الخارجية البريطانية: مستقبل السودان يقرره شعبه    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: دور المجتمع الدولي والإقليمي في وقف حرب السودان    توجيهات مشدّدة للقيادة العسكرية في الدبّة..ماذا هناك؟    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    انشقاق بشارة إنكا عن حركة العدل والمساواة (جناح صندل ) وانضمامه لحركة جيش تحرير السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    على الهلال المحاولة العام القادم..!!    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    مناوي يلتقي العمامرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان    أول تعليق من ترامب على اجتياح غزة.. وتحذير ثان لحماس    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    بيراميدز يسحق أوكلاند ويضرب موعدا مع الأهلي السعودي    أونانا يحقق بداية رائعة في تركيا    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    دراسة تكشف تأثير "تيك توك" وتطبيقات الفيديو على سلوك الأطفال    "خطوط حمراء" رسمها السيسي لإسرائيل أمام قمة الدوحة    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    لقد غيّر الهجوم على قطر قواعد اللعبة الدبلوماسية    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    شاب سوداني يستشير: (والدي يريد الزواج من والدة زوجتي صاحبة ال 40 عام وأنا ما عاوز لخبطة في النسب يعني إبنه يكون أخوي وأخ زوجتي ماذا أفعل؟)    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعادة السيد وزير المالية المحترم ،،، الحكومة و زمرتها هم المستهلكون
نشر في الراكوبة يوم 28 - 12 - 2015

وجد حديث السيد وزير المالية الأستاذ بدر الدين محمود، عن اتجاه الحكومة التدرج في رفع الدعم عن المحروقات والقمح والكهرباء في العام المقبل مع زيادة الأجور والمرتبات ودعم الشرائح الضعيفة واصفا الشعب بأنه أصبح مجرد شعب مستهلك غير منتج، كثير من النقد و الامتعاض و السخرية و اعتبروه إساءة للشعب. و معظم من كتبوا أو علقوا قد أجمعوا علي أنه إذا تم التسليم بفرضية أن الشعب أصبح بالفعل شعبا مستهلكا فالحكومة و من لفَّ حولها من تجار المؤتمر الوطني هم من يتحمَّلون مسئولية ذلك بالدرجة الأولي نتيجة للفساد و الثراء الفاحش و الصرف البذخي غير المنتج علي الأمن و الحرب و السلع الإستهلاكية و الكمالية من قبل الزمرة الحاكمة و عصبتها و كذلك نتيجة لفشل الإنقاذ في إدارة الاقتصاد و تدمير القطاعات الإنتاجية و تحويل مناطق الإنتاج التقليدي إلي ساحات واسعة للحروب و القتل و السلب و النهب و تبديد موارد البلاد الطبيعية.
لا تكمن المصيبة الكبري في الإساءة للشعب فلطالما تلقي شعبنا الكريم شتي ضروب السب و اللعن و التحقير و الألفاظ النابية من أعلي قمة سلطة الإنقاذ إلي أدناها و سيأتي اليوم الذي يسترد فيه الشعب كرامته و يحاسب كل من أساء إليه خلال سنوات القهر و الظلام. لكنها (أي المصيبة الكبري) تكمن حقيقة في جهل صاحب الحديث الذي يكشف عنه الحديث نفسه فما بالك إن كان قائله هو وزير المالية و التخطيط الإقتصادي شخصيا الذي من المفترض أن يكون من أكثر الناس إلماما و فهما أولا: بعلم الإقتصاد و مصطلحاته بوجه عام، و ثانيا: بواقع الإقتصاد السوداني فهما عميقا نافيا للجهالة بوجه خاص. و لكن يبدو أن سعادة الوزير يفتقد الإثنان.
