قلنا أنً المقاومة المدنيًة تحتاج لخطة عمل .. ما يشار إليه اختصاراً ب MAP، (Movement Action Plan ) "خطة عمل الحركة" أداة يستعملها ناشطي ومنظمي حملات المقاومة للمساعدة في رصد التقدم و ما تم انجازه، تشبه طريقة عمل إدارة المشاريع... ، بيل موير من قام بتطوير النموذج MAP ناشط اجتماعي أمريكي و مدرب على أساليب المقاومة اللاعنفيًة، شارك في العديد من الحركات اللاعنفية المختلفة. ..وكان منظم لحملات حركة الحقوق المدنية في شيكاغو حيث كان يعمل بشكل وثيق مع مارتن لوثر كينغ ، وكان ناشطا في الحركة المناهضة للأسلحة النووية في الولاياتالمتحدة التي تمكنت من إيقاف إنتاج جميع محطات الطاقة النووية الجديدة بنجاح..و هو مناصر للحركات الهندية الأمريكية ، وشارك في حملات منع شحنات الأسلحة الأمريكية إلى دول كثيرة من العالم مثل فيتنام وبنغلاديش... لذلك، فهو خبير محنك... بناء على تجاربه الشخصية و دراساته وضع نموذج MAP ، و كما يقول مفسراً: "واحدة من القيود الرئيسية للحركات الاجتماعية هى عدم وجود نماذج الإستراتيجية والأساليب التي تساعد النشطاء على فهم وتخطيط طريقة عمل الحملات، وتقييم الحركة لنفسها بمقاييس الأداء في كل مرحلة.. يوضح نموذج MAP في كل مرحلة الأعمال المطلوبة خطوة بخطوة ...، القيمة الأساسية لهذه الأداة تكمن في أنًها تقر بأن حركات المقاومة خلال مسيرتها قد تواجه اللحظات التي تبدو و كأنًها فشل ، في حين أنها يجب أن ينظر إليها وتفهم على أنها جزء طبيعي من التقدم في مراحل الحركة و حجمها ، يقسم نموذج موير خطط عمل حركات المقاومة إلى ثمان مراحل لكل مرحلة أعمالها التي يجب أن تتم خلالها....، الملاحظ أنًنا في السودان مررنا ببعض المراحل دون أن ندري و أنً مرورنا بها حدث بمحض الصدفة، لم يكن الترتيب منتظماً حيث أنًنا وصلنا المرحلة الخامسة دون أن نقوم بالأولى أو نمر بالثانية .. لذلك كنا دائماً نرجع للمربع الأول نسبة لوجود فجوات كبيرة لم نملؤها و هوًة سحيقة لم نبني لها الجسور التي تمكننا من عبورها..، نموذج موير يشترط التسلسل بالترتيب بدءاً من المرحلة الأولى و حتًى الثامنة حتًى ينجحً.. المرحلة الأولى: الوقت الطبيعي خلال هذه المرحلة، تكون المشكلة الحرجة موجودة ، كلما استمر النظام يزيد تفاقمها و تتعمق أكثر ، عامًة النًاس يعلمون بالمشكلة لكن أكثرهم يجهلون الطبيعة الحرجة لها و الآثار الكارثيًة التي تترتب عليها، بالنسبة لعامة الناس الوضع الراهن غير مقبول لكنهم دوماً يتساءلون.. أين تكمن المشكلة ؟ ما يميز هذه المرحلة هو أنً السياسات الظالمة لم يتفاعل معها النًاس بحيث تكون قضيًة رأي عام يعمل عليها الناشطون دون توقف حتًى تحلً المشكلة. ، على سبيل المثال، دعونا نلقي نظرة على طبيعة مشكلتنا الراهنة.. انتهج النظام منذ يومه الأوًل سياسات و قوانين بهدف إفراغ أرض السودان من شعبها سواء كان بالعنف المباشر أو الهيكلي أو الثقافي بحيث يهاجر أكبر عدد ممكن من النًاس، أمًا من لا يستطيعون الهجرة لن يسمح لهم بالحياة فيصادر حقهم في الحياة بالتشريد من الخدمة ... التجويع أو المرض أو إشعال الحروبات و خلق الأزمات، فمثلاً اليوم أكثر من 80% من الشعب