(إن حبي الحقيقي الذي يرويني هي الشعلة التي تحترق داخل الملايين من بائسي ومحرومي العالم، شعلة البحث عن الحرية والحق والعدالة) *(تش جيفارا)* أدهشتني المظاهرات والمواكب التي انخرط فيها مئات الآلاف من جماهير شعبنا أدهشت العالم ومازالت، لكنها صدمت دعاة الإسلام السياسي ورعاة حكمه في السودان وخارجه، لأنها فضحت جوهر الدولة الدينية ومشروعها الحضاري الذي دمر البلاد والعباد. وانخرط الآلاف تهدر في الشوارع كالسيول شيبا وشبابا نساء ورجالا في جسارة وثقة واستعدادهم للمزيد من التضحيات في سبيل (تسقط بس) ووطن خيِّر ديمقراطي وطن بالفيهو نتساوى نحلم نقرأ نداوى.. عجزت أمامه ترسانات ومليشيات النظام والإعلام المأجور. لم تملك لسلطة أمام هذا الإعجاز البشري سوى العنف عنف لم يستثنَّ أحدا عنف يفضح يوميا زيف شعارات السلام والحوار، عنف كشف العداء للرأي الآخر كشف التمسك بالسلطة ولو على جماجم الأغلبية عنف كشف العداء للمرأة. اجتهد الإسلاميون في مشروعهم الحضاري في تدجين الحركة النسائية ولإعادة النساء في السودان إلى دورهن التقليدي في البيوت بعد أن حققت الحركة النسائية مكتسبات كبيرة وأساسية في الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية، إلا أن نظام الجبهة الإسلامية عمل باجتهاد ومثابرة لإفراغ هذه الحقوق من محتواها الحقيقي على الصعيد العملي، وتوهم أن حصيلته العظيمة هي اجيال من النساء الخانعات الراضيات بأقدارهن الفقر والعوز والمرض والحرمان من العيش الكريم والعمل الشريف وسوء أوضاع الأسرة، توهمت الانقاذ أن نساء السودان العطوفات الرقيقات الصابرات العابدات المطيعات لحكامهن وأزواجهن الحافظات لأنفسهن وغيرها من النعوت، أنهن لن ينجرفن وراء هراءات المعارضة. فات على قادة الإسلام السياسي أن النساء جزء أصيل من هذا الشعب، وأنهن نلن من عسف هذا النظام وفظاعته بأكثر من الرجال، وأنهن لسن ناقصات عقل ودين وأن فشل المشروع الحضاري يتجلَّى في انخراط النساء في كل أشكال المقاومة منذ 1989 حتى الآن بلا مهادنة أو تردد. إن هلع النظام من المشاركة الواسعة للنساء في الحراك الجماهيري وجسارتهن نابعا انها تولد فجأة ولم تأت من مصادر خارجية مستوردة، بل من هذه النضالات وإرتكازا على تاريخ طويل منذ عهد الكنداكات اللائي حكمن السودان. في وجه هذه الجسارة والزخم أشهرت قوى الإسلام السياسي أسلحتها العاجزة من العنف في كل أشكاله، والذي شهده العالم. نسى الإسلاميون شعاراتهم حول المرأة واهبة الحياة فكان نصيبها الضرب والإذلال والاعتقال والقتل ومواجهة الرصاص والبمبان ومحاكم الطوارئ الجائرة؛ التي واجهتها النساء بالصمود، والمزيد من المقاومة حتى (تسقط بس) فما أذهل الجلادين وبلا حياء يحتفل النظام وزبانيته بعيد الأم، وهو الذي حرق حشا أمهات الشهداء والمعتقلين والجرحى، وهو الذي اعتقل وسجن الأمهات أن صمود الامهات المعتقلات وراء قضبان سجن أم درمان وغيرها من السجون ولعدة أشهر وحرمانهن حتى من مجرد الاتصال بأطفالهن والاطمئنان عليهم بل وابتزاز البعض منهن وتهديدهن بأطفالهن، سيظل وصمة عارٍ في تاريخ الإسلاميين ووساما لنساء السودان. التحية للأمهات تحية خاصة للدكتورة هبة، التي حرمت من أطفالها الخمسة ولمناهل التي عجز المتحري عن ابتزازها بطفلتها ولإحسان التي أخفت عنها أسرتها أن أبنها أصيب في المظاهرات، وإلى أديبة التي غنت لحفيدتها (الدقلوشه) ودكتورة إحسان التي حلمت برؤية يحمودي الصغير. وغيرهن أمهات كثيرات في كل أنحاء السودان، ولا سبيل آخر لحياة وأمومة أفضل وأسرة مستقرة وسعيدة، إلا بإسقاط هذا النظام، فالرأسمالية الطفيلية دمرت الأسرة أكثر من تدميرها للزراعة والصناعة. إن الإسلام السياسي مثله مثل النازية والفاشية يعادي النساء ويرتعش من وعيهن، ناهيك عن قدرتهن على التنظيم والفعل والتغيير. إن نضال النساء ليس عاملا مساعدا في الفعل الثوري، إنما فعل أصيل ولازم كأنداد ورفاق مع الرجال. فيا نساء السودان إتحدن. (لنا عودة) الميدان عدد 31 مارس 2019م