ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    "حكومة الأمل المدنية" رئيس الوزراء يحدد ملامح حكومة الأمل المدنية المرتقبة    الفوز بهدفين.. ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    التغيير الكاذب… وتكديس الصفقات!    السودان والحرب    الأهلي يكسب الفجر بهدف في ديربي الأبيض    عملية اختطاف خطيرة في السودان    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يعود لإثارة الجدل: (بحب البنات يا ناس لأنهم ما بظلموا وما عندهم الغيرة والحقد بتاع الرجال)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلتقاطها الأنفاس (1)
فيصل مصطفى
نشر في الراكوبة يوم 28 - 08 - 2019


لم تكن الممارسة اليومية الصباحية
لرياضة المشي المتسارع كافية
لكبت ماطرأ من نوازع
ظلت تمور في داخلي
لذلك بدأ في توسيع
دائرة جولته الرياضية
فشملت اجتياز كُبرى المسلمية
و الإلتفاف حول ميدان "أبو جنزير"
ثم العودة مرة أخرى
إلى نقطة الإنطلاق متباطئاً
ينهج
وتتقطع أنفاسه
و تعلو حبات العرق جبينه
و لكنه لا يلبث أن يلتقط أنفاسه
مستعيداً نشاطه
عقب خروجه
من حمام مياهه فاترة
رنين الهاتف لا ينقطع
شعره لا زال مبلولاً
إعتدت ألا أجففه
الطقس الجاف السائد
في معظم فصول السنة
يتولى المهمة
كاد ينكفئ على وجهه
و أنا ألاحق صدى الرنين المنبعث
من الآلة السوداء
قبل تلاشيه
إلتقطت المسماع في لهفة
ظناً منه أن هناك
في الطرف الآخر
من كادت أن تهدم قلاعه
لكنه لإنكساره
أتاه صوت رخو
– هنا فيلا دولي …
وضع المسماع
دون أن يرد
أدرت جهاز التسجيل
صدح "وردي" بصوته الرحيب
ينشد لثورة أكتوبر الأخضر
أغاني الحياة
حياة جديدة
ينبغي أن تنظم مناحي الشرائح الإجتماعية
و تغمرها فرحاً
عقب تراكم حزم من الصبر و الأحزان
ظل خلالها الشعب السوداني
صامداً
منتظراً
حتى إذا الصبح أطل
أراد أن ينعم بانتصاراته
ويزهو مفاخراً الشعوب
بأنه قادراً على كسر القيود
ومفجراً لثورة سلمية
تتسامى عن الثورات
التي نصبت المقاصل لمشعليها
و أكلت أبناءها كالقطط
هذا شعب في ظنه
يستحق أن يتباهى بشرفه الباذخ
و يعلو عن الصغائر
و يزاحم الآخرين
لسبب ما
ظل غامضاً
تراخت أوصاله
و إنفرطت قبضته
بعد أن تكورت
و كادت أن تلطم الطغيان
و تفكك صلابة الجبروت
و ترديه قتيلاً
و لحيرته لم يحدث ذلك !!…
* * *
لماذا لا تكف "علياء"
عن إسداء النصائح ؟…
لماذا لا تقبل النصائح المباشرة ؟…
كنت أعلم يقيناً
أن "علياء" قلبها
يغمرني بفيض
من الحنان النابع
من آصرة صحبة عميقة
غير إن "رُمانة" لا تلو جهداً
في السير عبر دروب وعرة
محفوفة بالمخاطرة
بينما صهيل ذاكرتها الجامحة
يراكم مزيداً
من رصيد الوعظ و الإرشاد و النصح المغلف
بقصص و حكايا الشيخ "فرح ود تكتوك"
حينما نلتقي مساء
"حول حبوتي ، "بت نفرين"
وهي تسلبنا آذاننا
بصوتها الرخيم
من خلال ما تسرده
علينا من أحداث
و وقائع الأسلاف
لترسيخ قيم الصدق
و الكرم و الشجاعة
و تنمية طاقة الإستبصار فينا
كما قرأ الشيخ ( فرح و د تكتوك )
مجمل منجزات عصره
قراءة مستبصرة منحته القدرة
على التنبؤ باختراع القطار والمسرة
مختزلاً ذلك في قوله
[سيأتي زمن يكون فيه السفر بالبيوت والكلام بالخيوط] كانت حبوتها "بت نفرين"
بارعة في سرد الأحجيات
و لديها خاصية تجسيد الأحداث
و تلوين نبرات صوتها
تفخيماً و ترقيقاً
و جعله أجشاً وخشناً كشخير المناشير
في حطب جذوع الأشجار
التي لم تجف بعد …
و عندما تدرك أننا أنزلقنا
بنعومة في بحيرة طلاوة الحكي المعسول
تعرج بنا إلى مرامي أخرى
فتسرد علينا حكاية
الطريد الملاحق من قبل طالبيه
مستجيراً بالشيخ ( فرح ود تكتوك )
ولدهشته أشار إلى كومة
من القش الجاف
و قال له توارى خلفها
دلهم إلى ذات الكومة
وقال لهم أن طريدكم
يختبئ هنا خلفها …
فأنصرفوا ظناً منهم أنه
يسخر منهم متهكماً
فتختم "بت نفرين" ليلتها الثامنة و العشرين
بعد المائة كأنها منجم من الحكايا الساحرة قائلة :-
– ألم أقل لكم إن الصدق نجاة
فنأمن على خاتمتها جميعاً بصوت واحد
– حقاً إن الصدق نجاة
و تظل الذاكرة تضخ ألواناً
من الذكريات و الأحداث
و أنا أناطح "علياء"
رغم علمي اليقيني من نواياها الحسنة
تجاهي و نبل مقاصدها
فهي تعتقد إعتقاداً جازماً
إن ذهابي إلى مأوى "الفاتح"
بلا تابلت.... قد يؤدي إلى عواقب وخيمة
و غير حميدة في أحسن الظروف و الأحوال !!!…
و لكنها تركب رأسها و تنفي نفياً قاطعاً
أن ( الفاتح سلمان ) يختلف تماماً عن الآخرين
بل تقف في مواجهة "علياء" وتقول بملء فيها
– إنه نسيج وحده
– هراء ليس هناك رجل نسيج وحده
كلهم سواء..
و إذا أردت الحقيقة كلهم ذئاب
و أغلب ظني إنك تدركين ما اعني
– أنت التي لا تدركين
من هو " الفاتح سلمان" …
– ليكن ما تظنين وتعتقدين
فقط إلتقطي أنفاسك و أطيلي النظر
فيما حولك.. ثم بعد ذلك قرري …
– لقد قررت وانتهى الأمر
– أرجو أن تجني ثماراً غير فجة
– مواسم الحصاد أقبلت
مع قدوم أكتوبر الأخضر
لم يعد هناك تناقضاً
بين الحاكم و الشعب ….
