شاهد بالفيديو.. "ميسرة" يعترف ببكائه لطليقته "نهلة" ويرد على سؤال المتابعين (لماذا لاحقتها رغم الإنفصال؟) ويؤكد: ربنا يوفقها ولن اتخذ ضدها إجراءات قانونية لإعادتها من بريطانيا    شاهد بالفيديو.. "ميسرة" يعترف ببكائه لطليقته "نهلة" ويرد على سؤال المتابعين (لماذا لاحقتها رغم الإنفصال؟) ويؤكد: ربنا يوفقها ولن اتخذ ضدها إجراءات قانونية لإعادتها من بريطانيا    بالفيديو.. طالبات بإحدى مدارس نهر النيل يخرجن في تظاهرات لاستقبال الفنانة منال البدري.. شاهد ردة فعل المطربة    شاهد بالفيديو. الناشطة وسيدة الأعمال مروة كادي تستعرض سيارتها الجديدة الفارهة "مرسيدس" في حضور زوجها سعد الكابلي الذي قام بتوثيق المشهد    شاهد بالفيديو. الناشطة وسيدة الأعمال مروة كادي تستعرض سيارتها الجديدة الفارهة "مرسيدس" في حضور زوجها سعد الكابلي الذي قام بتوثيق المشهد    بالفيديو.. طالبات بإحدى مدارس نهر النيل يخرجن في تظاهرات لاستقبال الفنانة منال البدري.. شاهد ردة فعل المطربة    مدير عام الصناعة ولاية الخرطوم يزور جمعية معاشيي القوات المسلحة    الصّندوق الأسود لهَزائم الهِلال    رئيس القوز ابوحمد يهدي الانتصار لجماهير النادي والداعمين    وضع يد الجيش المصري علي (تِتِك) إتفاقية الدفاع المشترك مع السودان    خسارة الهلال الثانية في الدوري الرواندي: إستهتار بالخصوم و إهدار للنقاط    "لو ديلومات" يكشف عن الدعم الخطير للميليشيا    فيفا يحسم مصير المركز الثالث في كأس العرب بعد إلغاء مواجهة السعودية والإمارات    لجنة أمن ولاية الخرطوم تعكف على تسليم المواطنين ممتلكاتهم المنهوبة المضبوطة باقسام الشرطة    البرهان والسيسي يجريان مباحثات مشتركة في مصر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: .....(الشوط الجديد)    استشهاد فردين من الدفاع المدني في قصف مسيّرات مليشيا الدعم السريع على محطة كهرباء المقرن بعطبرة    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    بمشاركة 6 عرب.. الأندية الإنجليزية تدفع ثمن كأس الأمم الإفريقية    "فيفا" يطلق تذاكر ب60 دولارا لكل مباراة في "مونديال 2026"    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    مسيرات انتحارية تستهدف عطبرة    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    مكتول هواك يترجّل    توجيه بصرف اجور العاملين قبل 29 ديسمبر الجاري    "ونسة وشمار".. زوجة مسؤول بالدولة تتفوه بعبارات غاضبة وتعبر عن كراهيتها للإعلامية داليا الياس بعد إرسال الأخيرة رسالة "واتساب" لزوجها    هل استحق الأردن والمغرب التأهل لنهائي كأس العرب؟    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    هل يمكن أن يؤدي الحرمان من النوم إلى الوفاة؟    بنك السودان يتأهب لإطلاق المقاصة الإلكترونية    الأردن يفوز على السعودية برأس رشدان ويتأهل لنهائي كأس العرب    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    النوم أقل من 7 ساعات ثاني أكبر قاتل بعد التدخين    بعد غياب طويل.. أول ظهور للفنانة المصرية عبلة كامل بعد قرار السيسي    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    كارثة إنسانية قبالة اليونان وغالبية الضحايا من مصر والسودان    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطريق لعالمية الأغنية السودانية..
نشر في الراكوبة يوم 21 - 05 - 2021

يتساءل المهتمون عن لماذا لم تصل أغنيتنا الى العالمية أو حتى الى الإنتشار إقليمياً في محيطنا العربي! ماذا يقصدون بالإقليمية والعالمية؟ هل هي المشاركة في المحافل الدولية والمهرجانات الفنية والثقافية؟ أم هي وصول الأغنية الى الإعلام المسموع والمرئي في الدول العربية والعالمين الغربي والشرقي؟
وهذه مناهج مُختلفة يجب ان يؤسس لكل منها حتى تصل الأغنية الى مبتغاها.
