الخرطوم وأنقرة .. من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    مدرب المنتخب السوداني : مباراة غينيا ستكون صعبة    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    شاهد بالفيديو.. "تعب الداية وخسارة السماية" حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي ترد على معلق سخر من إطلالتها قائلاً: "لونك ضرب"    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    الجيش في السودان يصدر بيانًا حول استهداف"حامية"    الجيش السوداني يسترد "الدانكوج" واتهامات للدعم السريع بارتكاب جرائم عرقية    مطار الخرطوم يعود للعمل 5 يناير القادم    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    استقبال رسمي وشعبي لبعثة القوز بدنقلا    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات السودانية الصينية من «فرقة الأكروبات» إلى «سد مروي»
نشر في الراكوبة يوم 21 - 01 - 2015

على قلة استخدامها لحق النقض (فيتو) بشكل عام، ولصالح السودان بشكل خاص، فإن الصين استخدمت هي وروسيا - حق النقض (فيتو) لصالح الحكومة السودانية، لأول مرة، منذ بدء العلاقات السودانية الصينية أبريل (نيسان) 1955.
واعترضت الصين وروسيا نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2014 على مشروع قرار من مجلس الأمن بإدانة السودان لطرده موظفين كبار بالأمم المتحدة، وهو ما يعد عمليا إسقاطا لمشروع القرار، باعتبارهما دولتين تملكان حق النقض (فيتو) داخل المجلس.
واستخدمت الصين غير الميالة لممارسة ال«فيتو» مثل غيرها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، حق النقض لصالح الخرطوم، بعد أن كانت قد اكتفت بالامتناع عن التصويت إبان قرار المجلس بإحالة جرائم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو قرار تبنته 11 دولة وتحفظت عليه دول «الجزائر، والبرازيل، والصين، والولايات المتحدة»، وصدرت بموجب تلك الإحالة مذكرتي قبض بحق الرئيس السوداني عمر البشير، وعدد من معاونيه أبرزهم وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين.
على قلة استخدامها لحق النقض (فيتو) بشكل عام، ولصالح السودان بشكل خاص، فإن الصين استخدمت هي وروسيا - حق النقض (فيتو) لصالح الحكومة السودانية، لأول مرة، منذ بدء العلاقات السودانية الصينية أبريل (نيسان) 1955.
واعترضت الصين وروسيا نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2014 على مشروع قرار من مجلس الأمن بإدانة السودان لطرده موظفين كبار بالأمم المتحدة، وهو ما يعد عمليا إسقاطا لمشروع القرار، باعتبارهما دولتين تملكان حق النقض (فيتو) داخل المجلس.
واستخدمت الصين غير الميالة لممارسة ال«فيتو» مثل غيرها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، حق النقض لصالح الخرطوم، بعد أن كانت قد اكتفت بالامتناع عن التصويت إبان قرار المجلس بإحالة جرائم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو قرار تبنته 11 دولة وتحفظت عليه دول «الجزائر، والبرازيل، والصين، والولايات المتحدة»، وصدرت بموجب تلك الإحالة مذكرتي قبض بحق الرئيس السوداني عمر البشير، وعدد من معاونيه أبرزهم وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين.
واستخدمت الصين حق النقض طوال تاريخها 7 مرات فقط، مرة لإعاقة عضوية «منغوليا» في الأمم المتحدة، ولإعاقة عضوية بنغلاديش، ومع الاتحاد السوفياتي بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، ولإعاقة تمديد تفويض قوات الأمم المتحدة في مقدونيا، ولإعاقة إرسال مراقبين دوليين لغواتيمالا، ومرتين لوقف إدانة النظام السوري، أما المرة السابعة فقد جاءت لمنع إدانة السودان بسبب طرده لموظفي الأمم المتحدة.
