حديث القيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول احمد هارون بشأن موت المؤسسة العدلية في البلاد، وأبداء رغبته في الذهاب الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وهو من المطلوبين إلى المحكمة لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في اقليم دارفور منذ بداية الصراع في سنواته الأولى 2003 -2004. في ذات الوقت، جاء هذا الحديث مفاجئاً بعض الشئ كما يراه المتابعون، خاصة بعد أن أشار بالاتهامات إلى حكومة الفترة الانتقالية بشقيها السيادي والمدني بالفشل في تحقيق العدالة، رغم الشعارات الشعارات التي رفعتها، مثل حرية سلام وعدالة، وترى اطراف أن الهدف من الرسالة حتى لا يتعرض لمكروه وهو داخل سجون حكومة الفترة الانتقالية. وشرح أحمد هارون الواقع القانوني والسياسي والدستوري، حتى من داخل المنظومة الفكرية التي ينطلقون منها، فحتى الوثيقة الدستورية التي أجازتها هذه السلطة لنفسها لم تحتمل الإلتزام بها لأربعة وعشرين ساعة، وعدلتها ليتمكن مجلس السيادة من تعيين النائب العام ورئيسة القضاة. عملية فصل القضاة والمستشارين في الورقة التي ترافع فيها المعتقل احمد هارون عن فشل القضاء السوداني والنيابة العامة في الالتزام بالقانون، أوضح هارون '' مما يشكر السيد رئيس الوزراء وضوحه التام في معرض إجابته على سؤال عن أسباب إبقاء المعتقلين من رموز النظام السابق رهن الإعتقال دون تقديمهم للمحاكمة لعامين، فكانت إجابته في لقاء الجالية السودانية بالإمارات، ولوفد إحدى المنظمات الدولية المهتمة بهذا الأمر أنه من الأفضل للحكومة أن تتحمل فاتورة التكلفة السياسية لإبقائهم بالحراسة بدلا عن المجازفة وتقديمهم لمحاكم قد تصدر أحكاما ببراءتهم أو أحكاما بمدد خفيفة''. واتهم احمد هارون الحكومة الانتقالية بتعمد فصل كل القوانين، قائلا '' مايفسر عمليات الفصل والتشريد التي تطال عبر لجنة إزالة التمكين للقضاة والمستشارين وإحلال آخرين مكانهم ممن غادروا خدمة السلطة القضائية في زمن مضى بأسباب فصل (غير سياسية) تماما ويعلم مجتمع القضاة ذلك جيدا فأبناء المهنة الواحدة لا سر بينهم''.السيادي يملك سلطة تعيين النائب العام ورئيس القضاة واضاف هارون إزاء هذا الواقع القانوني والسياسي والدستوري المعيب فإن مجرد التفكير للتعامل معه بواسطة القانون، ومن داخل منظومته تعتبر فكرة غير ذات جدوى، فحتي الوثيقة الدستورية التي أجازتها هذه السلطة لنفسها لم تحتمل الإلتزام بها لأربعة وعشرين ساعة، وعدلتها ليتمكن مجلس السيادة من تعيين النائب العام ورئيسة القضاة مباشرة بدلا عن الطريقة التي حددتها الوثيقة بأن تكون عبر مجلس القضاء العالي، والجميع يذكر تفاصيل المعركة التي دارت بشأن ذلك حتى بين شركاء الحكم أنفسهم وقتها، ويشرح المعتقل احمد هارون أن سلطة بهذا الأداء القانوني البائس لن تكون قادرة، أو راغبة في إقامة العدل، ففي ظل أجواء الفصل والتشريد للقضاة والمستشارين بشكل مستمر، و التلويح المستمر بان هناك كشفا آخر قيد الصدور، لا يمكن أن تحقق عدالة معه ، لهذه الأسباب، ولأسباب أخرى مضيفا أنه سوف يبينها على حد قوله ، أعلن وبكل ثقة أنه من الأفضل له أن تقدم قضيته إلى المحكمة الجنائية الدولية. قحت والخوف من المستقبل السياسي يقول المحامي والقانوني محمد عبد الله باقان ل(شوارع) إن الحديث عن تحويل المتهمين إلى المحكمة الجنائية الدولية، من قبل