سأتحدث فيما يلي فقط عن جزئية الموسيقى والغناء وكيفية الإرتقاء بهما إلى مصاف الإنتشار عالمياً وقبله إقليمياً.
ليس لخصائص الأغنية والموسيقى السودانية أية إشكالية من ناحية الموسيقى إذ تمتاز بالإسكيل الموسيقي الخماسي. وهو سلم واسع الإنتشار، حيث أن أكثر من نصف سكان العالم خماسيي السلم مع إختلاف النكهة التي تميز خصائص موسيقى كل منطقة عن الأخرى في العالم، وذلك بأختلاف أبعاد النغمتين (الغائبتين) في السلم الخماسي الذي ينقسم الى نوعين أحدهما يحتوى على نصف بعد نغمي (hemitonic) وهو المميز لموسيقى غرب السودان، والآخر لا يحتوي على نصف بعد نغمي ويسمي (Unhemitonic) وهو ما يظهر في أغنية وسط وشمال السودان. للسلم الخماسي طابع مميز وهو سلم مكتمل من حيث تناسق النغمات. ويقبل خطوط لحنية متوافقة ومتضادة أكثر زخماً وثراءاً من السلم السباعي كامل النغمات (diatonic)، كما يمتاز بالسهولة والجمال في الإرتجال، العزف الحر (solo).
وكذلك ليس للهجتنا العامية إشكالية في إيصال الكلمة وهي الأقرب الى اللغة العربية الفصحى بين الشعوب العربية. فقط يعيقها أحياناً نطق الكلمات، وبعض الألحان التي تجعل الحروف تمتط أو لا تأخذ حقها كاملاً وهذا فيما يخص الانتشار وسط المستمع العربي.
التأليف الموسيقي في الأغنية السودانية في غاية الجمال، حيث صاغت الموهبة والفطرة السليمة أعذب الألحان مع الإيقاعات المتنوعة والثرة وهي ثروة فنية كبيرة بفعل التنوع الثقافي والعرقي المكون للسودان. والدراسة والمعرفة صقلت هذا الإرث. إذن ما هي الإشكالية التي منعت وتمنع وصول هذا الفن للمحيط العربي والعالمي؟
لنعدد الأسباب والمعالجات على سبيل المثال وليس الحصر:
1/ عدم إهتمام الدولة بهذا الجانب وتركه لأهل المهنة يتدبرون أمرهم.
2/ عدم وجود شركات قطاع خاص تستثمر في الفنون وخاصة الغناء والموسيقي.
3/ عدم وجود كيان مؤسسي ينظم هذه المهنة ويديرها ويخطط لتطويرها.
4/ عدم وجود إعلام مؤهل في هذا المجال يقود حركة النقد الفني لتأسيس مستقبل متسق مع التطور.
5/ عدم تدريس الموسيقي للأطفال في المراحل التعليمية الأوّلية.
6/ عدم وجود معاهد متوسطة تؤهل الشباب الموهوبي، أكاديمياً وتكنيكياً على العزف على آلاتهم.
7/ عدم تأهيل الفنانين موسيقياً يعوق قدرتهم على الإستفادة وتحقيق مخططاتهم الفنية.
8/ الغناء السوداني ليس موزعا توزيعا أوركستراليا ولا هو منوت آلياً.
لا يمكن لأي نوع من الفنون النهوض والإزدهار إن لم تكون هناك رعاية من الدولة. بالتخطيط والمال اللازم لرعاية الإبداع. الدولة ممثلة في أجهزتها التنفيذية المختصة بالثقافة عليها أن تواكب التطور الكبير الذي وصل اليه العالم في مجال الحصول على المعلومة والإرتباط بالأحداث من خلال الشبكة العنكبوتية. كما لا بد أن يكون لها بنك معلومات يحتوي (بايوغرافي) لكل الفرق والمجموعات والفنانين السودانيين، يشتمل على بعض النماذج من الأعمال في شكل ديمو ونبذة عن هذه الاعمال والإيقاعات والرقصات والأزياء والصور باللغتين العربية والإنجليزية. وكذلك تكون على إطلاع وإتصال بكل المحافل الفنية في الخارج من مهرجانات ومسابقات الخ… وهذا أصبح يسيراً بتوفر روابط الكترونية لهذه المحافل بها متطلبات المشاركة وطريقة تقديم طلب المشاركة وسبل التواصل مع الإدارة المعنية بالمحفل.
