الآن حصحص الحق وظهرت نوايا المكون العسكري في الاستئثار بالسلطة وقطع الطريق امام الإنتقال للحكم المدني حسب اتفاق الوثيقة الدستورية. ليس من الصحيح ان نقول ليس مهماً أن نعرف إن كان الانقلاب مفبركاً أو تذمراً أو حقيقة، لأن ذلك يصرف النظر عن خيوط المؤامرة وتسلسل الاحداث التي يمكن أن نأخذ منها العبر والدروس. أدق توصيف لمحاولة الانقلاب الفاشلة جاءت به مراسلة صحيفة الغد عفراء وهو أن هذا الانقلاب كان مكشوفاً منذ عشرة أيام قبل وقوعه، لكن المكون العسكري تكتّم عليه لإنجاح إجهاضه. حديث المراسلة عفراء مبني على وقائع موثقة حيث أن خبر الانقلاب جاء حوالي عشرة أيام قبل وقوعه في صفحة المراسلة الصحفية نسرين تحت عنوان "عاجل: الجيش يكشف عن محاولة انقلابية وشيكة"، وتناول هذا الخبر الاستاذ ياسر عرمان، مستشار رئيس الوزراء ونائب رئيس الحركة الشعبية شمال – جناح عقار، في مقال بعنوان "الشعب يفعل ما يريد .. إنقلاب نسرين النمر بين الوهم والحقيقة" بتاريخ 18 ديسمبر 2021. ثم رد المكون العسكري بنفي الخبر مؤكداً أن المعلومات المتداولة تهدف إلى إحداث اضطراب سياسي بين شركاء الحكم وتهديد الأمن القومي تقويضاً للفترة الانتقالية، وأن الاستخبارات العسكرية شرعت في التحريات عن جهة النشر واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. إذن الانقلاب كان مكشوفاً إلا أن المكون العسكري أرجأ إفشاله لحين وقوعه ليرفع أسهمه مقابل المكون المدني ويتهمه بالعجز والفشل، أولاً؛ لينقض على المكون المدني والمدنية من جذورها قبل أن يحين وقت تسليم رئاسة مجلس السيادة للمكون المدني، وهو استحقاق ليس ببعيد. ثانياً؛ ليصد الاتهامات الموجه للمكون العسكري بتقاعسه في حفظ الأمن وضبط التفلتات الأمنية وقفل الميناء والطرق الرئيسية للصادر والوارد. الأسئلة الملحة الآن وقد تبينت النوايا هي: ماهو مصير هذه الشراكة؟ وماهي الواجبات الملحة على قوى الثورة لقطع الطريق امام طموحات المكون العسكري في اجهاض الثورة والعودة لمربع الإنقاذ في حضن الاسلام السياسي؟ يجب إعادة تقييم تجربة الشراكة بشفافية في الهواء الطلق: 1. لماذا وكيف سمح المكون المدني للمكون العسكري التغول على صلاحياته كما حدث في ملف السلام؟ 2. 2- لماذا وكيف فشلنا في تنفيذ استحقاقات الفترة الانتقالية مثل تكوين المجلس التشريعي، والمحكمة الدستورية، وقانون مفوضية القضاء العالي، ومجلس النيابة العامة، والتحقيق في مجزرة الاعتصام وقضايا الشهداء؟ 3. لماذا وكيف فشلنا في وضع موارد السودان التي يمتلكها الجيش والشركات الامنية تحت ولاية وزارة المالية، وهي تشكل 87٪ من الموارد؟ 4. لماذا وكيف فشلنا في هيكلة الجيش والأمن والقوى النظامية الاخرى؟ 5. لماذا وكيف فشلنا في اشراك لجان المقاومة والكنداكات في مؤسسات الحكم المدني؟ كذلك يجب صياغة اتفاق حد ادنى مع كل قوى الثورة من احزاب ولجان مقاومة ونقابات وغيرها ووضع خارطة طريقة لتنفيذ استحقاقات الوثيقة الدستورية، وتعبئة هذه القوى واستنهاضها لحماية الثورة عند اللزوم. أما بخصوص الشراكة فلا بد من أن توضع لها خطوط فاصلة واضحة لا تسمح للمكون العسكري بالتغول على صلاحيات المكون المدني وتضمن الانتقال السلس للسيادة للمكون المدني. كذلك يجب تحييد سلاح المكون العسكري بالاستعانة بالمجتمع الدولي لمنعه من استخدام سلاحه في اجهاض الانتقال للحكم المدني الديمقراطي كامل الدسم. وهنا نعول على حراك ابناءنا المغتربين وعلاقاتهم بالمؤسسات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان وقدراتهم في رفع الدعاوى امام المحاكم الدولية للاقتصاص لشهداء الثورة والجرحى.