فمن ناحية الإلمام بمبادئ الإقتصاد و مصطلحاته فالاستهلاك لا يعتبر عيبا حتي يتم تعيير الناس به بل هو أحد مكونات الدخل القومي لأي بلد من البلدان و أحد أهم مؤشرات الرفاهية أما الجزء الآخر من الدخل القومي يتمثل في الادخار. فكلما زاد الاستهلاك كلما انخفض الإدخار و العكس صحيح كلما زاد الإدخار كلما إنخفض الإستهلاك. و الإستهلاك يعبِّر عن الإنفاق الحكومي أو الأسري الجاري علي السلع و الخدمات أما الادخار فهو الفرق بين الدخل الجاري المتاح و يمكن التصرف به والجزء المخصص من الدخل المتاح لشراء السلع و الخدمات. و قد يزيد الإستهلاك أو الإنفاق و يتجاوز الدخل المتاح للفرد أو الحكومة و لكن في هذه الحالة يكون الإقتصاد في حالة إدخار سلبي حيث يستمر في الإنفاق علي السلع و الخدمات بالبيع من المدخرات السابقة سواء كانت مدخرات سائلة كالودائع النقدية و السندات و أذون الخزانة أو الأسهم المدرجة في سوق الأوراق المالية و غيرها أو مدخرات عينية في شكل أراضي و عقارات و غيرها من الأصول الثابتة و هو ما يعبَّر عنه في فلكلور الشعب السوداني بمقولة (ناكل من سنامنا).
و بعبارة أخري فإن الاستهلاك هو ذلك الجزء من الدخل الذي يتصرف به الإنسان لإعادة دورة إنتاج قوة عمله واستمرار الحياة والتكاثر و ديمومة دورة إعادة إنتاج الدخل، فإذا توقف الاستهلاك توقفت عمليات البيع والشراء والبناء وتوقف الإنتاج، أي أن الحياة الإقتصادية و الإجتماعية للبشر لا يمكن لها أن تستمر بدون الاستهلاك. و بالتالي فإن الإستهلاك هو أحد أهم مبادئ الإقتصاد و أهدافه الاسترتيجية ليس فقط في تحسين معدلاته بل أنماطه أيضا.
و إذا كان الطلب الكلي علي السلع و الخدمات في المجتمع يساوي الإستهلاك الكلي (الحكومي و الأسري) و الإستثمار الكلي (الحكومي و الأسري) فإن أي إنخفاض في الاستهلاك الأسري يؤدي حتما إلي إنخفاض الطلب على السلع والخدمات مما يؤدي لإنخفاض المعروض من تلك السلع و الخدمات الأمر الذي يدفع الاقتصاد للدخول في مرحلة الركود الاقتصادي و العكس صحيح كلما زاد الإستهلاك كلما أدي ذلك إلي زيادة الطلب الكلي و دفع الإقتصاد نحو الرواج.
صحيح أن زيادة معدلات الإستهلاك في الوقت الحالي قد لا تستطيع دفع عجلة الإنتاج و زيادة الصادرات و تخفيض فاتورة الاستيراد لأن المشاكل التي تعانيها القطاعات الإنتاجية مشاكل هيكلية مرتبطة مباشرة بسياسة الدولة و أسلوبها في إدارة الإقتصاد و ليس لها علاقة بالعرض و الطلب و آليات السوق فتدهور الإنتاج يعود بشكل أساسي لارتفاع تكلفة الإنتاج نتيجة للضرائب و الرسوم و الجبايات و الأتوات و عدم عدالة علاقات الإنتاج التي تحكمها قوانين جائرة غير منصفة للمنتج و علي رأسها قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م الذي يمثل أحد أهم مشاكل الإنتاج في مشروع الجزيرة و بدون الغائه لن تقوم للمشروع قائمة إلا إذا تغير هذا النظام.
و بالتالي يا سعادة الوزير لا يجوز أن تُعيِّر الشعب باستهلاكه و معاناته اليومية من أجل اكتساب أسباب بقائه برغم ضيق الحال. و أعتقد أن دورك كوزير للمالية أن تعمل علي الإرتقاء بمستوي معيشة الناس و تحسين معدلات الإستهلاك الأسري و أنماطه. المقصود هنا بالطبع الاستهلاك الطبيعي (مع ثبات كافة العوامل الأخري علي ما هي عليه) الذي يتأثر بمحددات تغير الدخل و مستوي أسعار السلع و الخدمات و معدل سعر الفائدة و تشكيلة و وفرة السلع و الخدمات و كذلك تغير العادات و التقاليد. أما المحددات الأخري غير الطبيعية للإستهلاك المتمثلة في الفساد و استغلال المناصب و القمع و حماية النظام الديكتاتوري و الصرف البذخي و التباهي و التفاخر للبطانة الفاسدة التي تحيط به فسوف ياتي التطرق لها لاحقا في هذا المقال.