ليس هذا الموقف وحده هو الذي يؤكد وضع الصين لثقلها مع الخرطوم، فرغم حجم التبادل التجاري الذي لا يقارن بين الولايات المتحدة والصين، وبينها والسودان، فإن الصين دفعت ثمن العلاقة مع السودان، بمواجهة قرار الكونغرس الأميركي 422 لدفعها لممارسة ضغوط على السودان، لكنها لم تأبه ومضت في إسنادها للسودان.
عسكرياً، فإن الصين وحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية ونزع السلاح، نشره موقع «الجيش العربي» على الإنترنت، وهو موقع يحوي معلومات عن قدرات الجيوش العربية القتالية وتسليحها وعقائدها القتالية، فإن الصين كانت تساعد السودان في اقتناء الأسلحة، إضافة إلى كونها مورد أسلحة رئيسي للسودان فإنها كانت تساعده على تطوير إنتاجه المحلي من الأسلحة.
ويقول الموقع إن أول شحنة أسلحة صينية معلنة للسودان مولتها إيران على عهد رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، وتضمنت مروحيات وذخائر، وتواصل بعدها استيراد الطائرات العسكرية من الصين طوال تسعينات القرن الماضي وتضمن طائرات مقاتلة أو مروحيات.
ويقول الموقع إن الصينيين ساعدوا السودان على تطوير صناعته الحربية، مما جعل زعيم الإسلاميين الحاكمين في السودان وقتها حسن يتباهى بأن السودان شرع في بناء مصانع دبابات وصواريخ.
كما كشفت قاعدة بيانات التجارة للأمم المتحدة، أن قيمة الأسلحة العسكرية والأسلحة الصغيرة المنقولة من الصين إلى السودان بلغت مليون دولار أميركي 2000، وارتفعت إلى 23 مليون دولار 2005.
واتهمت الصين بخرق فرض حظر التسلح على السودان، وبتزويده بشاحنات عسكرية وتدريب طيارين على مقاتلات إسرائيلية، يبد أن الصين وصفت الاتهامات بأنها «منحازة»، وقالت إن بيع شاحنات للسودان يحدث في «نطاق ضيق جدا».
لكن مبيعات السلاح الصيني للسودان تراجعت من المركز الأول حسب التقارير العسكرية إلى المركز الثالث أو الرابع، بسبب الضغوط الدولية على الصين.
واستجابت الصين للضغط الدولي وضغطت بدورها على حليفتها الخرطوم لقبول قوات حفظ السلام الدولية، فبعثت مساعد وزير خارجيتها «تشاي جون» أبريل 2007 لإقناع الخرطوم بقبول عملية حفظ السلام في دارفور التي كان يرفضها الرئيس السوداني عمر البشير بشدة، وأفلحت في إقناعها بقبول «حزمة الدعم الثقيل» المكونة من 3 آلاف جندي أممي، وعلى نشرهم في إقليم دارفور.
يرجع «إصرار» الصين على استمرار وقوة علاقتها بالسودان، حسب موقع وزارة الخارجية السودانية على الإنترنت، إلى أن العلاقة بين البلدين «تاريخية» بدأت منذ ما قبل التاريخ.
يقول الموقع إن للعلاقة أبعادا سياسية واقتصادية بل و«عاطفية أحيانا»، فشعبا البلدين تقاسما ما يسمى «تجربة نضالية مشتركة»، إبان الاستعمار البريطاني، واستقدام الجنرال الشهير «غردون باشا» الذي أذاق الفلاحين الصينيين «ثورة تانينغ» الأمرين، وقتله الثوار المهديون الذين جاء للإجهاز على ثورتهم فقتلوه في 1885، وهو ما عدته الخارجية السودانية نصرا للثورة المهدية وانتصارا لآلاف الفلاحين الصينيين.
وفي مؤتمر «باندونغ» الشهير والذي تكونت بموجبه مجموعة دول عدم الانحياز 1955، التقى الزعيمان الصيني «شوان لاي» والسوداني «إسماعيل الأزهري»، ثم اعترف السودان بالصين كدولة مستقلة، وافتتحت الصين سفارتها في الخرطوم عام 1959م، وافتتح السودان سفارته في بكين 1970م.