السوداني يحتاجون للمساعدة الدوليًة بحسب آخر إحصاءات منظمات الأممالمتحدة حيث أكثر من 5.3 مليون يحتاجون مساعدات إنسانية عاجلة، من بينهم أكثر من ثلاثة ملايين طفل يعانون من سوء التغذية، و حتًى الأمراض التي انقرضت منذ عقود عادت في السودان مثل الجرب و الجدري، أًمًا الحصبة فهى وباء.. و الأسوأ من هذا حتًى المنظمات الدوليًة لا تستطيع أن تحل المشكلة لأنً مواردها لا تكفي مجابهة 20% من الحالات، لم أتحدث عن المناطق المقفولة التي لا يستطيع أحد وصولها و كل ما نعرفه أنً الناس فيها عادوا لحياة العصور الحجريًة، و أكثر من ذلك مناطق مثل دارفور فقدت جيلاً كاملاً و تغيرت تركيبتها الديموقرافيًة...، هذه مجرًد أمثلة..، السبب في كل هذه الظواهر الكارثيًة واحد و هو القوانين والسياسات التي تؤثر على مجتمعنا بسبب الموقف السياسي.. الانتماء للنظام فقط و ليس اللون أو العرق كما يعتقد البعض..حيث التمييز السلبي في جميع أنحاء السودان بناءاً على الانتماء السياسي ، و ليس على أساس عرقي، رغم ذلك تتفاقم الأزمة و العنصريًة في البلاد.. هذا هو الوضع الراهن. لكن عامًة النًاس الآن يتعايشون معه رغم أنهم لا يقبلونه..لكنًهم لم يخرجوا صراحةً ..عليه تعد هذه المرحلة وقتاً عاديًاً عندما ننظر إلى المرحلة الحاليًة لحركة المقاومة حسب خطة عمل الحركة...المطلوب في هذه المرحلة التوعية و تبصير النًاس بحجم المشكلة الحقيقيًة. المرحلة الثانية: إثبات فشل المؤسسات الرسمية وخلال هذه المرحلة، تبدأ المقاومة على نطاق واسع في التشكل و الظهور بعد أن أدرك غالبيًة الشعب خطورة الأمر، و فيها تتم تجربة القنوات الرسمية مثل المحاكم والمكاتب الحكومية و المنشآت إن كانت القضايا على شاكلة مشاكل المياه و الكهرباء و غلاء الأسعار،الانتهاكات و الفصل من الخدمة أو خلافه.. ليس اعترافاً بتلك المؤسسات إنًما بهدف إثبات فشلها للعامًة لأنً المشكلة في الأساس حلًها معروف..، إثبات فشل المؤسسات يعني سد الذرائع و أهم من ذلك التأكيد للذين يدركون خطورة المشكلة و أهميتها البالغة للقيام بدورهم كاملاً ليقوموا بمسؤولياتهم التاريخية ، و للباحثين القيام بأبحاثهم حتًى يكونوا خبراء في المشكلة و بالتالي إقناع الآخرين بخطورة الأمر. المرحلة الثالثة: شروط النضج خلال هذه المرحلة هناك وعي بين الجمهور بخطورة المشكلة يبدأ في النمو ، و يبدأ الناس العاديون في رؤية وجوه الضحايا و المتأثرين و مشاركتهم المعاناة خاصًة أولئك الذين تضرروا من سياسات النظام أكثر من غيرهم ...تظهر المزيد من المجموعات الناشطة و تكون حركة المقاومة أكثر ديناميكيًة مما يسمح لمؤسسات بديلة لمؤسسات النظام في التشكل بحيث يراها عامًة النًاس و يستفيدون منها بصورة ملموسة....ما يميز هذه المرحلة أنً حوالي 20-30٪ من الجمهور يبدأ في مقاومة النظام. يمكننا أن ننظر إلى هذه اللحظة، على سبيل المثال، عندما أصابت رصاصة طائشة الشهيد القرشي فكانت شرارة لثورة أكتوبر.. خروج الجماهير بأعداد كبيرة رغم القمع دليل على أنً الشعب لم يعد يغض الطرف عن المشكلة الخطيرة ...ما يميز هذه المرحلة بداية الاحتجاجات علناً تعبيراً عن سخط الجمهور.. .