اتفق خبراء مصارف بالسودان على أن تجربة المصارف الإسلامية في السودان تقليدية لم تصل إلى مواكبة المرحلة الحالية، قائلين بأنها لا زالت في مهدها لم تتطور وحصرت نفسها في التعامل التجاري وصيغ بعينها وعجزت عن مواكبة العمل التجاري والرأسمالي وتعثرت من خلالها البنوك بسبب افتقارها وعملائها للمعرفة الفقهية اللازمة. وبرغم قدم تعامل السودان بالتجربة المصرفية الإسلامية، إلا أن بعض الخبراء يؤكدون صعوبة استمرارها لأنها لم تبن على الأخلاق والشريعة والمصالح المرسلة ضاعت من خلالها أموال كثيرة التب سميت "بالأموال القذرة". ويقول البروفسور ميرغني بن عوف الخبير الاقتصادي إن تسميتها "إسلامية "تقلل من معاني الدين الإسلامي بقوله حتى الربا ممنوع في الشرائع غير السماوية. ويقول إن الربا يقدر بقدره وفقًا لقاعدة "العقد شريعة المتعاقدين". ويتفق كثير من المراقبين على أن توجه بعض الدول الأوربية نحو الصيرفة الإسلامية ما هو إلا لنهب ثروات أغنياء المسلمين، وبرأيهم "أمر في غاية الخطورة"، مشيرين إلى تأثيرات الأزمة المالية العالمية على كل المصارف الإسلامية ما يؤكد أن التجربة تخضع للعمل التجاري فقط دون غيره . وحسب اعتقاد ابن عوف فإن أمور الدنيا لا تسير بالغطاء الإسلامي الذي جاء بتوجيهات عامة لسلوك الأفراد، ويضيف: حتى الادخار يتم استغلاله، وهذا تبديل لكلمات الله، ولا يوجد مصرف إسلامي واحد نجح، وحتى الناجح منها إما لكثرة مبالغه الفائضة "بعض بنوك الخليج" التي تأخذ نسبة ربحية بسيطة ويقول حتى الأزهر الشريف قال إن خسارة البنوك لا تحددها بنفسها بل يتم تحديدها وفق جهة قضائية. ومع ذلك يرى أن تجربة بنك فيصل الإسلامي في السودان جيدة لأن سياساته مكشوفة للناس، وأكبر بنك يعمل مسؤولية اجتماعية في السودان وتأسيسه جيد لا يخلط ما بين هو إسلامي وبين وجوده في المجتمع. الفاتح عثمان الخبير الاقتصادي يقول إن السودان له دور كبير في تثبيت دعائم الصيرفة الإسلامية، ولكنه يقول إن الصيغ قديمة معظمها يعود إلى ماقبل الإسلام مثل المرابحة والسلم والمزارعة التي أقرها الإسلام، إلا أنه يقول إلى الآن لا يوجد ابتكار صيغ تمويلية جديدة تواكب مرحلة الرأسمالية، بل الموجود منها يتعلق بالبيع دون غيره، وتبدوعاجزة عن مواكبة المتغيرات التجارية الرأسمالية، فهي برأيه لا تمول العقار أو الصناعة. ويقول: حتى التجربة الإسلامية فشلت عند الغرب في تمويل العقارات لأنها لا تمتلك صيغاً مرنة تكفل لها الدخول في المجالات الحديثة، وكل ما هو متاح يعود للعصر التجاري القديم. ويرى أن نقل التجربة إلى دول الغرب ما هي إلا لوجود جماعات إسلامية لا تريد معاملات ربوية، لذا تسعى تلك الدول إلى إنشاء فروع لاستقطاب المدخرات، وأضاف: "هذا عمل صيرفي بحت " في البحث عن فوائد، إلا أن موانع التمويل الرأسمالي والعقاري تقف حائلاً دون تطور المصارف الإسلامية في الغرب. الفاتح يقر بوجود ضعف في الفكر الاقتصادي