أفراد النظام السابق استفزاز لمشاعر الضحايا الابادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية، والتهجير القسري، وتساءل كيف يعقل أن يطالب أفراد النظام السابق بمحاكمة وهم لا يعترفون بها أصلا، مضيفا ان الحديث عن تسليم المتهمين الجنائية الدولية، يعتبره حديثا استهلاكيا، ويوجه أصابع الاتهام إلى حكومة الفترة الانتقالية بعدم الجدية في الإصلاح القانوني ، موضحا لأنها تخشى تحرك الخلايا النائمة الإسلاميين الموجودين في داخل الأجهزة الأمنية بمستوياتها المتعددة، وان قحت تخشى على مستقبلها السياسي بعد ذهاب النظام الحاكم السابق، وحتي لا يتهمها الخصم في التيار الإسلامي بالعمالة الى الخارج. جر أطراف متنفذة في السيادة إلى الجنائية يضيف خبير ل(شوارع) يعتبر حديث أحمد هارون، وبعده الرئيس السابق عمر البشير حول الرغبة في المثول امام الجنائية الدولية، على الرغم من رفضهم السابق للمحكمة، وحتى لدرجة التعامل معها، أيضاً يدخل من باب التسيس، وليس فقط أن القضاء مسيساً، موضحا أن القضاء مسيساً ليس بالأمر الجديد، بل إنه منذ استلام نظام المخلوع البشير للسلطة 1989م صار مسيساً، واضاف الخبير لكن التسيس الذي يقصده احمد هارون والبشير وبقية المتهمين يرغبون جر أطراف متنفذة في السلطة الحالية متمثلة في مجلس السيادة من القادة العسكريين إلى الجنائية الدولية وبالتالي إنهاء نشاطهم السياسي، اضاف ان احمد هارون والرئيس السابق عمر حسن البشير، قد انتهى دورهم السياسي، وبالتالي ليس لديهم ما يخسرونه من جهة، ومن جهة أخرى يضمنون أنهم في لاهاي، لن يحاكموا بالإعدام، إنما بالسجن والسجن افضل لهم من كوبر. التعافي من أمراض النظام السابق بينما يرى عضو التحالف الديمقراطي للمحامين عيسى كمبل، خلال الثلاثين عاما الماضية أن الهيئة القضائية بها بقع سوداء أحدثها النظام السابق، وكان يسيطر عليها ويتدخل في سياستها، وأظهرت عدم الحيادية في ذاك العهد، لكن الان الهيئة القضائية بدأت تتعافى من الأمراض التي ورثتها، مثل أمراض المحسوبية، والتبعية للنظام التنفيذي واشياء اخرى عديدة، وحتى قضايا الطعون كان فيها تدخل صارخ من جهات نافذة، تخلق عراقيل، و يقول كمبل بعد الثورة الهيئة القضائية تعافت، ورجعت الي سيرتها الاولي، ويعتقد أنها محمدة، رغم ما تعانيه من مشاكل ونقص في القضاة وقلة المرتبات، وعقم في الإجراءات، وتسير في طريق التعافي، هي مؤهلة للنظر في كل القضايا، نسبة لوجود قضاة متميزين ومتخصصين. يقول كمبل ل(شوارع) في ادعاء أحمد هارون حول تسييس القضاء السوداني، مضيفا أن هذا التسييس أحدثه النظام السابق، لكن حديثه عن التسييس، ينم عن اعتراف كامل بالتدخل الصارخ في الهيئة القضائية، من بعض الأفراد الذين يريدون الذهاب الى المحكمة الجنائية الدولية، يقول أنها مزايدات وفقاعات، وهم لا يرغبون في تعافيها، وان القضاء السوداني متخصص وينظر إلى القضايا المطروحة عليه، أيضا يريدون إحداث نوع من الفرقعة الاعلامية، ويرون أن الجنائية ارحم، وفي زمن الجبروت رفضوها رفضا قاطعا، ويؤكد ان القضاء قادر علي محاكمتهم بأحكام رادعة، وأكد أن الذهاب الى الجنائية لن يحدث، معتقدين ان الاوضاع من الوضع الراهن في سجن كوبر، في حال تنسيق القضاء مع الجنائية يمكن أن يحدث ذلك داخل السودان، وكل هؤلاء مجرمين متهمين بجرائم خطيرة، ولا يحق لهم الاختيار. يضيف كمبل أن المتهمين الذين يطالبون