هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلتقاطها الأنفاس (1)
فيصل مصطفى
نشر في الراكوبة يوم 28 - 08 - 2019


لم تكن الممارسة اليومية الصباحية
لرياضة المشي المتسارع كافية
لكبت ماطرأ من نوازع
ظلت تمور في داخلي
لذلك بدأ في توسيع
دائرة جولته الرياضية
فشملت اجتياز كُبرى المسلمية
و الإلتفاف حول ميدان "أبو جنزير"
ثم العودة مرة أخرى
إلى نقطة الإنطلاق متباطئاً
ينهج
وتتقطع أنفاسه
و تعلو حبات العرق جبينه
و لكنه لا يلبث أن يلتقط أنفاسه
مستعيداً نشاطه
عقب خروجه
من حمام مياهه فاترة
رنين الهاتف لا ينقطع
شعره لا زال مبلولاً
إعتدت ألا أجففه
الطقس الجاف السائد
في معظم فصول السنة
يتولى المهمة
كاد ينكفئ على وجهه
و أنا ألاحق صدى الرنين المنبعث
من الآلة السوداء
قبل تلاشيه
إلتقطت المسماع في لهفة
ظناً منه أن هناك
في الطرف الآخر
من كادت أن تهدم قلاعه
لكنه لإنكساره
أتاه صوت رخو
– هنا فيلا دولي …
وضع المسماع
دون أن يرد
أدرت جهاز التسجيل
صدح "وردي" بصوته الرحيب
ينشد لثورة أكتوبر الأخضر
أغاني الحياة
حياة جديدة
ينبغي أن تنظم مناحي الشرائح الإجتماعية
و تغمرها فرحاً
عقب تراكم حزم من الصبر و الأحزان
ظل خلالها الشعب السوداني
صامداً
منتظراً
حتى إذا الصبح أطل
أراد أن ينعم بانتصاراته
ويزهو مفاخراً الشعوب
بأنه قادراً على كسر القيود
ومفجراً لثورة سلمية
تتسامى عن الثورات
التي نصبت المقاصل لمشعليها
و أكلت أبناءها كالقطط
هذا شعب في ظنه
يستحق أن يتباهى بشرفه الباذخ
و يعلو عن الصغائر
و يزاحم الآخرين
لسبب ما
ظل غامضاً
تراخت أوصاله
و إنفرطت قبضته
بعد أن تكورت
و كادت أن تلطم الطغيان
و تفكك صلابة الجبروت
و ترديه قتيلاً
و لحيرته لم يحدث ذلك !!…
* * *
لماذا لا تكف "علياء"
عن إسداء النصائح ؟…
لماذا لا تقبل النصائح المباشرة ؟…
كنت أعلم يقيناً
أن "علياء" قلبها
يغمرني بفيض
من الحنان النابع
من آصرة صحبة عميقة
غير إن "رُمانة" لا تلو جهداً
في السير عبر دروب وعرة
محفوفة بالمخاطرة
بينما صهيل ذاكرتها الجامحة
يراكم مزيداً
من رصيد الوعظ و الإرشاد و النصح المغلف
بقصص و حكايا الشيخ "فرح ود تكتوك"
حينما نلتقي مساء
"حول حبوتي ، "بت نفرين"
وهي تسلبنا آذاننا
بصوتها الرخيم
من خلال ما تسرده
علينا من أحداث
و وقائع الأسلاف
لترسيخ قيم الصدق
و الكرم و الشجاعة
و تنمية طاقة الإستبصار فينا
كما قرأ الشيخ ( فرح و د تكتوك )
مجمل منجزات عصره
قراءة مستبصرة منحته القدرة
على التنبؤ باختراع القطار والمسرة
مختزلاً ذلك في قوله
[سيأتي زمن يكون فيه السفر بالبيوت والكلام بالخيوط] كانت حبوتها "بت نفرين"
بارعة في سرد الأحجيات
و لديها خاصية تجسيد الأحداث
و تلوين نبرات صوتها
تفخيماً و ترقيقاً
و جعله أجشاً وخشناً كشخير المناشير
في حطب جذوع الأشجار
التي لم تجف بعد …
و عندما تدرك أننا أنزلقنا
بنعومة في بحيرة طلاوة الحكي المعسول
تعرج بنا إلى مرامي أخرى
فتسرد علينا حكاية
الطريد الملاحق من قبل طالبيه
مستجيراً بالشيخ ( فرح ود تكتوك )
ولدهشته أشار إلى كومة
من القش الجاف
و قال له توارى خلفها
دلهم إلى ذات الكومة
وقال لهم أن طريدكم
يختبئ هنا خلفها …
فأنصرفوا ظناً منهم أنه
يسخر منهم متهكماً
فتختم "بت نفرين" ليلتها الثامنة و العشرين
بعد المائة كأنها منجم من الحكايا الساحرة قائلة :-
– ألم أقل لكم إن الصدق نجاة
فنأمن على خاتمتها جميعاً بصوت واحد
– حقاً إن الصدق نجاة
و تظل الذاكرة تضخ ألواناً
من الذكريات و الأحداث
و أنا أناطح "علياء"
رغم علمي اليقيني من نواياها الحسنة
تجاهي و نبل مقاصدها
فهي تعتقد إعتقاداً جازماً
إن ذهابي إلى مأوى "الفاتح"
بلا تابلت.... قد يؤدي إلى عواقب وخيمة
و غير حميدة في أحسن الظروف و الأحوال !!!…
و لكنها تركب رأسها و تنفي نفياً قاطعاً
أن ( الفاتح سلمان ) يختلف تماماً عن الآخرين
بل تقف في مواجهة "علياء" وتقول بملء فيها
– إنه نسيج وحده
– هراء ليس هناك رجل نسيج وحده
كلهم سواء..
و إذا أردت الحقيقة كلهم ذئاب
و أغلب ظني إنك تدركين ما اعني
– أنت التي لا تدركين
من هو " الفاتح سلمان" …
– ليكن ما تظنين وتعتقدين
فقط إلتقطي أنفاسك و أطيلي النظر
فيما حولك.. ثم بعد ذلك قرري …
– لقد قررت وانتهى الأمر
– أرجو أن تجني ثماراً غير فجة
– مواسم الحصاد أقبلت
مع قدوم أكتوبر الأخضر
لم يعد هناك تناقضاً
بين الحاكم و الشعب ….
