انتقد عدد من المغتربين السياسات التي تتبعها البنوك والصرافات في السودان تجاههم، وأشاروا الى أنهم ظلوا يضخون لسنوات طوال من الاغتراب النقد الأجنبي للخزينة العامة، حتى بلغ في عام 2010م ثلاثة مليارات دولار، فيما ترفض البنوك والصرافات منحهم أي قدر من النقد الجانبي عندما يكونون في حاجة إليه عقب إجازاتهم التي تمتد بين شهر الى ستة أشهر. وانتقدوا في إفاداتهم ل «الصحافة» السياسات المتبعة من قبل البنوك والصرافات التي تسارع إلى منح تجار الشطنة آلاف الدولارات واليورو، فيما تمنعه عنهم بحجة انهم «مغتربون» وواجبهم ضخ النقد الأجنبي وليس الحصول عليه. فيما حذَّر خبير اقتصادي من خطورة هذه السياسات التي من شأنها ان تضعف تحويلات المغتربين المرشحة للارتفاع الى أكثر من 10 مليارات دولار خلال سنوات قليلة، مبيناً أنها تمثل بدائل للبترول وتدني عائدات الزراعة. وقال د. عبد السلام محمد سيف: لقد فوجئت بعد أن أمضيت في السودان ثلاثة أشهر برفض البنك الذي أتعامل معه منحي مبلغ ثلاثة آلاف ريال سعودي بحجة أنني مقيم خارج السودان، ودوري أن أمد الخزينة العامة بالنقد الأجنبي، وبالتالي لا يمكن الحصول عليه تحت أي بند. وأبدى استغرابه من هذه السياسة غير المنصفة، وتساءل كيف يمنح الدولار لتجار الشنطة الذين يلحقون الضرر باقتصاد الدولة، ويمنع منه المغتربون الذين هم أبرز من يدخل النقد الأجنبي الى السودان، مؤكدا ان هذه السياسة تعني دفعنا نحو السوق السوداء لنحصل على ما نحتاجه من نقد أجنبي، وهي سياسة تترك في النفس حسرةً وألماً، وتجبر المرء على التعامل خارج الدائرة المصرفية المتعارف عليها. وطالب د. سيف أن يغير البنك المركزي هذه السياسات إن كانت نابعة منه، أما إذا كانت لا تمثل الا تقديرات أفراد فيجب العمل على حسمها. وأكد مصطفى محمد عمر أنه أمضى أكثر من عشرين عاما مغتربا، وظل يتعامل مع البنوك عبر جميع تحويلاته، ولم يلجأ يوما إلى السوق السوداء، قناعةً منه بسلامة مثل هذه المواقف، خاصة أن إجازاته لم تزد طوال هذه السنوات عن 45 يوما، وبالتالي لم يكن في حاجة للبنوك ليحصل منها على نقد أجنبي عقب إجازته. وأوضح أنه قبل ثلاثة أشهر كان بالسودان حيث أمضى لأول مرة خمسة أشهر بالبلاد، وبعد انقضاء الإجازة لم يكن بين يديه نقد أجنبي، فسارع الى البنك الذي يتعامل معه ليزوده بالنقد الأجنبي، خاصة أن أسرته برفقته وسيكون في حاجة لتصريف أموره في الغربة قبل أن يعاود العمل، وحينما وصل البنك طلب منه أن يزور قسم النقد الأجنبي، وهناك وجدت ثلاث موظفات، حملت إحداهن جوازه للمدير، وخلال دقائق معدودات عادت إليه وهي تقول: إن إفادة المدير تؤكد أنك مقيم خارج السودان وليس من حقك الحصول على نقد أجنبي. وأضاف: انه غادر البنك، وفي طريقه وجد صرافة وكانت المفارقة أن طلب منه الموظف أن يصور أوراقه ويسجل اسمه ويأتي صباحاً، وبالفعل تم منحه مبلغ ألف دولار، وهو أمر كما يقول عمر يشير إلى عدم انتهاج سياسة مصرفية بعينها تجاه المغتربين، فكيف يرفض البنك منحه النقد الأجنبي وهو عميل للبنك، وتمنحه له الصرافة؟! وطالبت سعاد عبد الكريم خالد الجهات المصرفية المعنية بالسودان أن تراجع سياساتها تجاه المغتربين، الذين لم يبخلوا على بلادهم، ومن باب المعروف أن تقدم لهم مثل هذه التسهيلات، وبينت أنها ذهبت برفقة زوجها إلى أحد البنوك تطلب منه مبلغاً معيناً وهي وأسرتها في طريقهم إلى السفر غير أنه رفض، ولم تجد خيارا غير التعامل مع السوق