وصلتني معلومة من مصدر داخل مجلس تشريعي الخرطوم كشف لي فيها عن زيارة لبعض المدارس بمدينة أم درمان لم أتردد عن الطواف مع نائب رئيس المجلس، لكنني طلبت من المصدر أن يدلني على مكان وزمان التحرك، كشف لي عما طلبت، وبالفعل كنت حضوراً في وقت مبكر جداً حرصاً مني على أن أكون ضمن الوفد، عرضت على نائب الرئيس رغبتي في صحبتهم، رحب بالفكرة تحركنا وكانت المفاجآت تتوالى وأنا أزور المدرسة تلو الأخرى في مدينة أمدرمان وأحيائها العريقة، وخرجت بتلك الحصيلة من مشاهدات من داخل مدارس تقبع على مرمى حجر من وزارة التربية والتعليم، أو قل من مركز متخذي القرار في دولتنا. الزيارة الأولى كانت إلى مدرسة الدباغين بحي الدباغة العريق في تمام الساعة الثامنة صباحاً وجدنا التلاميذ وقد تراصوا داخل الفصول في انتظار بداية اليوم الدراسي، المدرسة مع عراقتها بها ست فصول فقط وعدد تلاميذها لا يتجاوز الثمانين فوق المائة مقسمة على ستة فصول فقط، حيث لا وجود للفصلين الأول والثاني، سألت أحد المعلمين قبل أن أكشف عن هويتي -معتبرني أحد نواب المجلس التشريعي - تحدث إليَّ حديث الواثق من أنني رجل دولة قال لي - : إن المدرسة برغم متانتها وعراقتها هجرها التلاميذ لضعف البني التحتية بها، فالآن كما ترى أن مياه الأمطار غمرت كل مساحات المدرسة والتلاميذ يتحاشون الثقوب التي تجد مياه الأمطار منها طريقاً سالكاً للتسلل داخل الفصل ما يؤدي إلى إزعاج التلاميذ بشكل قد يجعل من كراساتهم بالية ومهترئة بسبب تلك المياه، واصل المعلم حديثه معي وهو غارق في شرح الماسأة التي تعيشها المدرسة ويضيف: إن المدرسة تفتقد إلى أبسط المقومات الضرورية من طباشير إلى معدات إجلاس الطلاب ثم تدهور مريع في دورات المياه ومبردات مياه الشرب والكتاب المدرسي، ثم قال لي: إن الخطير والمحزن فعلاً أن المدرسة محرومة من التيار الكهربائي منذ فترة طويلة بسبب المديونية التي تراكمت عليها، ووصلت إلى ستة ملايين جنيه، بالقديم - كما أنني شاهدت منظر (المراوح ) التي تقف على أعمدة متهالكة في سقوف الفصول، وقد وجد العنكبوت مساحات هادئة ليشيِّد بيوته الواهية التي تشبه إلى حد بعيد البنية التحتية للمدرسة العريقة. أكوام الاسكراب لاحظت فيما لاحظت في فناء المدرسة أكوام من الحديد والكراسي والتي هي الأخرى تتناثر في كل مكان داخل المدرسة، ثم عرفت من محدثي أنها اسكراب لبعض الكنب والكراسي البالية، ولم تتمكن إدارة المدرسة من صيانتها، في وقت عجزت فيه إدارة التعليم أيضاً من إعادة سيرتها الأولى، وأثناء مرورنا وطوافنا على الفصول التي عرف تلاميذها احترامهم وحبهم للعلم والمعلم تيمناً ليصبح طبيباً أو مهندساً أو معلماً، محققاً لرغباته تبادلنا السلام فطال سلامهم بعد ترديد أنشودة السلام والاحترام للمعلم فطلبنا منهم الجلوس، جلس التلاميذ وبقي جزء منهم واقفاً فتعجبنا لما لم يجلس هؤلاء التلاميذ فطلبنا الجلوس منهم أجمعين فرد أحدهم : كنبتنا أخدها أولاد رابع، وأين كنبة رابع يأبنائي؟ أخذها خامس، وأين كنبة خامس؟ أخذها أبناء سادس، فاتضح لنا القوي آكل والضعيف مأكول في مدرسة الدباغين. بالرغم من طوافنا برفقة ابن الدائرة وممثلها في المجلس التشريعي الذي سهَّل لنا الطواف داخل كل المدارس ندخل من بين فينة وأخرى متخفين في ثوب التشريعي... وبعد الانتهاء من جولتنا داخل مدرسة الدباغين توجهنا إلى مكتب المدير، جلسنا في ضيافته فكشفنا عن هويتنا فكان أن (استعدل) كل واحد منهم وغيَّر من جلسته واستدار المدير وجهتنا. وفي مدرسة الشرفية التي شيِّدت في خمسة وأربعين يوماً بمعونة إماراتية من قبل مواطن إماراتي تكاتف أبناء المنطقة ببنائها كل واحد حسب مهنته، فشيِّدت المدرسة في زمن وزير التخطيط العمراني السابق شرف الدين بانقا بعد ما أعاد تخطيط منطقة القمائر ( الحفر ) وفرح أهل المنطقة بالتخطيط والمدرسة وقاموا بردم الحفر بشكل غير صحيح وتم تشييد المدرسة على حفرة كبيرة بعمق كبير ودون تخطيط، بدأت المدرسة وتم قبول التلاميذ فيها وبعد سنوات قلائل تم تجفيف المدرسة لسنتين، وتم إعادة فتحها مرة أخرى بنفس تلاميذها الذين ترك معظمهم الدراسة لظروف خاصة بالمنطقة وخصوصيتها. ومازالت المدرسة اليوم تعاني من تصدعات في الفصول والأرضيات ودورات المياه بسبب الحفر التي بنيت عليها، أغلقت بعض الفصول لانهيار أرضية الفصول وأصبحت تقف على هاوية.. فأغلقت إدارة المدرسة الفصول خوفاً من انهيارها على الطلاب والمارة في الشارع لأنها وقع سورها الخلفي من قبل ثلاثة أعوام ولم يجد من يشيِّدها.... وتناقص عدد التلاميذ في المدرسة حتى أصبح عدد التلاميذ فصل واحد في مدرسة مكتظة بالتلاميذ.( تلميذ67) مقسمون على سبعة فصول مع تغيُّب الصف الثامن من المدرسة. صادف وجودنا مع مدير قطاع لمرحلة الأساس (....) رفض إدلاء أي رأي حول ما آلت إليه مدرسة الشرفية الأمدرمانية. فكان يردد لابد من تجفيف المدرسة.. فتصدى له رئيس المجلس التربوي واللجان الشعبية بمنطقة الشرفية: إذا تم تجفيف المدرسة مرة أخرى فقدنا أبنائنا وتتشرد أعداد كبيرة منهم دون تعليم. لأننا نعلم مدى عقلية أبنائنا وعدم رغبتهم في التعليم. التيار