ألا ترين أن حائط السجن إنكسر
و الكنوز انفتحت
في باطن الأرض تنادي و الحقول
اشتعلت قمحاً و وعداً و تمني
– ثم ماذا بعد ؟….لتقاط الانفاس# { 1 }
لم تكن الممارسة اليومية الصباحية
لرياضة المشي
لم تكن الممارسة اليومية الصباحية
لرياضة المشي المتسارع كافية
لكبت ماطرأ من نوازع , ظلت تمور
في داخلي لذلك بدأ
في توسيع دائرة جولته الرياضية
فشملت اجتياز كُبرى المسلمية
و الإلتفاف حول ميدان "أبو جنزير"
ثم العودة مرة أخرى
إلى نقطة الإنطلاق متباطئاً
ينهج
وتتقطع أنفاسه
و تعلو حبات العرق جبينه
و لكنه لا يلبث أن يلتقط أنفاسه
مستعيداً نشاطه
عقب خروجه من حمام مياهه فاترة
رنين الهاتف لا ينقطع
شعره لا زال مبلولاً
إعتدت ألا أجففه
الطقس الجاف السائد
في معظم فصول السنة
يتولى المهمة
كاد ينكفئ على وجهه
و أنا ألاحق صدى الرنين المنبعث
من الآلة السوداء
قبل تلاشيه
إلتقطت المسماع في لهفة
ظناً منه أن هناك في الطرف الآخر
من كادت أن تهدم قلاعه
لكنه لإنكساره
أتاه صوت رخو
– هنا فيلا دولي …
وضع المسماع دون أن يرد
أدرت جهاز التسجيل
صدح "وردي" بصوته الرحب
ينشد لثورة أكتوبر الأخضر
أغاني الحياة
حياة جديدة ينبغي
أن تنظم مناحي الشرائح الإجتماعية
و تغمرها فرحاً ، عقب تراكم حزم
من الصبر و الأحزان
ظل خلالها الشعب السوداني
صامداً
منتظراً
حتى إذا الصبح أطل
أراد أن ينعم بانتصاراته
ويزهو مفاخراً الشعوب
بأنه قادراً على كسر القيود
ومفجراً لثورة سلمية
تتسامى عن الثورات
التي نصبت المقاصل لمشعليها
و أكلت أبناءها كالقطط
هذا شعب في ظنه يستحق
أن يتباهى بشرفه الباذخ
و يعلو عن الصغائر
و يزاحم الآخرين
لسبب ما
ظل غامضاً
تراخت أوصاله
و إنفرطت قبضته
بعد أن تكورت
و كادت أن تلطم الطغيان
و تفكك صلابة الجبروت
و ترديه قتيلاً
و لحيرته لم يحدث ذلك !!…
* * *
لماذا لا تكف "علياء"
عن إسداء النصائح ؟…
لماذا لا تقبل النصائح المباشرة ؟…
كنت أعلم يقيناً
أن "علياء" قلبها
يغمرني بفيض
من الحنان النابع
من آصرة صحبة عميقة
غير إن "رُمانة" لا تلو جهداً
في السير عبر دروب وعرة
محفوفة بالمخاطرة
بينما صهيل ذاكرتها الجامحة
يراكم مزيداً
من رصيد الوعظ و الإرشاد
و النصح المغلف بقصص
و حكايا الشيخ "فرح ود تكتوك"
حينما نلتقي مساء "حول حبوتي ، "بت نفرين"
وهي تسلبنا آذاننا بصوتها الرخيم من خلال ما تسرده
علينا من أحداث و وقائع الأسلاف
لترسيخ قيم الصدق
و الكرم و الشجاعة
و تنمية طاقة الإستبصار فينا
كما قرأ الشيخ ( فرح و د تكتوك )
مجمل منجزات عصره
قراءة مستبصرة منحته القدرة
على التنبؤ باختراع القطار والمسرة
مختزلاً ذلك في قوله
[سيأتي زمن يكون فيه السفر بالبيوت والكلام بالخيوط] كانت حبوتها "بت نفرين" بارعة
في سرد الأحجيات و لديها خاصية تجسيد
الأحداث و تلوين نبرات صوتها تفخيماً و ترقيقاً و جعله أجشاً وخشناً كشخير المناشير في حطب جذوع الأشجار التي لم تجف بعد …
و عندما تدرك أننا أنزلقنا بنعومة في بحيرة طلاوة الحكي المعسول ، تعرج بنا إلى مرامي أخرى
فتسرد علينا حكاية الطريد الملاحق من قبل طالبيه ، مستجيراً بالشيخ ( فرح ود تكتوك )
ولدهشته أشار إلى كومة من القش الجاف و قال له توارى خلفها
دلهم إلى ذات الكومة وقال لهم أن طريدكم يختبئ هنا خلفها …
فأنصرفوا ظناً منهم أنه يسخر منهم متهكماً ، فتختم "بت نفرين" ليلتها الثامنة و العشرين بعد المائة كأنها منجم من الحكايا الساحرة قائلة :-
– ألم أقل لكم إن الصدق نجاة
فنأمن على خاتمتها جميعاً بصوت واحد
– حقاً إن الصدق نجاة
و تظل الذاكرة تضخ ألواناً من الذكريات و الأحداث و أنا أناطح "علياء" رغم علمي اليقيني من نواياها الحسنة تجاهي و نبل مقاصدها ، فهي تعتقد إعتقاداً جازماً إن ذهابي إلى مأوى "الفاتح" بلا تابلت.... قد يؤدي إلى عواقب وخيمة و غير حميدة في أحسن الظروف و الأحوال !!!…
و لكنها تركب رأسها و تنفي نفياً قاطعاً ، أن ( الفاتح سلمان ) يختلف تماماً عن الآخرين
بل تقف في مواجهة "علياء" وتقول بملء فيها
– إنه نسيج وحده
– هراء ليس هناك رجل نسيج وحده.. كلهم سواء.. و إذا أردت الحقيقة كلهم ذئاب و أغلب ظني إنك تدركين ما اعني
– أنت التي لا تدركين من هو " الفاتح سلمان" …
– ليكن ما تظنين وتعتقدين.. فقط إلتقطي أنفاسك و أطيلي النظر فيما حولك.. ثم بعد ذلك قرري …
– لقد قررت وانتهى الأمر
– أرجو أن تجني ثماراً غير فجة
– مواسم الحصاد أقبلت مع قدوم أكتوبر الأخضر ، لم يعد هناك تناقضاً بين الحاكم و الشعب ….
ألا ترين أن حائط السجن إنكسر و الكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي و الحقول اشتعلت قمحاً و وعداً و تمني
– ثم ماذا بعد ؟….