لابتكار صيغ تمويل جديدة ونقص في الأفكار التي تدير تلك البنوك ما أقعدها عن اللحاق بالتطورات العالمية ويؤكد محدودية جذب الودائع لضعف مردود المودعين كما أن تآكل رأسمال الأموال بسبب التضخم يأتي دون رغبة المودعين ويسبب لهم خسائر. تجربة السودان المصرفية أوجدت المرابحة دون غيرها أدت بدورها إلى بروز مشاكل صاحبتها أرجعها بعض الفقهاء إلى ضعف المعرفة الفقهية وافتقار الأغلبية لها. عبد الرحيم حمدي الخبير في مجال الاقتصاد الإسلامي يرى في حديث سابق بضرورة العمل على تطوير التجربة السودانية في مجال التمويل بالصيغ الإسلامية لحفظ المال ورواجه وتداوله ووضوحه وثباته والعدل فيه، ولكنه يرى أن لهيئات الرقابة الشرعية دوراً في الإرشاد وتقديم المنتجات البديلة التي تحقق المرونة اللازمة في منح التمويل لتحقيق أهداف المجتمع برؤية المرجعيات الشرعية. ولكنه لم يقف عند هذا الحد، بل يطالب بتطويرها بأكثر مما هي عليه، مقترحاً الدفع بصيغة القرض الحسن التي لا تمنح البنوك فرصاً لتتقاضى عليها رسوماً إضافية غير المعاملات. وطالب خبراء في مجال الصيرفة الإسلامية في ندوة عقدت بالخرطوم مؤخراً إلى أهمية التوسع في نشاط المصارف الإسلامية ليشمل جوانب التنمية الاقتصادية خاصة المشاريع الزراعية والصناعية بجهود خاصة أو عن طريق المشاركة والمضاربة مع أطراف أخرى. ودعا هؤلاء الخبراء المصارف الإسلامية لاتخاذ أساليب وأدوات مراجعة وتدقيق تساعد على تقليل أخطاء التطبيق في المراجعة مع التوسع في التعامل بالصيغ الأخرى في التمويل الأصغر والمشاركات والمضاربات والمقاولات والسلم. ويعتقد عضو هيئة الرقابة الشرعية مصطفى آدم بوجود تحديات فقهية حقيقية عند تنفيذ صيغ المرابحة كصيغة المرابحة للأمر بالشراء لافتاً إلى ما يواجه العاملين من مشكلات في توقيت إثبات العملية التمويلية وبداية احتساب أقساط سدادها. إلا أن رئيس مجمع الفقه الإسلامي السوداني عصام أحمد البشير فقد طالب في وقت سابق بتصحيح أخطاء التجربة، معتبراً الخلل في الممارسة التطبيقية للتجارب ليس عيباً. وقال إن السودان بحاجة إلى نهج للتصويب"حتى نطهر أموالنا من كل شائبة"، وتصويب الممارسة وإقامة العدل بالمعاملات المالية. البروفسور حسن مكي الخبير الاستراتيجي يقول في مقال منشور إن تجربة البنوك الإسلامية السودانية تحتاج لمراجعات لجبر خواطر الذين أوقفوا أموالهم ومدخراتهم للتجربة، وكان عائد ذلك سلبياً عليهم، حيث ضحى كثير من المؤمنين بالتجربة في حداثتها بمدخراتهم في شراء الأسهم، ولكنها فجأة أصبحت دون ربحية معقولة أو قيمة في وقت تعطي فيه بنوك أخرى أرباحاً كبيرة. ويقول: بعد ثلاثين عاماً لم تبرز رؤى نافذة في الاقتصاد السوداني "الصيرفة الإسلامية" تحديدًا، ولم يتم تحديد أهداف هذه المصارف بصورة قاطعة، ولا تزال عقلية الربحية طاغية وأصبح المال يذهب للدورة التجارية لا الإنتاجية، ويقول: "ليس من الجلي تمامًا انتفاء شبهة الربا