معلوم في أي مجتمع يمثل الأطفال والشباب الشريحة الأكبر، وعليه اهتمام الدولة باحتياجاتهم فيما يتعلق بالتعليم والتأهيل ومجالات الإبداع المختلفة يحميهم ويحمي الدولة من مآزق كثيرة ، و أكبر خطأ ارتكبته حكومة المؤتمر الوطني بعد وصولها للحكم هو تحطيمها لهذه المعادلة ، فما قامت به من تغيير في المنهج والسلم التعليمي وثورة التعليم العالي وإنجازه في زمن قياسي مع إهمال للتعليم الفني والمهني وإضعاف دور المؤسسات الثقافية والرياضية كل هذا كان كارثة أحدثت فراغاً كبيراً في حياة الشباب والأطفال الذين هم روح المجتمع . ما أصاب المجتمع السوداني من مشاكل يتصدر قائمتها الأطفال والشباب سببه الرئيسي العمليات التعسفية السريعة الفاشلة التي أجرتها الحكومة في البيئة الملائمة لرعايتهم ، وهي الآن تعترف بأنها وقعت في ورطة وبدأت تعيد حسباتها ، ولكن للأسف بطريقة خطأ أيضاً ، إذ ليس هناك أفضل من المدارس والجامعات والمعاهد والنوادي لبناء عقول سليمة ومنفتحة، إذ يبدو أن الحكومة جاءت دون فهم لكيفية إدارة الدولة ولم تتعلم من تجربتها حتى الآن. بعدما وقع الفأس في الرأس أسست الحكومة مركزاً اسمه مركز أبحاث الرعاية والتحصين الفكري وأظنه يتبع لمجمع الفقه الإسلامي، المركز برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية عدد من الوزراء هدفه حماية البلاد من الانحراف الفكري والعقدي والأخلاقي عبر البحوث والمؤلفات التي تحصن الشباب، وهو هدف مستحيل لأنه لا يتحقق إلا بسياسة دولة متكاملة تضمن استقرار أوضاع الشباب في الحياة وتمنحهم التقدير والحب والانتماء و الثقة وفرص الإنطلاق إلى مساحات أرحب . الأمين العام لمركز أبحاث الرعاية والتحصين الفكري بمجمع الفقه الإسلامي إبراهيم نورين وآخرون قدموا الأسبوع الماضي محاضرة بجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا تحت عنوان معالجة الانحرافات الفكرية ، كلهم أجمعوا على أن ظاهرة التطرف معقدة، وأسبابها تعود (للظروف الشخصية والبيئة الخارجية والفساد في الدولة والتهميش وانعدام المساواة، فضلاً عن الدوافع الجاذبة والدافعة)، إذاً معالجة المشكلة تنبع من معالجة هذه الأسباب، وعلاج الأسباب سيعالج المشكلة تلقائياً ، فأحياناً كثيرة يقود اليأس والإحباط وانسداد أبواب الأمل الناتجة من سياسات الدولة إلى الانتحار وقد أصبحنا نتصدر دول العالم في ظاهرة الانتحار ، ولذلك الانتماء إلى الجهات المتطرفة لا يكون دائماً بسبب التطرف الديني وحده ، فأحياناً هو نوع من الانتحار المبرر بالشهادة ، أو مغامرة بحثاً عن حياة مختلفة ، وأحياناً تحكمها حسابات أخرى ،أي نعم كلها نوع من الانحراف الفكري ولكن لن يعالجها مركز أبحاث الرعاية والتحصين ، بل بيئة الدولة بأكملها ، لا تخدعوا أنفسكم فأنتم كمن يحرث في البحر، فلتكن الحكومة أكثر شجاعة وتدعم نشاطات الشباب والتعليم بجميع مستوياته وخاصة الأساس فهي المرحلة التي تقي من الانحرافات وخاصة إذا وجدت المعلمين الأكفاء فهم أعظم أطباء يمكنهم إعطاء أمصال التطعيم ضد الانحرافات الفكرية منذ الطفولة، والوقاية خير من العلاج . التيار