انتهت كوابيس العزلة و شعر كل مواطن سوداني برد كرامته التي كانت محبوسة طوال الثلاثين عاماً من حكم الانقاذ المارد يدوس فيها على كرامة المواطن دون رحمة ، بل وصل الى درجة انتهاك حقوقه وحرمانه من ابسط مقومات الحياة ، انتهئ حكم الانقاذ ولم يموت البطل الشعب السوداني الصامد الذي استخدمت حكومة الجوع كل اساليب التعذيب لتسكت صوته وتسلب حقه في الحياة ، كثير من المرافق والمشاريع والمؤسسات والدور والنوادي والمكتبات تعرضت الى التخرب والبيع والمصادرة والاغلاق ، وتجميد نشاط بعضها ، وذلك بجحة محاربة الثقافات الوافدة كما تم اقحام الدين كمؤثر لاقناع الجمهور بالابتعاد عن السينما والحجر على الكتب والروايات والندوات الامر الذي ادي تراجع ثقافة الفرد والمجتمع وتغييب كامل للشباب وشغلهم بطرق آ خري تمثلت في دس سموم المخدرات . دور السينما كانت متنفس للشعب السوداني ومصدر ثقافة ومعرفة بالنسبة له ، كانت تقصدها كل شرائح المجتمع للترفيه وانفتاحاً على العالم من حوله ، كان برنامج الاسرة مرتباً على حسب ايام الاسبوع ، وما أن جاءت الانقاذ حتى بدأت في تجفيف كل مصادر المعرفة والثقافة في البلاد بدءاً بدور بالسنما مروراً بالمكتبات العامة ، بجانب منع اصدار الكتب ووقف بعض المعارض ومحاربة المثقفين والكتاب والصحفيين والصحف وغيرها من مصادر المعرفة . الراكوبة/ حواء رحمة .. بعد سقوط ثورة الانقاذ رفع الثوار شعاراتهم مطالبين بكل ما اقتالته الانقاذ وصادرته وتعدت عليه من حقوق الشعب السوداني بعودة كل هذه الفعاليات التي تعتبر جزء من ارث الشعب وجزء اصيل من تنوعة الثقافي ، وحينما صرح المجلس العسكري سابقاً انجيازه للثورة والشعب بدأ يطرق على شعارات الثورة حيث اعلن مراراً حمايته لها حيث اعلن على لسان رئيس المجلس العسكري سابقا ورئيس المجلس السيادي حاليا عبد الفتاح البرهان عن بناء مزيداً من المسارح وتفعيل دور السينما واستعادة نشاط مراكز الشباب والرياضة ، الا انه وبالرغم من وعود الجكومة الحديثه هذه الا أن الكثيرون يرونها كواجهة سياسية ويعتقدونها يعتبرونها مغازلة للشباب لامتصاص غضبهم جراء الطريقة التي تم بها فض الاعتصام وعدم التحقيق في المجازر التي وقعت حتى لحظة اعلان الحكومة الانتقالية . بريق الشاشة .. تاريخ السينما في السودان طويل يعود الى عشرينات القرن الماضي حتى وصل عدد دور السينما الى اكثر من 60 مرفقا ، في مختلف ولايات السودان ، وكانت متنفساً للمواطن عندما كانت الدنيا بخير ، حيث ينتظر الجمهور الافلام الجديدة بفارق الصبر ، ولم تقتصر وجهة السينما على فئة بعينها وانما مختلف الفئات فكانت العائلات تتسابق لحجز مقاعدها، سينما كلوزيوم التي آلت ملكيتها الى احد الجهات وتم هدمها في العام 2015م وازالة معالمها تماماً واصبحت فرعاً لبنك فيصل الاسلامي ، كانت هذه السينما في السابق تعود ملكيتها لاجانب بحسب مشهود عيان ، في العام 1942م انشئت العديد من دور السينما السودانية ومنها سينما الوطنية بحري وامدرمان والقضارف . سينما كلوزيوم التي تم هدمها وتدميها بالكامل وترك شظايا سيناريهاتها في مخيلة من عاصروها تعد خسارة للمشاهد والمتذوق السوداني ولكن السؤال هل تعيد الحكومة الحالية دور