وتعد زيارة رئيس الوزراء الصيني «شوان لاي» للسودان عام 1964م، ورد الرئيس السوداني وقتها الفريق إبراهيم للزيارة في العام نفسه، علامة فارقة في علاقة البلدين. كما، وتحفظ أضابير الخارجية السودانية الموقف المساند للصين في استعادة مقعدها الدائم في مجلس الأمن عام 1971، ودعم الموقف الصيني مما عرف ب«المسألة التايوانية»، إذ دأبت الدبلوماسية السودانية على التأكيد على وحدة الصين واعتبار تايوان جزءا من الصين الأم.
ثم تطورت العلاقة السودانية الصينية بشكل مطرد وكبير معا، بعيد انقلاب الرئيس عمر البشير يونيو (حزيران) 1989، الذي واجه عزلة دولية خاصة من الدول الغربية، وأسهمت صراعات مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وبروز الصين كقوة اقتصادية كبيرة في العالم في تمتين العلاقة، وأدت لتوقيع عدة اتفاقات بين البلدين: «اتفاق إنشاء اللجنة الوزارية المشتركة، وإعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية والرسمية والخاصة من تأشيرات الدخول للبلدين عام 1995م، والتنقيب عن البترول، وتشجيع وضمان الاستثمار عام 1997م، ومنع الازدواج الضريبي عام 1997م، وإنشاء لجنة التشاور السياسي بين وزارتي الخارجية في البلدين عام 1997م، وبروتوكول التعاون الثقافي والعلمي، واتفاق تبادل الخبرات في مجال القانون عام 2000».
وزار الرئيس عمر البشير الصين 3 مرات أعوام (1990، 1995، 2006)، فيما زار الرئيس الصيني «هو جينتاو» السودان فبراير (شباط) 2007.
وتعززت بين البلدين العلاقات الاقتصادية والسياسية والدولية، وتقف المصالح التجارية والاقتصادية على رأس أولويات العلاقة التي تتبدى سافرة في تزايد الميزان التجاري والاستثمارات بين البلدين وقيام مشروعات ملموسة في قطاع البترول، الكهرباء، والمعادن، ومعدات وطلمبات المياه، ومياه الشرب، والطرق والجسور ومراكز البحوث الزراعية.
ووقع الطرفان عددا من البروتوكولات واتفاقيات التعاون المشترك، وتتضمن التعاون الزراعي، والطيران المدني، والتمويل، والبترول مقابل المشروعات، وقروض نقدية. ويصف محللون زيارة الرئيس البشير الأخيرة إلى الصين 28 يونيو 2011، وتعرضت طائرته خلالها لمحاولة «قرصنة جوية» بهدف القبض عليه وتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية، بأنها كانت «مغامرة» كبيرة، لكنهم يقولون في الوقت ذاته، إنها تكشف بوضوح الحاجة السودانية لتوطيد العلاقة مع الصين مهما كانت المخاطرة.
وورد في تقارير «ويكيليكس» أن الشراكة الصينية السودانية النفطية وحدها كانت تقدر ببلايين الدولارات قبل استقلال جنوب السودان، وأنها كانت تستورد قرابة 70 في المائة من النفط السوداني. وأسهمت الصين بشكل كبير في استخراج البترول السوداني، بعد أن غادرت الشركات الغربية «شيفرون، موبيل أويل» وغيرها للسودان بعد استلام الإسلاميين للسلطة في السودان، كما دأبت على توقيع اتفاقيات اقتصادية معه، يذكر منها تقرير ويكيليس اتفاقية فبراير 2007 قدرها 1.2 مليار دولار المخصصة لتأهيل خط السكة الحديدية بين الخرطوم وبورتسودان.
وعلى الرغم، من استقلال جنوب السودان، وذهاب قرابة 80 في المائة من إنتاج النفط إلى جنوب السودان، فإن الصين معنية بالحفاظ على خط أنابيب البترول البالغ طوله قرابة ألف ميل، باعتباره المخرج الوحيد للبترول السوداني في طريقه إلى الصين، وتقدر نسبته ب7 في المائة من استهلاك الصين، وهو ما جعل من السودان الشريك التجاري الثاني للصين في أفريقيا بعد دولة جنوب أفريقيا.
