فمنذ نعومة اظفارنا ونحن نسمع بموارد السودان المهولة من أراض خصبة ومياه تجري من تحتنا ومن ثروات في باطن الأرض لا حصر لها. ورغم كل ذلك فنحن شعب فقير يستجدي لقمة عيشه من المحسنين بواخر قمح ووقود وإعانات . ولا أمل في تغير يذكر والشعب يفجر الثورات تباعا يصفق لها ويغني. ويهلل لها ويكبر. وفي لحظات وكأننا قد بلغنا مقاصدنا. ولكن سرعان ما تتبدد تلك الإحلام لنعود ثانية للمربع الاول معاناة وأزمات. وهذا هو حالنا الآن وقد عاد بنا اعداء الوطن من جديد إلى عوالم العناء القديمة فحكومة ما بعد الثورة ضعيفة وكأنها مكبلة. فهي أشبه بكل الحكومات التي كانت. نفس الإخفاقات باقيه و هي هي. والبطانة الفاسدة هي هي. فأين الاستجابة لصرخات الشعب , وللاسف فالخطاب المطالب بالتغيير والحراك الدائر حوله ما هو الا ذر رماد في العيون وهو انهاك لقوى الشباب السوداني المطالب بالتغيير. وما وقع للثوار من تخدير واقتحام لهم في لجان المقاومة يراقبون الدقيق في المخابز والبنزين ما هو إلا تكتيك شيطاني لتحجيم دورهم الثوري الذي كنا نتمناه مشاركة حقيقية في السلطة ولم لا وقد أشعلوا هذه الثورة العظيمة و كانوا وقودها. وان كان كل هذا لا يزعزع إرادة الشعوب التي لا تقهر وقد اكدها ابو القاسم الشابي قديما : إذا الشعب يوما أراد الحياة… فلابد أن يستجيب القدر و لابد لليل أن ينجلي… و لا بد للقيد أن ينكسر وان كنت اصلا على قناعة ان هذه الثروات المهولة والتي يجلس فوقها انسان السودان المسكين لن تكون وهذا الجهل الذي يلف اهله وكأني بطرفة بن العبد وهو معنا حين يقول : كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ * والماء فوق ظهورها محمول و حقا وحتي الآن فنحن جاهلون بهذه الثروات والموارد المهولة و التي نراها رأي العين بين أيدينا. فما زلنا وحتي يومنا نصدر ماشيتنا حية بذكورها واناثها وبغباء يجلب لنا السخرة من دول وغيرهم. ونصدر محاصيلنا خاما. وتصدر صمغنا من شجرة هشابها. وهذا دليل جهل بقيمة كل ما نملك من ثروات ووهبها الله لنا. و للاسف الشديد هم وحدهم بعض بنو جلدتنا من يتلاعبون بمواردنا وثرواتنا. فلا يهتز لهم ضمير. وكم حزنت اخوتي والخوف ينتاب السفير البرازيلي حين سمع بانتصار الثورة السودانيه. حين قال : اذا استيقظ المارد السوداني من نومه فالبرازيل ستكون في خطر كبير. فالسودان وكما يقول هو من أكبر بلدان العالم من حيث الثروات الحيوانية الحية واللحوم. و اللحوم السودانيه قد تصبح الأولى في العالم أن احسن السودان تصديرها لخلوها من كل الأسمدة الكيماوية. والبرازيل وكما هو معروف هي المصدر الثاني لتجارة اللحوم في العالم. فإنتاج أمريكا من اللحوم 12.1 مليون طن خلال عام 2018، وتساهم الدولة بنحو 19.6% من إجمالي الإنتاج العالمي للحوم. ثم تأتي البرازيل في المركز الثاني حيث بلغ إنتاجها من اللحوم 9.5 مليون طن عام 2019، وتساهم بنحو %15.4 من إجمالي الإنتاج العالمي لللحوم. وللاسف السودان متخلف جدا في تجارة اللحوم و هو متخلف أيضا في تصدير الكثير من المنتجات الزراعية. فالسمسم مثلا يزرع في السودان بكثرة ولكن للاسف تستورده مصر بكميات كبيرة وبأسعار زهيدة لتعيد تصديره بعد تغيير الديباجة والكتابة عليه (إنتاج مصري) . انه اخوتي الجهل التجاري الذي أصبح يغلف عقولنا. فالبلد حقا تحتاج لتعليم حقيقي يخرجنا من هذا الجهل و يؤهل كل اهل السودان ليكونوا حراسا لهذه الموارد التي تنهب بليل. وليتنا نستمع لتلك السيدة الالمانية التي كشفت عن سر تقدم دولة المانيا لتقول : سأخون ألمانيا اليوم و اخبركم عن سبب تقدم بلادي .. فسبب تقدم المانيا ليس الفوسفات او الثروات السمكية او البترول او المعادن او المقال أو الصناعات الحديثة .. سبب تقدمها هو النظام التعليمي وهو نظام تعليمي يتساوى فيه الغني مع الفقير. والتعليم الخاص هو ممنوع وهو في حكم الجريمة في المانيا .. وان ابن رئيس الشركة يجلس على نفس الطاولة التي يجلس فيها ابن رجل النظافة وهكذا اسمه وليس الزبال .. لان الزبال من يرمي الزبالة .. هذا النظام مقسم كالاتي : المرحلة الابتدائية ومدتها اربع سنوات .. بعدها يبدأ تقسيم الاطفال الى مجتهدين جدا .. ومجتهدين .. ولا بأس به .. ومتوسط .. وضعيف .. والمجتهدون جدا والمجتهدون يتم ارسالهم إلى الثانوي لا بأس بهم يتم ارسالهم الى الاعدادي الثانوي. المتوسطون يتم ارسالهم الى المدارس الرئيسية او المهنية. الضعفاء يتم إرسالهم الى مدارس خاصة. خلال المرحلة ما بين القسم الخامس والقسم الثاني عشر وهي سنة الباكلوريا يمكن لاي تلميذ يحسن مستواه ان ينتقل الى المدرسة الافضل .. والذي كان في المدرسة الاحسن وضعف مستواه سينتقل حتما الى مستوى اقل .. فالاهم ان لا ينقطع التلميذ عن المدرسة .. السنوات الالزامية لاي تلميذ في المدرسة هي تسع سنوات .. وبعدها لديه الحق في الانقطاع عن المدرسة .. ولكن يجب عليه ان يبحث عن مدرسة مهنية او تكوين مهني .. اذا غاب اي تلميذ عن المدرسة في السنوات التسع الأولى فقط لخمس دقائق تتصل المدرسة بالمنزل لتستفسر عن سبب غيابه .. ان رفض التلميذ اللجوء الى المدرسة يتم احضاره عن طريق الشرطة مع تكليف علماء النفس وعلماء الاجتماع اضافة الى الدولة المكلفة في شخص مكتب الشباب لمعرفة السبب .. فان كان السبب اسريا يتم حله حبيا و ان كان غير ممكن حله يتم اخذ الطفل من الوالدين لكي ينموا الطفل في ظروف طبيعية .. ولكل طفل الحق في الترفيه والرياضة وطعام صحي واستقرار اسري .. وان اكتشفت الدولة ان سببا من هذه الأسباب فيه خلل تتدخل .. مرحلة الجامعة : هي سر تقدم المانيا .. حيث تنتشر الجامعة في المانيا في كل مدينة صغيرة كيف ماكان نوعها . وفي كل زاوية من زوايا أي مدينة خاضعة لبحوث جامعية من حيث الاقتصاد والتقنيات والجغرافية وعلم النفس وعلم الاجتماع .. لا يمكن فصل أي فرد من المجتمع عن البحوث العلمية الجامعية .. اما الجامعات الطبية فهي موجودة في مستشفى. وفي كل دار للعجزة يدرس الأخلاق والرحمة قبل أن يصبح الدكتور دكتورا .. ويجب عليه اولا ان يقوم بتمرين تطبيقي اولي لمدة ثلاثة أشهر في دار العجزة لكي يمسح غائط الرجل والمرأة المسنة. ولا يعمل الطبيب في المانيا بالمستشفى فقط بل في دور العجزة كذلك وفي مستشفيات الاطفال ومستشفيات الامراض النفسية والعقلية .. والمستشفيات منتشرة على ربوع المدينة وهي متساوية تقريبا كلها في التجهيزات والاطر لان هذه الاطر هي ابناء الشعب .. ولا يمكن ان يتدخل وسيط او دفع رشوة لكي يدرس الطب .. المانيا تستثمر في الانسان لانه هو مستقبلها .. الطالب او القاضي او الشرطي او الوزير او البرلماني .. و لا يحتاج وساطة ولا يولد في ألمانيا طفل وفي فمه ملعقة من ذهب بل ولدوا جميعا متساوون امام القانون ولديهم جميعا الحق في التعليم والصحة والطب والشغل .. هذا سر تقدم ألمانيا. و ليتنا اخوتي نتعلم من الآخرين ونتعلم من الشعب الألماني بالذات. و ليتنا نترك التنظير واضاعة الوقت الذي يغضب الرب. (والعصر أن الإنسان لفي خسر). فيا أهل السودان كم من وقت يضيع في حياتنا ونحن في حاجة ماسة إليه. ويا أهل السودان كفانا هدرا للثروات وهدرا للموارد وهدرا للوقت. انهضوا ببلدكم. والله المستعان.