(لدينا الكثير من النماذج هنا في ثورة ابريل بعد إعدام الشهيد محمود محمد طه..، و لدينا تجربة سبتمبر إلاً أنًها لا تنطبق لأنني كما أشرت في البداية لم تكن مخططاً لها حيث كانت تلقائية و الحديث هنا عن العمل المخطط ). المرحلة الرابعة: الانطلاق هذه المرحلة يشتد العنف الذي يزيد من الأعمال اللاعنفية بصورة دراماتيكية .. تكون القناعة الراسخة لدى عامة الناس أن الظروف الحالية تنتهك القيم التي يؤمنون بها بصورة سافرة بالتالي تصبح المقاومة جزءا من حياتهم اليوميًة. مثال لهذه الحالة ما حدث في تشيلي عندما أطاحت الحركة المؤيدة للديمقراطية بنظام الديكتاتور بينوشيه عندما احتشد الناس في كل مناطق تشيلي فكانت الإضرابات العمالية على نطاق واسع، و دخل الناس في عصيان مدني بعد بداية بطيئة للحملات بدأت بضرب الأواني و المقالي في البيوت يومياً بين الساعة السابعة و الثامنة مساءاً بالتزامن مع نشرة التليفزيون الرئيسية... استمرت هذه الإستراتيجية حتى مرحلة محددة..، كذلك استنسخت نفس البداية حركة أوتوبور في صربيا..فقد كانت أحداث صغيرة لكنها انتظمت في كل مناطق البلاد بطولها و عرضها وازدادت و تطورت بسرعة مما ساهم في تحويل الرأي العام ضد بينوشيه في تشيلي و مليسوفيتش في صربيا ..و شكل في نهاية المطاف الظروف التي أدت إلى "عدم التصويت" في استفتاء عام 1988 منهياً بذلك ما يقرب من 17 عاما من الحكم العسكري في ذلك البلد، و كان لجنرالات الجيش موقف وطني في انحيازهم للحق و تنكرهم لبينوشيه...، و نفس الحال في صربيا العام 2002 عندما اقتحم الثوار مقر الانتخابات بعد إعلان مليسوفيتش فوزه و أثبتوا للعالم التزوير و رفض الجيش تنفيذ التعليمات بضرب المتظاهرين بالتالي سقط النظام. المرحلة الخامسة: التحسب للفشل خلال هذه المرحلة و نتيجةً لبعض الانتكاسات يتولد شعور بين النًاس أنً التغيير لن يأتي بسرعة و ينفذ صبر البعض عندما يتصور الناس أن أهداف الحركة لم تتحقق بعد. ..، يجب على المقاومة أن تتحسب لمثل هذا الأمر حتى لا يكون هناك شعور باليأس أو القنوط فتخمد الحركة تدريجياً ...،هذا يمكن أن يؤدي إلى تراجع في كثير من الأحيان عن المشاركة في الحملات أو الأحداث...كما يجب الانتباه لما يمكن أن تقوم به المجموعات الراديكاليًة "حالة سوريا".. مثال لذلك حركة احتلوا وول ستريت التي كان هدفها العالم بأسره و ليس الولاياتالمتحدة وحدها ، حيث الهدف كبير جداً ..إصلاح شامل للنظام المالي بأكمله و نهاية الرأسمالية البغيضة... ، كان إخفاق الحركة يتمثل في عدم المقدرة على تحقيق هدفها في الفترة الزمنية التي حددتها في جميع أنحاء العالم، ..بعض الناس شعروا باليأس و شككوا في إمكانية النجاح.. ، رغم أنً 99٪ من النًاس مستهدفون لدعم الحركة مقابل 1% فقط ضدها و يتحكمون في الثروة و السلطة و من مصلحتهم استمرار الوضع كما هو..، لكن الحركة لم تتحسب لمثل هذا فعمليًة التحول للرأسماليًة حدثت خلال مراحل و استغرقت فترة زمنية طويلة .. لذلك الكثير من الناس أصابهم الإحساس باليأس والقنوط لأن إحداث نقلة نوعية شاملة لم يحدث في الفترة التي حددتها الحركة، و على الرغم من تحقيق بعض النجاحات و التغيرات بعد احتلال وول ستريت ..