بالذهاب الى الجنائية الدولية، عندما كان الطريق ممهد لهم، رفضوا ذلك، والآن يريدون الذهاب، واستدرك '' نقول لهم لقد فاتكم القطار'' ، كما قالها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والمطالبة ليس لها معنى، ويشرح أن المشاكل التي تواجه الهيئة القضائية، يعتبرها مشاكل عقم في الإجراءات، ويشرح أن القاضي مكلف بالتعامل وفق القانون والإجراءات الموجودة، في الواقع القضايا تحتاج إلى عمل إجرائي، و اثباتات دامغة فوق الشك، وتحتاج الى طلبات كثيرة جدا كي تفصل فيها الهيئة القضائية، وتأخذ كثير من الوقت، والتحدي الوحيد عقم الإجراءات، ويناشد بتطبيق صحيح القانون، ولا يحتاج إلى نوع من الاستعجال بل يحتاج إلى نوع من التأني والتدقيق، ونفي وجود جهات تتدخل في العمل القضائي في البلاد، ونالت استقلاليتها بالكامل، ويناشد أن يدعمها الجميع كي تكون هيئة مستقلة، وحاليا نقابة المحامين مستقلة تماما بعد ذهاب النظام السابق، وكذلك النيابة مستقلة. انحراف حكومة الفترة الانتقالية قال المحامي صالح محمود عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي في تصريح لصحيفة الميدان العدد (3796) يوم الثالث والعشرين من مايو، لا تزال كل القوانين تتعارض مع الآليات الاقليمية والمعايير الدولية متناقضة معها، وهذا يؤثر بالقطع على الحقوق والحريات العامة، وأن ملف العدالة ليس بمنأى من مبدأ محاصصات حكومة الفترة الانتقالية في التنظيمات المشاركة في هياكل الدولة، ومن بينها تكوين المجلس التشريعي والمفوضيات المختلفة والتي تأخر تشكيلها، اكد صالح ان هذا التأخير يتم عبر خطة مدروسة جوهرها اطمئنان الجهات المسيطرة على مقاليد السلطة، بأن تشكيل هذه المفوضيات لن يتم إلا بعد تطمئن أن تشكيلها يتم بناء على مخططاتهم الرامية للسيطرة على هذه المؤسسات واستخدامها لصالحهم. واضاف صالح ان الفترة الانتقالية محفوفة بالمخاطر، وهذه المخاطر بعض منها داخلي وبعضها خارجي، وفي الداخلي اول المخاطر انحراف حكومة الفترة الانتقالية من التكليف الممنوح لها من جماهير الشعب في كل الملفات، وان ملفات بعض القضايا ضرورية، وملحة من بينها ملف العدالة خاصة تلك المرتبطة بلجان التحقيق المعروفة. واكد صالح ان هذا الملف ظل مثار انشغال الراي العام ليس فقط من ذوي الضحايا بل الرأي العام الإقليمي والدولي، وأضاف من المخاطر الداخلية أيضا وجود سبعة جيوش لا يوجد رابط تنظيمي وإداري يمكن أن يكون مسؤول عن مهام وأداء هذه القوات، لأن هذه القوات ظلت تشكل طرف في الانتهاكات العديدة في أطراف البلاد، وأضاف لا تزال وزارتي الدفاع والداخلية خارج سلطة رئيس الوزراء. العمل والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في بيان من منظمة إنهاء الإفلات من العقاب حول اعتماد التهم ضد علي كوشيب، أشار البيان الذي تلقته شوارع إلي أنه متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مواقع مختلفة في غرب دارفور، تحديدا في محلية وادي صالح وقري كودوم وبنديسي ومكجر ودليج وقرى اخرى احرقت تماما في الفترة ما بين أغسطس 2003 حتي ابريل 2004، وأشادت المنظمة بعمل مكتب المدعي العام والمساهمة الكبيرة التي قدمها الضحايا والشهود وممثليهم القانونيين الذين قدموا ادلة فاجعة في هذه القضية. أن جلسة اعتماد التهم التي استمرت أربعة أيام من 24 إلى 27 مايو هي انتصار للعدالة والحقيقة، بل هي انتصار خاص للضحايا