ألا ترين أن حائط السجن إنكسر
و الكنوز انفتحت
في باطن الأرض تنادي و الحقول
اشتعلت قمحاً و وعداً و تمني
– ثم ماذا بعد ؟….لتقاط الانفاس# { 1 }
لم تكن الممارسة اليومية الصباحية
لرياضة المشي
لم تكن الممارسة اليومية الصباحية
لرياضة المشي المتسارع كافية
لكبت ماطرأ من نوازع , ظلت تمور
في داخلي لذلك بدأ
في توسيع دائرة جولته الرياضية
فشملت اجتياز كُبرى المسلمية
و الإلتفاف حول ميدان "أبو جنزير"
ثم العودة مرة أخرى
إلى نقطة الإنطلاق متباطئاً
ينهج
وتتقطع أنفاسه
و تعلو حبات العرق جبينه
و لكنه لا يلبث أن يلتقط أنفاسه
مستعيداً نشاطه
عقب خروجه من حمام مياهه فاترة
رنين الهاتف لا ينقطع
شعره لا زال مبلولاً
إعتدت ألا أجففه
الطقس الجاف السائد
في معظم فصول السنة
يتولى المهمة
كاد ينكفئ على وجهه
و أنا ألاحق صدى الرنين المنبعث
من الآلة السوداء
قبل تلاشيه
إلتقطت المسماع في لهفة
ظناً منه أن هناك في الطرف الآخر
من كادت أن تهدم قلاعه
لكنه لإنكساره
أتاه صوت رخو
– هنا فيلا دولي …
وضع المسماع دون أن يرد
أدرت جهاز التسجيل
صدح "وردي" بصوته الرحب
ينشد لثورة أكتوبر الأخضر
أغاني الحياة
حياة جديدة ينبغي
أن تنظم مناحي الشرائح الإجتماعية
و تغمرها فرحاً ، عقب تراكم حزم
من الصبر و الأحزان
ظل خلالها الشعب السوداني
صامداً
منتظراً
حتى إذا الصبح أطل
أراد أن ينعم بانتصاراته
ويزهو مفاخراً الشعوب
بأنه قادراً على كسر القيود
ومفجراً لثورة سلمية
تتسامى عن الثورات
التي نصبت المقاصل لمشعليها
و أكلت أبناءها كالقطط
هذا شعب في ظنه يستحق
أن يتباهى بشرفه الباذخ
و يعلو عن الصغائر
و يزاحم الآخرين
لسبب ما
ظل غامضاً
تراخت أوصاله
و إنفرطت قبضته
بعد أن تكورت
و كادت أن تلطم الطغيان
و تفكك صلابة الجبروت
و ترديه قتيلاً
و لحيرته لم يحدث ذلك !!…
* * *
لماذا لا تكف "علياء"
عن إسداء النصائح ؟…
لماذا لا تقبل النصائح المباشرة ؟…
كنت أعلم يقيناً
أن "علياء" قلبها
يغمرني بفيض
من الحنان النابع
من آصرة صحبة عميقة
غير إن "رُمانة" لا تلو جهداً
في السير عبر دروب وعرة
محفوفة بالمخاطرة
بينما صهيل ذاكرتها الجامحة
يراكم مزيداً
من رصيد الوعظ و الإرشاد
و النصح المغلف بقصص
و حكايا الشيخ "فرح ود تكتوك"
حينما نلتقي مساء "حول حبوتي ، "بت نفرين"
وهي تسلبنا آذاننا بصوتها الرخيم من خلال ما تسرده
علينا من أحداث و وقائع الأسلاف
لترسيخ قيم الصدق
و الكرم و الشجاعة
و تنمية طاقة الإستبصار فينا
كما قرأ الشيخ ( فرح و د تكتوك )
مجمل منجزات عصره
قراءة مستبصرة منحته القدرة
على التنبؤ باختراع القطار والمسرة
مختزلاً ذلك في قوله
[سيأتي زمن يكون فيه السفر بالبيوت والكلام بالخيوط] كانت حبوتها "بت نفرين" بارعة
في سرد الأحجيات و لديها خاصية تجسيد
الأحداث و تلوين نبرات صوتها تفخيماً و ترقيقاً و جعله أجشاً وخشناً كشخير المناشير في حطب جذوع الأشجار التي لم تجف بعد …
و عندما تدرك أننا أنزلقنا بنعومة في بحيرة طلاوة الحكي المعسول ، تعرج بنا إلى مرامي أخرى
فتسرد علينا حكاية الطريد الملاحق من قبل طالبيه ، مستجيراً بالشيخ ( فرح ود تكتوك )
ولدهشته أشار إلى كومة من القش الجاف و قال له توارى خلفها
دلهم إلى ذات الكومة وقال لهم أن طريدكم يختبئ هنا خلفها …
فأنصرفوا ظناً منهم أنه يسخر منهم متهكماً ، فتختم "بت نفرين" ليلتها الثامنة و العشرين بعد المائة كأنها منجم من الحكايا الساحرة قائلة :-
– ألم أقل لكم إن الصدق نجاة
فنأمن على خاتمتها جميعاً بصوت واحد
– حقاً إن الصدق نجاة
و تظل الذاكرة تضخ ألواناً من الذكريات و الأحداث و أنا أناطح "علياء" رغم علمي اليقيني من نواياها الحسنة تجاهي و نبل مقاصدها ، فهي تعتقد إعتقاداً جازماً إن ذهابي إلى مأوى "الفاتح" بلا تابلت.... قد يؤدي إلى عواقب وخيمة و غير حميدة في أحسن الظروف و الأحوال !!!…
و لكنها تركب رأسها و تنفي نفياً قاطعاً ، أن ( الفاتح سلمان ) يختلف تماماً عن الآخرين
بل تقف في مواجهة "علياء" وتقول بملء فيها
– إنه نسيج وحده
– هراء ليس هناك رجل نسيج وحده.. كلهم سواء.. و إذا أردت الحقيقة كلهم ذئاب و أغلب ظني إنك تدركين ما اعني
– أنت التي لا تدركين من هو " الفاتح سلمان" …
– ليكن ما تظنين وتعتقدين.. فقط إلتقطي أنفاسك و أطيلي النظر فيما حولك.. ثم بعد ذلك قرري …
– لقد قررت وانتهى الأمر
– أرجو أن تجني ثماراً غير فجة
– مواسم الحصاد أقبلت مع قدوم أكتوبر الأخضر ، لم يعد هناك تناقضاً بين الحاكم و الشعب ….
ألا ترين أن حائط السجن إنكسر و الكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي و الحقول اشتعلت قمحاً و وعداً و تمني
– ثم ماذا بعد ؟….
