(1 ) في الأسابيع الأخيرة التي نعيشها الآن الخبر الرئيسي في جمهورية السودان المرشحة لتكون سلة غذاء العالم هو أزمة الخبز فما إن تفتح صحيفة أو وسيط من وسائط التواصل الاجتماعي إلا وتجد الخبر الرئيسي (اشتداد أزمة الخبز) أو (انفراج في أزمة الخبز) أما منظر الصفوف أمام المخابز في العاصمة فقد أصبح مألوفاً يتفرج عليه كل العالم. الجهازان السياسي والتنفيذي في أعلى مستوياتهما أصبح لا شغل لهما ولامشغلة إلا مطاردة الرغيفة والرغيفة في حالة وجودها تتناقص وتتمارض كل يوم ومع ذلك تقول وزارة المالية الولائية إنها تدعم كل جوال دقيق زنة مائة كيلو بمبلغ مائتين وخمسين جنيهاً والكل يسأل (الأزمة مكانها وين ؟) وبعد كل هذا ألا يحق لنا أن نقول إن هذه الساعة هي ساعة القمح في السودان؟ ألا يحق لنا أن ننبه أن ساعة التحضير لزراعة القمح قد بدأت الآن ؟ ألا يحق لنا أن نقول اجعلوا موسم 2018 \2019 هو موسم القفز بإنتاجية القمح طالما أن كل عوامل الإنتاج متوفرة اللهم إلا الإرادة السياسية المشغولة الآن بمطاردة الرغيفة المصنوعة من القمح المستورد لا بل الدقيق الردئ المستورد ؟ (2 ) قلنا إن التحضير لزراعة القمح يبدأ الآن بحرث الأرض حتى لا تكمل الحشائش دورتها فتسقط البذور التي سوف تنبت مع القمح فتضعف إنتاجيته أو تباد بمبالغ طائلة ثم إن الحرث يقلب الأرض للتسميد الطبيعي إذن الحرث الآن سوف يقلل من استعمال مبيدات الحشائش ويقلل من استخدام المخصبات. وهذا التحضير يتطلب تحديد المساحة المراد زراعتها فإذا أردنا الزيادة الأفقية يجب أن نغري أصحاب الأرض وهم المزارعون بتوفيرها لزراعة القمح ولا يفكروا في محاصيل بديلة، وهنا تأتي أهمية إعلان سعر التركيز ثم بعد ذلك تأتي الخطوات التالية وهي الزيادة الرأسية فلنقل إننا نريد فدان الجزيرة يقفز إلي عشرين جوالاً أي إلى طن كامل وفدان النيل الأبيض إلى ثلاثين أي إلى طن ونصف وفدان الشمالية إلى طنين بعد هذا نوفر المدخلات لهذه الكمية المستهدفة كذا يوريا وكذا فوسفات وكذا سماد ورقي وهنا يأتي دور وزارة المالية عبر البنك الزراعي أو أي آلية أخرى فالدعم الذي يذهب لجوال الدقيق المستورد يتحول للمنتج المحلي أما وزارة الري فهي صاحبة الكلمة النهائية فعليها أن تعلن المساحة التي يمكن ريها ولكن على هذه الوزارة أن تعلم أن الخزانات القديمة في السودان أنشئت للري وليس لكهربة القطاع السكني في العاصمة وغيرها. (3 ) أصدقكم القول بأنني لست متفائلاً بأن يكون هناك تركيز على القمح لقوة أصحاب المصالح المخذلين لهذا الأمر، فاليوم أو غداً سيطلع لنا من يقول إن القمح أو الدقيق المستورد أقل من تكلفة الإنتاج المحلي، ويقوم بعملية حسابية بسيطة تعتمد على تخفيض متوسط الإنتاج المحلي ويتجاهل تماماً أن هذا المتوسط قابل للزيادة لدرجة الضعف فياجماعة الخير إن توطين زراعة القمح تعني زيادة الخبرة التراكمية تعني زيادة الآليات في الزراعة وفي الحصاد لدرجة تصنيعها محلياً وتعني توفير المدخلات لا بل تصنيعها محلياً كل هذا لن يتأتى إلا بالاستمرار في زراعة القمح وإخراجها من لعبة السلم والثعبان المطبقة حالياً. (4 ) هناك نفر قد يكون حسن النية يقول بضرورة ترك القمح والرجوع لأكلنا القديم المتمثل في الذرة والدخن والذي منه،وبالطبع هذا لن يكون مخرجاً من الأزمة الحالية ولكن فلندعو لذلك ونعمل له فإذا تحقق فلنزرع القمح للصادر فهو محصول استراتيجي وبالمناسبة أول مسح قام به الإنجليز عام 1902 لمنطقة الجزيرة كان بهدف زراعة القمح للتصدير وكانت النتيجة إيجابية ولكن فيما بعد احتاجوا للقطن فكان ما كان وهذه قصة أخرى. السوداني