الذين أظهروا قدرا كبيرا من الصبر والعزيمة والتماسك في انتظار العدالة لفترة طويلة، وهذا الانتصار إنما هو نتيجة تحقيق مطول وتصميم اولئك الذين يناضلون من اجل العدالة ضد الإفلات من العقاب في الجرائم التي تهز ضمير الانسانية. طالب البيان أن يحاسب علي كوشيب امام المحكمة الجنائية الدولية على الجرائم التي ارتكبها شخصيا، ومع مليشيات الجنجويد بصفاتها واسمائها المختلفة تحت امرة قادة نظام الانقاذ من العسكريين والمدنيين، وكذلك اشارت المنظمة الى الجرائم الخطيرة المشار إليها، هي، جرائم القتل والتعذيب والاغتصاب والمعاملة اللاإنسانية، والتمثيل بالضحايا واهانة الكرامة الانسانية والاضطهاد العرقي، والتهجير القسري للسكان المدنيين والتدمير، ونهب الممتلكات، كل ذلك كجزء من هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد المدنيين الأبرياء، بينما دعت المنظمة الحكومة الانتقالية إلى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وتسليم بقية المشتبه بهم والمطلوبين الى المحكمة الجنائية في لاهاي، كما على الحكومة الانتقالية أن تدرك تماما مسؤوليتها الوطنية والاخلاقية في تحقيق العدالة من دون مواربة وبكل شجاعة وشفافية. هارون يقتفي أثر كوشيب إلى لاهاي يرى الكاتب والمدافع عن حقوق الانسان محمد بدوي أن تصريح هرون، وموقف كوشيب بتسليم نفسه للمحكمة، لا يمكن فصله عن التطورات الراهنة والسابقة، وموقف حزب المؤتمر الوطني المحلول من التعامل مع المحكمة، اشار بدوي الي تسريب لوكليكس يعود الي عام 2012 كشف عن رغبة الخرطوم في دراسة تسليم كل من أحمد هارون وعلي كوشيب مقابل عدم ملاحقة البشير، والتزام الأخير بعدم الترشح في الإنتخابات الرئاسية للعام 2015 ، ولعل التطورات المرتبطة بحادثة إطلاق النار علي كوشيب بمدينة نيالا بجنوب دارفور في يوليو 2013 في مكان عام في ظل غموض اكتنف مصير مطلق النار ، ليسدل الستار علي الحادث ليتم بعدها مغادرة كوشيب لمدينة نيالا والاحتماء بولاية وسط دارفور في مجملها لا يمكن فصلها من موقف المؤتمر الوطني حسب التسريب السابق و تسليم نفسه اللاحق. يشير بدوي بتصريح هارون وفقا لوسائل الإعلام حول تفضليه للجنائية، أشار إلى أنه سيكشف عن الكثيرين من المتورطين في حالة دارفور، جاء التصريح عقب وقت قصير من ظهور موسى هلال برفقة وفد نائب رئيس المجلس السيادي أثناء الهبوط بمطار انجمينا لأداء العزاء في رحيل الرئيس التشادي إدريس ديبي، وكان هلال قد أطلق سراحه في 21 مارس 2021 عقب اعتقاله في نوفمبر 2017 من دامرة مستريحة بشمال دارفور على خلفية حملة جمع السلاح بدارفور بموجب قرار البشير بالرقم 419 لسنة 2017 . اضاف بدوي وفقا لوسائل الإعلام أن إطلاق سراح هلال في إطار المصالحة في الإقليم، كأحد خطوات تصب في عملية العدالة الانتقالية مستقبلا ، من ناحية أخرى، حالة الارتباك التي أثارتها محكمة الإنقلاب " انقلاب ال 89، والإفادات التي أدلى بها بعض المتهمين إلى ارتكاب بعض قادة الإسلاميين للقتل خارج نطاق القضاء، باستخدام التعذيب صارت تنذر بحالة تعارض مصالح المتهمين، شارحا أن تصريح أحمد هارون قصد بالتصريح حماية سلامته، حتى وإن كان الهدف من التصريح مغازلة المحكمة، أخيراً يظل صمت السلطات السودانية إزاء التصريح يحمل الكثير في سياق الجدية، لأن العدالة وإرتباطها برد الإعتبار تبدأ حلقاتها من الإسراع بالتحرك في مثل هذه التطورات.