لم يثر الخبر المقتضب الذي نشر الاثنين الماضي عن أن الشيخ د. حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي سيتوجه إلى العاصمة القطريةالدوحة في زيارة لأكثر من أسبوع، لم يثر الكثير من الاستفهامات أو الاهتمام فوق المعدل، بالرغم من ان تحركات الشيخ وخطاباته وتعليقاته واخباره في العموم تجد الاهتمام من كل الاطراف، سوى أن زياراته إلى الدوحة كانت قد انقطعت قليلا، كما أن ما طفا على السطح بعد ذلك من خلال لقاءاته والحديث عن حالته الصحية والمضي إلى أكثر من الحالة الصحية إلى انتشار شائعة بشأن وفاة الشيخ امس الأول، هو ما دفع الى تزايد الاهتمام بزيارة الترابي الى الدوحة، وكان معلوما أن الترابي سيلتقي برموز عالمية ومفكرين إسلاميين خلال وجوده بالدوحة، بجانب تقديم إسهاماته في القضايا العربية والإقليمية وإفرازات ثورة الربيع العربي، ومن ثم يتوجه إلى تركيا. الاستفهامات التي ثارت حول حالة الشيخ الصحية، وأنه أدخل إلى العناية المكثفة في احدى مستشفيات الدوحة، وانه توفي أيضا، تم نفيها بسرعة البرق بعد أن أسهمت وسائط التواصل الاجتماعي في تشعب الشائعات وتعدد الروايات، حين قرنت نبأ إعلان وفاة الأسير الفلسطيني حسن الترابي، بالشيخ حسن الترابي، وتداولت النبأ على نطاق واسع لمشابهة اسمه وتطابقه مع اسم الأسير، لكن ذات الوسائط كانت المصدر الأول للنفي، إذ صرح كمال عمر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي بأن الشيخ الترابي خضع لمراجعة طبية سنوية روتينية في الدوحة، قبل أن يتوجه إلى تركيا بعد انتهاء زيارته لقطر. وكذلك سارع عصام نجل الشيخ الترابي إلى نفي شائعة وفاة والده في قطر، وأكد أن الشيخ بخير، وقال "إن الزيارة كانت بسبب إجراء فحوصات طبية شاملة لمعرفة الوضع الصحي لوالده وتلافي أية مخاطر صحية تنجم عن تأثيرات التقدم في العمر"، وأكد أن الشيخ لا يشعر بأي شئ، وأن صحته جيدة. القضية الأبرز التي ظلت تشغل بال الشيخ الترابي ويتحدث عنها كثيرا طوال الفترة الأخيرة، هي توحيد المسلمين واهل القبلة في مشروع عالمي يتخطى وحدة الاسلاميين في السودان او في المنطقة العربية والاسلامية فقط، ومن هذا الباب جاءت اهمية اتفاقه مع الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وعلي محيي الدين القرة داغي الأمين العام للاتحاد، على إطلاق المشروع العالمي لتوحيد الإسلاميين في ظل التحديات والعقبات التي تواجهها التيارات والحركات ذات الصبغة الإسلامية، ومدافعتها حول قضايا الحكم والسلطة بعد إفرازات ثورات الربيع العربي. وتناول لقاء الترابي والقرضاوي تحديات العالم الإسلامي ومستقبل الحركة الإسلامية. ونقلت الصحف عن كمال عمر الأمين السياسي للشعبي قوله، إن الشيخ القرضاوي له دور كبير في قضايا العالم الإسلامي، وعندما يلتقي مع الشيخ الترابي فإن هنالك خيراً كبيراً قادماً لصالح وحدة الإسلاميين في العالم ومواجهة الحملة الشعواء ضدهم. وأضاف بان قطر لديها دور كبير في السودان، وهي حريصة على الإسلاميين واستقرار المنطقة العربية. "وزيارة الشيخ الترابي وجدت حفاوة بالغة من الحكومة القطرية التي لها إسهامات متعددة في أزمات الإسلاميين في السودان". والملاحظ أن زيارة الترابي الحالية تأتي بعد مضي نحو أكثر من عام على زيارته السابقة، وتجئ في ظروف سياسية داخلية مختلفة، إذ كان الشعبي وقتذاك في خانة