السينما التي تمت ازالتها وبيعها لشركات استثمارية هل يعود نبضها من جديد . . هيثم الطيب صحفي وناقد مسرحي: قال: السودان عرف السينما في عطبرة عام في ال( 1912 م ) واليوم في عام 2019 السينما السودانية عبارة عن شظايا ورماد، هذا يوضح لنا ضعف مفاهيمية الثقافة عند الحكومات المتعاقبة وبعضها قام بتحطيم السينما تحطيما كاملا كأنها قيمة استعمارية،والعالم يتجه الآن لسينما التنمية،السينما التي تعمل كآلية تنمية حقيقية تضيف لأبعاد كل برنامج تنموي قيمته الثقافية والبصرية، واردف من هنا واليوم بلادنا في مرحلة انتقالية تعد مرحلة بناء وتنمية فالعمل على وضع السينما كآلية تنمية وسلام واقتصاد واضافة لتكوين وطني جديد امر نحلم به ونعمل لأجله يقدم كواحد من الضروريات الوطنية، واشار الى اعادة مؤسسة الدولة للسينما بهيكلة جديدة ورؤية جيديدة ومفاهيم وطنية حقيقية كأساس يعيد للسينما السودانية جزء من بريقها الماضي، وعاد وقال لكن تكون المشكلة قائمة لو قامت قراراتنا على واقع سياسي فقط بمعنى وضع السينما كاحتفالية فقط وليس مؤسسية،عودة السينما أعني بها عودة جزء ثقافي واقتصادي وتنموي وليس (تمومة جرتق) على حد تعبيرنا السوداني،كيف نصنع منها آلية تنمية وآلية اقتصاد ومضيفة لحركتنا التوثيقية والتعريفية لبلادنا وببلادنا،في مرحلتنا الانتقالية هذه أوجب لحكومتنا اعادة تصحيح أوضاع السينما السودانية والإستعانة بالخبرات الوطنية لتأهيل مفاهيمها في الحركة الثقافية ومن ثم وضع برنامج كامل لتوظيفها في كل مجالات حياتنا،أعني بالخبرات أصحاب التجارب الراسخة والأكاديميين فقط،حتى لا يصبح شعار عودة السينما السودانية شعار استهلاك سياسي مرحلي تضيع معه كل الأحلام .. العم محمد الذي كان يعمل مشغلاَ لماكينات سينما الوحدة بحي ح كوبر قال: بعد أن اغلقت السينما ابوابها لم اجد عملاً لذا اضطرت للعمل بطبلية ضغيرة لبيع السجائر كي اعول اسرتي واضاف لم اتحصل على حقوقي حتى الان ، واسترجع الذكريات ووصفها بالزمن الجميل والجيل النادر ، وعاد وقال الا ان حكومة الانقاذ تسبب في وفق كل دور السينما بالسودان واردف مازالت الماكينات داخل السينما وقد توقف دورانها ، وقد تحول المبني الي مبني للطيور والحشرات بعد أن كان يقدم اروع الافلام التي يتسابق اليها الجمهور من كل احياء بحري ، واشار الى ان العمل توقف في العام 2008م في السياق قال: عثمان عبد الحميد ، ان ما لحق بخراب للعقول يحتاج الى اصلاح عاجل بعد ان تسلمت الحكومة الانتقالية مهامها ، واردف دور السينما يجب أن تعود للعمل بل وللانتاج فنحن نتملك قدرات عالية وكوادر كؤهلة لانعاش هذا المجال بالتحديد واضافت وخير شاهد على أننا سنكون في المقدمة فوز فلم ستموت في العشرين للمخرج امجد ابو العلاء لافضل عمل في فينيسيا وغيره من الافلام التي وجدت حظها من الاشادة والجوائز العالمية بجانب امتلاكنا مواهب تعمل الان خارج الحدود يمكنها ان تعود وتعمل في البلاد بعد أن نلنا حريتنا ويمكننا ان نعبر عن هويتنا عن طريق الاعمال السينمائية والمسرحية والدرامية . انور سيد احمد قال : ان عودت السينما الى الواجهة من جديد بعد اكثر من ثلاثين عاماً من الكبت يعد انتصاراً للثقافة والفن