إذا فهمت الفرق بين الدين والتدين فلن تُكَفِّر بعد اليوم أحداً! وستترك هذه المهمة لخالق العباد لا إله إلا هو! الدين هو النص المقدس كما جاء، والتدين هو فهم الناس لهذا النص، الدين ثابت، وفهم الناس متغير! من يدعي بأنه قد حوى مراد الله فقد أشرك بالله! فأنت لا تعلم إلا ما يتطلبه نقصك، وتمام كمال المخلوق في نقصه! المعركة لم تكن يوماً بين النص والعقل، كما يصورها أعداء العقل، وانما في كيفية تلقي النص والتفكُّر فيه، لذلك كان رد على بن أبى طالب على الخوارج حين قالوا (لا حكم إلا لله)، عبارة عن قاعدة تؤسس لمنهجية "كيف نتعامل مع النص" حيث قال بكل ثبات (القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال)! واسترسل قائلاً (الحكم لله والامارة للناس، إن هي كلمة حق أُريد بها باطل)، فكلمة "الحكم" في كتاب الله لا تعني منهج "الدولة" فذلك شأن زماني يتطور مع تطور "فهوم" الناس، فكل قارئ يسقط على النص خلفياته وطموحاته، فإن كان طامحاً في الامارة، فالحكم هو الإمارة، وإن كان طامحاً في صلاح الناس فالحكم هو اتقاء حدود الله واصلاح ذاته أولاً (كل مما يليك)!، فصلاح الناس نتيجة لصلاحك انت فتواضع هدانا الله وإياك (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا). وهذا هو سبب وجود عشرات المذاهب والفرق، فابو حنيفة فهم شيء، ومالك فهم شيء، والشافعي والاوزاعي واحمد وغيرهم فهموا أشياء أخرى! ذلك لأن "فهم الناس" يتغير ويتبدل، فالاشعري بدأ معتزلياً وانتهى أشعرياً بمذهبه الخاص، فكلما زاد علم الناس وتنوعت معارفهم، أصبحوا اكثر فهماً وتدبراً للنص، وأكثر اختلافاً! يقول الله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)! وكلما أرانا الله كلما زادت معارفنا، ولازم ذلك (إذا تساوت الأذهانُ والهِمَمُ ، فمتأخِّر كُلِّ صناعةٍ، خَيْرٌ مِن مقدمها). استيقظ: عندما فهم أبو حنيفة قوله تعالى (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا)! خرج على الناس وقال لهم: "قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا".