خوف في النهار وخوف في الليل خوف أثناء النوم خوف من الباعوض خوف من الحياة خوف من المستقبل وحقا فنحن نعيش الخوف كله فلا يغرنك اصحاب الاصوات المجلجلة ولا تصدق اولئك الذين يفردون عضلاتهم و يحملون السكاكين. او من يحتفظون في بيوتهم بالرشاشات والمسدسات او حتي الار بي جي. او ناس حرم وعلي الطلاق والعكاكيز. فالخوف يملأ قلوبهم ليل نهار. والخوف اصلا حالة نفسية تنتاب كل انسان بسبب الشعور الناجم عن الخطر أو التهديد فيتسبب ذلك في تغير في الوظائف الأيضية والعضوية ويفضي في نهاية المطاف إلى تغيير في السلوك مثل الهروب و الاختباء. كذلك لا تظن ان كل قطاع الطرق فرسانا فما اجبنهم. فالفارس الشهم الشجاع لا يقاتل خصما اعزلا مجردا من السلاح. فالمعركة ليست متكافئة. فقطاع الطرق مثلا و بسيوفهم وسواطيرهم هم ايضا يعيشون الخوف من المجهول والخوف من الشرطة والخوف من الله , ونحن العزل كذلك تجدنا خائفون رغم هواتفنا المحمولة او اسلحتنا التي نحمل او النقود التي في جيوبنا زادا والتي احيانا تحفظ خدودنا و اشلاء اجسادنا من طعنات سيوف وسواطير قطاع الطرق الغادرة. كل صباح نعبر احياءا مخيفة في بلادنا تعتبر معاقل خصبة لقطاع الطرق, فينتابنا الخوف والرعب من ان يقفز احدهم ويجز الرقبة. وقد أصبح من الواجب على كل أسْرة أن تقيم افراحا حين يصبح الصباح ويزول ذلك الهاجس وزوار الليل وهوامه لذا فان الخوف المتواصل هو ذلك الخوف الليلي الجاثم في كل بيت. ويقول العلماء إن أشد عدو للبشر هو الخوف، الخوف من الموت.. والخوف من الفقد.. والخوف من الفاقة.. والخوف من العزلة.. والخوف من الفشل ... والخوف من المستقبل.. وكل يوم نعيش لحظات رعب تنهمر علينا فيها العديد من المشاكل الحياتية من خبز ووقود وكهرباء وماء ومواصلات وتعليم ابناء. وحقا فالكائن الخائف هو كائن غير موجود في الحياة. فهو لا ينصت إلى الوجود بل يكتفي بدقات قلبه، يعدها عدا. وتتطلع عيونه الخائفة إلى الأشباح المتربصة في الردهات و السواطير التي يحملونها والأنياب المكشرة التي تنفث سمومها. فلا خير اخوتي في مجتمع ينتج الخوف والتوجس والهلع. فبدلا من أن يبني الانسان احلامه وتطلعاته نحو المستقبل ، تجده يجد ويجتهد لبناء الاسلاك الشائكة والابواب الحديدية الصلدة والاحتفاظ بقطع من الاسلحة في البيت. وبدلا من أن يضع الفنان او الرسام بين انامله فرشة رسم او يراعا للكتابة تجده وقد رماه ليمسك بمسدسه ليربطه حول خصره. انه حقا الفشل والتعطيل الاجباري للعقل البشري. فقد تحول المجتمع بكلياته الي مجتمع تفوح منه رائحة الخوف و الحقد و الكراهية ، كراهية لقاطع الطرق والخوف منه وكراهية لمن يجنده ويمده بالسلاح وكراهية لوزير الداخليه وكراهية للشرطه وكراهيه للحكومة. فلقد زرت صديقا لي كان جل حديثه عن الامن والامان وفقدانهما. وقد احسست ان الرجل تقتله الكثير من الهواجس وان تسلح بمختلف انواع الاسلحة مسدسا ورشاشا وكاميرات في كل الاركان واسلاك شائكة وابواب فولاذية. وكأن الرجل يعيش في مصفحة عسكرية. انه والله حالنا في السودان. وقد سكن قلوبنا الخوف باشكاله المختلفه. وقد عشت واقعه حين كان يسدل الليل بستائره السوداء (والكهرباء المقطوعه) فيبدا الاهل باقفال الابواب واحكامها اتقاءا زوار الليل الملاعين. وكثيرا ما تكون قصص الصباح عن لص قد حرك (عكرة) الابواب او الشبابيك او كان متواجدا في الحوش. يقول الفيلسوف الإيطالي أومبيرتو إيكو: "إذا أردت التحكم بالشعوب يجب أن تخلق في مخيلتها عدوًا وتصوره بطريقة تبث في نفوسهم الخوف والفزع". وهم حقا قد خلقوا في انفسنا ذلك العدو ذو الانياب المتعددة. وقد وفدت علينا كذلك الكورونا كخوف خطير و مستجد . وهناك البعاتي والدكتور والابرة والمرفعين وكل ما رسخ في مخيلتنا منذ الصغر. يقول سقراط في الخوف : الخوف يجعل الناس أكثر حذرا وأكثر طاعة وأكثر عبودية. ويقول ارسطو : الخوف ألم نابع من توقع الشر. وان كان الحل الامثل في الاسلام وما قاله عن الخوف : (إنَّ الإنسانَ خُلِقَ هَلوعاً إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزوعاً وإذا مَسَّهُ الخير مَنوعاً الا المصلين) {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.[8] محمد حسن شوربجي