لم تعد الأزمة السودانية مقتصرة فقط على العاصمة السودانية الخرطوم ، بل أصبحت الأطراف الإقليمية التي أشعلت هذه الفتنة تسعى لإيجاد حل سريع يثبت حكم الإنقلاب ويصادر كل مكتسبات الثورة .. و لم تتوقع الأطراف الإقليمية صمود الشارع السوداني حتى كتابة هذه السطور ، وكانت تعتقد أن الأزمة هي أزمة يوم واحد وسوف تنتهي بأسرع شكل ممكن ، وسوف يدعم الشعب السوداني الإنقلاب بسبب الأزمة الإقتصادية التي نتجت عن حصار الموانئ وقطع امدادات الطاقة والدقيق والأدوية عن السودان ، كان الخيار الأول في أيام الإنقلاب الأولى هو إحتجاز الدكتور حمدوك في السجون السرية الخاصة بالجيش حيث يبقى هناك حتى تستقر الأمور ، ولكن بسبب الضغوط الدولية قام الفريق برهان بنقل الدكتور حمدوك إلى منزله مع تشديد الحراسة عليه ومنعه من التواصل مع العالم، وقد أنكر أنه قد إعتقل الدكتور حمدوك وقال أنه كان يحميه ، وقد شمل الإحتجاز حتى السيدة زوجته وقد كانت هذه سابقة في الفجور عند الخصومة السياسية حيث بقيت في العادة اسر السياسيين وزوجاتهم خارج دائرة العقوبة والعقاب رغماً عن حدة الخلافات السياسية .. بعد أن تحول منزل الدكتور حمدوك إلى قبلة يرتادها الوسطاء والدبلوماسيون اشارت الأطراف الإقليمية التي تقف وراء الإنقلاب الحالي إلى عقد صفقة منفصلة مع الدكتور حمدوك يعترف بموجبها بقبول النظام الذي يقوده الفريق برهان مقابل إطلاق سراحه حيث يتم إختياره عضواً في المجلس السيادي مع منحه بعض الصلاحيات والاحتفاظ بمخصصاته القديمة ، ويكون المتوقع منه في حالة قبوله هذه الصفقة ان يقود التفاوض مع الصناديق الدولية لإعادة التمويل الذي توقف بعد الإنقلاب ، ولم تضع الأطراف الإقليمية خطة لمعالجة وقف التمويل الدولي .. أما العرض الثاني فقد تقدمت به الجامعة العربية وتقف من خلفه المخابرات المصرية ، طبيعة هذا العرض هو حل جذري لمعضلة الدكتور حمدوك ، حيث عرض عليه وفد الجامعة العربية الإنتقال لدولة الإمارات والبقاء هناك بدون ممارسة اي عمل سياسي لمدة خمس سنوات أو لحين الدعوة للإنتخابات، أو ايهما أقل ، بموجب هذا العرض ينال الدكتور حمدوك حريته مقابل تسهيل إنتقال الحكم للعسكريين ، وكانت المخابرات المصرية تراهن على أن بقاء الدكتور حمدوك لمدة أطول في الإحتجاز ربما يجعله ذلك يغير رايه ويعيد حساباته ويرضخ للأمر الواقع فيرضى بأقل صفقة تضمن له الخروج من الإحتجاز .. أصطدمت تلك الصفقات مع عدة عوامل ، كان من بينها صمود الدكتور حمدوك والموقف الدولي الداعم له ، كما أن العنف لم يحقق النتائج المرجوة في تدمير نفسيات السودانيين والذين يتمسكون الآن بالدكتور حمدوك ويعتبرونه رمز الدولة المدنية وحرية التعبير والسلام.