إسحق أحمد فضل الله يكتب: (تعليل. ما يجري)    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    يرافقه وزير الصحة.. إبراهيم جابر يشهد احتفالات جامعة العلوم الصحية بعودة الدراسة واستقبال الطلاب الجدد    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسباب إنخفاض الدولار مقابل الجنيه (2/3)
نشر في الراكوبة يوم 21 - 11 - 2014

قلنا في الحلقة السابقة أن الطلب الحقيقي علي الدولار و غيره من العملات الصعبة يتمثل في طلب المستوردين أو الذين يحتاجون الدولار و العملات الصعبة الأخري لغرض استكمال عمليات الإستيراد سواء كانت جهات حكومية و شبه حكومية أو قطاع خاص أو أفراد. فبينما كان سعر الشراء المفرق في السوق الأسود من تجار العملة يتم بمعدلات منخفضة و صلت إلي 8.8 جنيه للدولار الواحد فقد بلغ سعر البيع للمستوردين أو الطالبين الحقيقيين (النهائيين) للدولار حوالي 9.8 جنيه للدولار (كما جاء في موقع صحيفة التيار الصفحة الإقتصادية بتاريخ 13/10/2014م عن بكري الخليفة). و هذا أمر طبيعي لأن السوق السوداء بطبيعتها تنشأ دائما عندما يكون هنالك فائضا في الطلب أي أن المعروض من الدولار و غيره من العملات الصعبة عبر القنوات الرسمية أقل من المطلوب منها مما يضطر المنتجين و المستوردين اللجوء للقنوات غير الرسمية لتوفير إحتياجاتهم من العملة الصعبة و بالتالي فإن أي حديث عن إنخفاض الطلب علي الدولار يصبح إفتراض غير منطقي يضحضه الوجود الفعلي الماثل أمام الجميع للسوق السوداء و تَحَكُمِها في تجارة العملات الصعبة و قدرتها علي امتصاص أي كمية يضخها البنك المركزي داخل القنوات الرسمية باعتبار أن السوق السوداء في حقيقة الأمر تحركها و تديرها مافيا و قوي متنفذة تتربع علي قمة هرم السلطة تمتهن هذه التجارة الفاسدة و تعتبرها مصدرا سهلا للثراء لا يمكن أن تفرط فيه تحت أي ظرف من الظروف و هي تعلم ببواطن الأمور و تعرف ما لدي الدولة و ما عليها و تعرف أزماتها و إحتياجاتها و بالتالي فهي تتحكم في طلب الدولار و عرضه حسب توقعاتها المؤكدة النابعة أصلا من علمها بما يدور في دهاليز الدولة.
و عادة ما تظهر السوق السوداء في الإقتصاديات المستقرة نتيجة تدخل الدولة بقرار إداري من البنك المركزي بتحديد السعر الرسمي للدولار مثلا بأقل من سعره التوازني البحت الناتج عن التفاعل الطبيعي لقوي العرض و الطلب و تصبح بالتالي عملية محاربة السوق السوداء عملية سهلة قد تختفي بمجرد التراجع عن القرار. أما في الإقتصاديات المتدنية أو المنهارة كحالة بلادنا فإن تحديد سعر الدولار بأقل من قيمته التوازنية في ظل إقتصاد يعاني اختلالات هيكلية إنهارت معها كل مصادر العملات الصعبة لن يؤدي إلا إلي اتساع السوق السوداء و زيادة قوتها و قدرتها علي استهداف القنوات الرسمية ذاتها كمصدر لتزويدها بالدولار و هذا ما يفسره أن أي دولار يضخه البنك المركزي في الجهاز المصرفي (بنوك و صرافات) لا يعود إلي البنوك و الصرافات و ينتهي به المآل لتجار السوق السوداء. و هذه العملية في تقديرنا لا تتم عبطا و إنما بتخطيط محكم من المتنفذين المتحكمين في السوق السوداء و يحققون منها أرباحا لا طائل لها. فمصادر العملة الصعبة الطبيعية المتمثلة في الصادرات من السلع والخدمات، الحوالات المالية الداخلة (الواردة)، القروض الخارجية المسحوبة، الإستثمارات الأجنبية في الداخل، التحويلات الإدخارية للمغتربين، حقوق السحب الخاصة كلها منهارة علي عقبيها تشكو دود الأرض