأسعار متدنية و الذي يتحكم فيه تجار العملة الذين تتوافر لديهم السيولة باستمرار لامتصاص أي كمية من الدولارات و تُفتح أمامهم خزائن كبار مافيا المتنفذين من الطغمة الفاسدة و خزائن البنوك التجارية عبر عمليات التورق و البيوع الصورية التي تمارسها البنوك التجارية علي نطاق واسع في بلادنا.
و بنفس المستوي فإن عملية عرض الدولار للمستوردين و طالبيه النهائيين يتحكم فيها تجار العملة أيضا و هم علي علم تام ببواطن الأمور و يعرفون مدي إحتياجات الدولة و غيرها من المستوردين للدولار. فهم يعلمون أن قطاع السكر و غيره من الصناعات تبدأ دورتها الإنتاجية في نوفمبر من كل عام و يعلمون أن الحكومة تواجه أزمة حادة في توفير الدقيق و أن معظم تجار المحاصيل ليس لديهم سيولة و ينتظرون نهاية الحصاد و أن الحكومة تواجه حاليا مشكلة كبيرة في استيراد القمح لعدم قدرتها علي توفير العملة الصعبة لشركة دال لاستيراد القمح نيابة عنها كما يتم كل مرة (تحت فرية المقاطعة برغم أن القمح لا يدخل ضمن السلع التي تشملها المقاطعة و يمكن لوزارة التجارة استيراده مباشرة كما كان يحدث في السابق) و فشل شركة دال عن طريقها مباشرة أو عن طريق شركات الوساطة العاملة في مجال سمسرة ترتيب التمويل المملوكة للمتنفذين من العصبة الفاسدة في الخارج في الحصول علي تمويل من البنوك الخليجية مقابل خطاب ضمان من بنك السودان كما كان يحدث دائما (و يؤدي إلي وصول القمح في نهاية الأمر بأسعار مرتفعة يتحملها المواطن لوحده دون سواه) و لعل الخبر الذي نشرته الراكوبة بتاريخ 13/11/2014م نقلا عن الميدان بعنوان (الحكومة فتحت بنك السودان ليلاً لتسديد مستحقات احد اهم تجار القمح والدقيق) يكشف حجم الأزمة و حجم الضغوط التي تمارسها الحكومة علي شركة دال لإخراجها من أزمتها الحالية و للوصول إلي تسوية معها يتم من خلالها رفع أسعار الدقيق و بالتالي أسعار الخبز. و لذلك فن الدولار سيواصل إرتفاعه ريثما تمت التسوية بين الطرفين خلال الأيام القليلة القادمة. تجار العملة يعلمون ذلك مسبقا لأنهم جزء من مثل هذه التسويات و لذلك فقد عمدوا إلي تخفيض سعر الشراء في مرحلة الطلب الوسيط ليكونوا مستعدين للإصطياد في المياه العكر في ظل هذه الأزمات و ما تنتهي إليه من تسويات. و بنفس القدر الذي تفرض فيه دال سعر جوال الدقيق الذي يغطي تكاليف إنتاجها و هامش أرباحها سيفرضون هم سعر الدولار الذي يجب ألا يقل عن عشرة جنيه علي أقل تقدير فوق سعر الشراء في مرحلة الطلب الوسيط.
و بالتالي فإن إنخفاض و إرتفاع الدولار تتحكم فيه و تقبض عليه مافيا السوق السوداء بالمقام الأول و الأخير و هي قبضة محكمة يصعب الفكاك منها في ظل السلطة الحالية. و أي تفسير آخر لإنخفاض سعر الدولار غير ذلك في تقديرنا لا يؤدي إلا إلي مساعدة الطغمة الفاسدة في إيجاد مبررات واهية لخداع الناس و تغبيش وعيهم عن الحقائق التي تتم علي أرض الواقع و خاصة التفسيرات التي ربطت بين وقف بعض البنوك الخليجية و الأوروبية التعامل مع البنوك السودانية بسبب المقاطعة و هو ما سبق أن بيناه بالتفصيل في مقال سابق بعنوان (أكاذيب بنك السودان) تجدون رابطه أسفل هذا المقال أرجو قرائته مع هذا المقال لتكتمل الحقائق أمامكم. أما الغرامة التي فرضتها أمريكا علي بنك باريبا الفرنسي (و التي لم ترد في المقال المشار إليه لأنها حدثت بعده) بسبب وجود تعاملات بينه و بين السودان و إيران ليس له علاقة أو تأثير علي إنخفاض أو ارتفاع سعر الدولار و إنما له علاقة بموضوع آخر يتعلق بتبييض الأموال و تمويل الإرهاب.
و في الختام تبقي الإختلالات الهيكلية في بنية اقتصاد بلادنا و إنهيار كل مصادر توفير الدولار بالطرق المشروعة المتعارف عليها و فساد الحكام و ارتباطهم بمافيا تجارة العملة و اكتناز الذهب و الفضة و العملات الصعبة و التوسع في طباعة النقود من العملة المحلية لتلبية منصرفاتهم البذخية بغير حساب علي المطايب و النعيم هي الأسباب الحقيقية في إرتفاع الدولار و ارتفاع معدلات التضخم و أي إنخفاض في سعر الدولار هو إنخفاض عابر يتم دائما بإرادة مافيا تجارة العملة نفسها دون سواها.
في الحلقة الأخيرة القادمة سنعود للتاريخ الإسلامي لنري ماذا يحدثنا المقريزي عن أسباب التضخم (الغلاء) و تدهور قيمة العملة و يحدثنا بن خلدون عن أسباب إنهيار الحضارات و عن وصفته الشافية للتنمية و الإزدهار و أين تقف الطغمة الفاسدة بأكذوبة مشروعها الحضاري من هذه الوصفة و هذا التراث الخالد الذي من المفترض أن تستمد منه الدروس و العبر فتابعونا.
يقرأ مع :
أكاذيب بنك السودان
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.