– هامش الحرية المتاح الآن سيصبح متناً ، عقب أجراء إنتخابات حرة و نزيهة و تشكيل حكومة وطنية تحقق العدالة الإجتماعية و المساواة بين سواد الناس من الشعب السوداني …
"علياء" ساخرة
– و يسود المناخ الصحي وتصفو النفوس.. و ترتع الحملان مع الذئاب حهاراً نهاراً !!؟…
– لست طوبائية كما يتبادر إلى ذهنك.. لكني أتحدث عن قدرة ثورة أكتوبر الأخضر في التأثير على تشكيل وجدان الشعب السوداني.. ولا سيما الأجيال الشابة !…
– انت تحلمين
– دعيني أحلم
الحلم و الخيال خبزنا اليومي
عادة نمارسها
قبل النوم و بعده
و في أغلب الأحايين أثناء السبات العميق …
نحن نصنع الغد المشرق
من خلال هذا النشاط الإنساني
الذي أنجز كل بدائع منجزات هذا العصر !!؟…
* * *
صارت أمسية الخميس موعداً مقدساً
يحرص ثلاثتهم على الإيفاء به
و المداومة على الإحتفاء به زماناً ومكاناً
كذكرى عزيزة لميلاد صداقتهم ؛؛؛
منذ اللحظات الأولى لقدوم الأصيل
يشرع "الفاتح سلمان" في إعداد "الحلة"
وقبل أن يلج "محمود منصور" محملاً
بالفرح المعبأ في زجاجات ، كما كان يطلق على (العرقي)
تكون "الحلة" قد سُبكت تماماً
و أصبحت جاهزة للتسخين الذي يسبق خاتمة الأمسية الاسبوعية الأثيرة لديهم
بينما كان يتناول "الفاتح سلمان" محمولات "محمود منصور" ليضعها على الطاولة المستديرة
يدلف "لبن" مسبوقاً بضجيجه المعهود
و أكياس المزة تتقدمه بشتى ضروبها
بما لذ وطاب ؛؛؛
إقتعد ثلاثتهم كراسي الخيزران حول المائدة الرسمية ؛؛؛؛
و إبتدرهما صاحب المأوى وهو يرفع كأسه قائلاً
– في صحة الخير و الحق و الجمال
تماست الكؤوس في رنين خافت ، قبل أن تُبتلع دفعة واحدة ؛؛؛
– ألم أقل لك بكرياً ؟…
– حقاً إنها لا تكذب
– إذا كان غير ذلك فهي لا تراوغ
– هكذا هن دائماً يحافظن على جودة البضاعة و خلوها من المعايب ؛؛؛
– هذا جيل لن يتكرر أبداً
كان "لبن" ينصت إلى حوارهما بتركيز و عند هذه النقطة علق قائلاً
– هؤلاء النساء آخر صانعات العرقي المحترم …
فانفجروا في ضحك صاخب و متواصل كاد أن يعانق عنان السماء
و مع توغل ساعات الليل توالت الكؤوس الملئ التي توضع على الطاولة فارغة
و لم يلبث ثلاتهم أن تسرب الأنتشاء إلى رؤسهم و بان الفرح على الوجوه
همس "لبن" وهو يمد كأسه الفارغة
– املأ رأسك بالخمر قبل ان تمتلئ بالتراب
إمضاء (باخوس إله الخمر) عند الإغريق ؛؛؛
و كانوا كلما يلقي "لبن" بملحة أو طرفة تتعالى ضحكاتهم ولا تنقطع إلا عندما يحشون افواهم بأطايب المزة … بعد حين هدأ صخبهم
و أخذ حديثهم يجنح نوعاً ما إلى الثرثرة الصفوية كما كان يسميها "لبن" ساخراً
في البدء تطرق حديثهم إلى خارج محيط وكرهم المتواري خلف شجرة نيم ... ضخمة ، ثم عبر سوق نمرة إتنين إلى المحطة الوسطى و دار حول مدينتي بحري و أم درمان و لم يلبث أن تخطاهما إلى الدول المتاخمة للوطن و ضالعاً في التوغل شمالاً رست مراكبه ، على مرافيء العالم الأول و شطآن المشرقين الأدنى و الآخر الأقصى و من ثم مرتداً إلى مجاهل أفريقيا و أدغالها باحثاً و منقباً و محللاً كل الأحداث و الافكار التي تمور و تضطرم على متن سطح هذه البسيطة
إنصب جُل حديث "لبن" عن قضايا محلية جنح للقومية السودانية و المصير الذي يمكن أن يشكل كيان الوطن لاحقاً
بينما عرج "محمود منصور" صوب الشمال حيث بؤر الأحداث الجسام التي تدير كروية الأرض حول نفسها
فهو كغيره من أبناء جيله
أدرك منذ الوهلة الأولى
مدى أهمية أن تكون جزءً من الكل
فضلاً عن حاجتنا الملحة لمعرفة الآخر
بأن تكون ملماً بما يدور حولك في العالم ….
أن ترصده على الأقل وتنفعل به
و في أفضل الحالات أن تتفاعل معه
بدأ حديثه بمظاهرات الطلاب في فرنسا إبان الربع الأخير من عقد الستينات ، من القرن العشرين و ما رافقها من حركات الرفض لما هو قائم و التمرد على السكونية والإستسلام للأمر الواقع ؛؛؛
و دور الفن العالمي و على وجه الخصوصية الفن الغربي في جانبه الإنساني ضد قمع حركات التحرر في العالم الثالث و مصادرة حريات الشعوب الطامحة في كسر قيد الباغي المستبد أياً كان إجنبياً أو وطنياً !!؟…
بما أن "محمود منصور" كان عاشقاً للسينما و لا يفوته أي فيلم من الأفلام ذات القيمة الفنية العالية التي تعرض غالباً في داري عرض النيل الأزرق أو الخرطوم غرب ….
فأخذ يتحدث عن السينما العالمية الجديدة بدء من الواقعية الإطالية برموزها المشهورين (بازوليني وفيليني) وانتهاءً (بالموجة الجديدة للسينما الفرنسية) مروراً بالسينما الإمريكية و تقنياتها المدهشة و مقبلات هذا المنجز العصري المبهر كالفاتنة الأمريكية "مارلين مونرو" و الفرنسية "بريجيت باردو" و الإيطالية "جينا لولو بريجيتا"
وما تبثه هذه الآلة الساحرة الراقية الشعبية معاً ك (جراب الحاوي) من أفلام مثيرة للجدل مثل (جامع الفراشات و صوت الموسيقى و نقطة تلاشي) و و و و
– هامش الحرية المتاح الآن سيصبح متناً ، عقب أجراء إنتخابات حرة و نزيهة و تشكيل حكومة وطنية تحقق العدالة الإجتماعية و المساواة بين سواد الناس من الشعب السوداني …
"علياء" ساخرة
– و يسود المناخ الصحي وتصفو النفوس.. و ترتع الحملان مع الذئاب حهاراً نهاراً !!؟…
– لست طوبائية كما يتبادر إلى ذهنك.. لكني أتحدث عن قدرة ثورة أكتوبر الأخضر في التأثير على تشكيل وجدان الشعب السوداني.. ولا سيما الأجيال الشابة !…
– انت تحلمين
– دعيني أحلم
الحلم و الخيال خبزنا اليومي
عادة نمارسها
قبل النوم و بعده
و في أغلب الأحايين أثناء السبات العميق …
نحن نصنع الغد المشرق
من خلال هذا النشاط الإنساني
الذي أنجز كل بدائع منجزات هذا العصر !!؟…
* * *
صارت أمسية الخميس موعداً مقدساً
يحرص ثلاثتهم على الإيفاء به
و المداومة على الإحتفاء به زماناً ومكاناً
كذكرى عزيزة لميلاد صداقتهم ؛؛؛
منذ اللحظات الأولى لقدوم الأصيل
يشرع "الفاتح سلمان" في إعداد "الحلة"
وقبل أن يلج "محمود منصور" محملاً
بالفرح المعبأ في زجاجات ، كما كان يطلق على (العرقي)
