لم يكن أهل بلدي فاسدون في يوم من الايام. ولم يكن أهل بلدي سراق في يوم من الايام. فأهل السودان وعلى مر التاريخ مشهود لهم بالصدق والأمانة والوفاء والكرم والشهامة. فلقد أثلج صدري وصف ذلك الصحفي السعودي لاهل السودان حين قال : لو قيل لي أن عربياً فاز بجائزة الأمانة بين عشرين من مختلفي الجنسية فأرجح أن يكون سودانيا. ولو قيل: إن عربياً قد فاز بجائزة التهذيب بين عشرين من العرب فالأرجح أن يكون سودانياً، ولو قيل: إن عربياً قد فاز بجائزة نظافة اللسان بين عشرين من العرب فالأرجح أن يكون سودانياً، ولو قيل: إن عربياً قد فاز بجائزة الوفاء بين عشرين من العرب فالأرجح أن يكون سودانياً. فماذا جرى لنا أيها الاخوة. ولماذا انتشر الفساد ونهب المال العام في بلادنا وفي عهد الانقاذ بهذه الطريقة المخجلة. فلقد « ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ « سورة الروم –الآية 41. فما من مرفق الا وتعرض للنهب والسلب. واصبح اسم السودان يتصدر كل صفحات الشفافية الدولية كأكبر دولة في العالم للفساد. لذا لابد علينا كسر ظهر هذا الفساد الذي توالد في ظل حكم الإسلاميين الذي كان يدعي تطبيق شرع الله. ولابد من القضاء عليه. ولابد من لجمه. ولابد من تخويفه، ولابد من منعه من الاستقواء والانتشار . ولن يكون الامر كذلك الا برفع الغطاء السياسي عن كل كبار المفسدين ومحاكمتهم. وكشف كل شبكات الحماية التي تختبيء خلفها كل الحيتان الكبيرة . فلن يقنع أهل السودان القبض علي صغار المفسدين . ولن يشفي غليلهم القبض على سارقو الجاز و البنزين أو الذين يتعاملون في الدولار في برندات السوق العربي. فالشعب يريد القضاء على تلكم المافيات اللعينه التي تعيث أرض السودان فسادا . والأهم هو الانتقال السريع من مربع التنظير إلى مربع الأفعال . فلا يكفي محاربة الفساد بالتصريحات الهزيلة التي لم تعد تقنع الناس، فهناك رغبة اكيدة لرؤية ولو فاسد واحد وهو معلق في المشانق وسط الخرطوم. وكفانا سلمية وهوانا . لابد من الجدية في ضرب كل معاقل الفساد في البلاد. ولعل أكثر ما اخافني أن هناك جيل مفسد صغير قد بدأ يظهر على السطح. فقد كنا مرورا بالقرب من معرض الخرطوم الدولي وإذا بموكب صغير من سيارات فارهة و مظللة وقد سدت الطريق امامنا. فقالوا لنا انهم بعص أبناء المسؤولين وهم قادمون لقصر احدهم بالقرب من معرض الخرطوم الدولي. معقول أصبحت لهم شلليات تمتلك المؤسسات كطبقة طفيلية جديدة لم نكن نعرفها وقد بدأت تتمدد في البلاد وفي البزنس. صدقوني لقد رأيت الحسرة ترتسم على وجوه بعض الشباب الذين كانوا وقوفا بالقرب منا. وكأن لسان حالهم يقول معقول نحن سودانيين وديل سودانيين وما الفرق بيننا وبينهم. ولم نحن محرومون وهم مالكون لكل سبل الحياة الرغيدة. وحقا فمن المفروض أن تعترف الخريطة الجغرافية لأي بلد بحقوق كل من يحمل جنسية البلد الذي تطأ قدماه أرضها ، ولكن هذا الأمر لم يكن له وجود وقد مكن له الكيزان مالا وسطوة وبيوتات اسرية سيطرت على كل مقدرات الوطن. فلا غرابة أن تجد شبابا بنكهة الغنى الفاحش والثراء المقدس يسكنون قصورا جاء مالكوها بشنط حديد. وفي المقابل تجد آخرين يسكنون بيوت الطين و صناديق الدنيا حيث الإملاق والعدم والتهميش والإقصاء. فلقد صعدت هذه الجماعات الطفيلية السطح على متون الضعفاء والمقهورين الذين لا حول لهم ولا قوة ، وليتنا نحقق شعار الثورة الذي ينشد العدالة. فيكون تقسيم فرص الحياة الكريمة للجميع ودون تمييز. مع التركيز بجعل النمو ينصب أكثر في مصلحة الفقراء. الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال في إحدى لقاءاته " أن تزايد اللامساواة في الدخل هو التحدي المهم لعصرنا". فهذا الأمر قد أصبح تحديا حقيقيا لشبابنا وهو يري تمدد تلك الطبقة الغنية. ففي دراسة لحالة أربع دول عربية هي مصر والأردن وفلسطين وتونس نشرها منتدى البحوث الاقتصادية بالقاهرة عام 2016، قال الباحثون إن "عدم المساواة الاقتصادية بين الفئات الاجتماعية والديموغرافية في المنطقة العربية في ارتفاع متزايد". وهذا أمر خطير للغاية وقد قال عنه الفيلسوف اليوناني بلوتارك ان: "اللاتوازن بين الغنى والفقر هو أقدم الأمراض وأشدها فتكا بالنسبة لكل الجمهوريات"