يشكل الاقتصاد عظم الظهر لأي دولة، وعندما ينخر السوق الأسود وغسيل الأموال هذا العظم لا سبيل لأي إصلاح، دعنا من التغيير الجذري الذي نادت به الثورة، من الملاحظ أن الخبراء في المجال يركزون على مظاهر الأزمة الاقتصادية ونادراً ما يتحدثون عن السوق الخفي الذي يتحكم في مفاصل الحيوية في البلد، وأي حديث أو مجهود لا يتم توجيهه نحو هذه المعضلة ستذهب به رياح الفساد العاتية التي تضرب أي جهود للإصلاح.. يتركز الحديث حول مؤسسات اقتصادية تابعة للأجهزة النظامية والأمنية، تملك أصول، وأموال وتديرها في الخفاء بعيداً عن رقابة القانون ويد وزارة المالية، وترتفع الأصوات لهيكلتها، بينما المطلوب مصادرتها وتصفية وجودها غير القانوني ومحاربة سدنتها دون هوادة، ويمثل ذلك أول الخطوات في طريق تفكيك منظومة الفساد الكيزانية وشبكة المصالح المرتبطة بها، تلك الشبكة ليست رأسية بل أفقية تنخر في المجتمع أيضاً بمعول استغلال الفقر والحرمان واسع النطاق، بهدف الاستمالة والحصول على الطاعة والولاء وشراء الصمت والتغاضي عن المصلحة العامة لصالح الخاصة.. الخطاب الاقتصادي الموجه ناحية الأزمة الاقتصادية ما لم يستصحب البعد الاجتماعي لها، سيكون منبتاً، فالمظاهر الناجمة عن الأموال الوافرة المتداولة في الأسواق بعيد عن سيطرة المؤسسات الرسمية لا بد من كشفها دون أي محاولة التفاف، فتلك الأموال مستغلة في صناعة الاحتكار وإعادة إنتاجه، وكذا التفاوض اليومي الناشئ في الأسواق بهدف تحقيق أرباح سريعة، والمواقع الإلكترونية التي تحولت إلى أسواق واسعة تشهد تداول مختلف أنواع البضائع، دون الخضوع لأي إشراف أو رقابة وبالطبع دون دفع (قرش) للضرائب ودون التزام بسداد رسوم، ويشمل ذلك تجارة واسعة من قطعة الصابون على قارعة طريق رئيسي حتى العقارات داخل المباني المرفهة حيث مؤسسات القطاع الخاص والشركات بمختلف أغراضها.. هذا المشهد هو الذي سيكون له اليد العليا في إعادة ترتيب الشأن السياسي، فهو يجسد مقاومة لمشروع الدولة المدنية الديمقراطية، والحرب المكشوفة ضد لجنة تفكيك التمكين هو أحد اوجهها، ولن يدخر سدنة السوق الخفي جهداً في حربهم، بالسعي لإعادة ترتيب المشهد السياسي، عبر الدعوة للانتخابات، حتى يكتسبوا شرعية تمنحهم القدرة على حماية مصالحهم، وهنا لا بد من مقاومة على أسس تراعي كل هذه الأبعاد وفق مشروع يراعي مصالح الوطن.. ________ *_الميدان