و يكشف حالها ميزان المدفوعات الذي ظل يسجل عجزا متواصلا طوال السنوات الماضية حيث سجل الحساب الجاري عجزا في الربع الثاني من عام 2014م قدره 765 مليون دولار مقارنة بعجز قدره 566.7 مليون دولار في الربع الأول من نفس العام و عجز قدره 1429.2 مليون دولار في الربع المقابل من عام 2013م كما سجل الميزان التجاري عجزا في الربع الثاني من عام 2014 قدره 140.2 مليون دولار و سجل صافي حساب الخدمات والدخل والتحويلات عجزاً قدره 624.8 مليون في الربع الثاني من العام 2014م مقارنة بعجز قدره 591.7 مليون دولار في الربع الأول من نفس العام و عجزا قدره 742.4 مليون دولار في الربع المقابل من عام 2013م. و أظهر الحساب المالي والرأسمالي صافي تدفق للداخل قدره 674.8 مليون في الربع الثاني من عام 2014م مقارنة ب 1093.5 مليون دولار في الربع الأول من نفس العام و 1257 مليون دولار في الربع المقابل من عام 2013م و نتيجة لكل تلك الحركات انخفضت الإحتياطيات الرسمية من العملات القابلة للتحويل بمبلق قدره 2.7 مليون دولار (حسبما جاء في الملخص الإقتصادي "الصفحة الخامسة و السادسة" من العرض الإقتصادي و المالي للفترة يناير/يونيو 2014م الصادر عن البنك المركزي و المنشور في موقعه علي الإنترنت). و من المعروف أن ميزان المدفوعات يعتبر من المقاييس الرئيسية لمدي توافر العملات الصعبة كونه يعبر عن جميع العمليات التجارية بين سكان أي دولة والعالم الخارجي و هو يتكون من:
أولا: الحساب الجاري (الميزان الجاري) و الذي يتكون بدوره من:
الميزان التجاري: وهو عبارة عن صافي الصادرات السلعية أي الصادرات ناقصا منها الواردات. فكلما زادت الصادرات عن الواردات كلما كان الميزان دائنا أو فائضا و العكس صحيح.
ميزان السلع والخدمات: ويشمل الميزان التجاري مضافا إليه الخدمات من نقل وسياحة وتأمين وخدمات بنكية.
صافي الحوالات بدون مقابل: جميع الحوالات الخاصة المتمثلة في الحوالات الداخلة كتحويلات المغتربين علي سبيل المثال أو الخارجة المتمثلة في تحويلات الوافدين المقيمن داخل البلد للخارج مثل البعثات الدبلوماسية الأجنبية و تحويلات العمالة الأجنبية للخارج أو الحوالات الحكومية بدون مقابل الخارجة أو الداخلة المتمثلة في تحويل الحكومة للبعثات الدبلوماسية أو للوفود الرسمية للخارج.
ثانيا: الميزان الرأسمالي: ويشمل صافي الاستثمارات المباشرة من شراء العقارات وبناء المصانع والاستثمارات المالية والموجودات الرأسمالية فكلما كانت الإستثمارات في الخارج أعلي من الإستثمارات الداخلة كلما سجلت إحتياطيات الدولة من النقد الأجنبي فائضا و العكس صحيح. نشير هنا إلي أن بيانات البنك المركزي غير دقيقة في إحصائيات هذا البند بإعتبار أن الكثير من استثمارات السودانيين في الخارج و شرائهم للعقارات تتم خارج القنوات الرسمية فحجم العقارات و الشركات و الاستثمارات التي تمتلكها مافيا الطغمة الفاسدة في دبي و ماليزيا و تركيا و إندونيسا و غيرها كلها تمت خارج القنوات الرسمية و لذلك فهي لم تظهر في ميزان المدفوعات و لعل المقصود من إخفائها تحقيق فائض في هذا البند ليس إلا.
ثالثا: القطاع النقدي (الاحتياطات): ويشمل صافي موجودات البنك المركزي والبنوك التجارية والمؤسسات المالية من الاحتياطات فكلما كانت إحتياطيات الدولة من النقد الأجنبي في الخارج أعلي منها في الداخل كلما زادت قدرة البلد للتبادل التجاري مع مختلف دول العالم و بالتالي كلما كان ذلك في صالح ميزان المدفوعات.