– هامش الحرية المتاح الآن سيصبح متناً ، عقب أجراء إنتخابات حرة و نزيهة و تشكيل حكومة وطنية تحقق العدالة الإجتماعية و المساواة بين سواد الناس من الشعب السوداني …
"علياء" ساخرة
– و يسود المناخ الصحي وتصفو النفوس.. و ترتع الحملان مع الذئاب حهاراً نهاراً !!؟…
– لست طوبائية كما يتبادر إلى ذهنك.. لكني أتحدث عن قدرة ثورة أكتوبر الأخضر في التأثير على تشكيل وجدان الشعب السوداني.. ولا سيما الأجيال الشابة !…
– انت تحلمين
– دعيني أحلم
الحلم و الخيال خبزنا اليومي
عادة نمارسها
قبل النوم و بعده
و في أغلب الأحايين أثناء السبات العميق …
نحن نصنع الغد المشرق
من خلال هذا النشاط الإنساني
الذي أنجز كل بدائع منجزات هذا العصر !!؟…
* * *
صارت أمسية الخميس موعداً مقدساً
يحرص ثلاثتهم على الإيفاء به
و المداومة على الإحتفاء به زماناً ومكاناً
كذكرى عزيزة لميلاد صداقتهم ؛؛؛
منذ اللحظات الأولى لقدوم الأصيل
يشرع "الفاتح سلمان" في إعداد "الحلة"
وقبل أن يلج "محمود منصور" محملاً
بالفرح المعبأ في زجاجات ، كما كان يطلق على (العرقي)
تكون "الحلة" قد سُبكت تماماً
و أصبحت جاهزة للتسخين الذي يسبق خاتمة الأمسية الاسبوعية الأثيرة لديهم
بينما كان يتناول "الفاتح سلمان" محمولات "محمود منصور" ليضعها على الطاولة المستديرة
يدلف "لبن" مسبوقاً بضجيجه المعهود
و أكياس المزة تتقدمه بشتى ضروبها
بما لذ وطاب ؛؛؛
إقتعد ثلاثتهم كراسي الخيزران حول المائدة الرسمية ؛؛؛؛
و إبتدرهما صاحب المأوى وهو يرفع كأسه قائلاً
– في صحة الخير و الحق و الجمال
تماست الكؤوس في رنين خافت ، قبل أن تُبتلع دفعة واحدة ؛؛؛
– ألم أقل لك بكرياً ؟…
– حقاً إنها لا تكذب
– إذا كان غير ذلك فهي لا تراوغ
– هكذا هن دائماً يحافظن على جودة البضاعة و خلوها من المعايب ؛؛؛
– هذا جيل لن يتكرر أبداً
كان "لبن" ينصت إلى حوارهما بتركيز و عند هذه النقطة علق قائلاً
– هؤلاء النساء آخر صانعات العرقي المحترم …
فانفجروا في ضحك صاخب و متواصل كاد أن يعانق عنان السماء
و مع توغل ساعات الليل توالت الكؤوس الملئ التي توضع على الطاولة فارغة
و لم يلبث ثلاتهم أن تسرب الأنتشاء إلى رؤسهم و بان الفرح على الوجوه
همس "لبن" وهو يمد كأسه الفارغة
– املأ رأسك بالخمر قبل ان تمتلئ بالتراب
إمضاء (باخوس إله الخمر) عند الإغريق ؛؛؛
و كانوا كلما يلقي "لبن" بملحة أو طرفة تتعالى ضحكاتهم ولا تنقطع إلا عندما يحشون افواهم بأطايب المزة … بعد حين هدأ صخبهم
و أخذ حديثهم يجنح نوعاً ما إلى الثرثرة الصفوية كما كان يسميها "لبن" ساخراً
في البدء تطرق حديثهم إلى خارج محيط وكرهم المتواري خلف شجرة نيم ... ضخمة ، ثم عبر سوق نمرة إتنين إلى المحطة الوسطى و دار حول مدينتي بحري و أم درمان و لم يلبث أن تخطاهما إلى الدول المتاخمة للوطن و ضالعاً في التوغل شمالاً رست مراكبه ، على مرافيء العالم الأول و شطآن المشرقين الأدنى و الآخر الأقصى و من ثم مرتداً إلى مجاهل أفريقيا و أدغالها باحثاً و منقباً و محللاً كل الأحداث و الافكار التي تمور و تضطرم على متن سطح هذه البسيطة
إنصب جُل حديث "لبن" عن قضايا محلية جنح للقومية السودانية و المصير الذي يمكن أن يشكل كيان الوطن لاحقاً
بينما عرج "محمود منصور" صوب الشمال حيث بؤر الأحداث الجسام التي تدير كروية الأرض حول نفسها
فهو كغيره من أبناء جيله
أدرك منذ الوهلة الأولى
مدى أهمية أن تكون جزءً من الكل
فضلاً عن حاجتنا الملحة لمعرفة الآخر
بأن تكون ملماً بما يدور حولك في العالم ….
أن ترصده على الأقل وتنفعل به
و في أفضل الحالات أن تتفاعل معه
بدأ حديثه بمظاهرات الطلاب في فرنسا إبان الربع الأخير من عقد الستينات ، من القرن العشرين و ما رافقها من حركات الرفض لما هو قائم و التمرد على السكونية والإستسلام للأمر الواقع ؛؛؛
و دور الفن العالمي و على وجه الخصوصية الفن الغربي في جانبه الإنساني ضد قمع حركات التحرر في العالم الثالث و مصادرة حريات الشعوب الطامحة في كسر قيد الباغي المستبد أياً كان إجنبياً أو وطنياً !!؟…
بما أن "محمود منصور" كان عاشقاً للسينما و لا يفوته أي فيلم من الأفلام ذات القيمة الفنية العالية التي تعرض غالباً في داري عرض النيل الأزرق أو الخرطوم غرب ….
فأخذ يتحدث عن السينما العالمية الجديدة بدء من الواقعية الإطالية برموزها المشهورين (بازوليني وفيليني) وانتهاءً (بالموجة الجديدة للسينما الفرنسية) مروراً بالسينما الإمريكية و تقنياتها المدهشة و مقبلات هذا المنجز العصري المبهر كالفاتنة الأمريكية "مارلين مونرو" و الفرنسية "بريجيت باردو" و الإيطالية "جينا لولو بريجيتا"
وما تبثه هذه الآلة الساحرة الراقية الشعبية معاً ك (جراب الحاوي) من أفلام مثيرة للجدل مثل (جامع الفراشات و صوت الموسيقى و نقطة تلاشي) و و و و
– هامش الحرية المتاح الآن سيصبح متناً ، عقب أجراء إنتخابات حرة و نزيهة و تشكيل حكومة وطنية تحقق العدالة الإجتماعية و المساواة بين سواد الناس من الشعب السوداني …
"علياء" ساخرة
– و يسود المناخ الصحي وتصفو النفوس.. و ترتع الحملان مع الذئاب حهاراً نهاراً !!؟…
– لست طوبائية كما يتبادر إلى ذهنك.. لكني أتحدث عن قدرة ثورة أكتوبر الأخضر في التأثير على تشكيل وجدان الشعب السوداني.. ولا سيما الأجيال الشابة !…
– انت تحلمين
– دعيني أحلم
الحلم و الخيال خبزنا اليومي
عادة نمارسها
قبل النوم و بعده
و في أغلب الأحايين أثناء السبات العميق …
نحن نصنع الغد المشرق
من خلال هذا النشاط الإنساني
الذي أنجز كل بدائع منجزات هذا العصر !!؟…
* * *
صارت أمسية الخميس موعداً مقدساً
يحرص ثلاثتهم على الإيفاء به
و المداومة على الإحتفاء به زماناً ومكاناً
كذكرى عزيزة لميلاد صداقتهم ؛؛؛
منذ اللحظات الأولى لقدوم الأصيل
يشرع "الفاتح سلمان" في إعداد "الحلة"
وقبل أن يلج "محمود منصور" محملاً
بالفرح المعبأ في زجاجات ، كما كان يطلق على (العرقي)