من المعاملات"، ولم تتبلور الصيغ في برنامج، ولا يزال العقل السوداني غير مسلم بجدواها كمرجعية. صديق الصادق المهدي أمين الأمانة الاقتصادية في حزب الأمة، يرى في بحث له أن التجربة المصرفية الإسلامية في السودان تعاني من عدم امتلاكها أدوات مالية تتمتع بالقدرة على تحويل استحقاقات موارد الأموال أو أدوات تمكنها من استقطاب موارد ذات آجال طويلة. ويقول: تعاني المصارف الإسلامية من الضرائب التي تؤخذ على الأرباح التي توزع على الودائع الاستثمارية حيث لا تعامل على أنها جزء من تكاليف المصرف كالفوائد، مما يلجئ المصارف الإسلامية إلى تمويل المشاريع ذات الأرباح العالية بغض النظر عن الأولوية التنموية. ويؤكد أن من أبرز مشكلات العملية للمصارف الإسلامية دور المقرض الأخير، حيث أنها لم تجد حتى الآن من يقوم بهذا الدور في حالة عجز السيولة لديها، مما ألجأها لتوجيه معظم استثماراتها إلى بيع المرابحة، نظراً لوضوح العائد فيها ولما تحققه من تدفق في النقد، مما جعل مدد التمويل والاستثمار لديها قصيرة الأجل. وعلى الرغم من نجاح المصارف الإسلامية في اجتذاب المدخرات، فإنها ما زالت غير قادرة على إيجاد الوسائل الاستثمارية المناسبة لتوظيفها، مما اضطرها للاعتماد إلى حد كبير على الأسواق المالية العالمية لاستثمار الفائض النقدي لديها، وبذلك تسهم بشكل غير مباشر في استنزاف المزيد من ثروات العالم الإسلامي. بنك السودان المركزي في سياساته التمويلية للعام 2016 حث المصارف الإسلامية على التوسع في استخدام صيغة المشاركة في تمويل عملائها وشجعها على تفعيل واستخدام صيغ التمويل الإسلامية مثل "السلم والسلم الموازي والمقاولة والإجارة والاستصناع والمزارعة". ولكن فادي الفقيه المدير التنفيذي لبنك الخرطوم فيقول إن تجربة البنوك الإسلامية في السودان أكثر تنوعاً من سواها بسبب تعدد القطاعات الإنتاجية بالبلاد واعتمادها على "السلم" بالمنتجات التمويل الزراعي. وأوضح الفقيه على هامش مشاركته في مؤتمر "بوابة الاستثمار الإسلامي" في البحرين مؤخرًا أن السودان من البلدان التي يتسع فيها كثيرًا نطاق عمل الصيرفية الإسلامية ومنتجاتها بخلاف دول أخرى فيها منتجات محدودة، حيث توجد في السودان منتجات مختلفة تلائم وتدعم طبيعة البلاد الزراعية مثل منتجات عقود السلم غير المعروفة في الكثير من البلدان. تجربة النظام المصرفي في السودان بدأت في العام 1978م بقيام بنك فيصل الإسلامي، وتم في العام 1983م العمل بالنظام الإسلامي والنظام المصرفي التقليدى جنباً إلى جنب. ولكن بعد عام 1990، تم العمل بالنظام المصرفي الإسلامي لجميع المصارف، وتمت أسلمة البنك المركزي، وفي الفترة من 2005 (اتفاقية السلام مع جنوب السودان) وحتى 2010 تم العمل بالنظام المصرفي المزدوج (إسلامي في الشمال وتقليدي في الجنوب)، ولكن بعد انفصال دولة جنوب السودان أصبحت كل البنوك في السودان تعمل بالنظام المصرفي الإسلامي. الصيحة