البعض يرفع حاجب الدهشة إذا جاء ذكر القولد لأنها في المخيلة العامة منطقة صفاء وجمال ومحبة، كان التلاميذ في المرحلة الإبتدائية يمتطون القطار ليزوروا صديقهم صديق عبد الرحيم الذي يكرم وفادتهم ويطوف به على السواقي والمزارع والمعالم ويدعوهم لزيارة جيرانه في القرية وأيضا القرى المجاورة. هكذا يحتفظ الناس بصورة ذهنية عن القولد، ولكن للأسف أن قولد اليوم ليس هي بلاد الماضي، وأن منزل صديق نفسه لم يعد ذاك المنزل الرحب الذي يأوي فتيان من ربوع السودان كافة.. فالقولد في تلك السنوات كانت قرية شامخة مكتظة بالسكان وقولد اليوم أطلال ومبان هجرها سكان لانعدام الخدمات الأساسية والضرورية وسوء إدارة شأنها العام رغم أن البعض يُصر على نعتها بمدينة القولد بعد جعلها مركزا لمحلية بذات الاسم، وللأسف مجددا زائرها اليوم لن يستقبله الصديق، ولن يجد قولده القديمة، ولا مدينتهم الجديدة، فقط أطلال وكرسي معتمد ومبان كالحة. حسرة وحزن حقيقة القولد ومجاورها ليس نشاذا عن بقية قرى ومدن الولاية الشمالية، فكلها في التراجع سواء، ولكن حال القولد يفجع القلب ويفطر الحجر لأنها ليس كرصيفاتها لا تصحرا ولا جدبا ولا نقصا في الأرض الصالحة للإنتاج والزراعة، فمقوماتها كما وصفها (إبراهيم حجاز) من سكانها السابقين الذين تفرقت بهم السبل كغيره من مواطنيها، حيث يشير إبراهيم بحزن لما حاق بالقولد رغم تاريخها الناصع وسيرتها التي على كل لسان، متحسراً يقول "إن أسباب خلو قرى القولد من سكانها يرجع إلى عدم التوظيف الصحيح لإمكانياتها نتيجة لعجز وفهم وسوء إدارة ظل يتخبط فيه من تعاقبوا على إدارة شأنها العام منذ تسميتها محلية وحتى نهار اليوم". ويؤكد إبراهيم أن الأراضي الصالحة للزراعة فقط بمحلية القولد تكفي وتزيد حاجة سكانها الولاية كلها لو أن من يقود دفة المعتمدية يمتلك الرؤية الصحيحة ويعلم كيف تكون القيادة وأبجديات التخطيط وجمع وتوحيد صفوف المواطنين لا تفريقهم وإجبارهم على الهجرة عن أراضيهم. اهتمام مقصور لا تزال مباني القولد شامخة رغم هجرة سكانها، وبجانبها هناك عشرات القرى خلت من قاطنيها تماما، وتحولت إلى أوكار ينعق فيها البوم، كما وصفها إبراهيم حجاز. ولحسن حظ سلطات المحلية أن الأمطار لا تهطل هناك، وإلا لساوت المنازل المهجورة بالأرض وحولت أماكن القرى بأجمعها إلى صحراء قاحلة، ولو أن حدثا كهذا وقع كما يشير إبراهيم حجاز لما شاهد العابر لتلك الديار غير مبنى محلية القولد الذي ظل يحظى لوحده بالاهتمام الرسمي في ظل العقيد أمير الجداوي معتمد القولد الحالي. لحسن الحظ أن الولاية الشمالية في السابق لم تكن تعرف هطول الأمطار، وهذا بالتأكيد صار من الماضي عقب التغيُّرات المناخية التي جعلت الأمطار تهطل في مواقع ومناطق عرفت بأنها جزء من الصحراء إلى وقت قريب، ولو أن هذا التغيُّر شمل الولاية الشمالية عامة والقولد على وجه الخصوص لعاد طوب مبانيها لأصله تراباً. هجرة جديدة الحال شبيه ببعضه في الشمالية، ولهذا بدأ عدد المواطنين الذين غادروا ديارهم يرتفع رويدا رويدا من أجل إيجاد حلول لموضوع القرى التي صارت خالية من السكان، ومن الذين أبدوا تخوفهم من اندثار ملامح وتاريخ القرى والمدن بمحلية القولد إبراهيم حجاز، فهو يرى أن الإهمال الذي طال المحلية في ظل معتمدها الحالي أمير الجداوي، وتمثل في ضعف الخدمات واهتراء البنية التحتية مؤشر لمزيدا من الهجرة وسبب كاف لتخلو منازل أخرى من سكانها، أما مصطفى عيسى، وهو ضمن قلة لا تزال تصر على البقاء بالقولد والتمسك بخيط أمل واهن بإصلاح الحال، أشار إلى أن الوضع الحالي للمحلية غير مطمئن، وأبدى حزنه لأن يفارق موطنه قريبا إذا سارت الأمور في ذات الاتجاه الذي تسير فيه حاليا اليوم التالي