يجيء الاحتفال باليوم العالمي للصحافة والصحافة السودانية، تعيش أسوأ فترة طوال تاريخها المجيد. وأرجع مراقبون ذلك لحالة الانهيار الاقتصادي التي تشهدها البلاد، فضلاً عن التطور التكنولوجي الذي يعايشه العالم، مما انعكس سلباً على الصحافة الورقية، بجانب أزمة غياب القانون واستمرار فاعلية قانون الصحافة الموروث من النظام المباد. ويصادف اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو من كل عام، ويحتفل به العالم هذا العام تحت شعار (المعلومات كمنفعة عامة)، ويجيء هذا اليوم في الذكرى الثلاثين ل (إعلان ويندهوك) الذي نتج عن المؤتمر التاريخي الذي عقدته اليونسكو في عام 1991م بعاصمة نامبييا ويندهوك، وتم اعتماد إعلان ويندهوك لتطوير صحافة حرة ومستقلة وتعددية. وكشف تقرير حول حرية التعبير والحصول على المعلومات بالسودان، صادر عن راصد فضاء المجتمع المدني لفترة من يناير وحتى مارس المنصرم من العام الجاري عن تدهور حرية التعبير. وقال إنها ظلت مقيدة بحلول الربع الأول من عام 2021. وأرجع ذلك إلى استمرار الملاحقات القضائية والترهيب ضد الصحفيين والنشطاء الحقوقيين. وكانت هناك عدة قضايا للمدونين والشعراء والصحفيين الذين رفعت دعاوى ضدهم، وتعرضوا للمضايقات القضائية نتيجة لكتاباتهم. كانت هناك قضية الشاعر الشاب يوسف الدوش الذي استدعته نيابة الصحافة والمطبوعات في مارس للاستجواب حول قصيدة قدمها على قناة سودانية 24، وكانت التهم موجهة إليهم من مجلس السيادة. وأشار التقرير إلى أنه في 15 فبراير 2020 تعرض صحفيون لمضايقات واعتقالات بتهمة "التحريض على الفتنة وتقويض النظام الدستوري". وأكد التقرير عدم إحراز أي تقدم في ما يتعلق بالبيئة القانونية التي تؤثر على حرية التعبير، حيث لا يزال قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2008 مستمراً، كما يستمر استخدام القوانين الأخرى ذات الصلة المباشرة بحرية التعبير، مثل قانون الأمن وقانون الجرائم الإلكترونية لعرقلة الوصول لممارسة هذا الحق. ونبّه إلى فشل لجنة إصلاح قطاع الإعلام، التي أنشأها وزير الإعلام السابق فيصل محمد صالح في نهاية عام 2020، ولم تحقق أي تقدم، ويعود ذلك إلى أنها حزبية وتتكون من غير المتخصصين. وعلى صعيد أكثر إيجابية، تم إصدار (7) تراخيص (تصاريح) للعديد من الصحف الجديدة ومحطات بث إذاعية. وأشار التقرير إلى تسجيل حالات للتضليل خلال هذا الربع، في وسائل الإعلام المطبوعة ومنصات وسائل الإعلام الاجتماعية. ونشرت وكالة الأنباء السودانية (سونا) في 12 مارس، بياناً من والي الجزيرة نفى فيه المعلومات الواردة في تعميم صادر من الحركة الشعبية لتحرير السودان – الجبهة الثورية عن نتائج اجتماعه بها في 11 مارس. بجانب الترويج ونشر أخبار لقصة امرأة كونغولية قيل إنها جاءت لتنتج أفلاماً إباحية داخل البلاد، وتم اعتقالها مع طاقم تصويرها، كما أن المعلومات المضللة تغذيها محدودية الوصول إلى المعلومات المتعلقة بسياسات وقرارات الحكومة. وكشف تحالف لرصد الموازنة