السوداني ويجب ان تسخر في عكس احداث الثورة وما لحق من دمار للشخصية السودانية ابان عهد المخلوع عمر البشير ، واضاف كما يجب ان نوثق لكل الانتهاكات بافلام حقيقية مع ذوي الضحايا حتى نحفظ تاريخ هذا الشعب العظيم .. مشاهد حزينة … هيكل مبنى سينما الوحد بحي ( كوبر) مازال شامخاً رغم الصمت الذي يلفه بعد أن كان يعج بالجمهور من كل الفئات ويتسابقون لحجز التذاكر مبكراً لحضور اشهر الافلام السينمائية ، فقد كانت سينما الوحدة متنفساً حقيقياً لسكان محلية بحري ككل وسكان حي ( كوبر ) على وجه الخصوص الا أنها توقفت لاكثر من مرتين وعاودت فتح ابوابها من جديد .. حتي توقفت تماماً في العام 2008 م واختفى بريقها وانطفئ ضوء شاشتها الضخمة ، وتحول المبني الى بيت اشباح ونمت بداخله الشجيرات واتخذته الطيور محطة عبور صباحاً مساء … في تقرير سابق تحدث لنا العم سعيد احمد يعمل ( خفيراً) بنبرات حزينة يعيد من خلالها ذكريات عاشها بسينما الوحدة ومشاهدات عالقة بذهنه حيث قال: بعد أن شرد بعيدا محدقاً في المبني الخالي لقد كانت سينما ( الوحدة) ملتقي للناس ومتنفس حقيقي لهمومهم ، حيث تعتبر ركنا من اركان الثاقفة ففي ساحتها يتجمع كل الوان طيف المجتمع فبجانب عشاق الافلام كانت تمثل الساحة الخارجية سوق مصغير لبائعات الشايو الاطعمة والمكسرات ومنهن من يعملن بداخل السينما وبعد أن إغلقت السينما ابوابها لم يعد طعم الاشياء كما كان عليه . انشأت سينما الوحدة في العام 1979م فكانت قبلة للعديد من عشاق السينما من مختلف إنحاء العاصمة شهدت عرض اشهر الافلام الهندية والامريكية العربية بالرغم من اتساع مساحتها الداخليه الا أنها كانت لا تسع الاعداد الكبيرة من مدمني متابعة اخر انتاج دور السينما ، تم اغلاق السينما في العام 1997م ثم إجريت لها عملية صيانة لمدة ثلاثة اشهر بعدها عاودت العمل من جديد الا إن اهل الحي ابلغوا السلطات بأن السينما تسبب لهم ازعاجاً فتم إغلاقها بأمر من وزير الثقافة السابق في العام 1998م ثم فتحت ابوابها مرة اخري في العام 2000م .. فلم كويلا حقق اكبر دخل … ويمضي العم سعيد في ذكريات شاشة سينما الوحدة ، حيث حكي عن اشهر الافلام التي تم عرضها ومنها الفلم الهندي ( كويلا ) انتاج العام 2007م بطولة الممثل ( شاروخان ) وحقق اقبالاً كبيراً وقد سبق عرض الفلم ترويجاً اعلامياً بالصحف ليجد حظة من المشاهدة الفائقة حيث كان يستمر عرض التذاكر منذ الرابعة عصرا حتي التاسعة مساء وعند اول عرض من شدة الازدحام امر المدير بإيقاف التذاكر لأن السينما امتلاءت تماماً ، حيث حقق ذلك الفلم دخلاَ خرافي للسينما بلغ 3 ملايين من الجنيهات ، وبعد نهاية الفلم استغرق خروج المواطنين نصف ساعة حيث اعيد عرض الفلم سبعة مرات. خروج طالب عدد من الناشطين والمخرجين وكتاب السيناريو بضرورة دعم الانتاج الفني في المرحلة القادمة بعد أن تسلمت الحكومة المدنية مقاليد الحكم في البلاد ، ولفتوا الى أن السينما اصبحت جزء من السياحة بجانب انها تتيح للعالم الخارجي التعرف على السودان ، واشاروا الى أن هنالك امكانيات فنية عالية اظهرها الشباب خلال ثورة ديسمبر المجيدة واخرجوا العديد من الافلام والقصص المصورة المؤثرة لفتت نظر العالم .