تكون "الحلة" قد سُبكت تماماً
و أصبحت جاهزة للتسخين الذي يسبق خاتمة الأمسية الاسبوعية الأثيرة لديهم
بينما كان يتناول "الفاتح سلمان" محمولات "محمود منصور" ليضعها على الطاولة المستديرة
يدلف "لبن" مسبوقاً بضجيجه المعهود
و أكياس المزة تتقدمه بشتى ضروبها
بما لذ وطاب ؛؛؛
إقتعد ثلاثتهم كراسي الخيزران حول المائدة الرسمية ؛؛؛؛
و إبتدرهما صاحب المأوى وهو يرفع كأسه قائلاً
– في صحة الخير و الحق و الجمال
تماست الكؤوس في رنين خافت ، قبل أن تُبتلع دفعة واحدة ؛؛؛
– ألم أقل لك بكرياً ؟…
– حقاً إنها لا تكذب
– إذا كان غير ذلك فهي لا تراوغ
– هكذا هن دائماً يحافظن على جودة البضاعة و خلوها من المعايب ؛؛؛
– هذا جيل لن يتكرر أبداً
كان "لبن" ينصت إلى حوارهما بتركيز و عند هذه النقطة علق قائلاً
– هؤلاء النساء آخر صانعات العرقي المحترم …
فانفجروا في ضحك صاخب و متواصل كاد أن يعانق عنان السماء
و مع توغل ساعات الليل توالت الكؤوس الملئ التي توضع على الطاولة فارغة
و لم يلبث ثلاتهم أن تسرب الأنتشاء إلى رؤسهم و بان الفرح على الوجوه
همس "لبن" وهو يمد كأسه الفارغة
– املأ رأسك بالخمر قبل ان تمتلئ بالتراب
إمضاء (باخوس إله الخمر) عند الإغريق ؛؛؛
و كانوا كلما يلقي "لبن" بملحة أو طرفة تتعالى ضحكاتهم ولا تنقطع إلا عندما يحشون افواهم بأطايب المزة … بعد حين هدأ صخبهم
و أخذ حديثهم يجنح نوعاً ما إلى الثرثرة الصفوية كما كان يسميها "لبن" ساخراً
في البدء تطرق حديثهم إلى خارج محيط وكرهم المتواري خلف شجرة نيم ... ضخمة ، ثم عبر سوق نمرة إتنين إلى المحطة الوسطى و دار حول مدينتي بحري و أم درمان و لم يلبث أن تخطاهما إلى الدول المتاخمة للوطن و ضالعاً في التوغل شمالاً رست مراكبه ، على مرافيء العالم الأول و شطآن المشرقين الأدنى و الآخر الأقصى و من ثم مرتداً إلى مجاهل أفريقيا و أدغالها باحثاً و منقباً و محللاً كل الأحداث و الافكار التي تمور و تضطرم على متن سطح هذه البسيطة
إنصب جُل حديث "لبن" عن قضايا محلية جنح للقومية السودانية و المصير الذي يمكن أن يشكل كيان الوطن لاحقاً
بينما عرج "محمود منصور" صوب الشمال حيث بؤر الأحداث الجسام التي تدير كروية الأرض حول نفسها
فهو كغيره من أبناء جيله
أدرك منذ الوهلة الأولى
مدى أهمية أن تكون جزءً من الكل
فضلاً عن حاجتنا الملحة لمعرفة الآخر
بأن تكون ملماً بما يدور حولك في العالم ….
أن ترصده على الأقل وتنفعل به
و في أفضل الحالات أن تتفاعل معه
بدأ حديثه بمظاهرات الطلاب في فرنسا إبان الربع الأخير من عقد الستينات ، من القرن العشرين و ما رافقها من حركات الرفض لما هو قائم و التمرد على السكونية والإستسلام للأمر الواقع ؛؛؛
و دور الفن العالمي و على وجه الخصوصية الفن الغربي في جانبه الإنساني ضد قمع حركات التحرر في العالم الثالث و مصادرة حريات الشعوب الطامحة في كسر قيد الباغي المستبد أياً كان إجنبياً أو وطنياً !!؟…
بما أن "محمود منصور" كان عاشقاً للسينما و لا يفوته أي فيلم من الأفلام ذات القيمة الفنية العالية التي تعرض غالباً في داري عرض النيل الأزرق أو الخرطوم غرب ….
فأخذ يتحدث عن السينما العالمية الجديدة بدء من الواقعية الإطالية برموزها المشهورين (بازوليني وفيليني) وانتهاءً (بالموجة الجديدة للسينما الفرنسية) مروراً بالسينما الإمريكية و تقنياتها المدهشة و مقبلات هذا المنجز العصري المبهر كالفاتنة الأمريكية "مارلين مونرو" و الفرنسية "بريجيت باردو" و الإيطالية "جينا لولو بريجيتا"
وما تبثه هذه الآلة الساحرة الراقية الشعبية معاً ك (جراب الحاوي) من أفلام مثيرة للجدل مثل (جامع الفراشات و صوت الموسيقى و نقطة تلاشي) و و و و لتقاط الانفاس# { 1 }
لم تكن الممارسة اليومية الصباحية
لرياضة المشي
لم تكن الممارسة اليومية الصباحية لرياضة المشي المتسارع كافية لكبت ماطرأ من نوازع , ظلت تمور في داخلي لذلك بدأ في توسيع دائرة جولته الرياضية فشملت اجتياز كُبرى المسلمية و الإلتفاف حول ميدان "أبو جنزير" ثم العودة مرة أخرى إلى نقطة الإنطلاق متباطئاً
ينهج
وتتقطع أنفاسه
و تعلو حبات العرق جبينه
و لكنه لا يلبث أن يلتقط أنفاسه
مستعيداً نشاطه
عقب خروجه من حمام مياهه فاترة
رنين الهاتف لا ينقطع
شعره لا زال مبلولاً
إعتدت ألا أجففه
الطقس الجاف السائد في معظم فصول السنة
يتولى المهمة
كاد ينكفئ على وجهه
و أنا ألاحق صدى الرنين المنبعث من الآلة السوداء
قبل تلاشيه
إلتقطت المسماع في لهفة
ظناً منه أن هناك في الطرف الآخر
من كادت أن تهدم قلاعه
لكنه لإنكساره
أتاه صوت رخو
– هنا فيلا دولي …
وضع المسماع دون أن يرد
أدرت جهاز التسجيل
صدح "وردي" بصوته الرحب
ينشد لثورة أكتوبر الأخضر
أغاني الحياة
حياة جديدة ينبغي أن تنظم مناحي الشرائح الإجتماعية و تغمرها فرحاً ، عقب تراكم حزم من الصبر و الأحزان
ظل خلالها الشعب السوداني
صامداً
منتظراً
حتى إذا الصبح أطل
أراد أن ينعم بانتصاراته
ويزهو مفاخراً الشعوب
بأنه قادراً على كسر القيود
ومفجراً لثورة سلمية
تتسامى عن الثورات التي نصبت المقاصل لمشعليها
و أكلت أبناءها كالقطط
هذا شعب في ظنه يستحق أن يتباهى بشرفه الباذخ
و يعلو عن الصغائر
و يزاحم الآخرين
لسبب ما
ظل غامضاً
تراخت أوصاله
و إنفرطت قبضته
بعد أن تكورت
و كادت أن تلطم الطغيان
و تفكك صلابة الجبروت
و ترديه قتيلاً
و لحيرته لم يحدث ذلك !!…
* * *
لماذا لا تكف "علياء" عن إسداء النصائح ؟…
لماذا لا تقبل النصائح المباشرة ؟…
كنت أعلم يقيناً أن "علياء" قلبها
يغمرني بفيض من الحنان النابع من آصرة صحبة عميقة
غير إن "رُمانة" لا تلو جهداً
في السير عبر دروب وعرة
محفوفة بالمخاطرة
بينما صهيل ذاكرتها الجامحة
يراكم مزيداً من رصيد الوعظ و الإرشاد و النصح المغلف بقصص و حكايا الشيخ "فرح ود تكتوك"
حينما نلتقي مساء "حول حبوتي ، "بت نفرين"
