قال الدكتور عبدالله علي إبراهيم أستاذ التاريخ بجامعة ميسوري بالولايات المتحدة الأميركية إن الربيع العربي كان مفاجئا للغرب الذي روج نظرية ملائمة الاستبداد للشرق، مشيراً إلى تراجع الكتابات عن المؤسسة العسكرية حتى جاء الربيع العربي، وانطلق الأكاديميون للكتابة في هذا المضمار المهم، وأوضح أن الانقلابات العسكرية لم تعد حلاً، وأن الجيوش تمارس السياسة، وتشتري السلاح وتؤسس شركات اقتصادية، وأنها أصحبت عالماً منغلقاً لا يحتاج إلى المدنيين سوى ليحكمهم. وطالب إبراهيم في حوار خاص مع «العرب» خلال مشاركته في مؤتمر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الأكاديميين بدراسة دور التكنولوجيا في ضبط الانقلابات، ومنع وقوعها، موضحاً في هذا السياق أن انقلاب تركيا الأخير فشل لعدم وجود حاضنة شعبية وهي التي تعتبر من أهم شروط نجاح الانقلاب. وأوضح أن جزءا من سياسية الجيوش تعتمد على الميليشيات في القتال بينما تمارس دور المنسق للمعارك. هنالك تراجع في دراسة دور الجيش في حقل العلوم السياسية حتى جاء الربيع العربي وأعاد هذه المؤسسة إلى واجهة الأحداث. - كان هناك قبول بالاستبداد الشرقي من قبل الغرب والمؤسسات الأكاديمية، وتمكنت هذه العقيدة إبان أنظمة قوية مثل مبارك مصر، كما أن الغرب نظر إلى أن هذه الأنظمة تتسق مع ثقافة المنطقة، لذلك الغرب فوجئ بقيام الربيع العربي، فهو المروج لهذه النظرية، وهذا يؤشر إلى انقطاع الأكاديميين عن الحساسية الشعبية والواقع العام. فالربيع العربي أطلق لسان الأكاديمية في موضوع المؤسسة العسكرية، إلا أننا في السودان ليس لدينا دراسات معمقة في هذا الشأن، ومعظم الأحاديث معممة مثل القول «الدورة الخبيثة» والمقصود تتابع الحكم: مدني، انقلاب، حكم مدني مرة أخرى، فانقلاب وهكذا. خلافا لمعظم الأكاديميين الذين يقولون إن القوى السياسية هي التي تدفع الجيش للسياسة إلا أنك تقول إن الجيش موجود في السياسة بغير هذه القوى. - الجيش لديه علاقات خارجية، وعندما نقول إن هذا الانقلاب قامت به البرجوازية الصغيرة فإننا لا نقصد البرجوازية الصغيرة العسكرية، بل البرجوزاية بصورة شاملة، ومثال على ذلك حادثة الفريق أحمد محمد أول «قائد للجيش السوداني»، وكيف أن القوى السياسة لم تكن تريد منحه رتبة الفريق بعد الاستقلال، وذهبت القضية للصحف، وكتب أحمد محمد حول أحقيته بالرتبة أسوة بالقائد الإنجليزي السابق، وهذا في مجمله عملية سياسية وصراع حول المكاسب والاستقلال، أيضاً أثار هذا الموقف الأسئلة داخل المؤسسة العسكرية عن طبيعة المدنيين القادمين للحكم، فهم أبناء كلية غردون، والجيش تخرج قادته من الكلية الحربية، وأصبح الجيش يخاطب هذه المجموعة عبر قنوات غير رسمية لتحديد ما يريده من هذه النخبة الجديدة، وأثار موقف عدم موافقة الحكومة الجديدة منح أحمد محمد رتبة الفريق جملة أسئلة حول حقوق أخرى للجيش قد تمنعها عنه الحكومة الجديدة. بعض الجيوش العربية تحولت إلى جيوش عقائدية، طائفية، اثنية لكن لا تتوافر دراسات عن قيام الجيش بخدمة طبقة محددة مثلما ذهبت في بعض كتاباتك. - هذه نظرية عبدالخالق محجوب «السكرتير الأسبق للحزب الشيوعي