تكون "الحلة" قد سُبكت تماماً
و أصبحت جاهزة للتسخين الذي يسبق خاتمة الأمسية الاسبوعية الأثيرة لديهم
بينما كان يتناول "الفاتح سلمان" محمولات "محمود منصور" ليضعها على الطاولة المستديرة
يدلف "لبن" مسبوقاً بضجيجه المعهود
و أكياس المزة تتقدمه بشتى ضروبها
بما لذ وطاب ؛؛؛
إقتعد ثلاثتهم كراسي الخيزران حول المائدة الرسمية ؛؛؛؛
و إبتدرهما صاحب المأوى وهو يرفع كأسه قائلاً
– في صحة الخير و الحق و الجمال
تماست الكؤوس في رنين خافت ، قبل أن تُبتلع دفعة واحدة ؛؛؛
– ألم أقل لك بكرياً ؟…
– حقاً إنها لا تكذب
– إذا كان غير ذلك فهي لا تراوغ
– هكذا هن دائماً يحافظن على جودة البضاعة و خلوها من المعايب ؛؛؛
– هذا جيل لن يتكرر أبداً
كان "لبن" ينصت إلى حوارهما بتركيز و عند هذه النقطة علق قائلاً
– هؤلاء النساء آخر صانعات العرقي المحترم …
فانفجروا في ضحك صاخب و متواصل كاد أن يعانق عنان السماء
و مع توغل ساعات الليل توالت الكؤوس الملئ التي توضع على الطاولة فارغة
و لم يلبث ثلاتهم أن تسرب الأنتشاء إلى رؤسهم و بان الفرح على الوجوه
همس "لبن" وهو يمد كأسه الفارغة
– املأ رأسك بالخمر قبل ان تمتلئ بالتراب
إمضاء (باخوس إله الخمر) عند الإغريق ؛؛؛
و كانوا كلما يلقي "لبن" بملحة أو طرفة تتعالى ضحكاتهم ولا تنقطع إلا عندما يحشون افواهم بأطايب المزة … بعد حين هدأ صخبهم
و أخذ حديثهم يجنح نوعاً ما إلى الثرثرة الصفوية كما كان يسميها "لبن" ساخراً
في البدء تطرق حديثهم إلى خارج محيط وكرهم المتواري خلف شجرة نيم ... ضخمة ، ثم عبر سوق نمرة إتنين إلى المحطة الوسطى و دار حول مدينتي بحري و أم درمان و لم يلبث أن تخطاهما إلى الدول المتاخمة للوطن و ضالعاً في التوغل شمالاً رست مراكبه ، على مرافيء العالم الأول و شطآن المشرقين الأدنى و الآخر الأقصى و من ثم مرتداً إلى مجاهل أفريقيا و أدغالها باحثاً و منقباً و محللاً كل الأحداث و الافكار التي تمور و تضطرم على متن سطح هذه البسيطة
إنصب جُل حديث "لبن" عن قضايا محلية جنح للقومية السودانية و المصير الذي يمكن أن يشكل كيان الوطن لاحقاً
بينما عرج "محمود منصور" صوب الشمال حيث بؤر الأحداث الجسام التي تدير كروية الأرض حول نفسها
فهو كغيره من أبناء جيله
أدرك منذ الوهلة الأولى
مدى أهمية أن تكون جزءً من الكل
فضلاً عن حاجتنا الملحة لمعرفة الآخر
بأن تكون ملماً بما يدور حولك في العالم ….
أن ترصده على الأقل وتنفعل به
و في أفضل الحالات أن تتفاعل معه
بدأ حديثه بمظاهرات الطلاب في فرنسا إبان الربع الأخير من عقد الستينات ، من القرن العشرين و ما رافقها من حركات الرفض لما هو قائم و التمرد على السكونية والإستسلام للأمر الواقع ؛؛؛
و دور الفن العالمي و على وجه الخصوصية الفن الغربي في جانبه الإنساني ضد قمع حركات التحرر في العالم الثالث و مصادرة حريات الشعوب الطامحة في كسر قيد الباغي المستبد أياً كان إجنبياً أو وطنياً !!؟…
بما أن "محمود منصور" كان عاشقاً للسينما و لا يفوته أي فيلم من الأفلام ذات القيمة الفنية العالية التي تعرض غالباً في داري عرض النيل الأزرق أو الخرطوم غرب ….
فأخذ يتحدث عن السينما العالمية الجديدة بدء من الواقعية الإطالية برموزها المشهورين (بازوليني وفيليني) وانتهاءً (بالموجة الجديدة للسينما الفرنسية) مروراً بالسينما الإمريكية و تقنياتها المدهشة و مقبلات هذا المنجز العصري المبهر كالفاتنة الأمريكية "مارلين مونرو" و الفرنسية "بريجيت باردو" و الإيطالية "جينا لولو بريجيتا"
وما تبثه هذه الآلة الساحرة الراقية الشعبية معاً ك (جراب الحاوي) من أفلام مثيرة للجدل مثل (جامع الفراشات و صوت الموسيقى و نقطة تلاشي) و و و و لتقاط الانفاس# { 1 }
لم تكن الممارسة اليومية الصباحية
لرياضة المشي
لم تكن الممارسة اليومية الصباحية لرياضة المشي المتسارع كافية لكبت ماطرأ من نوازع , ظلت تمور في داخلي لذلك بدأ في توسيع دائرة جولته الرياضية فشملت اجتياز كُبرى المسلمية و الإلتفاف حول ميدان "أبو جنزير" ثم العودة مرة أخرى إلى نقطة الإنطلاق متباطئاً
ينهج
وتتقطع أنفاسه
و تعلو حبات العرق جبينه
و لكنه لا يلبث أن يلتقط أنفاسه
مستعيداً نشاطه
عقب خروجه من حمام مياهه فاترة
رنين الهاتف لا ينقطع
شعره لا زال مبلولاً
إعتدت ألا أجففه
الطقس الجاف السائد في معظم فصول السنة
يتولى المهمة
كاد ينكفئ على وجهه
و أنا ألاحق صدى الرنين المنبعث من الآلة السوداء
قبل تلاشيه
إلتقطت المسماع في لهفة
ظناً منه أن هناك في الطرف الآخر
من كادت أن تهدم قلاعه
لكنه لإنكساره
أتاه صوت رخو
– هنا فيلا دولي …
وضع المسماع دون أن يرد
أدرت جهاز التسجيل
صدح "وردي" بصوته الرحب
ينشد لثورة أكتوبر الأخضر
أغاني الحياة
حياة جديدة ينبغي أن تنظم مناحي الشرائح الإجتماعية و تغمرها فرحاً ، عقب تراكم حزم من الصبر و الأحزان
ظل خلالها الشعب السوداني
صامداً
منتظراً
حتى إذا الصبح أطل
أراد أن ينعم بانتصاراته
ويزهو مفاخراً الشعوب
بأنه قادراً على كسر القيود
ومفجراً لثورة سلمية
تتسامى عن الثورات التي نصبت المقاصل لمشعليها
و أكلت أبناءها كالقطط
هذا شعب في ظنه يستحق أن يتباهى بشرفه الباذخ
و يعلو عن الصغائر
و يزاحم الآخرين
لسبب ما
ظل غامضاً
تراخت أوصاله
و إنفرطت قبضته
بعد أن تكورت
و كادت أن تلطم الطغيان
و تفكك صلابة الجبروت
و ترديه قتيلاً
و لحيرته لم يحدث ذلك !!…
* * *
لماذا لا تكف "علياء" عن إسداء النصائح ؟…
لماذا لا تقبل النصائح المباشرة ؟…
كنت أعلم يقيناً أن "علياء" قلبها
يغمرني بفيض من الحنان النابع من آصرة صحبة عميقة
غير إن "رُمانة" لا تلو جهداً
في السير عبر دروب وعرة
محفوفة بالمخاطرة
بينما صهيل ذاكرتها الجامحة
يراكم مزيداً من رصيد الوعظ و الإرشاد و النصح المغلف بقصص و حكايا الشيخ "فرح ود تكتوك"
حينما نلتقي مساء "حول حبوتي ، "بت نفرين"