وهي تسلبنا آذاننا بصوتها الرخيم من خلال ما تسرده
علينا من أحداث و وقائع الأسلاف
لترسيخ قيم الصدق و الكرم و الشجاعة
و تنمية طاقة الإستبصار فينا
كما قرأ الشيخ ( فرح و د تكتوك ) مجمل منجزات عصره قراءة مستبصرة منحته القدرة على التنبؤ باختراع القطار والمسرة ، مختزلاً ذلك في قوله [سيأتي زمن يكون فيه السفر بالبيوت والكلام بالخيوط] كانت حبوتها "بت نفرين" بارعة في سرد الأحجيات و لديها خاصية تجسيد الأحداث و تلوين نبرات صوتها تفخيماً و ترقيقاً و جعله أجشاً وخشناً كشخير المناشير في حطب جذوع الأشجار التي لم تجف بعد …
و عندما تدرك أننا أنزلقنا بنعومة في بحيرة طلاوة الحكي المعسول ، تعرج بنا إلى مرامي أخرى
فتسرد علينا حكاية الطريد الملاحق من قبل طالبيه ، مستجيراً بالشيخ ( فرح ود تكتوك )
ولدهشته أشار إلى كومة من القش الجاف و قال له توارى خلفها
دلهم إلى ذات الكومة وقال لهم أن طريدكم يختبئ هنا خلفها …
فأنصرفوا ظناً منهم أنه يسخر منهم متهكماً ، فتختم "بت نفرين" ليلتها الثامنة و العشرين بعد المائة كأنها منجم من الحكايا الساحرة قائلة :-
– ألم أقل لكم إن الصدق نجاة
فنأمن على خاتمتها جميعاً بصوت واحد
– حقاً إن الصدق نجاة
و تظل الذاكرة تضخ ألواناً من الذكريات و الأحداث و أنا أناطح "علياء" رغم علمي اليقيني من نواياها الحسنة تجاهي و نبل مقاصدها ، فهي تعتقد إعتقاداً جازماً إن ذهابي إلى مأوى "الفاتح" بلا تابلت.... قد يؤدي إلى عواقب وخيمة و غير حميدة في أحسن الظروف و الأحوال !!!…
و لكنها تركب رأسها و تنفي نفياً قاطعاً ، أن ( الفاتح سلمان ) يختلف تماماً عن الآخرين
بل تقف في مواجهة "علياء" وتقول بملء فيها
– إنه نسيج وحده
– هراء ليس هناك رجل نسيج وحده.. كلهم سواء.. و إذا أردت الحقيقة كلهم ذئاب و أغلب ظني إنك تدركين ما اعني
– أنت التي لا تدركين من هو " الفاتح سلمان" …
– ليكن ما تظنين وتعتقدين.. فقط إلتقطي أنفاسك و أطيلي النظر فيما حولك.. ثم بعد ذلك قرري …
– لقد قررت وانتهى الأمر
– أرجو أن تجني ثماراً غير فجة
– مواسم الحصاد أقبلت مع قدوم أكتوبر الأخضر ، لم يعد هناك تناقضاً بين الحاكم و الشعب ….
ألا ترين أن حائط السجن إنكسر و الكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي و الحقول اشتعلت قمحاً و وعداً و تمني
– ثم ماذا بعد ؟….
– هامش الحرية المتاح الآن سيصبح متناً ، عقب أجراء إنتخابات حرة و نزيهة و تشكيل حكومة وطنية تحقق العدالة الإجتماعية و المساواة بين سواد الناس من الشعب السوداني …
"علياء" ساخرة
– و يسود المناخ الصحي وتصفو النفوس.. و ترتع الحملان مع الذئاب حهاراً نهاراً !!؟…
– لست طوبائية كما يتبادر إلى ذهنك.. لكني أتحدث عن قدرة ثورة أكتوبر الأخضر في التأثير على تشكيل وجدان الشعب السوداني.. ولا سيما الأجيال الشابة !…
– انت تحلمين
– دعيني أحلم
الحلم و الخيال خبزنا اليومي
عادة نمارسها
قبل النوم و بعده
و في أغلب الأحايين أثناء السبات العميق …
نحن نصنع الغد المشرق
من خلال هذا النشاط الإنساني
الذي أنجز كل بدائع منجزات هذا العصر !!؟…
* * *
صارت أمسية الخميس موعداً مقدساً
يحرص ثلاثتهم على الإيفاء به
و المداومة على الإحتفاء به زماناً ومكاناً
كذكرى عزيزة لميلاد صداقتهم ؛؛؛
منذ اللحظات الأولى لقدوم الأصيل
يشرع "الفاتح سلمان" في إعداد "الحلة"
وقبل أن يلج "محمود منصور" محملاً
بالفرح المعبأ في زجاجات ، كما كان يطلق على (العرقي)
تكون "الحلة" قد سُبكت تماماً
و أصبحت جاهزة للتسخين الذي يسبق خاتمة الأمسية الاسبوعية الأثيرة لديهم
بينما كان يتناول "الفاتح سلمان" محمولات "محمود منصور" ليضعها على الطاولة المستديرة
يدلف "لبن" مسبوقاً بضجيجه المعهود
و أكياس المزة تتقدمه بشتى ضروبها
بما لذ وطاب ؛؛؛
إقتعد ثلاثتهم كراسي الخيزران حول المائدة الرسمية ؛؛؛؛
و إبتدرهما صاحب المأوى وهو يرفع كأسه قائلاً
– في صحة الخير و الحق و الجمال
تماست الكؤوس في رنين خافت ، قبل أن تُبتلع دفعة واحدة ؛؛؛
– ألم أقل لك بكرياً ؟…
– حقاً إنها لا تكذب
– إذا كان غير ذلك فهي لا تراوغ
– هكذا هن دائماً يحافظن على جودة البضاعة و خلوها من المعايب ؛؛؛
– هذا جيل لن يتكرر أبداً
كان "لبن" ينصت إلى حوارهما بتركيز و عند هذه النقطة علق قائلاً
– هؤلاء النساء آخر صانعات العرقي المحترم …
فانفجروا في ضحك صاخب و متواصل كاد أن يعانق عنان السماء
و مع توغل ساعات الليل توالت الكؤوس الملئ التي توضع على الطاولة فارغة
و لم يلبث ثلاتهم أن تسرب الأنتشاء إلى رؤسهم و بان الفرح على الوجوه
همس "لبن" وهو يمد كأسه الفارغة
– املأ رأسك بالخمر قبل ان تمتلئ بالتراب
إمضاء (باخوس إله الخمر) عند الإغريق ؛؛؛
و كانوا كلما يلقي "لبن" بملحة أو طرفة تتعالى ضحكاتهم ولا تنقطع إلا عندما يحشون افواهم بأطايب المزة … بعد حين هدأ صخبهم
و أخذ حديثهم يجنح نوعاً ما إلى الثرثرة الصفوية كما كان يسميها "لبن" ساخراً
في البدء تطرق حديثهم إلى خارج محيط وكرهم المتواري خلف شجرة نيم ... ضخمة ، ثم عبر سوق نمرة إتنين إلى المحطة الوسطى و دار حول مدينتي بحري و أم درمان و لم يلبث أن تخطاهما إلى الدول المتاخمة للوطن و ضالعاً في التوغل شمالاً رست مراكبه ، على مرافيء العالم الأول و شطآن المشرقين الأدنى و الآخر الأقصى و من ثم مرتداً إلى مجاهل أفريقيا و أدغالها باحثاً و منقباً و محللاً كل الأحداث و الافكار التي تمور و تضطرم على متن سطح هذه البسيطة
إنصب جُل حديث "لبن" عن قضايا محلية جنح للقومية السودانية و المصير الذي يمكن أن يشكل كيان الوطن لاحقاً
بينما عرج "محمود منصور" صوب الشمال حيث بؤر الأحداث الجسام التي تدير كروية الأرض حول نفسها
فهو كغيره من أبناء جيله
أدرك منذ الوهلة الأولى
مدى أهمية أن تكون جزءً من الكل
فضلاً عن حاجتنا الملحة لمعرفة الآخر
بأن تكون ملماً بما يدور حولك في العالم ….