لابد أن يدخل الفن في لعبة الإستثمار وأن يكون مربحاً إقتصادياً حتي تتنافس المؤسسات والشركات في الدخول والإستثمار في هذا الفن. وهذا سيخلق نوع جديد من التنافس والإنتاج والتجويد وكذلك ستكون إدارة الفن إدارة جيدة من هذه المؤسسات وستدير أعمال الفنان الذي ينتمي إليها بتخطيط دقيق علمي ممنهج، وستقوم بصناعته إحترافياً من حيث إختيار الأعمال والمنتجين ومظهر الفنان ومشاركاته داخليا وخارجيا. إذ ان الفن في العالم الآن أصبحَ من عمل الشركات الكبرى التي ترعى وتدير شؤونه.
إتحاد المهن الموسيقية، هذا الكيان يحتاج إدارة من مهنين في علم الإدارة وليس من أهل الفن أنفسهم. حتى يطلع بدوره في تنظيم شؤون الأعضاء. ويجب أن تنشأ مثلاً شركات إنتاج إعلامي وقنوات مسموعة ومرئية بإكتتاب من الأعضاء يسهم عائدها في رقي وتطور الموسيقى والغناء وكذلك في ضمان حياة كريمة للنجم عندما تحجبه سحب الحياة عن السطوع.
دور الإعلام دور كبير جداً في نشر الفنون بل هو المكمل لها، لأن الفن بدون إعلام يظل حبيس الغرف التي أنتج فيها، لذلك لا بد أن يكون الإعلام مدرك وواعي برسالته تجاه الفن. وكل من يكتب أو يتحدث في النقد الفني عليه ان ينال دورات تدريبية من متخصصين في هذا المجال حتى يتناسق دور الإعلام مع رسالة الفن.
يجب الإهتمام بدراسة الموسيقي للأطفال لتأسيس أجيال المستقبل بأفق أوسع ومعرفة بأبجديات الموسيقي حتى تتكون لهم في المستقبل القدرة على الاستماع لكل أنواع الموسيقي. كل الشعوب الآن أصبحت تدرس الموسيقي منذ المراحل الأولي في التعليم وتهتم بمدارس ومراكز منتشره في المدن والأحياء لتهذيب وجدان الأطفال. وقد أثبت علمياً بأن الطفل الذي يدرس موسيقي ويعزف آله موسيقية له قدرة على الإستيعاب أكثر من أقرانه. الموسيقي تحفز الدماغ وهذا بدوره يحسن من الوظيفة الإدراكية للطفل، بهذا نضمن أجيال واعية بأهمية الموسيقى ودورها.
إنشاء معاهد أكاديمية متوسطة تابعة لوزارة التربية والتعليم في كل أقاليم السودان يتوجه إليها الطالب الموهوب ذو الرغبة بعد إكمال مرحلة الأساس لدراسة الموسيقي وتكون هذه المعاهد الرافد الرئيسي للحركة الفنية ولكلية الموسيقى بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. (أتمنى أن تصبح كيان منفصل تحت إسم الأكاديمية العليا للموسيقى).
دراسة علوم الموسيقى والدورات التدريبية للفنانين والموسيقيين وإقامة ورشات عمل بين جيل الرواد والشباب لصقل التجربة وتبادل المعرفة والخبرات.
الموسيقي الغنائية السودانية ليست موزعة توزيعاً أوركسترالياً وليست منوته آلياً، ومازال العازف يحفظ بالتلقين. وهذه من الأسباب التي تجعل الموسيقيين المحترفين والباحثين حول العالم لا يجدوا مقطوعات منوته للتعرف على نوعية الموسيقى السودانية. وكذلك المشاركات في المهرجانات والمسابقات العربية الكبرى تكاد تكون معدومة لأن إدارة المهرجانات ولجان المسابقات تطلب نوتات أعمال الفنانين المشاركين لتنفيذها عبر الفرق الموسيقية المتعاقد معها. لذلك يجب الإهتمام بتوزيع الأغاني توزيعاً أوركستراليا وتنويتها آلياً.
