إبان الحروب الدائرة بين مكوك الجعليين من طرف، وملوك السلطنة الزرقاء من جهة أخرى، وثورة الحكم التركي المصري ومحاولة استرداد الأراضي المتنازع عليها وطرد الأتراك والمصريين من البلاد الواقعة في قبضتهم في الجهة الشرقية والغربية لنهر الاتبراوي وصولاً إلى التاكا وكرن وما تاخمهما من قرى حولها، وما أدت إليه تلك المعارك المستمرة بين كافة الأطراف من الملك عدلان الثاني والسعداب والنمراب والملك ناصر بن بادي أبوشلوخ في (1175ه/1182ه .. 1763-1669) والملك اسماعيل بن بادي أبوشلوخ شقيق الملك ناصر (1182ه -1191 ه.. 1769-1778م) والملك عدلان الثاني (1191 ه- 1203 ه.. 1778-1789م) وما شهدته تلك الفترة (1763م 1789م) من معارك عنيفة في كافة المناطق وبين عدة أطراف.. أدى إلى استحالة البقاء في مكان واحد فكان نزوح آل القراي وآل الخواض الكبير كما أدى من قبل لزلزلة الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وذروة الجفاف في عدم وجود الماء الكافي للزراعة وتقلبات المناخ عند ذروته إبان هطول الأمطار وفيضان القاش وغيرها من العوامل الطبيعية أدت إلى هجرة أغلب سكان المدن والقرى المنضوية تحت قبضة الطرف القوي... فآل أول الأمر إلى نزوح محمد العجمي راجل التاكا وهو لقب (العجمي لعجمة في لسانه إذ ليس لسان أهل المنطقة التاكا) بين عهدي الملك نايل بن عمارة دنقس (1544م-1555م) والملك عمارة ابو سكيكين (1555-1563) هذا أغلب الظن والملاحظ ان الفترة بين عام (1563-1589م) تم تنصيب ثلاثة من ملوك السلطنة الزرقاء مما يعني عدم استقرار الأوضاع المؤدي إلى الهجرات.. فبذا يمكن أن يرجح سبب عودة محمد القراي إلى منطقة شمال السودان بين الاتبراوي ونهر النيل بين أتبره وكبوشية وديم القراي، هي نفسها الأسباب لعودة محمد القراي الكبير من التاكا إلى كرقوس وديم القراي.. قبل نهاية عهد السلطان طمبل الأول أحد ملوك السلطنة الزرقاء بعامين (1587-1589م) أي في عام 1587م توفى محمد القراي العجمي التاكي (1517-1587م) على وجه التقريب وهي السنة التي عادوا فيها جميعاً من منطقة التاكا إلى الديم إبان فترة أونسة الأول الذي خلف طمبل الأول.. راجع كتاب ملوك السلطنة الزرقاء للأستاذ محمد رحمة الله أحمد – الطبعة الثانية 1981م في إثبات التواريخ.. في عهد حكم الخديوي المصري سعيد باشا ومما ذكره البروفيسور جعفر ميرغني أستاذ حضارة السودان بجامعة الخرطوم وفصوله في جريدة الرأي العام بتاريخ 26 ربيع ثاني 1422ه 6/7/2002 العدد 1756 مما عزا –وعزونا – تاريخ عودة محمد القراي الصغير كان (بسبب الخريف أولاً- فما كاد ينقضي الخريف وأعمال الزراعة من عام 1861م حتى عبر بقواته مخاضات نهر عطبرة وقام بهجوم كبير أواخر نوفمبر من ذات العام وشرع يأخذ عنوة من الاراضي التي استعادتها الحكومة المصرية ما كان يراه حقاً لدولته (أي الملك عمارة) وهكذا اشتدت التخوم على جانبي الحدود بالمعارك والهجمات المرتدة من نوفمبر 1861 وحتى نهاية مايو 1862 حين عاد الاتبراوي يفيض من جديد.. هذا ويبدو أن الأسباب أعلاه منطقية جداً ومتوافقة مع التواتر الزمني لتسلسل الأحداث المذكورة فيكون محمد القراي الصغير قد عاد بين نوفمبر 1861 ومايو 1862م عودة إلى الوراء قليلاً أي عام 1527م على وجه التقريب وليس التدقيق باعتبار تواتر الأجيال كل عشرين سنة فسيكون هو ميلاد الشيخ ابراهيم بن محمد القراي الكبير (1507-1587) والذي توفي على وجه التقريب أيضاً عام 1607 أي عاش حوالي ثمانين سنة.. ويكون قد خبر الحياة يأخذ منها ما أتيح له من حظوظ المعايش مقتدياً بأبيه حتى شب عن الطوق بعد عشرين سنة تقريباً وعاد مع من عاد إلى المنطقة الواقعة بين أتبرة وكبوشية وديم القراي موقع أبيه والقرية الموجودة المعروفة الآن بطريق شندي أي حوالي عام 1542-1544م. وصل الشيخ ابراهيم بن محمد القراي إلى المنطقة الواقعة غرب شندي والتي تعرف منذ ذلك الحين باسم (طيبة الخواض) وهو لقب الشيخ ابراهيم وجاء اللقب لأنه (خاض البحر بي الفروة) في قصة مشهورة كما أكدها واثبتها البروفيسور عون الشريف قاسم في موسوعة القبائل والأنساب في السودان وليس كما ذكرها البروفيسور حسب الرسول الفزاري في كتابه (أم دوم في ذاكرة التاريخ) وهذا ما روته لي الحاجة النعمة بنت العتاق رحمها الله (1909-1996م) والرواية التي ذكرها الفزاري بأنه (خاض البحر بي حمار) وهو خطأ قبيح. ويقال أنه اخذ حفنة من التراب ورفعها إلى أنفه وقال هذه الأرض طيبة أي صالحة للزراعة ورفع أبويه على أرض طيبة الخواض فله نسبت وبها عرفت المنطقة منذ ذلك الحين وكان في عام 1542م هي أول نقطة في بداية التاريخ الحقيقي للمنطقة المذكورة في أواخر عهد الملك عبد القادر بن عمارة دنقس وبداية عهد ولاية أخيه نايل بن عمارة دنقس 1544-1555م -950 ه-962 ه فيكون تاريخها حتى هذه اللحظة أكثر من 558 سنة وبهذا التاريخ الموثوق به إن شاء الله يكون تدوين حوادث المنطقة بكافة مناحي الحياة دون خوف وبتأكيد المراجع والروايات الشفهية المتواترة من أهل المنطقة من أمثال المرحوم الجيلي عبد الرحيم الخواض والنعمة العتاق القراي والوثيقة المتداولة والمعترف بها والمنسوبة إلى محمد عثمان النعيم المعروف بالأموي وغيره من الوثائق فلتراجع ويطمئن إليها وهذه الرواية أيضاً إن شاء الله. مهندس: بدر الدين العتاق