حالة السودان الآن في عدم استقراره السياسي لأنه لم يخرج من حالة الاجتماع ليصل الى مستوى المجتمع الذي ينقاد الى مسيرة تراجيدية ومأساوية بلا قصد ولامعنى في مجابهتها للظواهر الاجتماعية وكيفية خلق حلول تؤدي الى حالة توازن الى حين في ظل إكراهات تواجه تقدم المجتمع نحو المستقبل في استشرافه. لهذا فقد عرف علماء الاجتماع بأن المجتمعات المعاصرة في مواجهة دائمة لمصاعب جمة تمسك بتلابيب بعضها البعض منفتحة على اللا نهاية بلا قصد ولا معنى. دور علماء الاجتماع والاقتصاديين والفلاسفة والمؤرخين خلق ديناميكية تواجه ظواهر المجتمع في ظل مفاهيم حديثة فيما يتعلق بالسلطة ومفهوم الدولة الحديثة وكيفية توضيح بأن الظاهرة الاجتماعية الغاية منها الفرد لأنه دوما يبحث عن الحرية والعدالة. لهذا كانت فكرة معادلة الحرية والعدالة هي التي تفسر سير الانسانية التاريخية والانسان التاريخ وهنا يمكننا ان نوضح شئ مهم هو أن العلوم الانسانية تبحث دوما لخلق توازن مؤقت للمجتمع في مجابهته لمشاكل وإكراهات لا نهاية نضرب مثلا على ذلك ونوضح به خطاء أصحاب أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب وحل الفكر الديني في السودان وكذلك أحزاب الايديولوجيات المتحجرة كحالة النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية في إعتقادهم بأنهم يستطيعون تقديم حلول نهاية لظواهر اجتماعية تمثل سلسلة لا نهاية للإكراهات التي تجابه المجتمع ويبحث على الدوام في خلق ديناميكيات لتعيد فكرة التوازن الاجتماعي المؤقت. نضرب مثل بماكس فيبر وفكرة العقلانية والأخلاق وفيها يغادر المجتمع فكرة الايمان التقليدي التي تعطل نخبنا السودانية وتقف أمام تطورهم الفكري بل تقف حاجز منيع أمام الاحزاب السودانية التقليدية في أن تكون لها القدرة على كيفية إنتاج ثقافة علمانية تفرض عقلانية وأخلاقية الفرد وتعرف بأننا في زمن لم يعد للدين أي دور بنيوي على أصعدة السياسة والاجتماع والاقتصاد بل أن الدين يخص الفرد في سلوكه الفردي وعلاقته مباشرة مع الله بلا وساطة من قبل تجار الدين. أما صراع الفرد مع مجتمعه فتضبطها معادلة الحرية والعدالة التي لا نجد لها أي تصور عند أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية مثلا مسألة الحرية لا يمكن تحقيقها بحكم شمولي بغيض كما رأينا الشيوعية والنازية والفاشية لذلك معادلة الحرية والعدالة وقد تصادفت مع شعار ثورة ديسمبر المجيدة حرية سلام وعدالة لا يمكن تحقيق ضلع الحرية في ثالوث شعار ثورة ديسمبر بغير فكر ليبرالي ينزل الليبرالية السياسية والاقتصادية على أرض الواقع بعيدا عن حكم بغيض كشمولية الشيوعية. أما العدالة وفكرة الضمان الاجتماعي فنجدها في البلدان التي تسير في طريق الليبرالية السياسية والاقتصادية متجسدة في فكرة الضمان الاجتماعي في مستوى الحد الأدنى للدخول أي فكرة المقطع الرأسي وفكرة الاستهلاك المستقل عن الدخل في معادلة رياضية تجسد معادلة الحرية والعدالة والمضحك أن الماركسية ليست لها معادلة رياضية تثبت بأنها يمكنها خلق حالة توازن كما رأينا في معادلات رياضية تخص نماذج الفكر الليبرالي ولهذا نقول وقد قلنا من قبل أن شعار ثورة ديسمبر حرية سلام وعدالة شعار يتطابق مع روح الفكر الليبرالي بشقيه السياسي والاقتصادي والمضحك ان الشيوعيين السودانيين في مكاوراتهم وخمهم قد قالوا أنه شعارهم بالله شوف؟ عندنا مشكلة كبيرة في وسط النخب السودانية فيما يخص أدبيات الفكر الليبرالي بشقيه السياسي والاقتصادي وهذه المشكلة موروثة منذ أيام أتباع مؤتمر الخريجيين وهو إعتقادهم ان الفكر الليبرالي فكر رميم وهذا بسبب جهلهم بفكرة العقد الاجتماعي الكامن في فلسفة وافكار كل من جون لوك الأب الشرعي للفكر الليبرالي بشقيه السياسي والاقتصادي ويليه عمانويل كانط في فكره الكامن في انثروبولوجيا الليبرالية وديمقراطية توكفيل وعلم اجتماع منتسكيو ونظرية العدالة لجون راولز وجان جاك روسو وفلسفة توماس بين مثلا نجد عنده فكرة الحق في الاستمرارية. وهي أي فكرة الحق في الاستمرارية مستمدة من فكر جان جاك روسو ونجد فكرة الحق في الاستمرارية نجدها تمثل فكرة الضمان الاجتماعي وأقل مستوى لها في فكرة الحد الادنى للدخل اي الاستهلاك المستقل عن الدخل وهو ما تقوم به الدول الاوروبية في إعطاء حد أدنى للدخل للعاطلين عن العمل ونجد فرانسوا ميتران كاشتراكي فرنسي قد أدخله الى مستوى التنفيذ وهنا يكمن الفرق بين اليسار السوداني الرث المتمثل في الحزب الشيوعي السوداني وبين يسار أوروبا استفاد من أفكار غرامشي. لذلك نجد عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب قد تحدث عن إعادة إكتشاف غرامشي وبالمناسبة ننبه النخب السودانية لأهمية التحرر من أوهام الحزب الشيوعي السوداني وقد دمر الفكر في السودان وقد بنى قاعدة من العاطلين من كل موهبة وقد تجمعوا في حزب متكلس وأصدقاء للحزب غاب عن أفقهم بأن تحقيق العدالة والحرية أقرب طريق لتحقيقه هو الفكر الليبرالي بشقيه السياسي والاقتصادي. وننبه النخب السودانية الى مغادرة اللغة المتخشبة لمفكري الحزب الشيوعي السوداني ونجدها في تكرارهم الممجوج للبراجوازية الصغيرة كسب للفكر الرأسمالي وغاب عنهم لولا تتطابق طموح البرجوازية الصغيرة مع أفكار مارتن لوثر لما تحقق إصلاح ديني في أوروبا ولولا ظهور العقلانية لما حققت أوروبا إزدهارها المادي كنتاج للعقلانية التي تباهي بها أوروبا ونجدها في تباهي ماكس فيبر على تحقيق الحضارة الغربية لمستوى من الوعي غاب عن أفق الحضارات التقليدية والحضارة الاسلامية العربية كحضارة تقليدية من ضمنهم. بالمناسبة مسألة أن الفكر الليبرالي بشقيه السياسي والاقتصادي هو أقصر الطرق لتحقيق ازدهار مادي وبالتالي توازن اجتماعي تتحقق فيه معادلة الحرية والعدالة قد دعى لها عالم الاجتماع العراقي علي الوردي وقال بأن مجتمعاتنا العربية الاسلامية بتركيبتها الاجتماعية الهشة ونخبها التي تعاني من إزدواج الشخصية والتناشز الاجتماعي لا يخرجها من مشكلتها العويصة غير الفكر الليبرالي وحينها قد هاجمه الشيوعيون والقوميون وأتباع الحركات الاسلامية ومرت الأيام وها هو العالم العربي والاسلامي يتحول الى رماد بسبب دكتاتوريات القوميين في كل من العراق وسوريا وأصبح في مستوى متدني من الوعي بعد فشل النخب في إنزال قيم الجمهورية الى مستوى قد أصبحت السعودية في مستوى تقود فيه العالم وهذه من المفارقات العجيبة وقيادة السعودية للعالم العربي والاسلامي ليست نتاج ارتفاع مستوى الوعي فيها بل نتيجة فشل النخب في العالم العربي لتحقيق فكرة قيم الجمهورية وانتاج ثقافة علمانية ولهذا نزل مستوى العالم العربي لمستوى تقوده السعودية بمستواها المتدني. عليه أن مسألة التحول الديمقراطي يفرض على النخب السودانية بأن تفكر في مفهوم الدولة كمفهوم حديث وهي التي تقود التحول الاجتماعي والتحول الديمقراطي ولا يكون ذلك بغير الفكر الليبرالي بشقيه السياسي والاقتصادي وطريقنا طويل وأول خطاويه تمر بمفارقة أحزاب وحل الفكر الديني وفكر أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية والتفكير بشكل جاد لإنزال فكر ليبرالي يحقق شعار ثورة ديسمبر حرية سلام وعدالة وهو شعار يتطابق مع معادلة الحرية والعدالة روح الفكر الليبرالي وليس كما يتوهم أتباع الحزب الشيوعي السوداني بأنه شعارهم لأن فكرهم لا ينتج غير نظم حكم شمولية بغيضة لا تختلف عن النازية والفاشية.