هكذا كان يحدثنا رفيقنا آدم، إلتقيناه بالصدفة وهو يحزم أمتعته من مكجر (مدينة بولاية وسط دارفور) متوجها إلى مدينة قارسيلا ( محلية وادي صالح)… انتظرنا كثيرا بمكتب الترحيلات ريثما يكتمل العدد الذي يطمح فيه سعادة العريف قائد العربة اللاندكروزر التي تتبع لقوات الشعب المسلحة، طال انتظارنا وللأسف لم يحالفنا الحظ لامتطاء قاهر الأرض بسبب أن الركاب المسافرين لم يبلغ عددهم القدر الذي يريده السائق إذ كنا فقط ثمانية مسافرين وكان سعادته يريد 15 راكبا على حد قوله، فاعتذر لصاحب مكتب الترحيلات وانطلق بسيارته إلى حيث أتى. اقترح علينا رفيق دربنا آدم أن نقوم بتأجير تكتك إلى مدينة بندسي ومن هناك يمكننا أن نقوم بتدبير حالنا إلى قارسيلا بحكم أن حركة العربات بين بندسي وقارسيلا أيسر كثيراً، لكن في الواقع لم ترق لباقي الرفاق الفكرة لأنها تنطوي على مجازفة غير مضمونة العواقب. انتظرنا لبعض الوقت ، فحضرت إلينا عربة أخرى وأشترط علينا السائق تحقيق ربط مالي محدد حتى يقوم بترحيلنا مباشرة إلى قارسيلا، طلب منا الكمسنجي زيادة قيمة التذكرة حتى يتيسر لنا أمر السفر فوافقنا على مضض، وبعد شد وجذب استطاع إقناع السائق بالتحرك رغم احتجاجه الشديد. رفعنا أمتعتنا وامتطينا الفارهة التي طالما انتظرناها بفارق الصبر، كانت هنالك خواطر كثيرة وأحاديث متقطعة بين الركاب وبدا لي أن رفيق دربنا آدم رجل طيب المعشر وصاحب جولات وصولات ويعرف طبيعة وجغرافية المنطقة وتفاصيلها وقراها وبواديها وشاهدا على ما حدث فيها من خراب ودمار. كان يتحدث عن ذكريات له مع أترابه في القرى المهجورة بفعل الحرب اللعينة وحكى لنا عن القرية التي تم ختانه فيها في مطلع الثمانينات حيث يقيم عمه بتلك القرية التي مررنا على أطلالها. حدثنا آدم عن مغامراته هو وبني عشيرته في نصب الكمائن للكيان المناوئ لكيانه وكيف أنهم تمكنوا من السيطرة على عدد 2 شاحنة و4 عربة لاندكروزر كانت محملة بالزخائر وبعض المؤن في طريقها لدعم خصومهم. ذكر لنا الخسائر الفادحة التي تلقوها جراء الهجوم غير المتكافئ التي تعرضت له قبيلته واستخدم فيه أكثر من 100 دوشكة من قبل العدو – على حد تعبيره- وأن ثمانين من رفاقه لقوا حتفهم في هذه المعركة غير المتكافئة… ثم أدلف قائلا لكننا في خلال أقل من شهرين امتلكنا نحن أيضا أكثر من مئة دوشكة، سألته بعفوية: أين الحكومة؟ فكان رده بالطبع لم يكن صادما لأنني كنت على علم بما يجري في دارفور، قال لي ( هو الحكومة منو؟ ما نحن بس الحكومة). يقول آدم انهم بعد أن امتلكوا مئة دوشكا قد قويت شوكتهم وتمكنوا من صد الهجوم بمعاونة بني عشيرتهم القادمين من دولة مجاورة بعدد 4 عربات قتالية. وحكى لنا كيف تمكنت تلك العربات من التسلل لأن الحكومة واستخبارات القبيلة المناوئة كانت تراقب الموقف لغير صالحهم، وكانت ستمنع دخول تلك العربات بحجة أنها تتبع للمعارضة في الدولة المجاورة… قال آدم بكل سرور أنهم كانوا يمتلكون مدفعا رشاشا يتبع للجمعية وأن الشباب من أبناء عشيرته يجيدون إطلاق النار منه والتصويب بدقة، لأنه متاح للجميع وأعيرته رخيصة. مدفع رشاش يتبع للجمعية ، أي والله مدفع وليس إناء طبخ ولا زير ماء، فيا ترى كم دوشكا وكلاشنكوف وآربجي تتبع للجمعية؟ هنالك ثقافة جديدة وقناعات جديدة لدى مختلف مليشيات القبائل ، تنصب في إطار الزود عن القبيلة في مواجهة رصيفاتها اعتمادا على رصيد القبيلة من الأسلحة والزخائر والفرسان،كما هناك قناعة راسخة لدى البعض الآخر بضعف دور الدولة وتقاعسه في نصرة الضعيف وبالتالي رفعوا شعار كن مستعداً. إن نزع السلاح من أيدي المواطنين وقصرها على القوات النظامية فقط مسألة عاجلة وملحة، ولكن نظرا لتلك التعقيدات السائدة في مجتمع دارفور فإن الكثير من الأسلحة ستختفي وتظهر ريثما استدعاها الظروف. لابد من تبني سياسة وخطة واضحة لجعل المواطنين يطمئنون أولاً أن الدولة قادرة على حمايتهم وحريصة على حياتهم وجديرة لبناء جسور الثقة بين مختلف المكونات، عندها سيسلم المواطنون أسلحتهم طوعاً دون حاجة إلى إجبار أو إكراه. [email protected]