إبرام وتنشيط الإتفاقايات الثقافية مع الدول عبر وزارة الخارجية وملحقياتها الإعلامية والثقافية في بعثاتها بالخارج، وإحياء التبادل الثقافي والأكاديمي في مجال الفنون والمشاركات الرسمية والشعبية بين هذه الدول والسودان. إقامة مهرجانات بالسودان تشارك فيها فرق وفنانين من الخارج. وكذلك إجتهاد الفنانين السودانيين لإنتاج إعمال مشتركة (دويتو) مع فنانين عرب وغيرهم وهذا يسهل عملية القبول والإنتشار.
إذا أردنا العالمية حقاً فلنهتم بالأغنية والموسيقى المحلية (البدوية) الفلكلورية بآلاتها الشعبية وإيقاعاتها وزيها ورقصاتها، ففيها يكمن الإبداع والإدهاش وهذا ما إستفاد منه مبدعو غرب أفريقيا من السنغال ومالي الخ.. وغزوا به أوروبا والغرب أجمع. لا يرتكزوا على الحداثة ولا يبحثون عنها بل يحملون آلاتهم الشعبية وزييهم التقليدي ورقصاتهم الفلكلورية ويبهرون بها الغرب. أصبحوا متواجدين بصفة دائمة في كل المهرجانات والمحافل الدوليّة. فعلينا إذن إقامة مهرجانات محلية في الولايات لتشجيع والاهتمام بالموسيقى والاغنية الشعبيّة والتراث الفني الإنساني الذي تكمن فيه عالمية الأغنية والموسيقى السودانية.
عبدالعزيز خطاب
باحث ومدون في الموسيقى السودانية
بقلم :عبدالعزيز خطاب
يتساءل المهتمون عن لماذا لم تصل أغنيتنا الى العالمية أو حتى الى الإنتشار إقليمياً في محيطنا العربي! ماذا يقصدون بالإقليمية والعالمية؟ هل هي المشاركة في المحافل الدولية والمهرجانات الفنية والثقافية؟ أم هي وصول الأغنية الى الإعلام المسموع والمرئي في الدول العربية والعالمين الغربي والشرقي؟
وهذه مناهج مُختلفة يجب ان يؤسس لكل منها حتى تصل الأغنية الى مبتغاها.
سأتحدث فيما يلي فقط عن جزئية الموسيقى والغناء وكيفية الإرتقاء بهما إلى مصاف الإنتشار عالمياً وقبله إقليمياً.
ليس لخصائص الأغنية والموسيقى السودانية أية إشكالية من ناحية الموسيقى إذ تمتاز بالإسكيل الموسيقي الخماسي. وهو سلم واسع الإنتشار، حيث أن أكثر من نصف سكان العالم خماسيي السلم مع إختلاف النكهة التي تميز خصائص موسيقى كل منطقة عن الأخرى في العالم، وذلك بأختلاف أبعاد النغمتين (الغائبتين) في السلم الخماسي الذي ينقسم الى نوعين أحدهما يحتوى على نصف بعد نغمي (hemitonic) وهو المميز لموسيقى غرب السودان، والآخر لا يحتوي على نصف بعد نغمي ويسمي (Unhemitonic) وهو ما يظهر في أغنية وسط وشمال السودان. للسلم الخماسي طابع مميز وهو سلم مكتمل من حيث تناسق النغمات. ويقبل خطوط لحنية متوافقة ومتضادة أكثر زخماً وثراءاً من السلم السباعي كامل النغمات (diatonic)، كما يمتاز بالسهولة والجمال في الإرتجال، العزف الحر (solo).
وكذلك ليس للهجتنا العامية إشكالية في إيصال الكلمة وهي الأقرب الى اللغة العربية الفصحى بين الشعوب العربية. فقط يعيقها أحياناً نطق الكلمات، وبعض الألحان التي تجعل الحروف تمتط أو لا تأخذ حقها كاملاً وهذا فيما يخص الانتشار وسط المستمع العربي.