،إلاً أنً انهاء الاحتلال و عدم تنظيم حملات قويًة لاحقة يؤكد على أهميًة التخطيط تحسباً لاجتياز مثل هذه المرحلة. أكبر مهدد في هذه المرحلة هو خطر الانزلاق للعنف و اعتماده بديلاً ...أفضل مثال لذلك ما يحدث الآن في سوريا. المرحلة السادسة: رأي غالبية الجمهور خلال هذه المرحلة، والغالبية العظمى من الجمهور تبدأ الانخراط في المقاومة ، من المهم تشجيع بدائل واقعية من أجل مواجهة السياسات القائمة. ومن المهم أيضا التركيز على السياسات البديلة وليس فقط سقوط النظام مما يخلق نقلة نوعية... ومن المهم أيضا أن ندرك أنه خلال هذه المرحلة سيزداد النظام شراسة في خطابه و يشتد القمع كنتيجة طبيعيًة لليأس و عدم امتلاك حل من جانبه خاصًة و أنًه يدرك أنً مصير رموزه سيكون صعباً ..ما يميز هذه المرحلة قدرتها على "تعرية الظلم" من كل خرق التوت التي يتدثر بها..ما يعد دافعاً قوياً للاستمرارية و هذا أحد الأهداف الرئيسية للعمل اللاعنفي المباشر...حيث تكون القضية جزءاً رئيسياً من جدول الأعمال السياسي و الاجتماعي داخلياً و خارجيًاً. المرحلة السابعة: النجاح خلال هذه المرحلة الغالبية العظمى من الجماهير تشارك فعلياً في الحركة و لا شئ يعلو عليها.. ونتيجة لذلك، يبدأ النظام في الانهيار و يهرب رموزه و يكون قد سقط فعلياً ..و على الرغم من النجاح تبدأ مشكلات من نوع آخر حيث يتولد شعوراً عاماً بعدم القدرة على تحقيق الكثير من الأهداف..، يحتاج الأمر لخلق نقلة نوعيًة ، إذ يجب على الحركة الاستمراريًة في النضال حتًى تتحقق جميع الأهداف التي قامت من أجلها...، هنا أشير إلى المشكلة التي نعرفها جميعاً بعد انتفاضة ابريل و ربًما أكتوبر بمجرد سقوط النظام توقف النضال و تحول الأمر إلى محاصصة بين العسكر و الأحزاب ، ما أضاع الفرصة أمام حدوث النقلة النوعية التي نتحدث عنها، و خلاصتها أنًه لم تتغير الأنظمة فقط تغيرت الشخصيات. المرحلة الثامنة: مواصلة النضال المرحلة النهائية مواصلة الكفاح وترسيخ المكاسب حيث هدف الحركة في الأساس هو الوصول لهذه المرحلة و التغيير الفعلي...، و ما يضمن تحقيق الهدف هو عدم انشغال الناشطين بالمناصب إنًما يتحتم عليهم أمران..من لديهم ميول سياسيًة عليهم الدخول في الأحزاب السياسية الرئيسية و يجب أن تكون حزبان فقط...حتى تضمن الحركة وجودها الدائم في جميع مفاصل العمل السياسي و الاجتماعي..الهدف هنا إصلاح الأحزاب من داخلها و رفدها بكوادر نوعيًة خبيرة و يهمها أمر الجميع تضمن عدم تغول الانتهازيين على تلك الأحزاب..و التأكد من ممارستها للديمقراطية الفعليًة..و الجزء الثاني ينخرط في منظمات المجتمع المدني لضمان بناء مؤسسات مجتمع مدني فاعله تعمل باستغلاليًة عن الحكومة تستطيع المحافظة على قواعد الحركة و قيمها في المجتمع... دراسة حالة: بولندا . تطبيق عملي: من خلال الفيديو...كيف يمكننا الاستفادة من تجربة نقابات التضامن البولنديًة في بناء نقابات حرًة يمكنها المساهمة في نجاح حركة المقاومة؟ كذلك مع الأخذ بالاعتبار التطورات التكنولوجيًة التي حدثت منذ ذلك الوقت، ما الذي يمكن اضافته لما قام به البولنديين حتًى يتم انجاز التغيير في وقت أقصر عندنا.