لايختلف اثنان حول أن مايدور بالوطن أعاق تقدّمه وقهقره عشرات السنين الضوئية ، وأننا الآن نملك وطنا ولكننا لانملك دولة بالمعنى المفهوم ، وأن الوضع الحالي لايمكن أن يستمرّ على ماهو عليه إلى الأبد ، وأن كل القوى المختلفة التي تحاول التّدخل بذريعة رأب الصدع أو الإصلاح بيننا كسودانيين مهما سلمت نواياها فإنها لاتخلو من الأغراض المختلفة ، فالسياسة تبرر لكل دولة أن تعمل وفق مصالحها قبل مصالح الآخرين وهو مايجب أن نعيه ونفهمه ونتعامل معه بكل شفافية ، غير أن شماعاتنا المختلفة التي نعلّق عليها فشلنا في تحقيق مطلوبات ثورة عظيمة حمل الجميع أمل أن تقفز بالبلاد إلى آفاق التقدّم فأورثنا متسلّقوها مزيدا من الإحباط ، مضحكة للغاية ، فالتّبعيّة والإرتهان للآخرين وتهريب صادراتنا واستباحة سيادتنا وكل أسباب معاناتنا تسبب فيها أبناء وطننا لأن أقوى دول العالم لاتستطيع مساس أرض بغير خيانة أبنائها ، وتعليق آمالنا على الأممالمتحدة ودول الغرب عموما لمساعدتنا على اجتياز متاعبنا ضرب من الأحلام ، ولاءاتنا الثلاثة رغم منطقيتها تحتاج منّا إلى المراجعة ، لأن التعامل بحكمة في العديد من المواضيع وتقديم ما أمكن من تنازلات لبعضنا البعض دون إخلال بميزان العدالة هو الضامن الوحيد لعودة الحياة إلى طبيعتها ، فما ينتظرنا كثير ، وحتى العودة للوضع المعيشي لما قبل الثورة يحتاج الكثير من الجهود والعمل الجاد ، وكل ثانية تمرّ علينا تزيد من تفاقم معاناتنا ، ويكفينا مثالا طوابير الهجرة اليومية ، وبيع المواطنين بيوتهم للهجرة والعيش في دول أخرى ، وانعدام الرعاية الصحية وإهدار سنوات تعليم أبناءنا وماتم من تخريب للمرافق العامة وتدهور العملة الوطنية وانفراط الأمن وغيرها من الظواهر السالبة . انقلاب البرهان الأخير كان سببا مباشرا في كل ماحدث ، ولكنه ليس الشماعة الوحيدة ، فالقوى السياسية التي تحكمت في إدارة الفترة الانتقالية تتحمل عبئا كبيرا ، وشماعة عرقلة العسكر لعملها لم تعلنها بالتفاصيل إلا بعدما فقدت الحكم أو في الفترات المتقطعة التي خافت فيها اهتزاز الكراسي ، وذات القوى هي من صاغت الوثيقة الدستورية المعيبة ، وهي من ساعدت على عدم كشف المتورطين في جريمة فضّ الاعتصام ، وهي من رهنت قرارنا للغير وهي من صاغت إتفاقية جوبا التي كان من الممكن أن تصاغ بغير ما هو قائم وكانت ستجنبنا وتجنّب الحركات المسلحة وصولنا إلى هذا الوضع ، فالشفافية مطلوبة في الوقت الحالي ، وإصلاح الحياة العسكرية والمدنية مطلب أساسي ، ولابد من محاسبة كل مخطيء في حقّ هذا الشعب العظيم الذي فقد خيرة شبابه الذين يموتون ويجلدون ويسجنون في كل يوم ، ولابد من محاسبة الحركات المسلحة على ما اقترفته من جرائم لايمكن إسقاطها بالتقادم ، ولابد من وضع مدى زمني لاصلاح الجيش الذي يحتاج تدوير الوظائف وتجديد الدماء والأفكار ، ولابد من الإعتراف بأهمية وجود جهاز أمن قوي وقادر على حماية أمن الدولة وليس العمل ضدّ مواطنيها ، ولابد من محاسبة القوى السياسية التي أدخلتنا مكائدها وصراعاتها المختلفة في هذا النّفق المظلم . كل ماسبق وغيره من المطالب العادلة يجب أن يتم ، ولكن بغير انفعال وبغير تشفّي وبغير تمترس في المواقف ، ودون حوار لن نتمكن من الوصول إلى اتفاق ، ودون الجلوس مع بعضنا لايمكن أن نرسم خارطة طريق ، وقوة القوات المسلحة أمر لابد منه ، فنحن نملك حدودا مع أكثر من دولة ، وتتربّص بنا العديد من الأجهزة الاستخبارتية ، والجيش ليس ملكا لشخص ولكنه من أقدم الجيوش الافريقية وقد بذل آباؤنا وأجدادنا جهودا كبيرة في بنائه ، ولانريد أن نكون كأشقائنا الجنوبيين الذين اختاروا الانفصال عن دولة هم في الأصل مالكوها وأقدم من قام بتعميرها ، ولانريد أن نستمر في خراب وتدمير وطننا بأيدينا وأيدي الآخرين ، ولانريد إقصاء أي مواطن طالما أنه لم يرتكب جريمة ، فالوطن ليس لبعض دون الآخر ، ولايحق لأي مواطن أن يعتدي على حقوق مواطنة آخر ، والثورة قامت بشعارات ثلاث – حرية ، سلام ، عدالة – ومن يحيد عنها لايمكن اعتباره ثوريا ، والعدالة يجب تطبيقها على الجميع ، ولابد من التوافق لوضع قانون نتفق عليه لأن دولة الثورة يحكمها القانون لا الأشخاص والكيانات ، وبدلا من تصارعنا حول من يبقى ومن يرحل ، يجب أن نتفق على وضع قانون يحاكم المخطيء ويكافيء المصيب ، ولابد لمختلف المبادرات الوطنية الخالصة التي تعجّ بها الساحة من التركيز على إيجاد القانون الذي بموجبه يتم الاتفاق ويتوقف الإنهيار وتستمر مسيرة الحياة ، ومليونياتنا المتعددة لها أثرها في إرباك الحكومة ، ولكنها أيضا تسببت في معاناة مواطنين لاذنب لهم ، وتسببت في وقف الحياة وعرقلة المسيرة ، وإصرار قادة العسكر على البقاء في الحكم تسبب في انهيار الحياة بكل تفاصيلها، ولا يمكن أن يستمر الوضع على ماهو عليه ، ولابد من الإتفاق على صيغة توافقية بمدى زمني قصير للوصول إلى وضع قانون يتم بموجبه إجراء انتخابات حرّة ونزيهة ترضي الجميع دون استثناء. وقد بلغت https://www.jsoors.com/2022/02/blog-post_6.html?m=1 [email protected]