في هذا الجزء من سلسلة المقالات التي ابتدرتها حول مجلس شركاء الفترة الإنتقالية، سأحاول الإجابة بصورة مباشرة على السؤال الذي وضعته عنوانا لهذه المقالات وعما إذا كان هذا الجسم سيمثل حلاً أمثل لضبط إيقاع مؤسسات الفترة الإنتقالية وهل سيحقق الهدف المعلن له أم يذهب مع الرياح مثل أجسام آخرى كونت من قبل وطواها جدار النسيان، وبذل بعض المقترحات المتواضعة حول تكوينه والمرجو منه في ظل هذه الأوضاع المضطربة التي تعيشها بلادنا. قبل الإجابة على السؤال محور هذا المقال، أود الرد على مخاوف أحد الأصدقاء الذي أرسل لي رسالة يؤكد فيها أن دور مجلس شركاء الفترة الإنتقالية هو إلتفاف على تشكيل المجلس التشريعي وتمكين للمكون العسكري بمجلس الشركاء مدللا على ذلك أن قرارات المجلس ستتم عبر آلية التصويت عليها داخل المجلس- على حد قوله. أمر التصويت ورد في الفقرة 9 من لائحة المجلس إذ تقرأ: "يصدر المجلس قراراته بالتوافق أو باصوات ثلاثة أرباع الحضور في اجتماع قانوني. ولكن قبل ذلك، لابد من الإشارة إلى أن هناك خلط واضح ما بين مجلس شركاء الفترة الإنتقالية ومهامه واختصاصاته ودور المجلس التشريعي إذ لابد رابط بينهما. مجلس شركاء الفترة الإنتقالية هو جسم غير تنفيذي أو تشريعي ولا يحل مكان المجلس التشريعي الذي يمثل الجهة التشريعية والرقابية على أداء الحكومة. وأشرنا في مقال البارحة إلى الفصل الأول من لائحة المجلس فصلت مهامه وأن اختصاصه هو: "تنسيق الرؤي والمواقف بين أطراف الوثيقة الدستورية والسلطة الإنتقالية وحل التبيانات التي تطرأ بينهما، والتوافق على السياسات الوطنية العليا ومتابعة القضايا الإستراتيجية، وضمان نجاح الفترة الإنتقالية وتنفيذ الوثيقة الدستورية وإتفاق السلام"- بنص المادة 10 من اللائحة المعنية. هذا النص واضح ولا لبس فيه لدور المجلس المعني، أي أنه ليس جسم تشريعي أو تنفيذي وإنما جسم يجمع شركاء الفترة الإنتقالية تحت مظلة واحدة لوضع السياسات والموجهات العامة للجهاز التنفيذي لتنفيذها ومراقبة الأداء، وحل إي خلافات حتي تنجم بين أطراف الفترة الإنتقالية بعيدا على وسائل الإعلام. نصت اللائحة أن القرارات تتخذ بالتوافق وفي حالة تعذر ذلك يتم المصادقة على القرارات بثلاثة أرباع الحضور. على سبيل المثال، إذا تباينت الآراء حول قضية محددة وتعذر التوافق حولها، للخروج من هذا المآزق سيتطلب الأمر التصويت وإذا وافق ثلاثة أرباع الحضور ستتم إجازة القرار أو السياسة المعنية. ولكن هذا المجلس تمكن أهميته في أن لا تكون الحكومة مثل (البوفيه) كل واحد يأكل منه ما لذ وطاب ويذهب لحال سبيله، لابد من وجود جسم للتوافق حول السياسات الخارجية والإقتصادية وغيرهما، ووضع برامج للجهاز التنفيذي حتي يتسني لشركاء الفترة الإنتقالية محاسبة الجهاز التنفيذي في حالة حدوث تقصير وإجراء المعالجات اللازمة. والأهم من ذلك كله، المكون العسكري ليس لديه أغلبية في هذا المجلس إذ تم الإتفاق على تمثيله ب( 5) أعضاء وقوى الحرية ب(12 ) شخصاً والجبهة الثورية ب(5) بالإضافة إلى رئيس الوزراء ووزيرين يختارهم مجلس الوزراء ليصبحا ضمن عضوية