وجه خبراء اقتصاديون إنتقادات لاذعة للسياسات الأخيرة التي أعلنتها حكومة الفترة الانتقالية اليوم بشأن "توحيد سعر الصرف"، وقالوا ل (الراكوبة) إن السياسات تهدف إلى خروج الدولة نهائيا من قطاع التجارة الخارجية، وتوها إلى أن القرار سيؤدي إلى عواقب وخيمة على الإقتصاد السوداني، ووصفوه بتجريب للمجرب وتوقعوا أن تكون نهايته الندم خاصة أنه لم يأت نتيجة فعل بالإقتصاد الوطني وإنما نتيجة لضغوط صندوق النقد الدولي. وكان بنك السوداني المركزي أصدر توجيهات للبنوك لتوحيد سعر الصرف الرسمي والموازي وذكر في بيان له "صدرت منشورات وضوابط بنك السودان المركزي الموجهة للمصارف وشركات الصرافة لتنفيذ الرؤية الإصلاحية للدولة إعتبارا من يوم الأحد الموافق 21 فبراير 2021 وذلك بتوحيد سعر الصرف بما يساهم في تحقيق توحيده، وتحويل الموارد من السوق الموازي إلى السوق الرسمي"
واعتبر عضو اللجنة الإقتصادية للحرية والتغيير التيجاني حسين قرار تعويم سعر صرف الجنيه السوداني قفزة في الظلام وقال: (سيؤدي القرار إلى عواقب وخيمة على الإقتصاد السوداني وعلى سعر العملة الوطنية إذ أن السوق الأسود ليس له حدود) واضاف (عندما يتضاعف السعر الرسمي فإن السعر في السوق الموازي سيتحرك بإستمرار الى الامام) .
و أشار إلى أن تعويم الجنيه تجربة مر بها السودان منذ السبعينات ، وحاول النظام المُباد عدة مرات أن يلاحق السوق الموازي ولكنه لم يصل إلى أي نتيجة، وقال ( فإن قرار تعويم الجنيه تجريب المجرب ويستكمل ونهايته ندامة لأن القرار لم ينبع من فعل للإقتصاد الوطني وإنما نتيجة لضغوط صندوق النقد الدولي، ومن يقفون وراءه. وأضاف حسين في حديثه ل "الراكوبة" هولاء يرمون للاستفادة من ثروات بلاد العالم الثالث لتحقيق رفاهية المجتمعات الغربية وآدواتهم هي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتابع (لكن جماهير الشعب السوداني التي اكتوت بنيران الغلاء ستواجه بموجة جديدة طاحنة من إرتفاع الاسعار وبعدها يطول صبر الجماهير أكثر من ذلك).
من جهته يقول عضو اللجنة الإقتصادية للحزب الشيوعي السوداني كمال كرار إن قرار تحرير سعر الصرف أي "تعويم العملة" أحد شروط صندوق النقد الدولي أو ما يسمى برنامج مراقبة الاداء ويهدف الى اخراج الدولة نهائيا من قطاع التجارة الخارجية واطلاق يد سماسرة السوق الاسود في الاقتصاد. يضيف كرار في حديثه للراكوبة (في الحقيقة فإن كل السياسة الاقتصادية على مدارالعام الماضي كانت تسير في اتجاه تعويم الجنيه)، وأشار إلى معاملات الحكومة بسعر السوق الاسود في عمليات الاستيراد والتصدير. وأضاف (الملاحظ ان ادارة الاقتصاد وكانت ولازالت في يد الرأسمالية الطفيلية ممثلة في محفظة السلع الاستراتيجية ولجنة الطوارئ الاقتصادية وهم نفس المجموعة التي كانت تتحكم في الاقتصاد ابان النظام البائد).
ويضيف كرار (أعداء الثورة هم الذين يديرون المشهد الاقتصادي ومعركة الاقتصاد الان هي الحاسمة اما ان تنتصر الثرورة او تنهزم ) وتابع (لكن أثق من انتصار قوى الثورة على هذه المخططات الخبيثة ولن تسقط راية ثورة ديسمبر ابدا وان كل القرارات التي صدرت في الشأن الاقتصادي من بعد الثورة والى الان كانت معادية للجماهير وضد اهدافها) وأشار إلى أن هذه القرارات خلقت معاناة وحولت حياة السودانيين إلى ججيم خاصة لمحدودي الدخل وقال (هذا أمر غير مقبول والشعب قادر لتصحيح هذا المسار وإزاحة السلطة الانتقالية وإيجاد البديل الثوري).
