ولد يوسف عثمان محمد بلال النور جبرة في دنقلا عند جزيرة مروارتي. أسرته أتت به إلى الخرطوم، وهو لما يُكمل شهورا عددا، فسكن في منزل والده سائق مدير مديرية الخرطوم ثم انتقل معه إلى جبل أوليا، وعاد ثانية إلى إقشلاق الخرطوم غرب المقابل لمبنى البعثة التعليمية المصرية وظل هناك حتى مرحلة الجامعة. ناظران أثرا عليه في بدء مرحلته التعليمية، ولم ينسَهما هما علي عباس النعمة وهاشم عبدون. وفي الأهلية الوسطي يتذكر تأثيرَ اساتذته عليه، منهم محمد حمزة، ومحمد نور الذي كان يكتب في مجلة الرياضة. ثم التحق بالأهلية الانجيلية المصرية، وهناك تلقى درساً في النوتة الموسيقية على يد مصريين ثم تحول إلى مدرسة جمال عبد الناصر الثانوية، والتي كانت في الليل تصير الىع جامعة القاهرة فرع الخرطوم. وأثناء هذا التجوال كان يرعى الفتى غنم الأسرة حتى شاطئ النيل الأزرق، وغابة السنط، ممتلكا آنذاك قدرة التسلق على النخيل، والتمر هندي، والتمر أبونا، وعندما يَفيض النيل الأبيض يصطاد يوسف السمك البلطي يوميا، ويحملُه في خرتايته فيكون عشاء الأسرة دسما. ولما قوى جسمه عزم على أن يكون رياضيا في رابطة الخرطوم غرب بجوار إخوانه الذين لعب ثلاثتهم للنيل، والاهلي الخرطوميين، ولما تطورت تابلوهاته انتمى إلى ليق الخرطوم عبر الطليعة في نشاط رياضي محموم، ثم دخل نادي النيل متدربا على يد الملاكم الشهير وقتها يوسف زكريا، على أن هوايته الغنائية بدأت من تلحين الأناشيد بشكل مخالف لما اعتاد عليه المدرسون، والتلاميذ في أسلوب التلحين، فلحن "أيها الاسود قل لي حتى أصبحت ظلي" مجاريا لحن أغنية شرحبيل "خطوة خطوة نسير". ومع ذلك يتذكر الموصلي أن أستاذاً للعربي يدعى الضرير يناديه لتلحين كل قصيدة يشرحها لزملائه التلاميذ. حينما ظهرت فرقة البلابل مع بشير عباس كان هو في الصف الثالث بالثانوية فقرر المجاراة. كون فرقة بلابل اشلاق البوليس الغربي أداتها طبلة وكورس فكان أول حفلة للفرقة في حي بانت عام 1975، وكان نصيب الفرقة خمسة وسبعين قرشا فاشترى رقا وباسطة، ثم بدأت الألحان تترى فكانت أول أغنية "بسمة وقالو لي منديلك"، والتي كانت نتاج ردة فعل لهدية تمثلت في منديل وصلته من شابة جميلة صارت لاحقا زوجة لضابط بوليس ترقى في مدارج الشرطة حتى وصل لرتبة لواء، وفيما بعد استخدم اللحن لنص "مسافتك لا مقدور اسيبك ولا عايش معاكي.." والتي أداها الفنان الراحل محمود عبد العزيز. بريدك يا حبيبي بريدك كانت كتابته الأولى في مجال الشعر، وعن هذه التجربة المدفوعة بمرحلة المراهقة قال انها كانت صادقة، ونجحت الاغنية بشكل منقطع النظير وأداها مغنون شعبيون وصارت تترافق مع غناء البنات حتى ظنها الناس انها اغنية شعبية بينما هو كاتبها وملحنها. في تلك الأثناء لم ينقطع نشاطه الرياضي فواصل في السجانة مع فريق النيران، وفي ديم الزبيرية لعب مع الهجرة حيث سكنت الاسرة خلف سينما النيلين. ويرى أن السينما – خصوصا الافلام الهندية – أثرت فيه كثيراً، إذ كان يذهب للسينما منذ أن كان عمره سبع سنوات في الديوم الغربية، ويحمله إخوانه نائما في طريق العودة. مع مرور السنوات رحلت الأسرة لامتداد الصحافة، وأصبحت العودة لإشلاق البوليس الغربي لماماً، وبالرق كون هناك فرقة موسيقية بالرق لمع عبرها حتى سمي يوسف الصحافة اول شخص، وتنازعته أيضاً تسمية يوسف جبرة، وواصل في كتابة شعر غنائي كتير منه ضمنه: "تايه قلبي في حبك" و"حاضر في دروب قلبك" و"لما عرفتك انك بتسلم علي" و"شايفنك يا سيد الناس" و"يا سلام منك يا الصغير سنك" و"وردة فوق البص زايدة في الإخلاص" و"من زمان عايش معاي ليك زمن كايس هناي" و"انتا يا الشلت الجريدة شلت روحي عشان تريدا" و"أنا لي من عيونك يا الناعسات جفونك" و"حبي ليك يا أغلى حلوة ربنا يغطيك يصونك"، وبلغت نصوصه التي كتبها، ولحنها، نحو خمسة وعشرين نصا أداها جميعا بآلة الرق. ومن هذه الأغنيات استعار لحناً لنص "لاني قدرك لا بطولك..لا بكسر خاطري قولك" الذي كتبه الشاعر عبد المنعم الجزولي، وأدى العمل الفنان الراحل حمد الريح. في عام 1974 مارس يوسف نشاطه مع شباب السجانة ومجموعة الموسيقار عبد الماجد خليفة التي تؤدي الأعمال الوطنية، والدينية، وشال مع أبي داؤود، وسيد خليفة مع كورس المجموعة، وكذا مع كثير من الفنانين. لكن عبد الماجد قال له إن إلحاق اسمه بالصحافة لا نفع منه، فاقترح عليه تلقيبه بالموصلي تيمنا باسحق إبراهيم الموصلي فارتاح للقب الذي لازمه إلى يوم الناس هذا. في مركز شباب السجانة تعلم الموصلي أساسيات الموسيقى على يد الموسيقار الكبير محمد آدم المنصوري، والموسيقار إسماعيل عبد الرحيم الذي يصفه بأنه أعظم مدون، وعازف للكمان، وكذلك تعلم شيئا من العازف محمد عبدالله أميقو الذي قال عنه إنه لا يقل عن إسماعيل في الموهبة الموسيقية، واعترف له بدور كبير في دفعه ليتخلى عن محدودية الرق وينفتح على وسع الاوركسترا. لاحقا التحق الموصلي بالمعهد دفعة 74 بعد أن تجاوزته المنافسة مع الدفعة التي سبقته بعام، وكانت تضم عركي، وزيدان، وخليل إسماعيل. وأثناء فترته الدراسية بالمعهد أنتج أغنيات كثيرة منها "هجر الحبيب قاسي وصعيب" من كلماته، وألحانه، و"انتي لي" لعز الدين هلالي و"مما قمنا شفنا الشارع هو البيعلم" لهلالي ونبض الشارع أيضاً التي لحنها أنس العاقب ثم "بجيك الليلة في الميعاد" التي كتبها بالاشتراك مع محمد إبراهيم عبد الماجد عازف الطرمبة، وهي من ألحانه، ويغنيها الآن معتز صباحي. حينذاك غنى أيضاً ثلاث من كلمات هلالي، وألحان صلاح محمد الحسن (حاول أسرح فيني حبة، وعشان عارفني، والفضل يرجع ليها هي) و"صدفة صوتك لما جاني" كتبها بالتعاون مع بشير سليمان وغناها زرياب، وغنى لصلاح محمد الحسن أيضاً "غنت ليك أغاني الريد" ثم لحن الموصلي "على قدر الشوق" و"الأماني السندسية" و"الكلام القالو عنك" ولحن لعبده الصغير "يا ذاتي من عبر القرون جيتك أنا" ثم لحن لسمية حسن "رسالة إلى أمي". في تلك الفترة دخل الفنان الموصلي مهرجان الثقافة الأول بأغنية "وينك انتي الطال غيابك" والتي اختيرت في المهرجان الأول لتقدم أمام الرئيس نميري، وهي من كلمات عبد العال السيد، وبعدها لحن عددا هائلا من الاعمال لعلي السقيد منها "فرحانة بيك كل النجوم" و"مداك مداد في بواقي الليل" و"رجعتي القلب يدق تاني". وقدم للبلابل "حبيتك حقيقة"، و"نار هواي"، و"كبرياء"، و"الطريق"، و"خبي الشروق" لمجذوب أونسة، وفي إحصائية للفنانين