السوداني»، والتي تطالب بدراسة الجيش ليس كمؤسسة واحدة، وإنما تقسمه لشرائح، مثل شريحة الرواد «الرتب الوسطى» ويجب علينا أن ندرس مرتباتهم، امتيازاتهم، تأهيلهم وغيرها من المؤثرات، ولكن الحديث عن الجيش يتم بصورة عامة، وعندما نقول الجيش فإننا نقصد عادة الضباط، وهذا يستوجب الالتفات لدراسة الجنود وضباط الصف لأنهم لعبوا أدوارا كبيرة، والجنود عرفوا هذا من خلال مشاركتهم مع الضباط في الانقلاب، ومدى المكاسب التي يمكن أن يحصل عليها الجندي وضابط الصف من ترقيات وغيرها، وبالتالي أدرك هؤلاء الجنود أن هنالك طريقة أخرى للترقي غير التراتيبية العسكرية الصارمة، ودراسة الجيش من ناحية طبقية توضح لنا أن الجيش ليس مؤسسة واحده لأنها تحتوي على أناس بمصالح مختلفة. ظل الجيش المؤسسة الوحيدة الأكثر تنظيما في دول العالم الثالث ويتيح لمنسوبيه فرصا عالية للتأهيل داخل وخارج البلاد، كيف أثر هذا على المؤسسات الأخرى مثل الأحزاب السياسية؟ - مجرد دخول منسوب الجيش للمؤسسة يكون دخل في طبقة جديدة، وبالتالي تتغير طموحاته، الحديث عن خلفيات الضباط لا يفيد كثيرا لأن الفرد تكون لديه رؤية حسب وضعه الطبقي الجديد، فهو أصبح جزءا من الطبقة الحاكمة بشكل أو آخر، وتخلق بخلقها، وبالتالي إذا انتمى فرد من حزب إلى الجيش فإنه يكون مختلفا عن زملائه من ذات الحزب ممن لم ينتموا للجيش ويتخلقوا بروح هذه المؤسسة التي يوجد بها ضبط وربط، وزمالة سلاح، وعقيدة قتالية وغيرها من الأشياء التي تترك أثرها على المنتمي إليها، ووددت لو ناقش الباحثون في مؤتمر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ،أثر التكنولوجيا على الجيش، لأنني أرى أن التكنولوجيا وفرت إمكانية كبيرة للجيوش في المتابعة والرصد وإفشال أي انقلاب، وهذا حقل جديد يحتاج لمزيد من الدراسات. هل الانقلاب الأخير في تركيا أفشلته التكنولوجيا؟ - الانقلاب في تركيا فشل لأن ليس لديه حاضنة شعبية، واليوم في السودان لا يمكن أن ينجح انقلاب لأن الجميع توصل إلى قناعة أن الانقلاب ليس حلا، وبالتالي ليس هنالك حاضنة اجتماعية لأي انقلاب قادم، وليس المعنى أنه لن يتجرأ أحد على القيام بانقلاب، ولكنه لن ينجح مثلما كان يحدث في السابق. هنالك مقولة للمفكر صمويل هنتجتون «إن الدول التي بها نقابات مسيسة، ومؤسسات دينية مسيسة، وحركة طلابية مسيسة، لا بد أن تكون القوات المسلحة بها مسيسية»، هل تتفق مع هذه المقولة؟ - أتفق معها تماما، والجيش به سياسة، كما أن العسكري مدرك لأمور عدة لا يمكن للشخص المدني إدراكها مثل سوق السلاح، فالعسكري يعرف من أين يشتري السلاح، وأسعاره، والأفضل وغيره لذلك أقول نحن المدنيين تصحرنا في الإدارة لأن الجيش يدير كل شيء، وتمدد الجيش عبر حكم أقاليم محددة بسبب أوضاعها الأمنية، ثم ذهب لتكوين الشركات الاقتصادية حتى يمول نفسه، وبالتالي أصبح عالما منغلقا لا يحتاج للمدنيين إلا ليحكمهم. تراجعت الجيوش النظامية لصالح المليشيات. - هذا جزء من سياسة الجيش، أن يأتي بآخرين ليحاربوا بدلا عنه بينما يستمتع هو بالامتيازات، فإذا كان هنالك من يذهب للموت بدلا عنك فلماذا تموت؟! وفي هذه الحالة يصبح الجيش مجرد منسق للمعارك.;