يتميز السودان بثقافاته المختلفة التي تعبر عنها كل منطقة أو قبيلة من قبائل السودان المتفرقة في أنحائه والتي تميزها على الأخرى، وكذلك الفن الشعبي، فلكل منطقة إيقاع وآلة معينة يستخدمونها في مناسباتهم الرسمية والشعبية ظلت تحافظ عليه وتوارثوه كابراً عن كابر، وآلة الوازا التي اشتهرت قبيلة (البرتا) بولاية النيل الأزرق التي عرفت قديماً بمملكة الفونج الإسلامية وتقع حدودها الجغرافية بين خطي طول (36) وعرض (10 – 12)، على امتداد المرتفعات الإثيوبية من النيل الأزرق وحتى قورباس، التي تتمتع أرضها بمناخ السافنا، حيث تنمو الحشائش الصالحة لرعي الحيوان وأنواع كثيرة من النباتات والأشجار، وكتب الكاتب (علي الضو) عن عادات القبيلة. وقال: "لقد تحركت مجموعة كبيرة من قبائل البرتا من الحدود الإثوبية إلى داخل الحدود السودانية، واستقر بها المقام في عدة قرى انتشرت من تلك الحدود وحتى مدنيتي الروصيرص وسنار". صناعة وتصنيع تصنع أبواق الوازا من نوع خاص من القرع البخس يطلقون عليه (أقو) وهو مخروطي الشكل وينمو بأحجام وأطوال مختلفة، في ذلك قال أستاذ فلكلور بجامعة الخرطوم برعي محمد أحمد: "تتم زراعة القرع قرب المنازل، حيث تبنى له راكوبة يتسلق عليها". وتابع: "تبدأ عملية التصنيع بوضع هذه البخس المعدة بشكل دائري فوق بعضها البعض تبدأ بالأكبر إلى أن يصل الصانع إلى الفتحة التي يضعها العازف في فمه وتسمى (الأش)، تثبت البخس المتلاصقة مع بعضها بواسطة أعواد، ثم تحضر شرائح من القنا بطول البوق المصنع تربط بلحاء الأشجار على الجدار الخارجي للبوق حتى تكون متماسكة ليصدر كل بوق صوتاً واحداً لكنه يختلف عن الآخر". الموسم الزراعي وأضاف برعي: "تعتمد قبائل البرتا على الزراعة في نشاطها الاقتصادي ويمثل الذرة غذاءها الرئيس، ويشيد السكان منازلهم (القطاطي) من سيقانه ويعلفون حيوانتهم من المخلفات الزراعية". وقال: "تستخدم آلة الوازا عند بداية كل موسم حصاد وتستخدم كوسيلة إعلام جماهيري إذا أرادهم زعيم القبيلة لأمر ما، وكضرب النحاس في بعض مناطق السودان للتعبير عن شيء ما حدث أو قد يحدث". وأشار إلى أن هناك عدداً من المناطق التي تشاركهم في استخدام تلك الآلة المميزة في الأفراح، فهي آلة موسيقية لإيقاع قومي محلي لمنطقة النيل الأزرق بقبائلها المختلفة. طقوس وعادات أما الباحث في الآلات الموسيقية السودانية وأستاذ بكلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا علي أحمد قال: "تحظى الوازا لدى قبيلة البرتا دون غيرها من الآلات الموسيقية بعناية فائقة، حيث تقام لها طقوس مباركة عند بدايه كل موسم حصاد فيسكب عليها شيء من (البوظا) وتنحر لها الذبائح وينثر عليها الإنتاج الجديد من الذرة بعد مضغه بالفم". ويتابع: "كل ذلك لأن الوازا تصنع من نوع خاص من البخس تتم زارعته قرب المنازل – كما أسلفنا – ثم تدخل ضمن المحصولات الزراعية التي يستعين بها شيخ الحارة لحمايتها، حيث تنتقل البركة إليها من خلال الإنتاج الجديد". أغنيات مقدسة البرتا لا تسمح بالعزف على الوازا إلا بعد الانتهاء من طقوس المباركة، أكد ذلك علي أحمد عندما قال: "بعد إجراء المباركة يسمح بالعزف على الوازا بدءاً بالأغنيات المقدسة الثلاث (بقرو، سوس ويويو)، وهذه الأغنيات في مجملها توضح نظرة البرتا كمجوعة عرقية للحياة والوطن، فالوطن بالنسبة لهم قبل كل شيء، والاعتزاز به وتقديسه والتغني بحبه واجب كل الأفراد". اليوم التالي