لا ينبغي تجاهل الآثار الاستراتيجية والتكتيكية لزيارة حميدتي لروسيا ونتائجها. أولاً، يبدو أن هذه الزيارة كانت مدفوعة بحقيقتين مهمتين. 1. السودان على شفا انهيار اقتصادي وشيك. تشير التقديرات العامة إلى أن السودان لديه 30-90 يومًا من الاحتياطيات المتبقية للواردات الضرورية مثل القمح والديزل والأدوية مما سيؤدي إلى ندرة وغلاء هذه الضروريات. ويخشى المجلس العسكري من الآثار السياسية لذلك على حركة احتجاجية كانوا يأملون أن تفقد قوتها. سيؤدي التضخم المفرط/ الافتقار إلى السلع الأساسية إلى تنشيط الاحتجاجات وتوسيع نطاقها. لم تسفر المحاولات السابقة لطلب الدعم المالي من الأصدقاء / دول الخليج عن أي تعهدات جديدة – حتى بعد أن عرض حميدتي خدمات قوات الدعم السريع للعودة إلى اليمن. تبدو روسيا محاولة أخيرة، لكنها في غير محلها وخطيرة لأسباب متعددة. في غير محلها لأنه إذا لم يلاحظ حميدتي ، فهم في حالة حرب مع أوكرانيا وعلى وشك الانعزال عن الاقتصاد العالمي. من الصعب تخيل وجود مئات الملايين من الدولارات في موسكو لدعم اقتصاد السودان الفاشل. ربما سيكونون مستعدين للمضي في خطة سداد لتأمين قاعدتهم البحرية في البحر الأحمر، لكن من المرجح أن يرهن السودان ذلك بسعر بخيس. أضف الي ذلك، من الصعب تخيل الأصدقاء، الجدد والقدامى، مثل إسرائيل ومصر والخليج سوف يكونوا راضيين عن صفقة كهذه. إن تكلفة الفرصة البديلة لإلقاء ولاءك لروسيا، خاصة في هذه اللحظة، ستكون ضخمة على المدى الطويل. ولكن الأهم من ذلك، أنها خطرة بالنظر إلى طموحات روسيا التمددية الواضحة للغاية الآن في أوروبا وما يعنيه ذلك لجهودها في بناء الإمبراطورية في إفريقيا. إن منح روسيا ليس فقط موطئ قدم بل تحالفًا في السودان، على الحدود مع إفريقيا الوسطى وليبيا، سيكون له آثار بعيدة المدى عبر القرن والساحل ويمكن أن يطلق دوافع جديدة للحرب الباردة من شأنها أن تزعزع الاستقرار وتغير منطقة هشة بالفعل. على الرغم من انشغال واشنطن وبروكسل بالأحداث في أوروبا هذا الأسبوع، فمن المستحسن اتخاذ خطوات لمنع استكمال تحالف روسيا- السودان. بالنظر إلى التقارير التي تفيد بأن رحلة حميدتي تم ترتيبها عبر رفاقه في فاغنر ، وليس كزيارة دولة رسمية كما ورد، تشير إلى أن هناك فرصة للعب في بعض أقسام القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. لكن في نفس الوقت الذي نحاول فيه منع الصفقة، علينا التفكير في إنشاء بديل. في حين أن الغرب لا يحب المجلس العسكري، إلا أن هناك حبًا للشعب السوداني ويجب أن نهتم بتجنب أزمة اقتصادية من شأنها أن تسبب ضررًا خطيرًا لسكان عانوا بشكل لا يصدق. هناك حاجة إلى بعض الدبلوماسية الإبداعية للتفكير في الكيفية التي نقدم بها للسودان بديلاً عن صفقة بيع الضمائر مع موسكو وتجنب الانهيار الاقتصادي ولكن بطريقة لا تزيد من ترسيخ المجلس العسكري أو تودي إلى إزالته. يجب أن يستمروا في الشعور بالعواقب السياسية والاقتصادية المترتبة على انتزاعهم للسلطة الكارثي. وأشخاص مثل جبريل إبراهيم، الذي نصح كذباً بأننا سنتجاوز الانقلاب، لا يجب أن يثبت صوابهم بمجرد التراجع عن الإقراض الدولي. أظن أن حميدتي وأصدقاؤه يعرفون بالضبط كيف سيتم النظر إلى رحلة موسكو هذه، ويأملون أن تثير نوعًا من الرد المضاد من واشنطن، بما في ذلك الكف عن الحديث عن العقوبات. خلاصة القول هي إن المجلس العسكري يقوم ببيع سودان الأجيال القادمة بالمزاد لضمان بقائهم على المدى القصير. ربما كان ذلك ناجحًا في عهد البشير، عندما كانت المخاطر أقل وكان الناس من حوله أكثر ذكاءً، لكن العواقب الآن ستكون كارثية. السودان ليس مالي. موقع عسكري روسي رسمي على البحر الأحمر يعني أن روسيا لن تختفي عندما تنفد الأموال، مثل فاغنر. وهذا يعني أن السودان سيرتبط لسنوات قادمة بروسيا بوتين، مما يضمن أن يصبح الانتقال إلى الحكم المدني أكثر بعدًا وأن محور السودان تجاه الغرب يغوص في قاع البحر الأحمر. بالنظر إلى التداعيات الوخيمة على المدى القريب والطويل على زيارة حميدتي "الناجحة" المحتملة إلى موسكو هذا الأسبوع، آمل أن يكون هناك اهتمام كافٍ في واشنطن وبروكسل لتفادي ذلك وتقديم بديل آمن. نقلاً عن صحيفة مداميك