أن ترصده على الأقل وتنفعل به
و في أفضل الحالات أن تتفاعل معه
بدأ حديثه بمظاهرات الطلاب في فرنسا إبان الربع الأخير من عقد الستينات ، من القرن العشرين و ما رافقها من حركات الرفض لما هو قائم و التمرد على السكونية والإستسلام للأمر الواقع ؛؛؛
و دور الفن العالمي و على وجه الخصوصية الفن الغربي في جانبه الإنساني ضد قمع حركات التحرر في العالم الثالث و مصادرة حريات الشعوب الطامحة في كسر قيد الباغي المستبد أياً كان إجنبياً أو وطنياً !!؟…
بما أن "محمود منصور" كان عاشقاً للسينما و لا يفوته أي فيلم من الأفلام ذات القيمة الفنية العالية التي تعرض غالباً في داري عرض النيل الأزرق أو الخرطوم غرب ….
فأخذ يتحدث عن السينما العالمية الجديدة بدء من الواقعية الإطالية برموزها المشهورين (بازوليني وفيليني) وانتهاءً (بالموجة الجديدة للسينما الفرنسية) مروراً بالسينما الإمريكية و تقنياتها المدهشة و مقبلات هذا المنجز العصري المبهر كالفاتنة الأمريكية "مارلين مونرو" و الفرنسية "بريجيت باردو" و الإيطالية "جينا لولو بريجيتا"
وما تبثه هذه الآلة الساحرة الراقية الشعبية معاً ك (جراب الحاوي) من أفلام مثيرة للجدل مثل (جامع الفراشات و صوت الموسيقى و نقطة تلاشي) و و و و ...........................................................................................
إتلقط "الفاتح سلمان" طرف الحديث من "محمود منصور" قبل أن يختمه ، لتوغل الليل عميقاً صوب بدايات الفجر
منتاولاً الجانب الوطني من القضايا المطروحة دون أن يذهب بعيداً عن الهم العام الذي ظل هاجساً ، يلازم ثلاثتهم في حلهم و ترحالهم …
كان اليسار السوداني الذي كونه اليهودي (هنري كورييل) الإيطالي الأصل المصري الجنسية منذ البدايات الأولى في تجمع "حدتو" التنظيم الشيوعي للكفاح المشترك ضد الاحتلال الانجليزي خلال عام 1947
و من عباءة "حدتو" وهي إختصار لمنظمة {الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني} و قد كون (هنري كورييل) منها فرعاً خاصاً بالسودانيين سماه "حدتو" أي {الحركة السودانية للتحرر الوطني] و قد خرج من معطف هذه الحركة
(عبد الخالق محجوب و التجاني الطيب) ليأسسا مع آخرين (الحزب الشيوعي السوداني) متوارياً تحت مسمى (الجبهة المعادية للإستعمار) تجنباً للصدام بالإتجاه الإسلامي الذي كان في ذلك الوقت يتنامى في سباق محموم مع التيار اليساري ….
و على الرغم من أن هذا الحزب إستطاع في وقت وجيز من إستقطاب أعداداً مقدرة من المثقفين إلا إنه تعرض إلى كبوات و عثرات كادت أن تقضي عليه تماماً ، غير أنه كان كطائر السمندل ينفض رماد الحريق لينهض مجدداً قوياً و حيوياً ليستكمل مسيرة نضاله ضد العسف و الجبروت و الأفكار الظلامية بفضل قدرته الفذه في جمع المبدعين حوله بما يقدمه لهم من رعاية وتشجيع و إكتشاف بذرة الموهبة فيهم و تبنيها حتى تشب عن الطوق و تمتلك القدرة على مواجهة أشعة الشمس الساطعة …
ظل هذا التفاعل بين قيادات الحزب و أرهاط الموهبين ، يزدهر و يتنامى حتى أصبح الإبداع و المبدعون قرينان بظلال اليسار و تفرعاته !!؟….
لذلك ظل متامسكاً و لم تُكسر شوكته حينما تم حله من قبل نواب البرلمان السوداني بإيعاذ من قبل التيار الاسلامي
و حتى عندما ضُيقت على قياداته المركزية عقب إجهاض حركة "هاشم العطا" التصحيحية. ، لملم أطراف جراحاته من جديد و إستعاد بعضاً من قواه ، على الرغم من إستمرارية مطاردات عناصره و تعقب ما ظُن أنهم فلوله ، حتى أضطر للعمل تحت الأرض لكن المبدعين السودانيين في شتى بقاع المهاجر ، الذين ينتمون إلى اليسار العريق ، كانوا يفاخرون بهذا الإنتماء ويصنفون أنفسهم باعتبارهم من النخب الطليعية التي تسعى من خلال إبداعهم لتخليص الوطن من هيمنة الأجنبي و الطغم العسكرية الجاثمة على أنفاس البلاد !!؟…
و في ذات السياق ، عاد "الفاتح سلمان" مجدداً للحديث حول تلك الأيام التاريخية التي كاد فيها اليسار أن يمسك بزمام مقاليد الأمور و يرسم للسودان وجهاً مشرفاً ، يحقق من خلاله لشعبه العدالة الإجتماعية التي حلم بها طويلاً ….
و قبل أن يستطرد في وصف الصورة الوردية التي كانت القاعدة العريضة من الطبقة العاملة السودانية تتمناها من الحركة التصحيحية إذا تمكنت من الاستمرار في الحكم ….
أخذه تداعي الصور الحية التي أعقبت إزاحة "نميري" والإستيلاء على السلطة و من هذه الصورة مشهد تدفق الجماهير الغفيرة صوب القصر الجمهوري ، و هم يرفعون الأعلام الحمراء وهي تخفق فوق فضاء شارع القصر من أعتابه حتى نهايته الملتحمة بمحطة السكة حديد ….
و جموع الآلاف من الحناجر الفتية تهدر هاتفة بحياة الحركة التصحيحية و قادتها الأشاوس [هاشم العطا، عبد الخالق محجوب و الشفيع أحمد الشيخ و آخرون ] و هنا فقط
ارتجفت شفتاه
و دمعت عيناه
و كف عن مواصلة الحديث
و طلب من قرينيه راجياً منهما أن ينصرفا أو يمضيان الليلة بمنزله
و تركه وحيداً
لا سيما في هذه الليلة
التي أثارت شجونه
و كادت أن تفتح جراحاً أبرأها الزمن
و قبل أن ينسحب إلى غرفته
همس بصوت مسموع
– الليل تأخر كثيراً و غداً الجمعة
ثم أردف بعد هنيهة
– أنتما تعرفان أين تنامان
* * *
أدركت منذ الوهلة الأولى
أن قرينيه كانا هنا
أعادت كل شيء إلى وضعه السابق
دون أن تبدي تذمراً
كأن ما حدث بالأمس هو الأمر الطبيعي ….