وهي تسلبنا آذاننا بصوتها الرخيم من خلال ما تسرده
علينا من أحداث و وقائع الأسلاف
لترسيخ قيم الصدق و الكرم و الشجاعة
و تنمية طاقة الإستبصار فينا
كما قرأ الشيخ ( فرح و د تكتوك ) مجمل منجزات عصره قراءة مستبصرة منحته القدرة على التنبؤ باختراع القطار والمسرة ، مختزلاً ذلك في قوله [سيأتي زمن يكون فيه السفر بالبيوت والكلام بالخيوط] كانت حبوتها "بت نفرين" بارعة في سرد الأحجيات و لديها خاصية تجسيد الأحداث و تلوين نبرات صوتها تفخيماً و ترقيقاً و جعله أجشاً وخشناً كشخير المناشير في حطب جذوع الأشجار التي لم تجف بعد …
و عندما تدرك أننا أنزلقنا بنعومة في بحيرة طلاوة الحكي المعسول ، تعرج بنا إلى مرامي أخرى
فتسرد علينا حكاية الطريد الملاحق من قبل طالبيه ، مستجيراً بالشيخ ( فرح ود تكتوك )
ولدهشته أشار إلى كومة من القش الجاف و قال له توارى خلفها
دلهم إلى ذات الكومة وقال لهم أن طريدكم يختبئ هنا خلفها …
فأنصرفوا ظناً منهم أنه يسخر منهم متهكماً ، فتختم "بت نفرين" ليلتها الثامنة و العشرين بعد المائة كأنها منجم من الحكايا الساحرة قائلة :-
– ألم أقل لكم إن الصدق نجاة
فنأمن على خاتمتها جميعاً بصوت واحد
– حقاً إن الصدق نجاة
و تظل الذاكرة تضخ ألواناً من الذكريات و الأحداث و أنا أناطح "علياء" رغم علمي اليقيني من نواياها الحسنة تجاهي و نبل مقاصدها ، فهي تعتقد إعتقاداً جازماً إن ذهابي إلى مأوى "الفاتح" بلا تابلت.... قد يؤدي إلى عواقب وخيمة و غير حميدة في أحسن الظروف و الأحوال !!!…
و لكنها تركب رأسها و تنفي نفياً قاطعاً ، أن ( الفاتح سلمان ) يختلف تماماً عن الآخرين
بل تقف في مواجهة "علياء" وتقول بملء فيها
– إنه نسيج وحده
– هراء ليس هناك رجل نسيج وحده.. كلهم سواء.. و إذا أردت الحقيقة كلهم ذئاب و أغلب ظني إنك تدركين ما اعني
– أنت التي لا تدركين من هو " الفاتح سلمان" …
– ليكن ما تظنين وتعتقدين.. فقط إلتقطي أنفاسك و أطيلي النظر فيما حولك.. ثم بعد ذلك قرري …
– لقد قررت وانتهى الأمر
– أرجو أن تجني ثماراً غير فجة
– مواسم الحصاد أقبلت مع قدوم أكتوبر الأخضر ، لم يعد هناك تناقضاً بين الحاكم و الشعب ….
ألا ترين أن حائط السجن إنكسر و الكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي و الحقول اشتعلت قمحاً و وعداً و تمني
– ثم ماذا بعد ؟….
– هامش الحرية المتاح الآن سيصبح متناً ، عقب أجراء إنتخابات حرة و نزيهة و تشكيل حكومة وطنية تحقق العدالة الإجتماعية و المساواة بين سواد الناس من الشعب السوداني …
"علياء" ساخرة
– و يسود المناخ الصحي وتصفو النفوس.. و ترتع الحملان مع الذئاب حهاراً نهاراً !!؟…
– لست طوبائية كما يتبادر إلى ذهنك.. لكني أتحدث عن قدرة ثورة أكتوبر الأخضر في التأثير على تشكيل وجدان الشعب السوداني.. ولا سيما الأجيال الشابة !…
– انت تحلمين
– دعيني أحلم
الحلم و الخيال خبزنا اليومي
عادة نمارسها
قبل النوم و بعده
و في أغلب الأحايين أثناء السبات العميق …
نحن نصنع الغد المشرق
من خلال هذا النشاط الإنساني
الذي أنجز كل بدائع منجزات هذا العصر !!؟…
* * *
صارت أمسية الخميس موعداً مقدساً
يحرص ثلاثتهم على الإيفاء به
و المداومة على الإحتفاء به زماناً ومكاناً
كذكرى عزيزة لميلاد صداقتهم ؛؛؛
منذ اللحظات الأولى لقدوم الأصيل
يشرع "الفاتح سلمان" في إعداد "الحلة"
وقبل أن يلج "محمود منصور" محملاً
بالفرح المعبأ في زجاجات ، كما كان يطلق على (العرقي)
تكون "الحلة" قد سُبكت تماماً
و أصبحت جاهزة للتسخين الذي يسبق خاتمة الأمسية الاسبوعية الأثيرة لديهم
بينما كان يتناول "الفاتح سلمان" محمولات "محمود منصور" ليضعها على الطاولة المستديرة
يدلف "لبن" مسبوقاً بضجيجه المعهود
و أكياس المزة تتقدمه بشتى ضروبها
بما لذ وطاب ؛؛؛
إقتعد ثلاثتهم كراسي الخيزران حول المائدة الرسمية ؛؛؛؛
و إبتدرهما صاحب المأوى وهو يرفع كأسه قائلاً
– في صحة الخير و الحق و الجمال
تماست الكؤوس في رنين خافت ، قبل أن تُبتلع دفعة واحدة ؛؛؛
– ألم أقل لك بكرياً ؟…
– حقاً إنها لا تكذب
– إذا كان غير ذلك فهي لا تراوغ
– هكذا هن دائماً يحافظن على جودة البضاعة و خلوها من المعايب ؛؛؛
– هذا جيل لن يتكرر أبداً
كان "لبن" ينصت إلى حوارهما بتركيز و عند هذه النقطة علق قائلاً
– هؤلاء النساء آخر صانعات العرقي المحترم …
فانفجروا في ضحك صاخب و متواصل كاد أن يعانق عنان السماء
و مع توغل ساعات الليل توالت الكؤوس الملئ التي توضع على الطاولة فارغة
و لم يلبث ثلاتهم أن تسرب الأنتشاء إلى رؤسهم و بان الفرح على الوجوه
همس "لبن" وهو يمد كأسه الفارغة
– املأ رأسك بالخمر قبل ان تمتلئ بالتراب
إمضاء (باخوس إله الخمر) عند الإغريق ؛؛؛
و كانوا كلما يلقي "لبن" بملحة أو طرفة تتعالى ضحكاتهم ولا تنقطع إلا عندما يحشون افواهم بأطايب المزة … بعد حين هدأ صخبهم
و أخذ حديثهم يجنح نوعاً ما إلى الثرثرة الصفوية كما كان يسميها "لبن" ساخراً
في البدء تطرق حديثهم إلى خارج محيط وكرهم المتواري خلف شجرة نيم ... ضخمة ، ثم عبر سوق نمرة إتنين إلى المحطة الوسطى و دار حول مدينتي بحري و أم درمان و لم يلبث أن تخطاهما إلى الدول المتاخمة للوطن و ضالعاً في التوغل شمالاً رست مراكبه ، على مرافيء العالم الأول و شطآن المشرقين الأدنى و الآخر الأقصى و من ثم مرتداً إلى مجاهل أفريقيا و أدغالها باحثاً و منقباً و محللاً كل الأحداث و الافكار التي تمور و تضطرم على متن سطح هذه البسيطة
إنصب جُل حديث "لبن" عن قضايا محلية جنح للقومية السودانية و المصير الذي يمكن أن يشكل كيان الوطن لاحقاً
بينما عرج "محمود منصور" صوب الشمال حيث بؤر الأحداث الجسام التي تدير كروية الأرض حول نفسها
فهو كغيره من أبناء جيله
أدرك منذ الوهلة الأولى
مدى أهمية أن تكون جزءً من الكل
فضلاً عن حاجتنا الملحة لمعرفة الآخر
بأن تكون ملماً بما يدور حولك في العالم ….
أن ترصده على الأقل وتنفعل به
و في أفضل الحالات أن تتفاعل معه
بدأ حديثه بمظاهرات الطلاب في فرنسا إبان الربع الأخير من عقد الستينات ، من القرن العشرين و ما رافقها من حركات الرفض لما هو قائم و التمرد على السكونية والإستسلام للأمر الواقع ؛؛؛
و دور الفن العالمي و على وجه الخصوصية الفن الغربي في جانبه الإنساني ضد قمع حركات التحرر في العالم الثالث و مصادرة حريات الشعوب الطامحة في كسر قيد الباغي المستبد أياً كان إجنبياً أو وطنياً !!؟…
بما أن "محمود منصور" كان عاشقاً للسينما و لا يفوته أي فيلم من الأفلام ذات القيمة الفنية العالية التي تعرض غالباً في داري عرض النيل الأزرق أو الخرطوم غرب ….
فأخذ يتحدث عن السينما العالمية الجديدة بدء من الواقعية الإطالية برموزها المشهورين (بازوليني وفيليني) وانتهاءً (بالموجة الجديدة للسينما الفرنسية) مروراً بالسينما الإمريكية و تقنياتها المدهشة و مقبلات هذا المنجز العصري المبهر كالفاتنة الأمريكية "مارلين مونرو" و الفرنسية "بريجيت باردو" و الإيطالية "جينا لولو بريجيتا"
وما تبثه هذه الآلة الساحرة الراقية الشعبية معاً ك (جراب الحاوي) من أفلام مثيرة للجدل مثل (جامع الفراشات و صوت الموسيقى و نقطة تلاشي) و و و و ...........................................................................................
إتلقط "الفاتح سلمان" طرف الحديث من "محمود منصور" قبل أن يختمه ، لتوغل الليل عميقاً صوب بدايات الفجر
منتاولاً الجانب الوطني من القضايا المطروحة دون أن يذهب بعيداً عن الهم العام الذي ظل هاجساً ، يلازم ثلاثتهم في حلهم و ترحالهم …
كان اليسار السوداني الذي كونه اليهودي (هنري كورييل) الإيطالي الأصل المصري الجنسية منذ البدايات الأولى في تجمع "حدتو" التنظيم الشيوعي للكفاح المشترك ضد الاحتلال الانجليزي خلال عام 1947
و من عباءة "حدتو" وهي إختصار لمنظمة {الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني} و قد كون (هنري كورييل) منها فرعاً خاصاً بالسودانيين سماه "حدتو" أي {الحركة السودانية للتحرر الوطني] و قد خرج من معطف هذه الحركة
(عبد الخالق محجوب و التجاني الطيب) ليأسسا مع آخرين (الحزب الشيوعي السوداني) متوارياً تحت مسمى (الجبهة المعادية للإستعمار) تجنباً للصدام بالإتجاه الإسلامي الذي كان في ذلك الوقت يتنامى في سباق محموم مع التيار اليساري ….
و على الرغم من أن هذا الحزب إستطاع في وقت وجيز من إستقطاب أعداداً مقدرة من المثقفين إلا إنه تعرض إلى كبوات و عثرات كادت أن تقضي عليه تماماً ، غير أنه كان كطائر السمندل ينفض رماد الحريق لينهض مجدداً قوياً و حيوياً ليستكمل مسيرة نضاله ضد العسف و الجبروت و الأفكار الظلامية بفضل قدرته الفذه في جمع المبدعين حوله بما يقدمه لهم من رعاية وتشجيع و إكتشاف بذرة الموهبة فيهم و تبنيها حتى تشب عن الطوق و تمتلك القدرة على مواجهة أشعة الشمس الساطعة …
ظل هذا التفاعل بين قيادات الحزب و أرهاط الموهبين ، يزدهر و يتنامى حتى أصبح الإبداع و المبدعون قرينان بظلال اليسار و تفرعاته !!؟….
لذلك ظل متامسكاً و لم تُكسر شوكته حينما تم حله من قبل نواب البرلمان السوداني بإيعاذ من قبل التيار الاسلامي
و حتى عندما ضُيقت على قياداته المركزية عقب إجهاض حركة "هاشم العطا" التصحيحية. ، لملم أطراف جراحاته من جديد و إستعاد بعضاً من قواه ، على الرغم من إستمرارية مطاردات عناصره و تعقب ما ظُن أنهم فلوله ، حتى أضطر للعمل تحت الأرض لكن المبدعين السودانيين في شتى بقاع المهاجر ، الذين ينتمون إلى اليسار العريق ، كانوا يفاخرون بهذا الإنتماء ويصنفون أنفسهم باعتبارهم من النخب الطليعية التي تسعى من خلال إبداعهم لتخليص الوطن من هيمنة الأجنبي و الطغم العسكرية الجاثمة على أنفاس البلاد !!؟…
و في ذات السياق ، عاد "الفاتح سلمان" مجدداً للحديث حول تلك الأيام التاريخية التي كاد فيها اليسار أن يمسك بزمام مقاليد الأمور و يرسم للسودان وجهاً مشرفاً ، يحقق من خلاله لشعبه العدالة الإجتماعية التي حلم بها طويلاً ….
و قبل أن يستطرد في وصف الصورة الوردية التي كانت القاعدة العريضة من الطبقة العاملة السودانية تتمناها من الحركة التصحيحية إذا تمكنت من الاستمرار في الحكم ….
أخذه تداعي الصور الحية التي أعقبت إزاحة "نميري" والإستيلاء على السلطة و من هذه الصورة مشهد تدفق الجماهير الغفيرة صوب القصر الجمهوري ، و هم يرفعون الأعلام الحمراء وهي تخفق فوق فضاء شارع القصر من أعتابه حتى نهايته الملتحمة بمحطة السكة حديد ….
و جموع الآلاف من الحناجر الفتية تهدر هاتفة بحياة الحركة التصحيحية و قادتها الأشاوس [هاشم العطا، عبد الخالق محجوب و الشفيع أحمد الشيخ و آخرون ] و هنا فقط
ارتجفت شفتاه
و دمعت عيناه
و كف عن مواصلة الحديث
و طلب من قرينيه راجياً منهما أن ينصرفا أو يمضيان الليلة بمنزله
و تركه وحيداً
لا سيما في هذه الليلة
التي أثارت شجونه
و كادت أن تفتح جراحاً أبرأها الزمن
و قبل أن ينسحب إلى غرفته
همس بصوت مسموع
– الليل تأخر كثيراً و غداً الجمعة
ثم أردف بعد هنيهة
– أنتما تعرفان أين تنامان
* * *
أدركت منذ الوهلة الأولى
أن قرينيه كانا هنا
أعادت كل شيء إلى وضعه السابق
دون أن تبدي تذمراً
كأن ما حدث بالأمس هو الأمر الطبيعي ….