الملحنين الذين منحوا أعمالهم لزملائهم تفوق الموصلي حيث قدم لهم أكثر من 45 أغنية، وهكذا اشتهرت ألحانه التي غناها هو، ورددتها الأجيال المتعاقبة مثالا لا حصرا: "بلدنا نعلي شانا"، و"شوق الهوى"، و"الحب يا أم سماح"، و"الأماني السندسية"، و"سفر العيون"، و"انتي ليا". ساهم الأستاذ يوسف الموصلي بالغناء للثورة السودانية بأكثر من 20 عملا وبدأت مقاومته للنظام السابق أيام القاهرة بأغنيات كثيرة منها "لصوص العصر"، و"أباريقك في دبابة"، و"يا جمرة يامعصوبة العينين"، والأخيرة من كلمات مصطفى سيد أحمد. يوسف عثمان محمد بلال بعد نصف قرن من تجربته الموسيقية انتهى إلى كونه مؤلفا موسيقيا، وموزعا، وقائد اوركسترا، ومغنيا، وناقدا فنيا، ومدربا للاوركسترا، والكورال الأكاديمي بكلية الموسيقى والدراما. فالوصف الوظيفي للمهن التي شغلها الموصلي تتمحور حول التأليف الموسيقي، وتدريس القوالب الموسيقية منها الكاونتربوينت، والهارموني وعلم الآلات، والتوزيع الاوركسترالي، والتحليل الموسيقي، وقيادة الاوركسترا، وارتبط دوره بالإدارة الفنية للتوزيع الموسيقي على البرامج الكومبيوترية، وتسجيل الأعمال على القنوات المتعددة الحديثة بواسطة التسجيل الرقمي، وقيادة الاوركسترا ثم المزج الموسيقي لما يتم تسجيله وصولا إلى الُمنتَج النهائي. بدأت الجولة الأكاديمية ليوسف الموصلي كمعيد بالمعهد العالي للموسيفى والمسرح قسم التأليف والتوزيع الموسيقي في عام 1979 ثم عمل محاضراً بالمعهد قسم التأليف والتوزيع الموسيقي 1989، وحصل الموصلي على بكلاريوس المعهد العالي للموسيقى والمسرح في عام 1979 ثم ماجستير التاليف الموسيقي بالمعهد العالي للكونسرفتوار باكاديمية الفنون بجمهورية مصر العربية في عام 1989. وفي غربته حصل الفنان على ماجستير التأليف والموسيقى الالكترونية بكلية الموسيقى بجامعة آيوا في الولاياتالمتحدةالامريكية في عام 2004 ثم ماجستير تكنلوجيا التعليم بجامعة براندمان في كاليفورنيا بالولاياتالمتحدة. وشغل منصب المدير الغني لشركة جواهر للإنتاج الفني بالسودان 1990، وكذلك المدير الفني لشركة سودان فيستفال بالسودان 1991، والمدير الفني لشركة حصاد للإنتاج الفني القاهرة 1993، والمدير الفني للمركز السوداني للمعلومات، ورئيس قسم البحوث الموسيقية بمدينة لوس انجلس بالولاياتالمتحدةالامريكية 1998. وهو المؤسس والمدير العام وأستاذ بمركز الموصلي للموسيقى والفنون بمدينة آيو بالولاياتالمتحدةالامريكية 2002. كذلك عمل الموصلي أستاذا مساعدا بمعهد الدفاع للغات في عام 2005 -2018 في الولاياتالمتحدةالامريكية. إلى ذلك قاد الموسيقار يوسف الموصلي في غربته الاوركسترا السودانية الامريكية المشتركة في أكبر مهرجانين سودانيين في تاريخ الموسيقى السودانية بنجاح ملحوظ وغنى فيهما أيضا في مدينتى شيكاغو وديترويت بمسرحي سنترال بارك والمسرح السيمفوني بمدينة ديترويت وقام بالتوزيع الموسيقي لأغنية نسم علينا الهوى للأخوين رحباني، وفيروز و تخيل Imagine لفنان الخنافس جون لينون وتم تقديمها بواسطة فنانين من أنحاء العالم بمسرح MGM Grand بمدينة لاس فيجاس في نيفادا بالولاياتالمتحدةالامريكية، وبعد عودته للبلاد أسس وقاد اوركسترا وكورال الخرطوم في عام 2019، وعمل رئيسا للجنة الفنية بدار الخرطومجنوب للغناء والموسيقى 2019. شارك الموصلي في عدد من المهرجانات المحلية والإقليمية والدولية، منها على سبيل المثال مهرجان الأخوة السوداني المصري 1976، المهرجان الغنائي الأول 1979-1978، مهرجان الاغنية العربية طرابلس ليبيا 1979، المهرجان الثقافي الاول السودان 1980، مهرجان التاليف لالات النفخ 1987 روما، مهرجان الربيع 1989 كوريا الشمالية في بيونغ يانغ، واحتفال جمعية المؤلفين الروس 1989 موسكو، ومهرجان الغناء السوداني اديس أبابا اثيوبيا 1995، مهرجان السوق الأفريقية لوس انجلس اميركا 1998، مهرجان التاليف الموسيقي 2002 انديانا اميركا، مهرجان الموصلي ايواسيتي 2002، مهرجان التاليف الموسيقي 2003 اوبرلين اوهايو، مهرجان التأليف الموسيقي 2004 ايوا سيتي، مهرجانات للموسيقي الكلاسيكية الحديثة تمت المشاركة فيها بالأعمال المسجلة بكل من ايطاليا ، فرنسا، انجلترا ، والمانيا وقاد الاوركسترا السودانية الأميركية بمهرجان الموسيقي السودانية بسنترال بارك نيويورك. في مجال الإنتاج الغنائي والموسيقي أنتج الموصلي مئات الأعمال التي تراوحت بين اللحن والتوزيع الأوركسترالي، والأشراف على إنتاج الالبومات الموسيقية منها أمطرت لؤلؤا للكابلي والمجموعة، وليل الشجن للبلابل، وأرحل لوردي، وسوف يأتي لمحمد الأمين والحزن النبيل، والبت الحديقة لمصطفي سيد أحمد، وألم الفراق لإبراهيم عوض، ومانسيناك لأحمد الجابري، وواحشني لأبي عركي البخيت، وحنين ياليل لزيدان ابراهيم، وكل النجوم لهادية طلسم، والمشاوير لعلي السقيد، وكلمة لصلاح ابن البادية. في الموسيقي الكلاسيكية الحديثة أنتج الموصلي عدة أعمال منفرده، مثل مقطوعة مروي للاوركسترا السيمفوني وله عدة مؤلفات للموسيقي الاليكترونية. وقام بعملية فنية مشتركة مع أحد المؤلفين الموسيقيين من فرقة الرولينغ ستونس في أحد الاستوديوهات بالولاياتالمتحدةالامريكية، وهو عمل يستهدف السلام، والخير، والعدل، لصالح منظمة حقوق الإنسان العالمية. وسيبث العمل فور الانتهاء من عملية المكساج الفني حيث يشارك فيه فنانون من شتى أنحاء العالم. قدم الموصلي أيضا بعض البرامج الموسيقية مثل ساحة الفن، وهو برنامج تحليلي بالإذاعة السودانية بين عامي 1978 و1980، وبرنامج المايسترو في قناة S24، وهو برنامج غنائي تحليلي. ويملك عدة مؤلفات في النقد التحليلي منها سلسلة التحليلات بمجلة الإذاعة والتلفزيون السودانية 1976-1979، وصفحة واحة فنون بجريدة الخرطوم 1995. وساهم الموصلي بحضور دائم في العديد من مواقع الإنترنت مشاركا في الحوارات التي لها شأن بالغناء والموسيقى والشأن الوطني. وشارك في سلسلة كتيبات أهل المغني، والتي تناولت الفنان محمد وردي، والراحل المقيم مصطفي سيد أحمد عليهما الرحمة، وكذلك تناولت تجربته الإبداعية. وهكذا بدا فنانا نجما باذخا في سماء الإبداع السوداني بعد تجربة نصف قرن من المثابرة في الحقل الموسيقي، وما يزال أستاذ الأجيال يوسف الموصلي يَجّد في تغذية هذا المشروع الإبداعي بكثير من الصبر، والإصرار على خدمة أحاسيس أمته، وله عمق التحايا، وطول السلامة، وبريق المقام، واستمرار التوهج الفني.