وكشفت إجابات وزير الخارجية الصيني وانغ يي أثناء زيارته للسودان 11 يناير (كانون الثاني) الحالي على الأسئلة التي وجهت له - على دبلوماسيتها - بأن علاقة البلدين «تستبطنها» الشكوك ويحيط بها الريب من جوانب كثيرة، وكأنهما «السودان والصين»، يقيمان علاقة حب محرمة، بعيدا عن المجتمعين الإقليمي والدولي.
قال الوزير في إجابة سؤال عن سر اهتمام الصين بملفات الصراع السوداني، وما إن كان البترول هو السبب، إن بلاده والسودان صديقان عزيزان وحقيقيان، نمت علاقتهما منذ نصف قرن من الزمان، تقاسما خلالها «السراء والضراء»، مما أدى لتعميق الصداقة بينهما.
وتعزيزا للقول أضاف، أن علاقة بلاده بالسودان لا تحكمها المصالح النفطية وحدها، وأن اهتمامه بالقضايا المتعقلة بالسودانيين، ليس كله مصالح، بل مرتبط بدور بلاده كدولة عظمى، ولا يقتصر على مآربها الخاصة.
وكرر الضيف هذه الإجابة أكثر من مرة وبمفردات تختلف حسب الحال وصيغة السؤال، لكنها لم تجب على السؤال الذي يلاحق العلاقة مهما كان صيغة طرحه، رغم بداهة السؤال وإجابته. وتفصح هذه الإجابة - رغم دبلوماسيتها وعاطفيتها - أن الصين تعرف أن كل ما يلمع ليس ذهبا، وأنها يمكن أن ترفع الجزرة في الوقت الذي تخبئ فيه العصا، على عكس ما تروج له حكومة السودان بأن رباط البلدين «قصة حب صينية»، يتبادل فيها العاشقان الهوى عند سور الصين العظيم.
أتت الزيارة بعد 10 أيام من استخدام الصين لحق النقض لصالح السودان، خصوصا وأن الخرطوم كانت غير راضية - على الأقل - عن امتناع الصين عن استخدام حق النقض لصالحها في مجلس الأمن لحظة إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وموقفها من القرار 2064 الصادر عن مجلس الأمن الذي حدد لدولتي السودان سقفا زمنيا للوصول لتسوية للقضايا العالقة بينهما يونيو 2012.
وينظر السودان «شذراً» لما يمكن أن يطلق عليه تخلي الصين عن علاقتها التاريخية معه لصالح «النفط»، فقد نقلت تقارير نفطية أنها تقدمت بعطاء لمنافسة اليابان على إنشاء أنبوب نفطي من جنوب السودان إلى ميناء لامو الكيني، للالتفاف على التوتر الذي ظل يشوب علاقة البلدين ويؤدي لإعاقة تصدير نفط جنوب السودان عبر الأنبوب السوداني.
الخرطوم تكسب ما يعادل 25 دولارا على كل برميل نفط جنوبي يمر عبر أنبوبها النفطي، وبإنشاء خط الأنابيب الجديد تتأثر حتما عائداتها من نفط جنوب السودان كثيرا. لكن الصين لا تأبه لهذه الشكوك السودانية على ما يبدو، لأنها جاءت هذه المرة وفي يدها جزرة «الفيتو» الأخير، والثمن إسهام السودان في وقف الحرب في جنوب السودان، والتوصل لاتفاقيات مع الجارة الوليدة، وإنهاء الحروب داخله، إن لم يكن من أجله فمن أجل خاطر عيون «الصين الجديدة».