وجود السوق السوداء كجهة وسيطة غير رسمية متحكمة و مهيمنة علي سوق الدولار و غيره من العملات الصعبة يخلق نوعين من الطلب:
الأول: يتمثل في طلب تجار العملة (سماسرة السوق السوداء) علي الدولار و هذا النوع من الطلب الوسيط يمكن توصيفه بأنه أقرب ما يكون للطلب تام المرونة (و إن كان لا ينطبق عليه هذا المصطلح بنسبة 100%) باعتبار أن الطلب تام المرونة يعني أن الأفراد يشترون كميات غير محدودة من السلعة رغم ثبات سعرها, فالمنتج علي سبيل المثال يستطيع بيع أي كمية من السلعة التي ينتجها عند السعر 6 دولار أما إذا رفع سعره عن 6 دولار فلا أحد يشتري منه. هذه الحالة تنطبق علي تجار العملة باعتبارهم يمثلون جانب الطلب أو المشتري في هذه الحالة فطلبهم علي الدولار الذي يجمعونه من المغتربين و الوافدين الأجانب بكميات قليلة مفرقة تتراكم علي المدي الطويل طلب دائم لا ينقطع يتخذ شكلا أفقيا كمنحني الطلب تام المرونة و هم دائما علي استعداد للشراء بالسعر الذي يفرضونه فالمرونة هنا تساوي ما لا نهاية. بمعني أن المغترب أو الوافد لا قوة له في فرض سعر البيع الذي يرغب فيه و بكل بساطة يقال له (يفتح الله) إذا حاول رفع سعره. هذا النوع من الطلب لا تأثير له علي سعر الدولار باعتبار أن تاجر العملة هو الذي يحدد السعر فضلا عن أن عملية التجميع تأخذ وقتا طويلا متفرقا تحرص فيه مافيا السوق السوداء توسيع شبكتها في الخارج عبر سماسرة غير رسميين لاستلام الدولار في الخارج و تسليم أهالي المغتربين في الداخل و تحويلها لحسابات تجار العملة في الخارج و هي شبكة أنشط من شبكة تجميع الدولار من المغتربين العائدين للإجازات في الداخل فلم يعد هنالك مغتربا يحوِّل عن طريق البنك.
الثاني: طلب المنتجين و المستوردين و المسافرين للسياحة و العلاج و الدراسة و كذلك طلب الحكومة نفسها علي الدولار لأغراض إستيراد آلة الحرب و القمع و مخصصات الوفود و البعثات فهو علي عكس طلب مافيا السوق السوداء طلب عديم المراونة يتخذ منحناه شكلا رأسيا أي أن مرونته تساوي صفرا و ذلك لأن طالبي الدولار المذكورين أعلاه لا يستطيعون فرض أو تحديد سعر الدولار و هم دائما مضطرين لقبول السعر الذي يفرضه تاجر العملة. و حتي المستوردين الذين حاولوا و لا زالوا يحاولون تجميع الدولار مباشرة من المغتربين و الوافدين و غيرهم كانت و لا زالت مشكلة نقص السيولة تقف عقبة أمامهم فدورة التشغيل لديهم سواء كانوا أصحاب مصانع أو تجار تعتبر طويلة لا تقل في أغلب الأحيان عن تسعة أشهر علي الأقل فعملية الإستيراد و شحن و وصول البضائع أو مدخلات الإنتاج المستوردة تكتمل خلال ثلاثة أشهر علي أقل تقدير و عملية التخليص و التخزين لا تقل عن شهر و عملية التوزيع تأخذ أيضا فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر نسبة لضعف متوسط دخل الفرد و تفشي العطالة و بالتالي إنخفاض القوة الشرائية ثم بعد ذلك تستغرق عملية تحصيل مستحقات البيع الآجل أيضا فنرة لا تقل عن شهران حتي تتوافر لديهم السيولة من العملة المحلية ليقوموا بعد ذلك رحلة البحث المضنية للحصول علي الدولار. و لتعويض الخسارة الناتجة عن تناقص القيمة الحقيقية للعملة المحلية (أي قوتها الشرائية) خلال فترة دوراتهم التشغيلية الطويلة فهم يضطرون لزيادة أسعار منتجاتهم و وارداتهم في الدورة التشغيلية التالية و النتيجة هي مضاعفة أسعار السلع و الخدمات التي يتحملها المواطن البسيط المغلوب علي أمره و التي ترتفع تبعا لهذه الدورة المعقدة كل تسعة أشهر (مع افتراض ثبات العوامل الأخري). و بالتالي فإن عملية إنخفاض سعر الدولار تكون محصورة فقط خلال فترة الطلب الوسيط للحصول علي الدولار بأسعار متدنية و الذي يتحكم فيه تجار العملة الذين تتوافر لديهم السيولة باستمرار لامتصاص أي كمية من الدولارات و تُفتح أمامهم خزائن كبار مافيا المتنفذين من الطغمة الفاسدة و خزائن البنوك التجارية عبر عمليات التورق و البيوع الصورية التي تمارسها البنوك التجارية علي نطاق واسع في بلادنا.