أما من ناحية الفهم العميق لواقع الاقتصاد السوداني فعلي ما يبدو أن سعادة الوزير لا يعلم أن معدلات الاستهلاك أو الإنفاق الأسري علي السلع و الخدمات في بلادنا تعتبر من أقل المعدلات و أن معظم الأسر تخطت مرحلة الإدخار السلبي و باعت كل ما تملك من أجل مواصلة البقاء و لم يبقي لها من سناماتها ما يسد الرمق و دخلت مرحلة العيش تحت خط الفقر. فإذا كان الحد الأدني للأجور بعد مضاعفته من قبل سعادة المشير بتاريخ الأحد الموافق 30/12/2012م من 165 جنيه إلي 425 جنيه و هو ما يعادل حوالي 39 دولار بسعر 11 جنيه للدولار الواحد. أي أن الدخل اليومي للفرد يعادل 1.3 دولار يوميا علما بأن الأمم المتحدة قد حددت خط الفقر بدولارين في اليوم، أي أن الفرد الذي يحصل على راتب شهري مقداره 60 دولاراً هو عند خط الفقر بمعني أن الحد الأدني للأجور في بلادنا هو أدني من المستوي المتعارف عليه عالميا لخط الفقر. و هذا ما أكده أخر مسح للفقر قام به الجهاز المركزي للإحصاء عام 2009م في شمال السودان حيث أظهرت نتائجه أن 46,5% من السكان في شمال السودان تحت خط الفقر منهم 26.5% من سكان الحضر و 57.6% من سكان الريف. هذا فقط حتي عام 2009م أما إذا قام الجهاز المركزي للإحصاء بمسح الفقر الذي كان مقررا له عام 2014م ستكون نتائجه بلا شك كارثية و لا نتوقع أن تكون نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر أقل من 70%. و حسبما جاء في الجزيرة نت (موقع قناة الجزيرة) بتاريخ 16 يوليو 2014م فقد أعلنت الأمم المتحدة أن 50% من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يعادل 15 مليون سوداني، وتحتضن العاصمة الخرطوم أكثر من رُبع فقراء البلاد في ظل ظروف معيشية توصف بالصعبة جراء ارتفاع الأسعار وتراجع الدعم الحكومي والمساعدات و أن 70% من السودانيين يعانون من صعوبات في الحصول على حاجياتهم الأساسية مثل الماء والغذاء والتعليم والعلاج، و أن الخدمات الصحية لا تغطي سوى 40% من السودانيين، و أن دائرة الفقر اتسعت بشكل غير مسبوق بسبب تدهور الاقتصاد وارتفاع الأسعار مع انخفاض قيمة الجنيه السوداني، وقد بلغ عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية عاجلة حوالي 7 مليون نسمة، و أن ما تحتاجه منظمات الإغاثة بالسودان يبلغ 982 مليون دولار لتوجه بصفة عاجلة إلى 6.9 مليون نسمة، أي خُمس إجمالي السكان.
كيف يكون الشعب مستهلكا يا سعادة الوزير مع هذه الأرقام الكارثية و هذا المستوي المتدني من الأجور و أسعار السلع و الخدمات في حالة زيادات متواصلة. ففي جولة قامت بها الشرق الأوسط في بعض الأسواق بتاريخ 11 أكتوبر 2015م وصل سعر عبوة الحليب المجفف سعة 2.5 كيلو 240 جنيها تمثل 56% من الحد الأدني للأجور، و أن سعر كيلو السكر 7.5 جنيه و كيلو دقيق الخبز 6 جنيه و تتراوح أسعار اللحوم من 40 إلي 70 جنيه للكيلو حسب النوع و المنطقة و سعر كيلو الطماطم يتراوح ما بين 30 إلي 50 جنيه و كيلوم البطاطس 12 جنيه أما سعر الليمون فحدث و لا حرج جنيه واحد صحيح بالتمام و الكمال لليمونة الواحدة.