هكذا كان الحال قبل أن تلج عبر عتبة هذا المأوى لأول مرة هكذا ظل هذا المكان هو الأثير لهم جميعاً
على ما هو عليه ، حتى بعد أن صارت من مرتاديه الدائمين
لم تخلُ أمسيات الخميس
و لياليه الصاخبة
من الضحك و اللغو و اللغط
و الحوار الجاد الذي لا يلبث
أن يتحول إلى هم و غم و أسى
و حسرة على ما فات !!؟…
جلستْ تحت ظلال شجرة النيم الوريفة
التي تمددت أفرعها المتشابكة إلى
داخل فناء المأوى في انتظار خروج
"الفاتح" من دورة المياه
هتفت قبل أن يخرج إلي الهول
– هناك كوب من عصير الليمون ينتظرك في الثلاجة
– كأنك تستشعرين ما أهفو إليه في هذه اللحظة
ثم أردف قائلاً
– كم كنت في حاجة ماسة لهذا الكوب البارد
– أنا أدرك حاجتك من النظرة الأولى
– ما رأيك هذه الليلة أن نذهب سوياً إلى السينما ؟…
– أي سينما ؟….
– النيل الأزرق قال "محمود منصور" أنها تعرض فيلماً جيداً من أفلام الموجة الجديدة
– موافقة، فقط أن نتمشى قبل ذلك على شاطئ النيل
– كما تشائين
* * * المتسارع كافية
لكبت ماطرأ من نوازع ,
ظلت تمور في داخلي
لذلك بدأ في توسيع دائرة جولته الرياضية
فشملت اجتياز كُوبرى المسلمية
و الإلتفاف حول ميدان "أبو جنزير"
ثم العودة مرة أخرى
إلى نقطة الإنطلاق متباطئاً
ينهج
وتتقطع أنفاسه
و تعلو حبات العرق جبينه
و لكنه لا يلبث أن يلتقط أنفاسه
مستعيداً نشاطه
عقب خروجه من حمام مياهه فاترة
رنين الهاتف لا ينقطع
شعره لا زال مبلولاً
إعتدت ألا أجففه
الطقس الجاف السائد
في معظم فصول السنة
يتولى المهمة
كاد ينكفئ على وجهه
و أنا ألاحق صدى الرنين
المنبعث من الآلة السوداء
قبل تلاشيه
إلتقطت المسماع في لهفة
ظناً منه أن هناك في الطرف الآخر
من كادت أن تهدم قلاعه
لكنه لإنكساره
أتاه صوت رخو
– هنا فيلا دولي …
وضع المسماع دون أن يرد
أدرت جهاز التسجيل
صدح "وردي" بصوته الرحب
ينشد لثورة أكتوبر الأخضر
أغاني الحياة
حياة جديدة ينبغي
أن تنظم مناحي الشرائح الإجتماعية
و تغمرها فرحاً
عقب تراكم حزم من الصبر و الأحزان
ظل خلالها الشعب السوداني
صامداً
منتظراً
حتى إذا الصبح أطل
أراد أن ينعم بانتصاراته
ويزهو مفاخراً الشعوب
بأنه قادراً على كسر القيود
ومفجراً لثورة سلمية
تتسامى عن الثورات
التي نصبت المقاصل لمشعليها
و أكلت أبناءها كالقطط
هذا شعب في ظنه يستحق
أن يتباهى بشرفه الباذخ
و يعلو عن الصغائر
و يزاحم الآخرين
لسبب ما
ظل غامضاً
تراخت أوصاله
و إنفرطت قبضته
بعد أن تكورت
و كادت أن تلطم الطغيان
و تفكك صلابة الجبروت
و ترديه قتيلاً
و لحيرته لم يحدث ذلك !!…
* * *
لماذا لا تكف "علياء"
عن إسداء النصائح ؟…
لماذا لا تقبل النصائح المباشرة ؟…
كنت أعلم يقيناً
أن "علياء" قلبها
يغمرني بفيض من الحنان النابع
من آصرة صحبة عميقة
غير إن "رُمانة"
لا تلو جهداً
في السير عبر دروب وعرة
محفوفة بالمخاطرة
بينما صهيل ذاكرتها الجامحة
يراكم مزيداً
من رصيد الوعظ و الإرشاد و النصح
المغلف بقصص و حكايا الشيخ "فرح ود تكتوك"
حينما نلتقي مساء "حول حبوبتي ، "بت نفرين"
وهي تسلبنا آذاننا
بصوتها الرخيم من خلال ما تسرده
علينا من أحداث و وقائع الأسلاف
لترسيخ قيم الصدق و الكرم و الشجاعة
و تنمية طاقة الإستبصار فينا
كما قرأ الشيخ ( فرح و د تكتوك )
مجمل منجزات عصره قراءة مستبصرة
منحته القدرة على التنبؤ
باختراع القطار والمسرة ،
مختزلاً ذلك في قوله
[سيأتي زمن يكون فيه السفر بالبيوت
والكلام بالخيوط] كانت حبوتها "بت نفرين"
بارعة في سرد الأحجيات
و لديها خاصية تجسيد الأحداث
و تلوين نبرات صوتها
تفخيماً و ترقيقاً و جعله أجشاً
وخشناً كشخير المناشير
في حطب جذوع الأشجار
التي لم تجف بعد …
و عندما تدرك أننا أنزلقنا
بنعومة في بحيرة طلاوة الحكي
المعسول ، تعرج بنا إلى مرامي أخرى
فتسرد علينا حكاية الطريد الملاحق
من قبل طالبيه ،
مستجيراً بالشيخ ( فرح ود تكتوك )
ولدهشته أشار إلى كومة
من القش الجاف
و قال له توارى خلفها
دلهم إلى ذات الكومة
وقال لهم أن طريدكم
يختبئ هنا خلفها …
فأنصرفوا ظناً منهم
أنه يسخر منهم متهكماً
فتختم "بت نفرين"
ليلتها الثامنة و العشرين
بعد المائة كأنها
منجم من الحكايا
الساحرة قائلة :-
– ألم أقل لكم
إن الصدق نجاة
فنأمن على خاتمتها
جميعاً بصوت واحد
– حقاً إن الصدق نجاة
و تظل الذاكرة تضخ ألواناً
من الذكريات و الأحداث
و أنا أناطح "علياء"
رغم علمي اليقيني
من نواياها الحسنة تجاهي
و نبل مقاصدها
فهي تعتقد إعتقاداً جازماً
إن ذهابي إلى مأوى "الفاتح"
بلا تابلت.... قد يؤدي إلى عواقب
وخيمة و غير حميدة
في أحسن الظروف و الأحوال !!!…
و لكنها تركب رأسها
و تنفي نفياً قاطعاً
أن ( الفاتح سلمان )
يختلف تماماً عن الآخرين
بل تقف في مواجهة "علياء"
وتقول بملء فيها
– إنه نسيج وحده
– هراء ليس هناك رجل نسيج وحده..
كلهم سواء..
و إذا أردت الحقيقة كلهم ذئاب
و أغلب ظني إنك تدركين ما اعني
– أنت التي لا تدركين
من هو " الفاتح سلمان" …
– ليكن ما تظنين وتعتقدين..