هكذا كان الحال قبل أن تلج عبر عتبة هذا المأوى لأول مرة هكذا ظل هذا المكان هو الأثير لهم جميعاً
على ما هو عليه ، حتى بعد أن صارت من مرتاديه الدائمين
لم تخلُ أمسيات الخميس
و لياليه الصاخبة
من الضحك و اللغو و اللغط
و الحوار الجاد الذي لا يلبث
أن يتحول إلى هم و غم و أسى
و حسرة على ما فات !!؟…
جلستْ تحت ظلال شجرة النيم الوريفة
التي تمددت أفرعها المتشابكة إلى
داخل فناء المأوى في انتظار خروج
"الفاتح" من دورة المياه
هتفت قبل أن يخرج إلي الهول
– هناك كوب من عصير الليمون ينتظرك في الثلاجة
– كأنك تستشعرين ما أهفو إليه في هذه اللحظة
ثم أردف قائلاً
– كم كنت في حاجة ماسة لهذا الكوب البارد
– أنا أدرك حاجتك من النظرة الأولى
– ما رأيك هذه الليلة أن نذهب سوياً إلى السينما ؟…
– أي سينما ؟….
– النيل الأزرق قال "محمود منصور" أنها تعرض فيلماً جيداً من أفلام الموجة الجديدة
– موافقة، فقط أن نتمشى قبل ذلك على شاطئ النيل
– كما تشائين
* * * المتسارع كافية
لكبت ماطرأ من نوازع ,
ظلت تمور في داخلي
لذلك بدأ في توسيع دائرة جولته الرياضية
فشملت اجتياز كُوبرى المسلمية
و الإلتفاف حول ميدان "أبو جنزير"
ثم العودة مرة أخرى
إلى نقطة الإنطلاق متباطئاً
ينهج
وتتقطع أنفاسه
و تعلو حبات العرق جبينه
و لكنه لا يلبث أن يلتقط أنفاسه
مستعيداً نشاطه
عقب خروجه من حمام مياهه فاترة
رنين الهاتف لا ينقطع
شعره لا زال مبلولاً
إعتدت ألا أجففه
الطقس الجاف السائد
في معظم فصول السنة
يتولى المهمة
كاد ينكفئ على وجهه
و أنا ألاحق صدى الرنين
المنبعث من الآلة السوداء
قبل تلاشيه
إلتقطت المسماع في لهفة
ظناً منه أن هناك في الطرف الآخر
من كادت أن تهدم قلاعه
لكنه لإنكساره
أتاه صوت رخو
– هنا فيلا دولي …
وضع المسماع دون أن يرد
أدرت جهاز التسجيل
صدح "وردي" بصوته الرحب
ينشد لثورة أكتوبر الأخضر
أغاني الحياة
حياة جديدة ينبغي
أن تنظم مناحي الشرائح الإجتماعية
و تغمرها فرحاً
عقب تراكم حزم من الصبر و الأحزان
ظل خلالها الشعب السوداني
صامداً
منتظراً
حتى إذا الصبح أطل
أراد أن ينعم بانتصاراته
ويزهو مفاخراً الشعوب
بأنه قادراً على كسر القيود
ومفجراً لثورة سلمية
تتسامى عن الثورات
التي نصبت المقاصل لمشعليها
و أكلت أبناءها كالقطط
هذا شعب في ظنه يستحق
أن يتباهى بشرفه الباذخ
و يعلو عن الصغائر
و يزاحم الآخرين
لسبب ما
ظل غامضاً
تراخت أوصاله
و إنفرطت قبضته
بعد أن تكورت
و كادت أن تلطم الطغيان
و تفكك صلابة الجبروت
و ترديه قتيلاً
و لحيرته لم يحدث ذلك !!…
* * *
لماذا لا تكف "علياء"
عن إسداء النصائح ؟…
لماذا لا تقبل النصائح المباشرة ؟…
كنت أعلم يقيناً
أن "علياء" قلبها
يغمرني بفيض من الحنان النابع
من آصرة صحبة عميقة
غير إن "رُمانة"
لا تلو جهداً
في السير عبر دروب وعرة
محفوفة بالمخاطرة
بينما صهيل ذاكرتها الجامحة
يراكم مزيداً
من رصيد الوعظ و الإرشاد و النصح
المغلف بقصص و حكايا الشيخ "فرح ود تكتوك"
حينما نلتقي مساء "حول حبوبتي ، "بت نفرين"
وهي تسلبنا آذاننا
بصوتها الرخيم من خلال ما تسرده
علينا من أحداث و وقائع الأسلاف
لترسيخ قيم الصدق و الكرم و الشجاعة
و تنمية طاقة الإستبصار فينا
كما قرأ الشيخ ( فرح و د تكتوك )
مجمل منجزات عصره قراءة مستبصرة
منحته القدرة على التنبؤ
باختراع القطار والمسرة ،
مختزلاً ذلك في قوله
[سيأتي زمن يكون فيه السفر بالبيوت
والكلام بالخيوط] كانت حبوتها "بت نفرين"
بارعة في سرد الأحجيات
و لديها خاصية تجسيد الأحداث
و تلوين نبرات صوتها
تفخيماً و ترقيقاً و جعله أجشاً
وخشناً كشخير المناشير
في حطب جذوع الأشجار
التي لم تجف بعد …
و عندما تدرك أننا أنزلقنا
بنعومة في بحيرة طلاوة الحكي
المعسول ، تعرج بنا إلى مرامي أخرى
فتسرد علينا حكاية الطريد الملاحق
من قبل طالبيه ،
مستجيراً بالشيخ ( فرح ود تكتوك )
ولدهشته أشار إلى كومة
من القش الجاف
و قال له توارى خلفها
دلهم إلى ذات الكومة
وقال لهم أن طريدكم
يختبئ هنا خلفها …
فأنصرفوا ظناً منهم
أنه يسخر منهم متهكماً
فتختم "بت نفرين"
ليلتها الثامنة و العشرين
بعد المائة كأنها
منجم من الحكايا
الساحرة قائلة :-
– ألم أقل لكم
إن الصدق نجاة
فنأمن على خاتمتها
جميعاً بصوت واحد
– حقاً إن الصدق نجاة
و تظل الذاكرة تضخ ألواناً
من الذكريات و الأحداث
و أنا أناطح "علياء"
رغم علمي اليقيني
من نواياها الحسنة تجاهي
و نبل مقاصدها
فهي تعتقد إعتقاداً جازماً
إن ذهابي إلى مأوى "الفاتح"
بلا تابلت.... قد يؤدي إلى عواقب
وخيمة و غير حميدة
في أحسن الظروف و الأحوال !!!…
و لكنها تركب رأسها
و تنفي نفياً قاطعاً
أن ( الفاتح سلمان )
يختلف تماماً عن الآخرين
بل تقف في مواجهة "علياء"
وتقول بملء فيها
– إنه نسيج وحده
– هراء ليس هناك رجل نسيج وحده..
كلهم سواء..
و إذا أردت الحقيقة كلهم ذئاب
و أغلب ظني إنك تدركين ما اعني
– أنت التي لا تدركين
من هو " الفاتح سلمان" …
– ليكن ما تظنين وتعتقدين..