و إذا سلمنا جدلا بصحة نظرية توماس روبرت مالتوس بأن الفقراء أنفسهم هم المذنبون و هم السبب الرئيسي فيما يعانون و يعيشون من جوع و فقر بل هم أيضا سببا فيما يعيشه المجتمع من أزمات اقتصادية و عليهم تخفيض معدلات الإنجاب من أجل تحسين أوضاعهم الإقتصادية، (و هو باختصار مضمون المشروع الحضاري و مضمون حديث السيد الوزير و قد سبقه عليه من قبل أحد نواب البرلمان المضروب و كذلك الطفل المعجزة مصطفي عثمان اسماعيل و من قبلهم جميعا سعادة المشير نفسه)، فإن إحصاءات البنك الدولي تشير إلي أن معدل النمو السكاني في السودان قد إنخفض إنخفاضا مريعا من 4.25% عام 1995م إلي 2% عام 2010م و أن معدل الخصوبة أيضا قد إنخفض بنفس الدرجة من 6.2 مولود للمرأة الواحدة إلي 4.49 مولود خلال نفس الفترة. و ذلك برغم مجهودات الإنقاذ البائسة لزيادة النسل عن طريق حفلات الأعراس الجماعية و التشجيع علي تعدد الزواجات الذي لم تجني منه بلادنا غير زيادة معدلات الطلاق و التفكك الأسري. فقد زادت حالات الطلاق من1107 حالة عام 1989م إلي 57,870 حالة عام 2008م وفقا لإحصاءات السلطة القضائية في السودان حسبما جاء في جريدة الإنتباهة بتاريخ 26/03/2013 بقلم فتحية موسي السيد).
الصحيح هو أن الذي تحول إلي مستهلك و غير منتج هو الحكومة و مؤسساتها و الزمرة الفاسدة التي تحيط بها و هو ما لا يقوي علي قوله سعادة الوزير. فعلي الرغم من أنه كلما انخفض الدخل انخفض الاستهلاك و بالتالي من الطبيعي أن تعيد الأسرة أو الحكومة إعادة تكييف أوضاعها مع انخفاض الدخل و ترشيد الاستهلاك و ترتيب أولوياتها إلا أنه علي ما يبدو أن الحكومة و زمرتها يؤمنون بنظرية ملتون فريدمان عرّاب مدرسة النقد أو مدرسة شيكاغو التي تقضي بأن الاستهلاك العائلي يتحدد بالدخل المتوقع الحصول عليه خلال فترة طويلة في السمتقبل أو الدخل الدائم، فالفرد ينفق حسب دخله الدائم أو المستمر فإذا انخفض دخله فلن يخفض استهلاكه ويضطر للاستدانة. فبرغم واقع الإقتصاد المتردئ و اتساع دائرة الفقر فإن الحكومة لم تغير من حجم و نمط استهلاكها فهو لا يزال يتركز علي الأمن و الحرب و الصرف البذخي علي أجهزة الدولة المترهلة لحماية سلطتها الديكتاتورية و كسب تأييد المريدين و الحاشية. فخصم جالون بنزين واحد من كل دستوري يوفر 21.6 مليار جنيه سنويا لخزينة الدولة كما جاء في الراكوبة بتاريخ اليوم 28 ديسمبر 2015م بعنوان (وهل ستصمد هذه الموازنة لحمل كل هذه الاثقال؟ - بقلم دكتورة سعاد إبراهيم عيسي). علما بأن الإنفاق الحكومي علي الأمن و الحرب و أجهزة الدولة يتم تمويله من عرق الشعب و نضاله اليومي من أجل كسب الرزق، في شكل ضرائب، أو في شكل استدانة و قروض من الجهاز المصرفي و من الخارج، أو من خلال التوسع في إصدار صكوك الاستثمار و شهادات شهامة و أخواتها، و كله يتحمله الشعب في نهاية المطاف. أما حاشية السلطان من تجار المؤتمر الوطني و أزيالهم و من لف حولهم فهم أيضا لن يغيروا حجم و نمط استهلاكهم و صرفهم علي الجاه و النعيم و الترف و التباهي و التفاخر و يمولون ذلك من خلال مخصصات الدولة و من خلال سرقة المال العام و من البنوك التي تفتح لهم أبوابها علي مصراعيها دون ضوابط أو قيود و بشروط ميسرة و بدون ضمانات أو (ضمانه إيمانه) كما يقولون. المسألة باختصار يا سعادة الوزير أن الشعب هو الذي ينتج و يكدح و الحكومة و زمرتها هما اللذان يحصدون ثمرات عرقه و يستهلكونها في شراء آلة القمع و البطش التي يجلد الشعب بها لتبقيهم في قصورهم العاجية و في التمتع بما طاب و لذ من الطعام و النساء و المزارع و القصور و السيارات الفارهة و السفر و السياحة في أوروبا و آسيا و غيرها من أرض الله الواسعة.
