يعود إختراع الدرّاجات الهوائيّة، أو ما تُعرف بالفرس الصغير، كما يحلو تسميتها قديمًا، إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وهي عبارة عن عجلتيْن من الخشب موصولتين ببعضهما بعضًا، بقطعة حديديّة لتثبيتهما. ويعتمد تحريك العجلة على الأرجل التي تدفعها إلى الأمام بقوة، حيث قيل: إن صاحب الفكرة هو الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي، في القرن الخامس عشر، إلى أن جاء القرن الثامن عشر الميلادي، ليتفرد الفرنسي، الكونيت دو شيراك، بإختراعه لأول درّاجة هوائيّة. تطوّرت بعدها إلي مستوى من التقنية الهندسيّة، وذلك بفضل المخترعين، خاصة براوُن الذي أضاف إليها المِقود في العام 1813م، ثم إبتكر، ماك ميلان، نظام الدوّاسات ومجموعة ناقل الحركة، سنة 1839م، أما في العام 1855م، تم تطويرها من قبل، آرنست ميشو. وتم تنظيم أول سباق لمضمار الدرّاجات الهوائية في العام 1893م، ليسهم في تطويرها كثيرًا إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن. لذا فإن رياضة الفرس الصغير، باتت لها شعبية كبيرة في: أوروبا، و الولاياتالمتحدة، وآسيا، حيث يتم تنظيم سباقات علي مستوى عالمي، وتم إنشاء إتحاد دولي للدرّاجات (uci)، في العام 1900م، والذي قام بسن قوانين لها، حيث مقرّه الرئيس باريس العاصمة الفرنسية. وإحتلت هذه الرياضة المرتبة الثالثة، بعد رياضة كرة القدم، والألعاب الأولمبية، وظلت هذه الثقافة في عالمينا القريب والبعيد، معروفة عند كثير من المدن. لذلك فإن حديثنا اليوم سنفرده عن أحد أفراد مجموعة الدرّاجْ السوداني (بورتسودان)، القادم من ولاية الخرطوم مولدًا ونشأة، بيد أن جذوره تتعبّق غربًا من ولاية جنوب دارفور. هذا الفتى الأبنوسي المعطون بالرياضة حزم أمتعته وتعييناته- على حد وصف الجُند- ليضعها على صهوة فرسه، تاركًا إطاراتها تنطلق بالرحلة من خور أربعات التي تبعد (45) كيلو شمال ثغرنا الشرقي الحبيب، مدينة بورتسودان. ليعلن عن بداية المغامرة المتّجه غربًا عابرًا (12) ولاية بدءًا بالبحر الأحمر وكسلا والقضارف ثم الجزيرة والنيل الأبيض، والخرطوم، مرورًا بشمال كردفان وغربها، ليغوص في أعماق شمال دارفور وجنوبها ووسطها ثم غربها، وصولا إلى أدَرِي التشادية، قاطعًا خلالها (3235) كيلو بعدد (45) يومًا. طاف عبد الكريم صديق عبد الكريم، صاحب المشروع، المدن والقرى مصافحًا وجالسًا ومتدارسًا ومتعرّفًا على قيم ومعاني أهل السودان، التي تنمّ عن: الجمال، والتعايش، وقبول الآخر، أينما حلوا وارتحلوا، حيث آنسهم وآنسوه، وذاق حلاوة طعامهم وشرابهم، وكل ما جادت به أياديهم الكريمة المِعطاءة، لأهل القرى والبوادي. وتعزز قيم الكرامة تلك، سماحة التعايش والسلام والمحبة، وهي الأهداف التي خرج من أجلها عزيزنا، الدرّاج السوداني عبد الكريم، الذي حدثني عن رحلته، التي إبتدرها في الحادي والثلاثين من يناير، ليكون ختامها في السابع عشر من مارس من هذا العام، وقال: إن.ّما شجعه لذلك هو رحلة الدّراجيْن: موسى الماحي، وعبد العظيم، اللذان إمتطيا دراجتيْهما من الفاشر إلى الخرطوم نهاية العام الماضي. حكى لي ود صديق، أنه عندما قرّر تنفيذ مشروعه السياحي، كانت ولايات الشرق مضطربة وبها سيولة أمنية، وذلك بسبب الصراعات القبلية وغيرها، فقصد عبد الكريم أن يتعرف على الأوضاع بنفسه ليعرب عن أنها- أي الإضطرابات- مفتعلة ومصطنعة، ولم تكن هي إرادة الشعوب، ليعززها بأنه لم يعترضه أحد، وهو يشق السهول والوديان والفيافي. وتابع: قابلتُ خلال رحلتي مواطنين وجيش وشرطة ودعم سريع، وجميعهم قابلوني بحرارة ورحابة صدر، مردّدين دعواتهم لي بالسلامة وهم يقولون عبارة: ربنا يسترك ويعدل طريقك، ليعكس تسامح المجتمع على حد تعبيره. وحول رؤيته المستقبلية يرى عبد الكريم أنه بصدد العودة إلى الأبيض عبر السيارات، ليبدأ رحلته الثانية بالدرّاجة، من جنوب كردفان وطوافها والوصول لمدينة كاودا- العصية على المتجبّرين- من الطُغاة، وأبدى أسفه لأنه لم يزر هذه المناطق من قبل، لكنه رغمًا عن ذلك لم يشعر بغرابة، بل أكدت في دواخله بأن السودان في حاجة إلى قيادة رشيدة، وكشف عبد الكريم أن أهل المدن التي زارها بدؤوا يفكرون في هذه الهواية، لأنها تزرع القيم النبيلة، ونحن أحوج لها ما يكون. [email protected]