فقط إلتقطي أنفاسك
و أطيلي النظر
فيما حولك.. ثم بعد ذلك قرري …
– لقد قررت وانتهى الأمر
– أرجو أن تجني ثماراً غير فجة
– مواسم الحصاد
أقبلت مع قدوم أكتوبر الأخضر
لم يعد هناك تناقضاً
بين الحاكم و الشعب ….
ألا ترين أن حائط السجن إنكسر
و الكنوز انفتحت في باطن الأرض
تنادي و الحقول
اشتعلت قمحاً و وعداً و تمني
– ثم ماذا بعد ؟….
– هامش الحرية المتاح الآن
سيصبح متناً
عقب أجراء إنتخابات حرة و نزيهة
و تشكيل حكومة وطنية
تحقق العدالة الإجتماعية و المساواة
بين سواد الناس من الشعب السوداني …
"علياء" ساخرة
– و يسود المناخ الصحي
وتصفو النفوس..
و ترتع الحملان
مع الذئاب حهاراً نهاراً !!؟…
– لست طوبائية كما يتبادر
إلى ذهنك..
لكني أتحدث
عن قدرة ثورة أكتوبر الأخضر
في التأثير على تشكيل
وجدان الشعب السوداني..
ولا سيما الأجيال الشابة !…
– انت تحلمين
– دعيني أحلم
الحلم و الخيال خبزنا اليومي
عادة نمارسها
قبل النوم و بعده
و في أغلب الأحايين
أثناء السبات العميق …
نحن نصنع الغد المشرق
من خلال هذا النشاط الإنساني
الذي أنجز
كل بدائع منجزات هذا العصر !!؟…
* * *
صارت أمسية الخميس موعداً مقدساً
يحرص ثلاثتهم على الإيفاء به
و المداومة على الإحتفاء به زماناً ومكاناً
كذكرى عزيزة لميلاد صداقتهم ؛؛؛
منذ اللحظات الأولى لقدوم الأصيل
يشرع "الفاتح سلمان"
في إعداد "الحلة"
وقبل أن يلج "محمود منصور" محملاً
بالفرح المعبأ في زجاجات ،
كما كان يطلق على (العرقي)
تكون "الحلة" قد سُبكت تماماً
و أصبحت جاهزة للتسخين
الذي يسبق خاتمة الأمسية
الاسبوعية الأثيرة لديهم
بينما كان يتناول "الفاتح سلمان"
محمولات "محمود منصور" ليضعها
على الطاولة المستديرة
يدلف "لبن" مسبوقاً بضجيجه المعهود
و أكياس المزة تتقدمه بشتى ضروبها
بما لذ وطاب ؛؛؛
إقتعد ثلاثتهم كراسي الخيزران
حول المائدة الرسمية ؛؛؛؛
و إبتدرهما صاحب المأوى
وهو يرفع كأسه قائلاً
– في صحة الخير و الحق و الجمال
تماست الكؤوس
في رنين خافت
قبل أن تُبتلع دفعة واحدة ؛؛؛
– ألم أقل لك بكرياً ؟…
– حقاً إنها لا تكذب
– إذا كان غير ذلك فهي لا تراوغ
– هكذا هن دائماً يحافظن
على جودة البضاعة و خلوها من المعايب ؛؛؛
– هذا جيل لن يتكرر أبداً
كان "لبن" ينصت إلى حوارهما
بتركيز و عند هذه النقطة علق قائلاً
– هؤلاء النساء آخر صانعات العرقي المحترم …
فانفجروا في ضحك صاخب
و متواصل كاد أن يعانق عنان السماء
و مع توغل ساعات الليل
توالت الكؤوس الملئ التي توضع على الطاولة فارغة
و لم يلبث ثلاتهم أن تسرب الأنتشاء
إلى رؤسهم و بان الفرح على الوجوه
همس "لبن" وهو يمد كأسه الفارغة
– املأ رأسك بالخمر قبل ان تمتلئ بالتراب
إمضاء (باخوس إله الخمر) عند الإغريق ؛؛؛
و كانوا كلما يلقي "لبن"
بملحة أو طرفة تتعالى ضحكاتهم
ولا تنقطع إلا عندما يحشون افواهم
بأطايب المزة …
بعد حين هدأ صخبهم
و أخذ حديثهم يجنح نوعاً ما
إلى الثرثرة الصفوية كما كان يسميها "لبن" ساخراً
في البدء تطرق حديثهم إلى خارج محيط
وكرهم المتواري خلف شجرة نيم ...
ضخمة ، ثم عبر سوق نمرة إتنين
إلى المحطة الوسطى
و دار حول مدينتي بحري و أم درمان
و لم يلبث أن تخطاهما
إلى الدول المتاخمة للوطن
و ضالعاً في التوغل شمالاً
رست مراكبه ، على مرافيء العالم الأول
و شطآن المشرقين الأدنى و الآخر الأقصى
حو من ثم مرتداً إلى مجاهل أفريقيا
و أدغالها باحثاً و منقباً و محللاً
كل الأحداث و الافكار
التي تمور و تضطرم على متن
سطح هذه البسيطة
إنصب جُل حديث "لبن"
عن قضايا محلية
جنح للقومية السودانية
و المصير الذي يمكن
أن يشكل كيان الوطن لاحقاً
بينما عرج "محمود منصور"
صوب الشمال حيث بؤر الأحداث الجسام
التي تدير كروية الأرض حول نفسها
فهو كغيره من أبناء جيله
أدرك منذ الوهلة الأولى
مدى أهمية أن تكون جزءً من الكل
فضلاً عن حاجتنا الملحة لمعرفة الآخر
بأن تكون ملماً بما يدور حولك في العالم ….
أن ترصده على الأقل وتنفعل به
و في أفضل الحالات أن تتفاعل معه
بدأ حديثه بمظاهرات الطلاب في فرنسا
إبان الربع الأخير من عقد الستينات
من القرن العشرين و ما رافقها
من حركات الرفض لما هو قائم
و التمرد على السكونية
والإستسلام للأمر الواقع ؛؛؛
و دور الفن العالمي
و على وجه الخصوصية الفن الغربي
في جانبه الإنساني
ضد قمع حركات التحرر
في العالم الثالث
و مصادرة حريات الشعوب الطامحة
في كسر قيد الباغي المستبد
أياً كان إجنبياً أو وطنياً !!؟…
بما أن "محمود منصور"
كان عاشقاً للسينما
و لا يفوته أي فيلم من الأفلام
ذات القيمة الفنية العالية
التي تعرض غالباً
في داري عرض النيل الأزرق
أو الخرطوم غرب ….
فأخذ يتحدث عن السينما العالمية الجديدة
بدءاً من الواقعية الإيطالية
برموزها المشهورين (بازوليني وفيليني)
وانتهاءً (بالموجة الجديدة للسينما الفرنسية)
مروراً بالسينما الإمريكية و تقنياتها المدهشة
و مقبلات هذا المنجز العصري المبهر
كالفاتنة الأمريكية "مارلين مونرو"
و الفرنسية "بريجيت باردو"
و الإيطالية "جينا لولو بريجيتا"
وما تبثه هذه الآلة الساحرة
الراقية الشعبية معاً ك (جراب الحاوي)
من أفلام مثيرة للجدل
مثل (جامع الفراشات
و صوت الموسيقى
و نقطة تلاشي) و و و و و.......................................
فيصل مصطفى
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.