كانت النزاعات واعمال العنف في السودان تنحصر في مناطق واقاليم محددة بسبب التهميش والمطالبات بالتنمية (تعليم ، صحة ، خدمات)، إلا ان ما يحدث هذه الايام وخلال الفترة الماضية من عنف وشغب في عدة مدن متفرقة، آثار القلق وفتح باب التساؤلات عن مدى تأثيرها على أمن واستقرار البلاد، وفي حال لم يتم تدارك هذا الخلل ومعالجته فقد يكُبر وتتسع الدائرة ليصبح السودان بأكمله بؤرة للصراعات والانفلات الأمني، وقد شهدت ولاية القضارف خلال الايام الماضية احداث عنف اعتراضاً على غلاء المعيشة وولاية نهر النيل بسبب رفضهم للوالي وقبلها كسلا وبورتسودان هذا الى جانب تجدد الصراعات الاثنية في اقليم دارفور مما يُعيد انتاج سيناريو 2003. وصول يونيتامس وعلى الرغم من تصريحات وزير الخارجية عمر قمرالدين بأن الحكومة تضلع بمسئولياتها لحماية المدنيين في المناطق المتأثرة بالنزاعات ووضعت خطة متكاملة لتحقيق ذلك لكنه لم يوضح أي تفاصيل عن هذه الخطة ، كما اعتبر عمر ان بداية عمل بعثة الاممالمتحدة المتكاملة لدعم الفترة الانتقالية في السودان (يونيتامس) تُعتبر دلالة على الانتقال من مرحلة حفظ السلام الى بناء السلام واعادة اعمار المناطق المتأثرة بالنزاعات في السودان ، الا ان ما جاء في تقرير مجلس الامن الدولي موخراً أكد عدم تحسن الحالة العامة المتعلقة بالقانون الدولي الانساني حيث شهدت هجمات على المدنيين زيادة حادة لا سيما في جنوب وغرب دارفور. واشار التقرير الى محدودية قدرة الحكومة على منع احداث العنف او ايقافها خاصة في المناطق الريفية حيث قلة عدد قوات الشرطة، مؤكداً استمرار هجمات الرعاة على النازحين والمزارعين الذين يحاولون العودة الى اراضيهم هذا مع غياب سياسات حكومية للمساءلة بما في ذلك مسألة الاراضي، وقال التقرير ان الحكومة انتهكت حظر توريد الاسلحة وواصلت نقلها الى دارفور، وان عدم الاستقرار في انحاء السودان والتنافس السياسي على الحكم مرتبط بالتدهور الاقتصادي أثر سلباً على الحالة في دارفور وعملية السلام، كما اشار الى وجود تنافس بين الجيش وقوات الدعم السريع على اجتذاب قوات الحركات المسلحة على ضمان عدم انضمامها الى الجانب الاخر.
قضايا المواطن البعض يرى ان انشغال السلطة الحاكمة بقضايا جانبية واهمال قضايا المواطن هي التي ادت الى انتشار العنف والاحتجاجات في مختلف انحاء البلاد مطالبين بحقوقهم الاساسية المتعلقة بمعيشتهم اليومية، وهذا يعتبر امتداد لما حدث في دارفور والمناطق التي بها نزاعات مسلحة منذ سنوات، وسواء كانت هذه الاعمال مخطط لها من جهات محددة من اجل مكاسب شخصية او كانت هي ردة فعل تلقائية للوضع الاقتصادي المتدهور فان النتيجة الاخيرة واحدة وهي حدوث زعزعة وعدم استقرار امني وانفلات قد يؤدي الى اتساع دائرته في كل البلاد. المحلل السياسي محمد علي فزاري قال ل "المواكب" يؤكد على ان غياب سلطة الدولة وغياب القانون الرادع جعل صوت القبلية يرتفع على صوت الدولة، ايضاً محاولات النظام السابق تكسير صوت الاحزاب(الامة ، الاتحادي، الشيوعي …) جعل الناس يلجأون الى مواعين اضيق كالقبيلة، اضافة تسييس الادارات الاهلية وانضمامهم للحزب الحاكم وتنفيذ اجندته التي يمليها عليهم. ويرى فزارى بان هذه النزاعات بدأت في الاتساع ووصلت حتى المركز بمنطقة شرق النيل والحكومة فشلت في التصدي لهذه المشكلة واصبحت تستجيب لمطالبات القبائل في حين ان الشخص المسجون مثلاً لا يمثل القبيلة ولا يسئ اليها، واكد على ضرورة بسط هيبة الدولة عبر سن وتطبيق القوانين الرادعة ومن لم يحاسبه ضميره يحاسبه القانون.
حكومة تكنوقراط الفريق محمد بشير سليمان قال ل"المواكب" ان فشل الحكومة في ادارة شؤون الحكم في البلاد وعدم وضوح الرؤية للسلطة الحاكمة وانحراف مسيرة الثورة الى الاسوأ ادى ذلك الى وضع الدولة في حافة الهاوية في كل دروب الحياة، هذا افقد المواطنين بمختلف مسمياتهم وعدم الاحساس بالاطمئنان واحساس المواطن بان هذه السلطة آلت لفئة محددة وغير راشدة وكأنهم استبدلوا تمكين بتمكين اسوأ من الذي كان، اضافة الى عدم هيبة الدولة واستهداف الاجهزة الامنية للجان المقاومة افقدها دورها، هذا الى جانب الصراع القبلي الجهوي والوضع المعيشي كل هذه اسباب ودوافع للعنف والانفلات الامني. وعاب سليمان على الحكومة تركيزها على مطلوبات الخارج وتناست المطلوبات الداخلية وانعكاس ذلك سلباً على الوضع الامني والسياسي، وهذا قد يدفع الطامعين في الداخل بالاتفاق مع الخارج الى استغلال الوضع في السودان لإحداث انقلابات في السلطة، وهذه النزاعات قد تتمدد اكثر واكثر والان توجد تظاهرات تطالب بإسقاط الحكومة الحالية بسبب ضعف الخدمات (الكهرباء ، الغاز ، الخبز ….الخ). ومضى الفريق محمد بشير سليمان المحلل الاستراتيجي، إلى القول باهمية تدارك كل ذلك بان تتنحى السلطة الحالية وتؤسس لمؤتمر حوار بدون اقصاء او تمييز لكل مكونات السودان طرح كل القضايا المصيرية للخروج برؤية وطنية قومية تضع استراتيجية تكلف بتنفيذها حكومة تكنوقراط ، اما اذا استمر الوضع على هذا فأن ذلك بداية لانهيار الدولة. المواكب