و بنفس المستوي فإن عملية عرض الدولار للمستوردين و طالبيه النهائيين يتحكم فيها تجار العملة أيضا و هم علي علم تام ببواطن الأمور و يعرفون مدي إحتياجات الدولة و غيرها من المستوردين للدولار. فهم يعلمون أن قطاع السكر و غيره من الصناعات تبدأ دورتها الإنتاجية في نوفمبر من كل عام و يعلمون أن الحكومة تواجه أزمة حادة في توفير الدقيق و أن معظم تجار المحاصيل ليس لديهم سيولة و ينتظرون نهاية الحصاد و أن الحكومة تواجه حاليا مشكلة كبيرة في استيراد القمح لعدم قدرتها علي توفير العملة الصعبة لشركة دال لاستيراد القمح نيابة عنها كما يتم كل مرة (تحت فرية المقاطعة برغم أن القمح لا يدخل ضمن السلع التي تشملها المقاطعة و يمكن لوزارة التجارة استيراده مباشرة كما كان يحدث في السابق) و فشل شركة دال عن طريقها مباشرة أو عن طريق شركات الوساطة العاملة في مجال سمسرة ترتيب التمويل المملوكة للمتنفذين من العصبة الفاسدة في الخارج في الحصول علي تمويل من البنوك الخليجية مقابل خطاب ضمان من بنك السودان كما كان يحدث دائما (و يؤدي إلي وصول القمح في نهاية الأمر بأسعار مرتفعة يتحملها المواطن لوحده دون سواه) و لعل الخبر الذي نشرته الراكوبة بتاريخ 13/11/2014م نقلا عن الميدان بعنوان (الحكومة فتحت بنك السودان ليلاً لتسديد مستحقات احد اهم تجار القمح والدقيق) يكشف حجم الأزمة و حجم الضغوط التي تمارسها الحكومة علي شركة دال لإخراجها من أزمتها الحالية و للوصول إلي تسوية معها يتم من خلالها رفع أسعار الدقيق و بالتالي أسعار الخبز. و لذلك فن الدولار سيواصل إرتفاعه ريثما تمت التسوية بين الطرفين خلال الأيام القليلة القادمة. تجار العملة يعلمون ذلك مسبقا لأنهم جزء من مثل هذه التسويات و لذلك فقد عمدوا إلي تخفيض سعر الشراء في مرحلة الطلب الوسيط ليكونوا مستعدين للإصطياد في المياه العكر في ظل هذه الأزمات و ما تنتهي إليه من تسويات. و بنفس القدر الذي تفرض فيه دال سعر جوال الدقيق الذي يغطي تكاليف إنتاجها و هامش أرباحها سيفرضون هم سعر الدولار الذي يجب ألا يقل عن عشرة جنيه علي أقل تقدير فوق سعر الشراء في مرحلة الطلب الوسيط.
و بالتالي فإن إنخفاض و إرتفاع الدولار تتحكم فيه و تقبض عليه مافيا السوق السوداء بالمقام الأول و الأخير و هي قبضة محكمة يصعب الفكاك منها في ظل السلطة الحالية. و أي تفسير آخر لإنخفاض سعر الدولار غير ذلك في تقديرنا لا يؤدي إلا إلي مساعدة الطغمة الفاسدة في إيجاد مبررات واهية لخداع الناس و تغبيش وعيهم عن الحقائق التي تتم علي أرض الواقع و خاصة التفسيرات التي ربطت بين وقف بعض البنوك الخليجية و الأوروبية التعامل مع البنوك السودانية بسبب المقاطعة و هو ما سبق أن بيناه بالتفصيل في مقال سابق بعنوان (أكاذيب بنك السودان) تجدون رابطه أسفل هذا المقال أرجو قرائته مع هذا المقال لتكتمل الحقائق أمامكم. أما الغرامة التي فرضتها أمريكا علي بنك باريبا الفرنسي (و التي لم ترد في المقال المشار إليه لأنها حدثت بعده) بسبب وجود تعاملات بينه و بين السودان و إيران ليس له علاقة أو تأثير علي إنخفاض أو ارتفاع سعر الدولار و إنما له علاقة بموضوع آخر يتعلق بتبييض الأموال و تمويل الإرهاب.
و في الختام تبقي الإختلالات الهيكلية في بنية اقتصاد بلادنا و إنهيار كل مصادر توفير الدولار بالطرق المشروعة المتعارف عليها و فساد الحكام و ارتباطهم بمافيا تجارة العملة و اكتناز الذهب و الفضة و العملات الصعبة و التوسع في طباعة النقود من العملة المحلية لتلبية منصرفاتهم البذخية بغير حساب علي المطايب و النعيم هي الأسباب الحقيقية في إرتفاع الدولار و ارتفاع معدلات التضخم و أي إنخفاض في سعر الدولار هو إنخفاض عابر يتم دائما بإرادة مافيا تجارة العملة نفسها دون سواها.
في الحلقة الأخيرة القادمة سنعود للتاريخ الإسلامي لنري ماذا يحدثنا المقريزي عن أسباب التضخم (الغلاء) و تدهور قيمة العملة و يحدثنا بن خلدون عن أسباب إنهيار الحضارات و عن وصفته الشافية للتنمية و الإزدهار و أين تقف الطغمة الفاسدة بأكذوبة مشروعها الحضاري من هذه الوصفة و هذا التراث الخالد الذي من المفترض أن تستمد منه الدروس و العبر فتابعونا.
يقرأ مع :
أكاذيب بنك السودان
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.