فقط إلتقطي أنفاسك
و أطيلي النظر
فيما حولك.. ثم بعد ذلك قرري …
– لقد قررت وانتهى الأمر
– أرجو أن تجني ثماراً غير فجة
– مواسم الحصاد
أقبلت مع قدوم أكتوبر الأخضر
لم يعد هناك تناقضاً
بين الحاكم و الشعب ….
ألا ترين أن حائط السجن إنكسر
و الكنوز انفتحت في باطن الأرض
تنادي و الحقول
اشتعلت قمحاً و وعداً و تمني
– ثم ماذا بعد ؟….
– هامش الحرية المتاح الآن
سيصبح متناً
عقب أجراء إنتخابات حرة و نزيهة
و تشكيل حكومة وطنية
تحقق العدالة الإجتماعية و المساواة
بين سواد الناس من الشعب السوداني …
"علياء" ساخرة
– و يسود المناخ الصحي
وتصفو النفوس..
و ترتع الحملان
مع الذئاب حهاراً نهاراً !!؟…
– لست طوبائية كما يتبادر
إلى ذهنك..
لكني أتحدث
عن قدرة ثورة أكتوبر الأخضر
في التأثير على تشكيل
وجدان الشعب السوداني..
ولا سيما الأجيال الشابة !…
– انت تحلمين
– دعيني أحلم
الحلم و الخيال خبزنا اليومي
عادة نمارسها
قبل النوم و بعده
و في أغلب الأحايين
أثناء السبات العميق …
نحن نصنع الغد المشرق
من خلال هذا النشاط الإنساني
الذي أنجز
كل بدائع منجزات هذا العصر !!؟…
* * *
صارت أمسية الخميس موعداً مقدساً
يحرص ثلاثتهم على الإيفاء به
و المداومة على الإحتفاء به زماناً ومكاناً
كذكرى عزيزة لميلاد صداقتهم ؛؛؛
منذ اللحظات الأولى لقدوم الأصيل
يشرع "الفاتح سلمان"
في إعداد "الحلة"
وقبل أن يلج "محمود منصور" محملاً
بالفرح المعبأ في زجاجات ،
كما كان يطلق على (العرقي)
تكون "الحلة" قد سُبكت تماماً
و أصبحت جاهزة للتسخين
الذي يسبق خاتمة الأمسية
الاسبوعية الأثيرة لديهم
بينما كان يتناول "الفاتح سلمان"
محمولات "محمود منصور" ليضعها
على الطاولة المستديرة
يدلف "لبن" مسبوقاً بضجيجه المعهود
و أكياس المزة تتقدمه بشتى ضروبها
بما لذ وطاب ؛؛؛
إقتعد ثلاثتهم كراسي الخيزران
حول المائدة الرسمية ؛؛؛؛
و إبتدرهما صاحب المأوى
وهو يرفع كأسه قائلاً
– في صحة الخير و الحق و الجمال
تماست الكؤوس
في رنين خافت
قبل أن تُبتلع دفعة واحدة ؛؛؛
– ألم أقل لك بكرياً ؟…
– حقاً إنها لا تكذب
– إذا كان غير ذلك فهي لا تراوغ
– هكذا هن دائماً يحافظن
على جودة البضاعة و خلوها من المعايب ؛؛؛
– هذا جيل لن يتكرر أبداً
كان "لبن" ينصت إلى حوارهما
بتركيز و عند هذه النقطة علق قائلاً
– هؤلاء النساء آخر صانعات العرقي المحترم …
فانفجروا في ضحك صاخب
و متواصل كاد أن يعانق عنان السماء
و مع توغل ساعات الليل
توالت الكؤوس الملئ التي توضع على الطاولة فارغة
و لم يلبث ثلاتهم أن تسرب الأنتشاء
إلى رؤسهم و بان الفرح على الوجوه
همس "لبن" وهو يمد كأسه الفارغة
– املأ رأسك بالخمر قبل ان تمتلئ بالتراب
إمضاء (باخوس إله الخمر) عند الإغريق ؛؛؛
و كانوا كلما يلقي "لبن"
بملحة أو طرفة تتعالى ضحكاتهم
ولا تنقطع إلا عندما يحشون افواهم
بأطايب المزة …
بعد حين هدأ صخبهم
و أخذ حديثهم يجنح نوعاً ما
إلى الثرثرة الصفوية كما كان يسميها "لبن" ساخراً
في البدء تطرق حديثهم إلى خارج محيط
وكرهم المتواري خلف شجرة نيم ...
ضخمة ، ثم عبر سوق نمرة إتنين
إلى المحطة الوسطى
و دار حول مدينتي بحري و أم درمان
و لم يلبث أن تخطاهما
إلى الدول المتاخمة للوطن
و ضالعاً في التوغل شمالاً
رست مراكبه ، على مرافيء العالم الأول
و شطآن المشرقين الأدنى و الآخر الأقصى
حو من ثم مرتداً إلى مجاهل أفريقيا
و أدغالها باحثاً و منقباً و محللاً
كل الأحداث و الافكار
التي تمور و تضطرم على متن
سطح هذه البسيطة
إنصب جُل حديث "لبن"
عن قضايا محلية
جنح للقومية السودانية
و المصير الذي يمكن
أن يشكل كيان الوطن لاحقاً
بينما عرج "محمود منصور"
صوب الشمال حيث بؤر الأحداث الجسام
التي تدير كروية الأرض حول نفسها
فهو كغيره من أبناء جيله
أدرك منذ الوهلة الأولى
مدى أهمية أن تكون جزءً من الكل
فضلاً عن حاجتنا الملحة لمعرفة الآخر
بأن تكون ملماً بما يدور حولك في العالم ….
أن ترصده على الأقل وتنفعل به
و في أفضل الحالات أن تتفاعل معه
بدأ حديثه بمظاهرات الطلاب في فرنسا
إبان الربع الأخير من عقد الستينات
من القرن العشرين و ما رافقها
من حركات الرفض لما هو قائم
و التمرد على السكونية
والإستسلام للأمر الواقع ؛؛؛
و دور الفن العالمي
و على وجه الخصوصية الفن الغربي
في جانبه الإنساني
ضد قمع حركات التحرر
في العالم الثالث
و مصادرة حريات الشعوب الطامحة
في كسر قيد الباغي المستبد
أياً كان إجنبياً أو وطنياً !!؟…
بما أن "محمود منصور"
كان عاشقاً للسينما
و لا يفوته أي فيلم من الأفلام
ذات القيمة الفنية العالية
التي تعرض غالباً
في داري عرض النيل الأزرق
أو الخرطوم غرب ….
فأخذ يتحدث عن السينما العالمية الجديدة
بدءاً من الواقعية الإيطالية
برموزها المشهورين (بازوليني وفيليني)
وانتهاءً (بالموجة الجديدة للسينما الفرنسية)
مروراً بالسينما الإمريكية و تقنياتها المدهشة
و مقبلات هذا المنجز العصري المبهر
كالفاتنة الأمريكية "مارلين مونرو"
و الفرنسية "بريجيت باردو"
و الإيطالية "جينا لولو بريجيتا"
وما تبثه هذه الآلة الساحرة
الراقية الشعبية معاً ك (جراب الحاوي)
من أفلام مثيرة للجدل
مثل (جامع الفراشات
و صوت الموسيقى
و نقطة تلاشي) و و و و و.......................................
فيصل مصطفى
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.