غضبة عظيمة شهدتها الساحة السياسية السودانية عقب سقوط نظام نميري في أبريل 1985.. كانت مصر هي وجهة الغضبة.. والمطلب هو إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك.. والسبب أن مصر احتفظت يومها بالرئيس المخلوع نميري.. ورفضت تسليمه للسودان.. والظن أن اتفاقية الدفاع المشترك تلك اتفاق خطير.. تبلغ خطورته حد تهديد الثورة والثوار.. ثم كانت المفاجأة.. أن الاتفاقية المزعومة.. كما قال مسؤول بارز يومها لم تتجاوز أسطراً معدودة بدأت بالعبارة الشهيرة.. في مكان ما بالصحراء الغربية التقى الرئيسان الخ.. فهل نحن على تخوم غضبة جديدة.. ومطلبٍ جديد..؟! أمس كتبت هنا أن اتفاقية عنتيبي لمياه النيل.. التي ترفضها مصر.. لم تعد تصلح كرت ضغط على مصر يرفعه السودان.. لأن مصر تحركت بالفعل لتأمين ظهرها من أي استخدام لتلك الاتفاقية.. وذلك بأن تحالفت مع عرابة الاتفاقية نفسها.. يوغندا..! فكان الرد على ما كتبت بأسرع مما توقعت.. اتفاقية الحريات الأربع.. نعم.. هي الفعل الذي يمكن أن يؤثر مباشرة على مصر.. وحتى وإن لم يؤثر.. فيكفي أنه سيكون أفضل رد اعتبار للرأي العام السوداني.. بل وأقوى رد على (الصلف) المصري.. ولا أرى أي تزييد أو جنوح في استخدام كلمة صلف.. ذلك أن الموقف المصري لا يعبر إلا عن هذا الصلف..! ولعل واحدة من الأسئلة المؤرقة التي ظلت تشغل بال كل سوداني هو.. أين اتفاقية الحريات الأربع هذه.. ولماذا يتمتع بها المواطن المصري في السوودان.. دون المواطن السوداني في مصر..؟ بعض الإجابات على هذا التساؤل نجدها في دراسة قيّمة نشرتها الصحافية المعروفة منى عبد الفتاح على (الجزيرة نت) قبل سنوات.. وربما بين يدي زيارة الرئيس المصري السابق محمد مرسي للسودان.. تقول منى: "أثار اتفاق الحريات الأربع خلافاً بين مصر والسودان منذ بدايته، وكانت الأزمة – بالإضافة إلى عدم تطبيق الاتفاق من قبل مصر – أنّ هناك طلباً منها بإجراء تعديلات معينة على مشروع الاتفاق.. فحسب مدير إدارة مصر بالخارجية السودانية عصام عوض، فإنّ تلكؤ مصر في تطبيق الاتفاقية هو نتيجة لمطالبة مصر بتعديل المشروع الأولي للاتفاقية، بحيث يكون حق التملك للمصريين في السودان بلا قيود، بينما ملكية الأراضي للسودانيين في مصر وفق قانون الحكرة، وهو ما يعني أنّ فترة انتفاع السودانيين بالأراضي المصرية لا تتجاوز (10) سنوات حتى يصلوا إلى حق التملك، وذلك حتى تضمن مصر استثمار أراضيها أولاً قبل تمليكها، وفي المقابل، يحق للمصريين الانتفاع بالأراضي السودانية عن طريق التملك مباشرة، وفقاً للاتفاقية الموقعة. أما في ما يتعلق ببند التنقل بين مواطني البلدين، فإنّ مصر ترغب في تعديل الاتفاقية لمنع دخول السودانيين إلى الأراضي المصرية للذين تتراوح أعمارهم بين (18 إلى 49) عاماً إلا بتأشيرة مسبقة، تخوفاً من أن تشكّل هذه الفئة مشكلة أمنية، بينما تسمح السلطات السودانية للمصريين من كافة الأعمار بالدخول إلى السودان دون تأشيرة. أما البند الذي أثار خلافاً كبيراً فهو الخلاف حول الحدود الدولية بين مصر والسودان، ففي إطار اتفاقية الحريات الأربع كان لا بد من ترسيم الحدود الدولية حتى يتسنى نقل الأفراد والبضائع عبر المنافذ الحدودية من الجهتين. ولكن قامت مصر بإدراج منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين الدولتين ضمن حدودها الدولية، مما أثار اعتراض السودان..". ولعلنا نذكر هنا عرضاً.. أنها ذات المعضلة التي تواجه تنفيذ اتفاقيات التعاون بين السودان وجنوب السودان.. تحديد الخط الصفري الذي تترتب عليه الإجراءات الحدودية كافة.. وبعد هذا العرض الذي قدمته منى منذ عدة أعوام.. وبالضرورة لم يحدث فيه أي تغيير.. يصبح من الطبيعي ارتفاع الصوت المنادي بتجميد اتفاقية الحريات الأربع (المنسية) بين السودان ومصر.. إن لم يكن إلغاؤها..! اليوم التالي