من منظمات المجتمع المدني ونشطاء عن امتناع وزارة المالية عن تزويدهم بالبيانات والمعلومات المتعلقة بموازنة 2021، أيضاً حدث ارتباك من المعلومات المضللة التي تتحدث بشأن إغلاق المدارس بسبب كوفيد (19). وطالبت (صحفيون من أجل حقوق الإنسان) (جهر) بمناسبة اليوم العالمي للصحافة حكومة الفترة الانتقالية بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة والتعبير. ودعت الصحفيات والصحفيين إلى الانتباه لدور الصحافة ومهامها ومسؤولياتها في فترات الانتقال السياسي، وشددت على ضرورة التمسك بقيم وأهداف حرية الصحافة والتعبير، وأخلاقيات المهنة، ودور الصحافة فى مناهضة خطاب الكراهية، ودعم أجندة الشفافية والديمقراطية والحرية والسلم والعدالة. وقالت (جهر): "يجيء هذا الموقف المبدئي، من التزامنا وقناعتنا الراسخة بقيم وأهداف حرية الصحافة والتعبير، ومن انحيازنا الواعي والتام، لأهداف ثورة ديسمبر 2018، المجيدة، وشعاراتها (حرية.. سلام..وعدالة)". ويقول عضو شبكة الصحفيين السودانيين وائل محجوب إن الصحافة السودانية شهدت تراجعاً في المستويات جميعها وتردي بيئة العمل الصحفي وانخفاض الرواتب للصحفيين والعاملين، مؤكداً أن الصحافة حالياً تشهد حالة احتضار، فضلاً عن ضعف المحتوى الإعلامي الذي يقدم للقارئ، ورأى أن هذه الجزئية سببها جشع الناشرين وملاك الصحف في الاستغناء عن الصحفيين المحترفين واستبدالهم بالصحفيين الجدد قليلي الخبرة. واستهجن محجوب وجود القوانين التي تم تشريعها إبان حكم النظام المباد، والتي لم تلغَ بعد، كقانون الصحافة والمطبوعات وغيرها من القوانين. وانتقد محجوب تمويل بعض الصحف من جهات أجنبية، وعدّ ذلك مدعاة للتخابر والاختراق الأجنبي عبر بوابة الإعلام، وأكد أن التغيير السياسي والاجتماعي الذي شهدته البلاد لم ينعكس على واقع الصحافة. من جانبه أكد الصحفي والمهتم بجمع وتحليل المعلومات أحمد جادين ل(مداميك)، ضعف الإقبال على الصحف الورقية. وأشار إلى انفتاح الباب أمام الصحف الإلكترونية بسبب الواقع الاقتصادي وأثره الكبير في صناعة الصحف التي فشلت في مجاراة السوق للأعباء المادية الكبيرة، وأشار إلى حدوث انفراج نسبي تمثل في توقف مصادرة الصحف، بيد أنه لفت إلى استقاء الصحف الورقية المعلومات من الوسائط. وأرجع ذلك لصعوبة الحصول على المعلومة من مصادرها الرسمية. وقال إن ذلك أسهم في نشر الأخبار المضللة والكاذبة. وعاب تنصل بعض المسؤولين من تصريحاتهم واستدل بما حدث من لغط حول أزمة المياه بالخرطوم وتوفيرها للمواطنين بالتناكر. وانتقد أحمد تمركز الصحافة بالمركز (الخرطوم) ومحدودية الاهتمام بنقل أخبار الولايات، وخاصة التي تشهد نزاعات وعدم تسهيل مهمة الصحفيين وتوفير الحماية الكافية لهم. وشدد على ضرورة توفير المعينات والاستفادة من تجارب الدول في العمل في ظل الأزمات والطوارئ بعد التغييرات التي طرأت على البشرية بسبب جائحة كورونا والتي أثرت بالضرورة في واقع الصحافة والصحفيين كذلك الكوارث والحروب والنزاعات. مداميك