المعارض الشديد المعارضة لحكومة المؤتمر الوطني ويتبنى خط تغيير النظام، وكان يستبعد أي تقارب مع الوطني، ووصفت زيارته تلك بأنها عادية، لكن الزيارة الحالية جاءت والترابي وحزبه أقرب إلى النظام الحاكم، وركن أساسي في مشروع الحوار الوطني السوداني الدائر حاليا، وربما كان هذا واحدا من أسباب الزيارة بحكم العلاقة الوطيدة التي تربط الترابي بالأسرة الحاكمة في قطر، إذ ربما كان يبحث عن دعم قطري في سير اوانفاذ مخرجات الحوار الوطني. وإجمالا فإن تحركات الترابي منذ بدايات العام الماضي كانت تمضي في اتجاه وفاقي داعم لخط وحدة الاسلاميين والمسلمين عامة، وفيها تصالح كبير ودعم لخطوات الحكومة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وظل يتحدث حديثا مثيرا للمشاعر والتساؤلات بشأن التحولات الكبيرة في مواقفه منذ ظهوره في مقاعد المستمعين إلى خطاب الوثبة الشهير في قاعة الصداقة في يناير 2014م، وظل يطرح افكارا كثيرة حول وحدة السودانيين ووحدة الاحزاب السياسية وتشكيل التحالفات الكبرى التي تؤدي في النهاية الى وحدة شاملة تماثل ما ذهبت اليه أوروبا، وطوى الشيخ الترابي كثيرا من المسافات التي كانت تفصله وحزبه عن احزاب وقوى سياسية وجماعات دينية من خلال تكفله بزيارات وحوارات ومشاركات في مناسبات تلك القوى سيما مشاركته في المؤتمر العام الرابع للمؤتمر الوطني، وزيارته للاخوان المسلمين وغير ذلك من المواقف والتحركات التي تميل الى الوفاق مع مكونات الساحة السياسية والحرص على تأمين الداخل وتوحيده مرددا كثيرا تلك المقولة "أسال الله قبل أن يتوفاني أن أطمئن على هذا الوطن". وبدا أن نشاط الترابي في الآونة الأخيرة، بعيد نوعاً ما عن العمل السياسي المباشر من خلال لقاءات مع مجموعات من الشباب حول قضايا التصالح الفكري والديني، ويغلب على لقاءاته مع الشباب الدعوة الى توحد الاسلاميين من جديد ولكن بمشروع مختلف. وكانت قد برزت اطروحة للترابي حول مستقبل الحركة الإسلامية، في برنامجه المسمى بالنظام الخالف الذي يقول انه برنامج يتجاوز وضع الحركة الاسلامية الحالي، الى تأسيس كيان جامع لأهل القبلة، بعد ان تذوب فيه العديد من الكيانات التي يجمعها الاسلام، وظل يشدد على أن وحدة الاسلاميين (فرض عين)، آملا أن يتم ذلك قبل نهاية شهر رمضان المقبل. ويرى مراقبون أن كل تحركات الترابي لا تخرج عن طموحه في إنفاذ مشروع توحيد الإسلاميين "برؤية جديدة"، بالتركيز على مخاطبة الشباب باعتبار أنه من السهل عليه مخاطبتهم وتوجيههم نحو هذا المشروع، وتقوم فكرة النظام الخالف التي تم تداولها على نطاق واسع على مراجعات وتقييم لتجربة الإسلاميين في حكم السودان، ومحاولة خلق تحالف عريض في شكل حزب واسع وفي إطار شراكة سياسية جديدة تضم الإسلاميين بطوائفهم المختلفة، بمن فيهم ذوو الخلفيات الإسلامية كالسلفيين والتيارات الصوفية والأحزاب الطائفية، وأن يخلف الحزب الجديد الأحزاب الإسلامية القائمة، بما فيها الشعبي والوطني. على كل، فإن تحركات الشيخ الترابي دائما ما تثير الاستفهامات، ويرى كثيرون أن الرجل لا يتحرك في مساحة إلا ووراءها هدفا غير منظور لسواه، غير أن هدف وحدة المسلمين والاسلاميين، بات هو الأكثر إلحاحا واعلانا لدى الشيخ، اما تفاصيل ما وراء زيارتي الدوحة وانقرة فإنها لن تُعْلم تماماً ما لم يصرح الشيخ نفسه او أحد قيادات حزبه. الراي العام