المجلس. هناك من يفتش في نوايا الآخرين عبر الزعم أن الجبهة الثورية- بشقيها- ستتحالف مع العسكريين في مجلس السيادة، ودعونا نذهب مع هذا الزعم إلى نهاية الشوط، سيكون عددهم الكلي- المكون العسكري في مجلس السيادة والجبهة الثورية- 10 أعضاء، اي لا يشكلون نصف عضوية مجلس شركاء الفترة الإنتقالية دعك عن الحصول على ثلاثة أرباع عضوية المجلس لتمرير قرار مختلف عليه. نشير مرة أخرى إن الأرقام هذه صيغة مقترحة ولم تُجاز بعد. والأهم من ذلك كله، لا يستطيع مكون واحد سوى المكون العسكري في مجلس السيادة أو المكونات المدنية الإنفراد بالسلطة في وجود وعي كبير بالحقوق ووجود لجان المقاومة، والمزاج العام لن يقبل باي سلطة عسكرية بعد تجربة الديكتاتور البشير وزمرته الذين قسموا البلاد والعباد ونهبوا ثرواتها بإسم الله. فلا مخرج لبلادنا سوى بالتوافق على مشروع وطني يضم كل شركاء التغيير من المكون العسكري، قوى الحرية والتغيير، لجان المقاومة، وحركات الكفاح المسلح، والنساء والشباب الذين مثلوا حجر الزواية في ثورة ديسمبر المجيدة. مجلس شركاء الفترة الإنتقالية يمثل حاضنة سياسية جديدة قديمة، اي أنها تضم الحاضنة القديمة- قوى الحرية والتغيير- وشركاء جدد هم الجبهة الثورية- بشقيها- والحكومة بشقيها السيادي والتنفيذي، فهي حاضنة توسع من قاعدة المشاركة من القوى التي ساهمت في التغيير. هنالك بعض الإقتراحات بضم رؤساء الأحزاب ولجان المقاومة إلى مجلس شركاء الفترة الإنتقالية، وواضح أن هنالك خلط ما بين مجلس شركاء الفترة الإنتقالية والمجلس التشريعي لأن الأول يجب أن يكون مجلس مصغر لتنسيق المواقف بين شركاء الفترة الإنتقالية وليس شركة مساهمة عامة. على سبيل المثال، كان يجب اقتصار عضوية المجلس بعضو/ة ممثلا لكل كتلة من كتل قوى الثورة حتي لا يترهل هذا المجلس ويفقد فاعليته لاسيما أن الغرض منه ليس تمثيل كل حزب أو حركة على حدة وإنما تمثيل كتل تعبر عن تنوع السودان وقوى الثورة. ولا باس من تمثيل لجان المقاومة بشحص واحد مع صعوبة عملية اختيار الشخص المعني. يجب على مجلس شركاء الفترة الإنتقالية التوافق حول السياسة الخارجية وإنهاء حالة الإرتباك السائدة في المشهد الآن ما بين المكون العسكري في المجلس السيادي والجهاز التنفيذي التي كان آخرها زيارة الوفد الإسرائيلي لبلادنا يوم أمس الأول، والتي نفي مجلس الوزراء عمله بها. بالإضافة إلى معضلة آخرى، هي موقف السودان من سد النهضة وغيرها من القضايا الحساسة. علاوة على ذلك، الشارع الآن قابل للإنفجار في اي وقت مما يتطلب التوافق على سياسة إقتصادية عاجلة لتحسين الضائقة المعيشية التي أوشكت على أن تكون مجاعة، وهي في الأصل أزمة سياسية ويجب أن يكون المدخل لمعالجتها سياسي في المقام الأول. بالإضافة إلى ذلك، لابد من التوافق على سياسة فورية للقضاء على التمكين الإقتصادي، والإعلامي، وفي وظائف الخدمة المدنية حتي يتسني لحكومة الفترة الإنتقالية امتلاك زمام المبادرة. ومحاكمة رموز النظام البائد الذي ولغوا في دماء بنات وأبناء شعبنا فالعدالة والقصاص لدماء الشهداء لا يحتمل التأجيل. عبد الفتاح عرمان