لو كانت مباراة في كرة القدم بين فريقين في دوري "سنترليق" لما احتمل الجمهور تأجيلها مرة واحدة وليوم واحد.. ولكنها مفاوضات السلام التي لا ينتظرها المتأثرون بالحروب وحدهم، ولا شعب السودان أجمع فحسب، بل كل العالم الذي يربط تعاونه مع الحكومة الانتقالية بتوقيع اتفاق السلام. أمس، وبمنتهى البساطة أعلن عن تأجيل جولة المفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة.. وهو ليس التأجيل الأول ولا الثاني.. ففي 11 سبتمبر 2019 وقعت الحكومة والجبهة الثورية اتفاق (إعلان المباديء)، وتضمن شرطا بإرجاء تكوين المجلس التشريعي "البرلمان" وتعيين الولاة لحين توقيع اتفاق السلام، على أن تبدأ المفاوضات خلال شهر. وفي يوم 21 أكتوبر 2019 وقع اتفاق بين الحكومة والحركات للمرة الثانية بمدينة جوبا أطلق عليه "الإعلان السياسي" على أن تبدأ المفاوضات بعد أسبوعين. وبعد انتظار طويل لمدة شهر كامل تأجلت المفاوضات التي كان مزمعا لها أن تبدأ غدا 21 نوفمبر 2019 إلى موعد آخر لم يحدد بصورة قاطعة ولكن مرجح أن يكون بعد ثلاثة أسابيع من الآن.. ولكن المثير للدهشة الحيثيات التي أدت لتأجيل هذه الجولة، فحسب تصريحات رسمية للسيد توت قلواك رئيس لجنة الوساطة أن التأجيل بسبب (ارتباط بعض الحركات المسلحة بورش عمل ذات صلة بالعملية السلمية في السودان)، ويقصد اجتماعات الجبهة الثورية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا. ورغم أن الطرف الآخر في المفاوضات، الحركة الشعبية شمال التي يتزعمها السيد عبد العزيز الحلو كانت جاهزة لجولة المفاوضات إلا أن التأجيل شمل المسارين.. مسار الجبهة الثورية والشعبية. وطبعا الحكومة من جانبها أجلت تكوين البرلمان وتنصيب ولاة الولايات لشهر آخر استجابة لمطلب الجبهة الثورية.. وفي غضون هذه الجولات من التأجيل يظل المتأثرون من الحروب على رصيف الانتظار ينتظرون قطارا لا أحد يعلم متى يأتي.. هذا المشهد التراجيدي ليس فيه من الحكمة شيء، بل قد يبعث برسالة مربكة وخطيرة أن السلام ليس أولوية أو همًّا يتطلب حث الخطى.. في وقت تتربص بالحكومة الانتقالية مقادير مجهولة تستثمر من مثل هذا الطقس الملبد بغيوم الشك وضباب الأجندات الخفية. في تقديري؛ على الحكومة السودانية أن تغير من منهج التفاوض، فلتستمر جولات المفاوضات لكن في مسار مواز، لماذا لا تذهب الحكومة مباشرة لأهل المصلحة على الأرض.. النازحين واللاجئين والمشردين والمغبونين الذين طال ليل انتظارهم.. لماذا لا تعلن الحكومة وتبدأ في "مشروع مارشال" يستهدف التنمية في الأقاليم الثلاث، دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.. ليس لأنها مناطق نزاعات أو "مهمشة" كما يقول الساسة، بل لأنها مناطق مترفة بالثروات قادرة على اسعاد شعب السودان إن توفرت لها برامج التنمية..| السلام لا يعني إيقاف صوت القنابل وأزيز الرصاص، بل الحياة الكريمة الهانئة المستقرة..!! عثمان ميرغني