فك رقبتي وإبراء ساحتي من الهجوم الكاسح الذي شنه (ألفة فصلنا) علي شخصي الضعيف ، فالرجل بوضعه ذاك من عشرات السنين لا يزال يمارس علينا سلطة قبلناها بحب وصلا لما صار بيننا من عشرة طيبة ، بعد السلام واصل حديثه بعبارة ( أسمع يا ود الناظر) انت في مقالك عاوز تحول موظفي الدولة الي مزارعين ورعاة والوزارات والمصالح الي حواضن ، بالله فهمك شنو أن يتابع الطبيب أو أستاذ الجامعة مراحل زراعة الفجل والرجلة في مزرعة الجمعية التعاونية بغرب أم درمان أو في سوبا ، ثم يعرج الي مراح الابل ليتفقد اللواقح منها ، تمويل التعليم وتخريج الافندية والأطباء وتشغيلهم في وظائف الدولة هو من صميم عمل أمنا الحكومة. ثم تتواصل حصة ( ألفتنا ) الغالي ، المدارس الاولية الداخلية أقامها الانجليز للصرف علي تعليم الابناء ، الحاق الابناء في سن التعليم كانت من مهام النظار والعمد والمشايخ ، بلوغ ( الدرفون) السابعة من عمره يصبح في السن القانونية لإلحاقه بالمدرسة ، كانت هناك عقوبات علي أولياء التلاميذ الذين يساعدون ابناؤهم التلاميذ للهروب ليلا من الداخلية ، كانت وجبات الطعام تقدم وكذا شاي الصباح ، الاهتمام بالتلميذ ونظافته الشخصية من أوجب واجبات مرشد الفصل والسبت يوم مشهود ومعه شاهد . المرحلة الاولية كانت مجانا بلا مقابل يدفعه والد الطفل أوولي أمره ثم التنافس علي المرحلة الوسطي بين النجباء ويدفع الموسرون من أولياء الاموراليسير الذي تحدده اللجنة المختصة من رسوم رمزية ، هكذا حتي الجامعة وسعيد الحظ أيضا ترسله الدولة في بعثة دراسية الي انجلترا أوبلاد الكفر الاخري . في عجالة كان سرد ( ألفة فصلنا ) علي مسامعي لتأريخ وصناعة الافندية التي ذهبت في مقالي عن تمويل زيادة رواتبهم بتحميلهم جزءا من المسئولية. سمح لي بالتعقيب علي محاضرته مشكورا ، بدأت بموافقته علي شكر الدولة الخيرة التي انتجت نخبه من الرعيل الاول ، هم فرز أول كما يقول أهلنا في شمال الوادي ، العيب أن ذلك القطف المختار من أبناء السودان هم ولخمسة وستين عاما تحولت البلاد تحت ادارتهم الي نصف دولة سودانها الشمالي منبوذ ومحاصر من الدول ونصف جنوبها السوداني غاص في وحل الحروب الاهلية . الزراعة والرعي هما المهنتان لرفع حال السودان كما رفعتا بعض الدول الاوربية ، هما الزراعة والرعي مهنتا الاغنياء والموسرين من النبلاء والأمراء ملاك الدوقيات والإقطاعيات ،المواطن من عامة الشعب البريطاني مثلا لا يراوده حلم امتلاك مزرعة لان الاراضي الزراعية يخصصها التاج البريطاني بقدر معين وحسابات دقيقة. تمويل زيادة هيكل رواتب الخدمة العامة في السودان يتطلب تفكيرا عميقا ، اشراك الوزارات والمصالح الحكومية لبث روح جديدة في جسد الخدمة العامة وتتحول الي نوع جديد من الدوقيات والإقطاعيات ، المشاركة في عمليات الزراعة والرعي لتوسيعهما رأسيا وأفقيا ، مع تقدم أدوات وماكينات العمل في الزراعة والرعي صارت الصناعة تحتاج الي دارس متقدم في علوم العصر ليساعد المزارع التقليدي في فهم ما استجد ، صناعة مشتقات الالبان في المراعي وتجفيف الالبان تحتاج الي رأسمال يصعب علي المزارع التقليدي في السودان التعامل مع الجهات وبيوت الخبرة التي تملك ناصيتها من بنوك وشركات عابرة للقارات. الجمعيات التعاونية يقودها النخبة من أبناء السودان للعمل في مجالات الزراعة والرعي تساهم في رفعة القطاعين الزراعي والرعوي، تطبيقات التكنولوجيا وعلوم العصر في مجال الزراعة والرعي ذهبت يهما الي مراقي الصناعة المتقدمة، في السودان كان حظ المزارع والراعي أن يبقي بعيدا عن دائرة التعليم وحبيس ممارسات تقليدية مع تزايد المخترعات لتحديث أدوات واليات الزراعة والرعي، تحويل اهتمام النخبة للاقتراب من التعامل اليومي في المزارع والمراعي بتقنيات العصر الحديثة هو الحل للانطلاق بالسودان الي افاق أرحب وتنمية تتسارع خطواتها. تتحول مع ذلك الاتجاه الوزارات والمصالح الي قوة الدوقيات والإقطاعيات الزراعية والرعوية. وتقبلوا أطيب تحياتي. [email protected]