لا شك بأن الشعب مصدر السلطة وهو القادر على التغيير وليس النخب ولا المفكريين والقادة ولا المثقفين . مشكلة النخبة السودانية قد لعبت دور نخب المجتمعات التقليدية بامتياز وها هي تعيد وتكرر في أعقاب ثورة عظيمة كثورة ديسمبر ما فعلته النخب السودانية في صبيحة فجر الاستقلال عندما غاب عن أفقها مفهوم الدولة الحديثة وظاهرة السلطة وفقا لمسيرة الانسانية التاريخية والانسان التاريخي . غياب هذه المفاهيم صور لنخب فجر الاستقلال بان كل ما يجب ان يقوموا به هو كيفية توزيع الغنيمة التي قد تركها لهم الانجليز وقد رأينا كيف كان تهافتهم وكيدهم لبعضهم البعض في مسألة تسليم السلطة للعسكر بعد عامين من فجر الاستقلال ومن حينها لم يستعدل الحال الى لحظة تكالبهم على السلطة وتوزيع الغنيمة وما تركته الانقاذ من خراب بعد ثورة عظيمة كثورة ديسمبر . المؤسف بأن عقلهم الكاسد كان يصور لهم بان الخراب الذي تركته الانقاذ هو غنيمة يجب ان يصطرعوا على تقسيمها وهنا يظهر بؤس عقلهم وصغره وصغر عزائمه وسببه بأنهم لم يصلوا بعد الى مستوى فهم ان الركام الماثل أمامهم لا يسمى دولة بل يجب إزالته وتأسيس الدولة بملامح الدولة الحديثة التي تقود التحول الاجتماعي والتحول الديمقراطي وهذا يحتاج لتغيير منظمومة قيمهم التي يرتكزون على أسسها وأقصد مشاربهم الفكرية وما ظهر عنها من أحزاب وحل الفكر الديني المتمثل في أتباع الحركة الاسلامية وبالمناسبة هنا يتضح لكم مستوى الانحطاط الفكري الذي وصلت الى مستواه النخب السودانية وهو انحطاط لم يصل بعد الى القاع لان اتباع الحركة الاسلامية بجهلهم الذي لا يعرف نهاية يحلمون حتى اللحظة بأن لهم عودة وعليه قس أتباع أحزاب الطائفية من أتباع الامام ومولانا في محاكاة الغريم أي في محاكاة اتباع المرشد وفوق كل ذلك يأتي أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية بجهل يصلح كمقياس لمستوى التردي في الوعي عند النخب السودانية بانهم يستطيعون إعادة عقارب الساعة الى الوراء بثورة بلشفية وهذا لا يعكس غير فقر فكري وعدم موهبة لنخب تتعاطى الوهم وتجافي واقع العقلانية يوم أوحت لنا بأن تجربة الانسان وضمير الوجود يقول لنا بأن أتباع الحركة الاسلامية وأتباع الطائفية والسلفيين والشيوعيين السودانيين بنسختهم المتحجرة هم أعداء الاشراق والوضوح وهم من يوصد الباب امام الشعب السوداني الذي يريد الدخول الى الحداثة ولا يمكن الدخول الى الحداثة والدولة الحديثة بأحزاب مهلهلة كحال أحزابنا السودانية. للأسف جاء حمدوك بدلا من أن يكون علامة فارقة في مسيرة تاريخ الفكر السوداني الكاسد فاذا به يسير معهم كالسائر في نومه وقد قلنا من قبل له ولغيره بأن حمدوك قد صادف قلب الثورة عندما سار على طريق الاقتصاد الليبرالي وقد أعاد السودان الى حضن المجتمع الدولي إلا انه لم يصادف عقل الثورة و لم يبتدع خطاب عقلاني يوضح للنخب السودانية بأن أحزابهم وأفكارهم خارج النموذج وبالمناسبة مثلما نجح حمدوك في طرح قد تحدى به اليسار الرث أسيري فكر وشعار لن يحكمنا البنك الدولي وبرنامج اسعافي الذي يوضح فقرهم الفكري كان يمكن ان يقدم حمدوك خطاب سياسي عقلاني يتحدى به النخب السودانية المتمثلة في اليسار السوداني الرث واليمين الغارق في وحل الفكر الديني وهذا الذي يقطع الطريق امام المغامرين والعسكر ولكن صمت حمدوك صمت القبور وكأنه ميت بين يدي غاسله وهي حاضنته الرثة التي قد أضاعت ثورة ديسمبر وبسببها سوف يواجه الشعب السوداني من جديد مصيره فيما يتعلق بالحرية كقيمة القيم وأكيد سينتصر الشعب السوداني على إنقلاب البرهان . حمدوك أضاع فرصة تاريخية في ان يطرح خطاب سياسي ليبرالي بشقيه السياسي والاقتصادي وخاصة بعد نجاح جهوده الاقتصادية ولكن يظل السؤال لماذا لم يطرح حمدوك خطاب سياسي ليبرالي ناجح ومساوي لنجاح خطابه الاقتصادي الذي قد اعاد به السودان الى حضن المجتمع الدولي؟ هذا الخطاب السياسي الليبرالي الذي غاب عن أفق حمدوك وكان عبره يستطيع ان يوجه به دفة الحراك الفكري بدلا من ان ينتظر حاضنة مهلهلة لا علاقة لها بالفكر بل كان فكرها فكر من يتأهب للخروج من التاريخ . ها هو حمدوك قد أضاع فرصة لخطاب سياسي عقلاني أخلاقي ليبرالي ينتصر للفرد والعقل والحرية وكان سيكون الطريق أمامه سالك لأن خطابه الليبرالي الاقتصادي قد نجح وقد كسر به اوهام اليسار السوداني الرث أسير شعار لن يحكمنا البنك الدولي بنفس المستوى كان حمدوك وباستطاعته طرح خطاب سياسي ليبرالي يحييد به وحل الفكر الديني ويبعد به اوهام اليسار السوداني الرث ولكنه لم يفعل ما ينبغي ان يفعله. بغياب حمدوك رغم سجمه ورماده إلا أنه غياب يفتح الباب الى عديمي الموهبة متعاطي الاوهام من أتباع اليسار السوداني الرث واتباع وحل الفكر الديني وسيطول الطريق امام الشعب السوداني إلا أنه لا محالة بانه شعب منتصر على إنقلاب البرهان وقد قلنا من قبل بان الشعب السوداني يحس بنبض إرادة الحياة أكثر من نخبه الفاشلة وان صحيته في ثورته اليوم هي صيحة الجبار وتجسيد لقصيدة الشاعر البريطاني . برمثيوس طليق ولم يعد بروميثيوس في الاغلال وأكبر أغالا تقيد الشعب السوداني هم نخبه الفاشلة. القاسم المشترك الذي يجعل من نخب فجر الاستقلال ونخب ما بعد ثورة ديسمبر عوامل تقبل القسمة عليها هو غياب الفكر وغياب التصور لفكرة الدولة الحديثة . من أضاعوا ثورة ديسمبر هم ورثة عقل جيل مؤتمر الخريجين وعقلهم الكاسد وفقرهم للفكر الذي يؤسس لبناء الدولة الحديثة وللأسف ما زالت النخب السودانية كالسائر في نومه لا تعي بأن بناء المجتمع يحتاج لابداع العقل البشري كنتاج لمجد العقلانية الغائبة من حقول فكر النخب السودانية وها هم باصرارهم على كساد فكرهم قد أضاعوا ثورة ديسمبر الى حين ان يستردها الشعب الجبار في انتصاره على انقلاب البرهان . بالمناسبة بجهلهم منقطع النظير لا يكف أتباع الحركة الاسلامية من قطع الطريق أمام الشعب السوداني ولكنهم جهلوا بان من يزرع الريح يحصد العاصفة لن يحصدوا شئ غير الندم سينتصر الشعب السوداني وسوف تستمر مسيرة ثورة ديسمبر ولا عودة الى فكر وزمن وحل الفكر الديني لا خطاب أتباع الحركة الاسلامية السودانية ولا اتباع الطائفية ولا أتباع النسخة المتخشبة للايدولوجية المتحجرة الشعب السوداني ينتظر ميلاده الثاني واكيد لم تكن القابلة كقابلة ام النبي موسى التي كانت تقتل المولود سوف تنتصر ثورة ديسمبر ولكنها ستفتح على عالم جديد لا علاقة له بالسودان القديم ولا النخب القديمة التي أدمنت الفشل . حال السودان كحال العالم يوم صوره شارلز ديكنز في قصة مدينتين ومقدمته التي تحمل التناقض ولكن بعدها كانت لحظة ميلاد لعالم مختلف عالم استقبل الثورة الصناعية وعوالمها ومعها تغيرت المفاهيم وهكذا يصير حال المجتمع السوداني بعد نجاح ثورة الشعب على غنقلاب البرهان . انتصار الشعب مسألة وقت ونقول للنخب في لحظات انقلاب الزمان نحتاج للحكماء والفلاسفة والانبياء تحتاج الامة السودانية اليوم الى من أحتاجت له الامة الفرنسية كديغول عشية تحررها من النازية وكما احتاجت امريكا لروزفلت يوم صبيحة الكساد الاقتصادي العظيم وسوف ينتصر الشعب على انقلاب البرهان ولحظة الميلاد الثانية قاب قوسين أو أدنى. [email protected]