التأليف الموسيقي في الأغنية السودانية في غاية الجمال، حيث صاغت الموهبة والفطرة السليمة أعذب الألحان مع الإيقاعات المتنوعة والثرة وهي ثروة فنية كبيرة بفعل التنوع الثقافي والعرقي المكون للسودان. والدراسة والمعرفة صقلت هذا الإرث. إذن ما هي الإشكالية التي منعت وتمنع وصول هذا الفن للمحيط العربي والعالمي؟
لنعدد الأسباب والمعالجات على سبيل المثال وليس الحصر:
1/ عدم إهتمام الدولة بهذا الجانب وتركه لأهل المهنة يتدبرون أمرهم.
2/ عدم وجود شركات قطاع خاص تستثمر في الفنون وخاصة الغناء والموسيقي.
3/ عدم وجود كيان مؤسسي ينظم هذه المهنة ويديرها ويخطط لتطويرها.
4/ عدم وجود إعلام مؤهل في هذا المجال يقود حركة النقد الفني لتأسيس مستقبل متسق مع التطور.
5/ عدم تدريس الموسيقي للأطفال في المراحل التعليمية الأوّلية.
6/ عدم وجود معاهد متوسطة تؤهل الشباب الموهوبي، أكاديمياً وتكنيكياً على العزف على آلاتهم.
7/ عدم تأهيل الفنانين موسيقياً يعوق قدرتهم على الإستفادة وتحقيق مخططاتهم الفنية.
8/ الغناء السوداني ليس موزعا توزيعا أوركستراليا ولا هو منوت آلياً.
لا يمكن لأي نوع من الفنون النهوض والإزدهار إن لم تكون هناك رعاية من الدولة. بالتخطيط والمال اللازم لرعاية الإبداع. الدولة ممثلة في أجهزتها التنفيذية المختصة بالثقافة عليها أن تواكب التطور الكبير الذي وصل اليه العالم في مجال الحصول على المعلومة والإرتباط بالأحداث من خلال الشبكة العنكبوتية. كما لا بد أن يكون لها بنك معلومات يحتوي (بايوغرافي) لكل الفرق والمجموعات والفنانين السودانيين، يشتمل على بعض النماذج من الأعمال في شكل ديمو ونبذة عن هذه الاعمال والإيقاعات والرقصات والأزياء والصور باللغتين العربية والإنجليزية. وكذلك تكون على إطلاع وإتصال بكل المحافل الفنية في الخارج من مهرجانات ومسابقات الخ… وهذا أصبح يسيراً بتوفر روابط الكترونية لهذه المحافل بها متطلبات المشاركة وطريقة تقديم طلب المشاركة وسبل التواصل مع الإدارة المعنية بالمحفل.
لابد أن يدخل الفن في لعبة الإستثمار وأن يكون مربحاً إقتصادياً حتي تتنافس المؤسسات والشركات في الدخول والإستثمار في هذا الفن. وهذا سيخلق نوع جديد من التنافس والإنتاج والتجويد وكذلك ستكون إدارة الفن إدارة جيدة من هذه المؤسسات وستدير أعمال الفنان الذي ينتمي إليها بتخطيط دقيق علمي ممنهج، وستقوم بصناعته إحترافياً من حيث إختيار الأعمال والمنتجين ومظهر الفنان ومشاركاته داخليا وخارجيا. إذ ان الفن في العالم الآن أصبحَ من عمل الشركات الكبرى التي ترعى وتدير شؤونه.
إتحاد المهن الموسيقية، هذا الكيان يحتاج إدارة من مهنين في علم الإدارة وليس من أهل الفن أنفسهم. حتى يطلع بدوره في تنظيم شؤون الأعضاء. ويجب أن تنشأ مثلاً شركات إنتاج إعلامي وقنوات مسموعة ومرئية بإكتتاب من الأعضاء يسهم عائدها في رقي وتطور الموسيقى والغناء وكذلك في ضمان حياة كريمة للنجم عندما تحجبه سحب الحياة عن السطوع.
