(1) نواصل اليوم الحديث عن رمز من رموز شرق السودان ، اشتهر بكتاباته كما أسلفنا عن شرق السودان وقضايا إنسانه في الصحف اليومية تحت عنوان (دبايوا سلام) وشارك أيضاً بمقالاته في عدة مؤلفات تبحث عن السلام والتنمية في شرق السودان إلى جانب أقلام أكاديمية وبحثية ، وأساتذة من جامعة الخرطوم وغيرها من الجامعات ورغم أنه اشتهر بالكتابة عن شرق السودان لكن ذلك لم يتعارض مع حبه للوطن الكبير (السودان) ، أي أننا نواصل المسير هنا والإبحار في مؤلفات أبوعلي أكلاب رحمة الله عليه . يقول أبوعلي هاتفني دكتور الكرسني مقرر لجنة العشرة حينئذ ليخبرني أن لجنة العشرة ، قررت اختياري ضمن الوفد المكون من كل الأحزاب السودانية والشخصيات الاعتبارية للمشاركة في مفاوضات (نيفاشا) بهدف دفع المناقشات تجاه السلام . لقد انتابني فرح غامر ، لا لأني أزور كينيا لأول مرة ، ولكن لهذه السانحة التاريخية والتي كم أحلم بها منذ أزمان، لأجد فرصة الإسهام مع الآخرين لوضع اللبنات الأولى لخطوات احقاق السلام لهذا الوطن . دعاني دكتور الكرسني أيضاً في تلك المهاتفة لحضور اجتماع الوفد برئاسة دكتور دفع الله الحاج يوسف ، رئيس لجنة العشرة بقاعة الشارقة يقول أبوعلي بعد انقضاء الجلسة ، قال لي البروفسير عبد الله محمد عبدالله لقد تم اختيارك في هذا الوفد نظراً لكتاباتك عن الوطن في المنتديات والصحافة ، فازددت نشوة وطرب الفؤاد لهذه الكلمات في حقي ، لأن اختياري للمشاركة في محادثات نيفاشا تم بمعايير اعتز بها معايير الكتابة والفكر، لا معايير القبيلة والحزبية . جاء مقالنا اليوم يحمل اسم كتاب أبوعلي الثاني (نغني بلسان ونصلي بلسان) في البحث عن الإجابة على التساؤل المتكرر والذي له مابعده عن الهوية السودانية . يقول أبوعلي قد تلاقحت الأمم العربية والزنجية مع الأمة الكوشية حتى تكونت الأمة السودانية ، والتي تأخذ من كل أمة محاسنها كرم العرب وانفعالات الزنوج وحضارة الكوشيين ، تعدد الاعراق والثقافات مدعاة على بناء جسم أمة قوية وذات أرث متماسك كالسودان الثري بالقيم ، واتفق أبوعلي في ماذهب إليه هذا مع الشاعر محمد عبد الحي لذا يقول هذا التمازج عبر عنه الشاعر السوداني الذي وقف أمام بوابة سنار والتي تجسد مملكتها في القرن الخامس عشر الميلادي صورة حية لتمازج الأمة السودانية عرباً وزنوجاًحيث قال (نغني بلسان ونصلي بلسان) قاصداً هنا الشاعر محمد عبد الحي (انتهى حديث أبوعلي) . ينتسب الشاعر محمد عبد الحي في رأي الكثيرين إلى مدرسة الغابة والصحراء ، حيث تحمل أشعاره ملامح ذلك التيار الشعري الذي ساد الساحة الأدبية في السودان في سبعينات القرن الماضي والذي تمحور حول تعريف الهوية ، التي ترى العروبة متمثلة في الصحراء والأفريقية الزنجية متمثلة في الغابة ، ذلك التمازج بين الفونج متمثل في عمارة دنقس والعرب متمثل في عبد الله جماع . حيث كان الشاعر محمد عبد الحي يرى في تكوين الشخصية السودانية بأنه هجين عربي زنجي وأن رأب الصدع في السودان لايتأتى إلا بالحل الثقافي ، وليس بالحرب ومن خلال الجمع بين الثقافتين معاًدون تغليب واحدة منهما على الأُخرى وفي هذا السياق يصب رمز سنار الدولة السودانية التي تكونت من تحالف عنصري السودان .يقول محمد عبد الحي في قصيدته (العودة لسنار) والتي نشرت في عام 1963 في صحيفة الرأي العام . أفتحوا للعائد الليلة أبواب المدينة بدوي أنت ؟..لا من بلاد الزنج ؟ ..لا أنا منكم عائد يغني بلسان ويصلي بلسان من بحار نائيات لم تنر في صمتها الأخضر أحلام الموانئ جاءت المدارس الفكرية كلها لتقول بأننا خلاسيون ، نصلي بلسان ونغني بلسان كما قال الشاعر محمد عبد الحي ، وقال زميله في مدرسة الغابة والصحراء محمد المكي إبراهيم يابعض زنجية وبعض عربية ياخلاسية هناك بعض النقاد يرون أن عبد الحي كان متأثراً بالأدب الغربي وأن قصائده أشبه بترجمات لقصائد غربية وهو مانفاه عبدالحي نفسه ويراه ومنهم من يرى في أعماله طابعا صوفياً . يتحدث من بعد ذلك أبوعلي عن التنوع فيقول أن التنوع أن رشد فهو عامل حيوي لتغيير المجتمعات ، أن الأمم التي سبقتنا في التطور صاغت من القوانين وعقود التراضي من الدساتير التي تحفظ للضعيف حقه وتكبح جماح المتسلطين والظالمين ، قوتنا تكمن في كيفية استثمارنا لتنوع السودان. [email protected]