اتفاق المبادئ الذي وُقِّع أمس الأول بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز آدم الحلو، مثل خطوة نحو الأمام – حسب مراقبين – في مسيرة التغيير والتحول الديمقراطي في السودان وإنهاء الحرب، حيث أنه جاء بعد مخاض عسير في سبيل التوصل لسلام شامل يعالج أزمات تأريخية، فضلاً على أنه يمهد لطي صفحة الحرب في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لكنه بذات القدر جدَّد الجدل حول علاقة الدين والدولة. تضمن الإعلان مطالب رئيسة للحركة الشعبية، التي تقاتل منذ سنوات تحت شعارات استرداد حقوق مواطني منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بعد ما أقر حرية المعتقد وعدم قيام الدولة بفرض دين محدد على السكان. ويرى خبراء، أن اتفاق إعلان المبادئ لم يشمل ما يعكر صفو المشهد السياسي في السودان، خاصة في ما يتعلق بعلمانية الدولة وحق تقرير المصير للمنطقتين التي كانت تطلبها الحركة الشعبية، حيث خلت الوثيقة الموقعة من النص على هذه القضايا لفظياً. ورأى المراقبون أن الاتفاق يمهد الطريق لاستقرار دائم يطوي صفحة الحرب، فقد نص على وقف مستدام لإطلاق النار والأعمال العدائية والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب في المنطقتين. كما نص على عدم استغلال الدين في السياسة، وأن لا يكون هناك دين رسمي للدولة، ونص الاتفاق على تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية في السودان، تضمن حرية الدين والممارسات الدينية والعبادة لكل الشعب السوداني، وذلك بفصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة، وأن لا تفرض الدولة دينا على أي شخص، وأن لا تتبنى الدولة ديناً رسمياً. وأن تكون قوانين الأحوال الشخصية لأي مكون سوداني حسب دينه ومعتقده. وعلى الرغم من ترحيب غالبية القوى السياسية بالاتفاق، إلا أنها أبدت مخاوفها من الفشل الذي صاحب أغلب اتفاقيات السلام السابقة الثنائية، ورفض المشاركة الواسعة للقوى المؤثرة والمتأثرة بعمليات الحرب والسلام. وفي سبتمبر من العام الماضي، اتفق رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، مع عبد العزيز الحلو، على إجراء مفاوضات غير رسمية حول القضايا الخلافية، وأبرزها علمانية الدولة. من جانبه، عدّ الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني فتحي الفضل، الاتفاق خطوة أولى في مسيرة طويلة نحو السلام العادل والشامل والديمقراطي. وأضاف: "رغم أن المبادئ العامة التي تضمنها الإعلان تبدو إيجابية، لكن كما علمتنا التجارب السابقة أن العبرة في التنفيذ". ونبه إلى أن السلام عملية معقدة تحتاج إلى جهد كبير ومشاركة أوسع ومنبراً يسع جميع القوى السياسية، خاصةً أصحاب المصلحة من ممثلي النازحين وسكان المعسكرات، بالإضافة إلى كل ذلك تجب الإشارة إلى ما يقال دائماً في الاتفاق العام أو المبادئ والخطوط الرئيسية أن الشيطان في التفاصيل، وهذا مربط الفرس. وأضاف فضل أن أي اتفاق أو إعلان يجب أن يُعطى الأولوية لوقف نزيف الدم في مناطق النزاع وعمليات حرق القرى، ويمنع حدوث موجات جديدة من النزوح الداخلي، كما يستند على أسس واضحة في تحقيق مبدأ عدم الإفلات من العدالة. وتابع: "هذه المهام الأولية والمحددة لنجاح أي خطوة تجاه السلام، ومن ثم تأتي معالجة جذور الأزمة وأسباب الحروب المتتالية، بل إزالة الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية التي أدت إلى الحرب والاحتراب، إزالة المظالم والسياسات الخاطئة التي أدت إلى نزيف الدم الجاري حتى اليوم، واستمرار انعدام الأمن وسيادة منطق السلاح في مناطق النزاع ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، فأهمية تحقيق العدالة بشقيها الاجتماعي والقانوني هي خطوات مهمة في الطريق المؤدي للسلام المنشود". وأكد أن الحل المتدرج لقضية الحرب والسلام، وتحقيق الاستقرار وعودة الأوضاع إلى طبيعتها في مناطق الحروب، يعني إدانة الحلول العسكرية التي اتبعتها ولجأت إليها الحكومات السابقة لحل مسألة القوميات، والتوجه نحو جبر الضرر والتعويض الجمعي والفردي، وتوصيل الإغاثة وتوفير الأمن وعودة النازحين لقراهم وإجلاء الأجانب إلى ديارهم. وقد تعرض الاتفاق إلى هجوم من بعض الأحزاب والجماعات الاسلامية، خصوصاً المحسوبة على النظام المخلوع، التي أعدت – حسب مراقبين – العزف على وتر الدين للتحريض ضد الاتفاق. من جانبه، أكد الكاتب والمحلل السياسي إسماعيل أحمد محمد، أن اتفاق المبادئ يؤسس لبناء دولة حديثة تستوعب طموحات وتطلعات الشعب، وعدّه اختراقاً كبيراً لتحقيق السلام الشامل في كافة أرجاء السودان. وأضاف: "نأمل في أن تنضم حركة جيش وتحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور إلى ركب السلام، لأن مطالب حركة عبد الواحد متقاربة بشكل كبير مع مطالب الحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو، وهناك اتفاق وتفاهمات كبيرة بين الحركتين". ودعا إسماعيل إلى ترجمة الإعلان في المفاوضات بين الحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو وبين الحكومة الانتقالية في عاصمة جنوب السودان جوبا إلى سلام حقيقي. وأكد أنه إذا تم الاتفاق بشكل واضح سيمهد لبناء دولة جديدة ظل الشعب السوداني يحلم بها منذ ميلاد الدولة السودانية، وتابع: "نأمل أن تلتزم الحكومة الانتقالية من جانبها بتنفيذ الاتفاق"، مشيراً إلى أن السلام من مطالب قوى الثورة، وهو مطلب حقيقي يعالج جذور المشكلة السودانية من مختلف النواحي السياسية والاقتصادية وغيرها. مداميك