من لم يهزه العود وأوتاره والربيع وأزهاره والروض وأطياره فهو مريض المزاج يحتاج إلى علاج! يطرب معظم السودانيون بالفطرة للموسيقى والغناء، نرى ذلك بوضوح في الفلكلور الشعبي الغني بما فيه من تنوع إيقاعي، فنجد البوردى (الداجو)، الدرملى (الفور)، المردوم (البقارة)، الكرنق (النوبة)، السيرة(الجعليين)، الدليب(الشايقية) والآلات الموسيقية من بانمبو وكوندي وكشكوش ونقارة وطار وكيرنق وريق وطمبور ونوبة ودلوكة الخ.. فالموسيفى إذن مكون اساسي من مكونات "الانسان السوداني"، فعبر هذه الفنون الراقية حافظ السوداني على سَمْتِه المُمَيِّز له. ولكن منذ أن دخلت موجة تحريم الموسيقى بواسطة الفتاوى "السعودية قديماً" وهي فتاوى تخص مذهبهم حصراً ولا تُلزم غيرهم، خرجت الموسيقى من حوش العوائل "وكل ممنوع مرغوب" فأصبحت تنتشر بلا ضابط اجتماعي داخل حواضن غير "فنية" فخرج علينا هذا الغُثاء وهذا الوباء الذي يُنذر بهدم القيم التي ظلت تَشُد أطراف هذا المجتمع، حتى لا أتحدث فيما لا اعلم، فالتقييم هنا ليس على نوعية الفن بقدر ما هو إنكار لحالة العُهر الأخلاقي والمجون التي اصبحت تلازم بعض الفنانين أصحاب الشهرة الواسعة في المجتمع. كان المغني يغني في حفلات الاعراس، ويمدح في المناسبات الدينية بلا احساس بالذنب، ولكن بدخول "تسونامي" التحريم أصبح الغناء السوداني "مُتهماً"، فخرج كثير من الفنانين أصحاب الذوق والقيم واعلنوا توبتهم، خوفاً على أنفسهم واسرهم من اللعن والسب والتُفاف، ومنهم من غير لقبه من فنان إلى مادح، رغم ان المديح هو لون من ألوان الغناء، وبالتالي فالعلاقة بين المديح والغناء هي علاقة خُصوص وعُموم، لا غير! إذا لم نحترم فنوننا، ونسمي الأشياء بأسمائها، بحيث أننا نرفض "الهرج والمجون" الذي يدعو إلى الرذيلة "ولا نُسميه فناً"، بذات القدر الذي نرفض به محاضرات المشايخ الذين يتعاطون فاحش القول من شتمٍ ولعنٍ وقذفٍ وتُفافٍ وتحربمٍ بلا ضابط! فلن ينصلح حالنا لأن كلاهما يهدم في الحياة بمعاوله الخاصة! والتحية والإجلال والاكبار لكل فنان يحمل رسالةً وأصالةً وفناً وقيماً تُساهم في بناء وطن شامخ طامح! ولا ننسى مسؤوليتنا الاجتماعية، فالذي يمول ظاهرة الفساد في الحفلات الماجنة ليلاً، هو ذات المجتمع الذي يُحَرِّم الغناء في الصباح متوشحاً ثوب الفضيلة… وعجبي! صديق النعمة الطيب