دور الإعلام دور كبير جداً في نشر الفنون بل هو المكمل لها، لأن الفن بدون إعلام يظل حبيس الغرف التي أنتج فيها، لذلك لا بد أن يكون الإعلام مدرك وواعي برسالته تجاه الفن. وكل من يكتب أو يتحدث في النقد الفني عليه ان ينال دورات تدريبية من متخصصين في هذا المجال حتى يتناسق دور الإعلام مع رسالة الفن.
يجب الإهتمام بدراسة الموسيقي للأطفال لتأسيس أجيال المستقبل بأفق أوسع ومعرفة بأبجديات الموسيقي حتى تتكون لهم في المستقبل القدرة على الاستماع لكل أنواع الموسيقي. كل الشعوب الآن أصبحت تدرس الموسيقي منذ المراحل الأولي في التعليم وتهتم بمدارس ومراكز منتشره في المدن والأحياء لتهذيب وجدان الأطفال. وقد أثبت علمياً بأن الطفل الذي يدرس موسيقي ويعزف آله موسيقية له قدرة على الإستيعاب أكثر من أقرانه. الموسيقي تحفز الدماغ وهذا بدوره يحسن من الوظيفة الإدراكية للطفل، بهذا نضمن أجيال واعية بأهمية الموسيقى ودورها.
إنشاء معاهد أكاديمية متوسطة تابعة لوزارة التربية والتعليم في كل أقاليم السودان يتوجه إليها الطالب الموهوب ذو الرغبة بعد إكمال مرحلة الأساس لدراسة الموسيقي وتكون هذه المعاهد الرافد الرئيسي للحركة الفنية ولكلية الموسيقى بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. (أتمنى أن تصبح كيان منفصل تحت إسم الأكاديمية العليا للموسيقى).
دراسة علوم الموسيقى والدورات التدريبية للفنانين والموسيقيين وإقامة ورشات عمل بين جيل الرواد والشباب لصقل التجربة وتبادل المعرفة والخبرات.
الموسيقي الغنائية السودانية ليست موزعة توزيعاً أوركسترالياً وليست منوته آلياً، ومازال العازف يحفظ بالتلقين. وهذه من الأسباب التي تجعل الموسيقيين المحترفين والباحثين حول العالم لا يجدوا مقطوعات منوته للتعرف على نوعية الموسيقى السودانية. وكذلك المشاركات في المهرجانات والمسابقات العربية الكبرى تكاد تكون معدومة لأن إدارة المهرجانات ولجان المسابقات تطلب نوتات أعمال الفنانين المشاركين لتنفيذها عبر الفرق الموسيقية المتعاقد معها. لذلك يجب الإهتمام بتوزيع الأغاني توزيعاً أوركستراليا وتنويتها آلياً.
إبرام وتنشيط الإتفاقايات الثقافية مع الدول عبر وزارة الخارجية وملحقياتها الإعلامية والثقافية في بعثاتها بالخارج، وإحياء التبادل الثقافي والأكاديمي في مجال الفنون والمشاركات الرسمية والشعبية بين هذه الدول والسودان. إقامة مهرجانات بالسودان تشارك فيها فرق وفنانين من الخارج. وكذلك إجتهاد الفنانين السودانيين لإنتاج إعمال مشتركة (دويتو) مع فنانين عرب وغيرهم وهذا يسهل عملية القبول والإنتشار.
إذا أردنا العالمية حقاً فلنهتم بالأغنية والموسيقى المحلية (البدوية) الفلكلورية بآلاتها الشعبية وإيقاعاتها وزيها ورقصاتها، ففيها يكمن الإبداع والإدهاش وهذا ما إستفاد منه مبدعو غرب أفريقيا من السنغال ومالي الخ.. وغزوا به أوروبا والغرب أجمع. لا يرتكزوا على الحداثة ولا يبحثون عنها بل يحملون آلاتهم الشعبية وزييهم التقليدي ورقصاتهم الفلكلورية ويبهرون بها الغرب. أصبحوا متواجدين بصفة دائمة في كل المهرجانات والمحافل الدوليّة. فعلينا إذن إقامة مهرجانات محلية في الولايات لتشجيع والاهتمام بالموسيقى والاغنية الشعبيّة والتراث الفني الإنساني الذي تكمن فيه عالمية الأغنية والموسيقى السودانية.
عبدالعزيز خطاب
باحث ومدون في الموسيقى السودانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.