السوداء، وقد شعرت بألم ومرارة من هذا التصرف غير الحكيم. ورأى حسن محمدين أن الدولة لا تولي المغتربين أي نوع من الاهتمام، ويبدو الأمر طبيعياً أن تتعامل البنوك مع المغتربين بهذه الكيفية، وقال: عندما انقضت إجازتي السنوية توجهت الى السوق السوداء وحصلت على ما احتاجه من دولارات، ولم أذهب الى البنك لمعرفتي المسبقة بأنه لن يمنحني، وبين أن بعض الصرافات يمكن ان تمنح النقد الاجنبي حتى للمقيمين ان كانت هناك «واسطة»!! وناشد جعفر الصافي يوسف بنك السودان أن يعيد النظر في هذه السياسات غير الموحدة، وأن يوجه البنوك إلى أن تتعامل وفق منهجية واضحة مع المغتربين عند عودتهم إلى مقار اعمالهم بعد انقضاء اجازاتهم السنوية بالسودان. ومن جهته قال الخبير الاقتصادي د. سيد البشير حسين تمام: اننى ظللت دائما أردد أن تناول قضايا الإخوة في بلاد المهجر ظل على الدوام يثير الكثير من الحساسيات لدى أجهزة الدولة الرسمية لكونهم أصبحوا كالجزء الغريب «فى نظرها بالطبع»، ولا شك أن هذه «القضية» تندرج فى هذا السياق. وأضاف د. تمام ل «الصحافة»: لا يخفى على الشخص العادى، ناهيك عن الشخص المسؤول، أن إحدى أهم الركائز الأساسية لدعم الخزينة العامة للدولة بالنقد الأجنبي بعد ذهاب مورد النفط «من غير رجعة» هي تحويلات الإخوة المغتربين فى أركان الدنيا الأربعة، والمقدرة بأكثر من حوالى ثلاثة مليارات دولار فى عام 2010م «حسب مصادر عالمية ومحلية»، والمرشحة إلى أن تقفز إلى أكثر من عشرة مليارات دولار خلال سنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة. وأوضح أن بعض السياسات غير الموفقة، دون نعتها بأكثر من ذلك، «والتى من ضمنها عدم منح العائدين من المغتربين جزءاً يسيراً من مساهمتهم من النقد الأجنبي» يمكن أن تؤدي إلى أن يتقاعس هذا المعين فى لعب دوره بالمساهمة فى ردم هوة الموارد الأجنبية المطلوبة للدولة، بعد ذهاب النفط وتدنى صادرات الزراعة، «والأخيرة هذه كانت وإلى وقت قريب العمود الفقري لاقتصاد السودان، وتحتاج إلى عودة بحول الله»، وذلك بأن يلجأ المغترب إلى الطرق الأخرى الملتوية كالسوق الموازى «اسم الدلع للسوق الأسود» لتحويل مدخراته أو مصاريف أسرته أو اسثماراته «إن وجدت !!»، كرد فعل طبيعي، واجترارا للمرارات التى ذاق طعمها من التعامل «الرسمي» معه فى قضايا كثيرة أهمها التعليم والعلاج وإعفاءات وتسهيلات العودة، والتى لا تتناغم البتة مع ما يدفعه من ضرائب ورسوم مختلفة، وما يقوم بتحويله من مدخرات ومصاريف تدعم خزينة الدولة بالنقد الأجنبي. وبين أن هذا الارتداد العكسي والتعامل مع القنوات غير الرسمية، بالقطع سيؤثر سلباً على حجم حصيلة النقد الأجنبي الداخلة إلى خزينة الدولة «الفارغة أو شبه الفارغة أصلا»، مما قد يساهم فى زيادة تكاليف المعيشة بارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية وانهيار قيمة الجنيه السوداني، وما بلوغ قيمة الجنيه حالياً أكثر من أربعة آلاف جنيه للدولار الواحد إلا أنموذج حي لهذا التقاعس والارتداد الذي يمكن أن يكون أعمق وأضل لا سمح الله. وأشار إلى أنه ولتفادي هذه الآثار السالبة، يجب على الجهات الرسمية المعنية بالأمر دراسته من كل جوانبه وسن التشريعات اللازمة، ووضع السياسات وما يتبعها من نظم وتطبيقها فى أسرع وقت ممكن، بما يكفل عدم فقدان هذا المورد المهم للدولة من العملات الصعبة التى تتزايد الحاجة إليها يوماً بعد يوم بسبب ما نعانيه من مشكلات لا مجال للخوض فيها.