مواصلة للحديث بمناسبة احتفاء العاصمة السودانية بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع وتذكر مساهماته الهامة في الرواية والقصة والمقال الصحفي ، وفي نظرة الى الوراء "فلاش باك"، نسترجع بالذاكرة مسرحية الفارس الهزلية (Farcical) التي جرت أحداثها بصورة مختلفة عما يجري الان في السودان وذلك حين كان المسرح السياسي الانقاذي وقتها يعج بهتاف "العنتريات التي ما قتلت ذبابة": يا امريكا لمي جيوشك .. قبل الشعب العربي يدوسك في سبيل الله قمنا…لا لدنيا قد عملنا هي لله لا للسلطة ولا للجاه .. هبي هبي رياح الجنة .. نحنا الدنيا الما مسكنا… كانوا كثيري الترديد في بداية الحديث سواء كان مقابلة اذاعية صحفية تلفزيونية او خطبة جمعة لعبارة: "نعوذ بك من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا" الشيء الوحيد الذي قالوه وصدقوا فيه.. ثم اعتلت مسرح الاحداث قذيفة مقال "من أين جاء هؤلاء" والبعض يتناقله "من أين أتى هؤلاء" وشتان بين الفعل جاء الذي يناسب روح المقال والطاقة التي يبثها وبين الفعل أتى الذي لا يناسب ذلك تماما .. وهذا مبحث لغوي في مترادفات اللغة لا يتسع له المجال هنا ربما في مقال آخر .. على أي حال جاءت قذيفة الحق فدمغت الباطل الانقاذي فإذا هو زاهق .. وتناقلت المقال شفاه سودانيي الدياسبورا ضحايا تشريد الإنقاذ عبر ارجاء الكرة الأرضية فكان بردا وسلاما على النفوس.. وهكذا أحدثت تلك الرسالة دويا خلط كل الأوراق وسفه الاحلام الساذجة فتحولت الى كوابيس .. في خضم حمى تلك الاحداث قابلني هنا في واشنطن أحد منسوبي الإنقاذ المتحمسين لها وبعد التحية والسلام بادرني فورا وهو يعرف صلتي بالكاتب بما معناه الطيب صالح ماله والسياسة والسودان عليه ان يحصر كتاباته في الأدب واحوال الانجليز .. وفيما يختص بالسياسة كان المرحوم صلاح احمد إبراهيم ينزعج كثيرا من هذا الفهم السطحي لأدب الطيب صالح قائلا متسائلا مستنكرا: وهل كل ما كتبه الطيب لم يكن الا سياسيا ؟!! أما مسألة السودان واحوال الانجليز سألته سؤالا واحدا مباشرا هل معك جواز السفر الأمريكي ؟ أجاب بالإيجاب نعم معه الجواز الأمريكي .. فقلت له مفاجئا هل تعلم ان الطيب صالح ما زال قابضا على جمر الجواز السوداني وهو الذي بإشارة منه يمكن ان يحصل على أي جواز يريد بما في ذلك الانجليزي .. وقد عانى كثيرا في مطار واشنطن وغيرها بسبب حملة للجواز السوداني الذي حوله نظام الإنقاذ الى جواز الإرهاب .. ولعل هذا ما يفسر استقرار رفاته في ارض الوطن بين اهله الذين خلدهم شخوصا روائية عالمية تسعى لبث قيم الخير والعدل والسلام .. أقول هذا ولا أرى عيبا في من شردته الأنظمة القمعية التي لم تترك له خيارا آخر من اللجوء الى حل آخر .. وعلى طريقة "فبهت الذي كفر" بطلت حجته وانهار منطقه ولم يستطع محدثي مواصلة النقاش فقد عجز عن إيجاد ما يناسب الموقف من كلمات .. [email protected]