في السياق يقول المدير السابق للشركة السودانية للموارد المعدنية يوسف محمد أحمد ل (الراكوبة) إن قرار تعويم الجنيه الذي اتخذته الحكومة الانتقالية اليوم سيزيد من المعاناة و ضيق المعيشة و تفشي الفقر ولن يقوي الجنيه مقابل العملات الأجنبية بل سيزيد من ضعفه و انهياره تماماً. وأضاف لا يمكن الخروج من متلازمة تدني العملة و هدر موارد البلد إلا بسياسات و إجراءات مخالفة لما درجت عليه حكومة الثورة موضحا والتي ترتكز على عدد من الأسباب أهمها ضعف نصيب الدولة من إنتاج الذهب. وأوضح محمد أحمد أن جزء كبير من الذهب مفقود عبر التهريب الذي أصبح بالمكشوف عبر بوابات رسمية منها مطار الخرطوم، وخروج الدولة من شراء و تصدير الذهب، وفشل كل سياسات الدولة في تحصيل ما يعرف بعائد صادر الذهب، وقال محمد أحمد أثناء حديثه ل (الراكوبة) إن السبب الرئيسي في كل ذلك أن الذهب لا تملكه الدولة و ستظل تلهث خلف عائد صادر الذهب بدون جدوى. وأشار إلى فشل سياسات الدولة في كسر الحلقة التي تربط بين تصدير الذهب و عائد صادره و تجارة العملة التي تنشط خارج الحدود موضحا هذه الحلقة أصبحت قوية وتسخدم في مضاربات سعر الذهب حتى في كثير من المرات كان سعر الجرام في عمارة الذهب أغلى من دبي ومعروف ان الربح يكون في تجارة العملة.
ويستكمل محمد أحمد حديثه بقوله (رغم النتائج السلبية الواضحة التي تسببت فيها القرارات و السياسات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة الثورة و التي ظهرت في الإرتفاع الجنوني لتكلفة المعيشة و في زيادة و تفشي الفقر وكل ما يعانيه المواطن السوداني امتازت الحكومة الجديدة بقوة العين و القفز في الظلام رغم أنها لم تكمل شهرا و ما زال عظمها طرياً). ويرى أن الحل للخروج من الأزمة الإقتصادية بعيدا عن "تعويم الجنيه و تهريب الذهب". يقول: على الحكومة تنفيذ التوصيات التي طُرحت في المؤتمر الاقتصادي، ودخول الحكومة عبر شركاتها في تعدين وإنتاج وتحفيز الشركات الوطنية و شركات المساهمة العامة في الدخول في تعدين و إنتاج الذهب وتعظيم نصيب الحكومة في اتفاقيات التعدين وتنظيم التعدين التقليدي ، وعن طريق شراكات وسيطرة و إدارة الحكومة على عمليات شراء الذهب و تصديره وبناء احتياطي من الذهب وأكد إن قرار تعويم الجنيه قفزة في الظلام و اتوقع ان يتم النكوص عنه قريبا..
بينما يرى عضو اللجنة الاقتصادية التيجاني حسين: أن الحل لأزمة الاقتصاد السوداني طُرح من قوى الثورة الحقيقية هو تقوية سعر صرف الجنيه السوداني ، وليس تخفيضه أو تعويمه. موضحا إن تقوية سعر الصرف يتم عن طريق توفيرالعملات الأجنبية وعبر سيطرة الحكومة على تجارة الذهب وإنشاء بورصة للذهب والمحاصيل الزراعية وإسترداد الشركات الأربعة التي كانت تعمل في إسترداد الصادر وهي " شركة الحبوب الزيتية، والماشية واللحوم، والصمغ العربي" وذلك لضمان حصائل الصادر، فضلاً عن سيطرة الحكومة على صادر الذهب بالإضافة إلى جذب أموال المغتربين، ووصف حسين ما سلكته الحكومة بالنهاية المفجعة .