في الزيارة الأخيرة، سعت الصين لجمع المتحاربين في جنوب السودان، لأن الحرب الدائرة هناك أدت لتعثر إنتاج النفط كثيرا، وفي الوقت ذاته، فإن التوتر بين السودان وجنوب السودان، أضر بالنتيجة بالمصالح الصينية في البلدين. قال الوزير الصيني إن وساطته ليست من أجل المصالح النفطية، وإنما تأتي انطلاقا من مسؤولية وواجبات الصين باعتبارها دولة كبرى، وهو ما يفرض عليها التوسط وليس البحث عن المصالح الخاصة.
وأضاف أن بلاده لعبت في السنوات الأخيرة دورا إيجابيا في تسوية النزاعات المتعلقة بالسودان، وفقا لما يفرضه التوافق الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وأوضح أن هذا الدور فرض على بلاده تعيين السفير «تشونغ جيانهوا» مبعوثا خاصا للحكومة الصينية للشؤون الأفريقية، وإن جيانهوا ظل يتنقل بين الصين والسودان في زيارات مكوكية مع الأطراف للوصول لمصالحة بين السودان وجنوب السودان ولتسوية النزاعات داخل جنوب السودان.
وحذر الوزير «وانغ يي» من تأثير تطاول الحروب والنزاعات على صناعة النفط على التعاون بين السودانيين، وهو ما لا تريده بلاده، وأن وساطته تقوم انطلاقاً من هذه المسؤولية، ومن كونها «صديقا عزيزا» للسودان وجنوب السودان.
تاريخيا، أسهمت الصين في إقامة عدد من المشروعات المهمة بالسودان، ولا يزال السودانيون يذكرون «مصنع الصداقة للنسيج، وكوبري حنتوب، وكوبري سنجة، وقاعة الصداقة، وطريق مدني القضارف، ومركز التدريب المهني، ومصفاة الخرطوم».
وقدمت الصين قروضا ومنحا للسودان بلغت قيمتها 3.83 مليار دولار ابتداء من عام 1970 إلى 2008، وبلغت المنح والقروض الممنوحة في الفترة من 1990 - 2008 وحدها 3.7 مليار دولار من إجمالي القروض الصينية للسودان، مما يشير إلى أن هذه الفترة «حكم الإنقاذ» هي الفترة التي كانت فيها الصين أكثر سخاء مع السودان.
واستغلت معظم القروض الصينية في مشروعات البني التحتية مثل الطرق والجسور والكهرباء، كما استغلت القروض التفضيلية التي منحتها الصين للسودان في مشروعات التنقيب واستخرج البترول والذهب في السودان.
وبدأ التعاون التجاري الفعلي بين البلدين بتوقيع اتفاقية 1992 التجارية، ومنذ ذلك الوقت ظل الميزان التجاري حسب تقارير وزارة المالية السودانية لصالح السودان، الذي يصدر إلى الصين سلعا مثل «القطن، والصمغ العربي، والسمسم، والجلود، إضافة للبترول»، بيد أن الميزان التجاري بدأ يميل لصالح الصين بعد 2008، وبلغت مديونيته لصالح الصين وقتها أكثر من 1.2 مليار دولار، فيما بلغ حجم الاستثمارات الصينية في السودان نحو 5 مليارات دولار، ارتفعت إلى قرابة 15 مليون، فيما يعمل فيه أكثر من 16 ألف عامل صيني في السودان.
وابتدعت الدولتان آلية «النفط مقابل الديون» لتمويل المشروعات السودانية، لكن بعد انفصال جنوب السودان وذهاب 75 في المائة من إنتاج النفط، استمر الجانب السوداني في الاستفادة من أنصبة الشركات المنتجة للنفط لتغطية استهلاكه المحلي وبالتالي لم يعد هناك نفط يذهب لسداد الديون، وهو ما جعله يطلب من الصين تأجيل سداد الديون والاستمرار في تمويل المشروعات، من دون أن يقدم ضمانات مقنعة لاستمرار انسياب التمويل.
ما حدا بالجانب الصيني إيقاف تنفيذ بعض المشروعات والتباطؤ في تنفيذ الأخرى، وضعف حماسه في منح مزيد من القروض للدخول في مشروعات جديدة بما في ذلك مشروعات زيادة إنتاج النفط. ويقول مصدر تحدث للصحيفة إن زيارة وزير الخارجية الأخيرة كانت تتضمن في جدول أعمالها بندا مهما، وهو «ديون الشركات»، وأوضح المصدر أن الصين تتجه إلى مقايضة السودان بمشاريع أخرى مقابل هذه الديون.
وترى وزارة المالية السودانية أن العلاقات الاقتصادية مع الصين أحدثت أثرا سياسيا بينا، وأدت لوقوف الصين مع الخرطوم في المحافل الدولية، وآخرها رفض الصين قرار إدانة السودان لطرده موظفين دوليين.
بعد انفصال جنوب السودان، واشتعال الحرب على الحدود بين الدولتين، واستمرار التنازع الحدودي، والتنازع على عائدات البترول، تراجعت صادرات البترول كثيرا، وزاد الطين بلة اشتعال الحرب الأهلية في جنوب السودان نفسه، بين الموالين للرئيس سلفا كير ميارديت والموالين لنائبه السابق رياك مشار، تأثر إنتاج النفط كثيرا مما أثر على المصالح الصينية في البلدين.
وصدر السودان إلى الصين 49 ألف برميل نفط، فيما صدر جنوب السودان 65 ألف يوميا للصين في عام 2013، بعد أن كانتا تصدران مجتمعتين أكثر من 337 ألف برميل يوميا في عام 2012، بسبب تأثر الإنتاج بتوتر العلاقات بين الدولتين.
وتوقف معظم إنتاج النفط في جنوب السودان عقب اندلاع النزاع المسلح بين الفرقاء الجنوبيين في ديسمبر عام 2013، مما سبب خسائر فادحة للصين والشركات النفطية الصينية.
وينظر كثير من المحللين بريب للاستثمارات الصينية في السودان، ويقول الأستاذ في كلية «ويليام ماري»، وهي واحدة من أهم الكليات التي تدرس العلوم السياسية بالولايات المتحدة البروفسور «فيليب رويسلر»، إن جل استثمارات الصين في السودان، يمكن إدراجها ضمن خطة الحزب الحاكم في السودان «المؤتمر الوطني»، وتقوم على تركيز التنمية فيما يعرف ب«مثلث حمدي».
وجاء في الدراسة الصادرة في مايو (أيار) مايو 2014، أن الصين هي الممول التنموي الرئيس في السودان، وأن استثماراتها تركزت في المثلث الممتد بين ولاية شمال كردفان مارا بالنيل الأبيض إلى بورتسودان ثم شمالا، بما يتوافق مع الخطة الاستراتيجية طويلة الأمد للحزب الحاكم والتي وضعها وزير المالية السابق عبد الرحيم حمدي، ودعا فيها لإنشاء «استثمارات ضخمة جدا وسريعة جدا» في الشمال الجغرافي، والمنطقة التي تتركز فيها قاعدة المؤتمر الوطني، وذهبت إليها معظم الاستثمارات الكبرى مثل «سد مروي»، مما جعل رويسلر يعتبر أن المعونات الصينية للسودان تملك القدرة على التدخل في إعادة هيكلة الدول.
إلى جانب رويسلر، فإن كثيرين من الذين ينظرون إلى الحضور الصيني في الشأن السوداني بريب، وفي بالهم ازدحام الأسواق، والبيوت مليئة بالسلع الصينية رديئة النوعية التي تتلف قبل الشروع في استعمالها. وعادة يصف عامة الناس السلع الصينية برداءة الصنع، ابتداء من «قابس الكهرباء، والسيارات، ويمتد إلى الجسور التي شيدتها شركات صينية»، أو هذا ما قالته السيدة منى زكريا ل«الشرق الأوسط» بأن الصين أعطت السودان «فرقة الأكروبات وقاعة الصداقة»، وهي تشير إلى شمعة إضاءة صينية احترقت توا أضافت: «أما سواهما فقد اشترينا منهم الترام».
الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.