هذه هي الأخبار السيئة أما الأخبار الأكثر سوءا و لا يعلمها سعادة الوزير أن الحالة الإقتصادية التي تعيشها بلادنا اليوم تحت حكم الإنقاذ هي حالة التضخم الركودي أو ما يصطلح عليه بال (Stagflation) و هو أصعب الحالات الإقتصادية و أكثرها تعقيدا و التي لا تحدث إلا في البلدان الأكثر فسادا و أكثر تخلفا و فقرا. فإذا كان التضخم هو عبارة عن كمية كبيرة من النقود تتسابق علي كمية محدودة من السلع و الخدمات مما يدفع بأسعارها للارتفاع فهو أيضا يعرَّف بأنه كمية كبيرة من الوظائف الشاغرة يتسابق عليه عدد محدود جدا من الباحثين عن وظائف. بمعني أن العلاقة بين التضخم و البطالة علاقة عكسية فكلما زاد التضخم كلما انخفض معدل البطالة و العكس صحيح. ألا أن حالة الاقتصاد في بلادنا عكس ذلك حيث أصبحت العلاقة بين التضخم و البطالة علاقة طردية فبينما تزيد معدلات التضخم لتصل إلي 24.3% يزيد أيضا معدل البطالة ليصل إلي 18.8% علما بأن نسبة البطالة المسموح بها و تعتبر مقبولة عالميا هي 2%. بمعني أن ارتفاع الأسعار أو التضخم ليس نتيجة لارتفاع الطلب فمعدل البطالة مرتفع و مستوي الأجور متدني جدا و معدلات الفقر متزايدة و بالتالي فإن الطلب علي السلع و الخدمات منخفض.
هذا الوضع الصعب يضع سعادة الوزير في جحر ضب يصعب الخروج منه. فإذا قام بالعمل علي زيادة معدلات الإستهلاك فلن يؤدي ذلك إلي زيادة الإنتاج (لأن مشاكل الإنتاج كما أسلفنا لا علاقة لها بآلية العرض و الطلب في الوقت الحالي) بل سيؤدي إلي زيادة قيمة فاتورة الإستيراد من الخارج و هو ما سيؤدي إلي مزيد من الإرتفاع في الأسعار و في نفس الوقت مزيد من الإنخفاض في قيمة العملة المحلية. أما إذا قام بالعمل علي تخفيض معدلات الإستهلاك الأسري بتخفيض الأجور أو زيادة الضرائب أو زيادة معدل الفائدة لتشجيع الإدخار فإن كل ذلك ينعكس علي المنتجين و علي المستوردين و ستظل الأسعار كما هي في حال إرتفاع دائم.
أما إذا حاول الحديث عن تخفيض الإنفاق الحكومي علي الأمن و الحرب و الصرف البذخي فسيجد نفسه ملفوظا خارج الوزارة من حيث يدري و لا يدري. فما هو فاعل يا تري؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.