دعونا نتخيل لو أن حكومة المملكة العربية السعودية لم تكن محتكرة لملكية النفط الذي تستخرجه وتسوقه بواسطة شركة أرامكو الحكومية , وبدلا من ذلك كانت تسمح للجميع بحفر آبار نفط في اي مكان , ومن ثم تسويق وتهريب مايستخرجونه من نفط علي مزاجهم . مجرد التفكير في خيار كهذا سيعتبره معظم الناس نوع من البلاهة, ولكن هذا الوضع السريالي المسأوي هو بالضبط مانفعله حاليا في سوداننا الحبيب تجاه تعدين الذهب. لمعرفة الفرق الشاسع بين كمية الانتاج الحقيقي غير المعلن والانتاج الرسمي الذي يتم أعلانه يمكن الرجوع لتقرير استقصائي للصحفية السودانية هبة فقيري بعنوان "من يسرق ذهب السودان؟" نشرته بموقع الجزيرة و أعيد نشراه بالراكوبة علي الرابط التالي:https://www.alrakoba.net/31328141/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D9%8F%D8%B3%D8%B1%D9%82-%D8%AB%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89/
تورد الصحفية مثالا ملفتا للفرق الشاسع بين كمية الذهب المنتجة بالفعل وكمية الذهب المنتجة حسب السجلات الرسمية بقولها بأن أحد المعدنين التقليديين , وذكرت أسمه, أخبرها بأنه يسجل مابين 2% الي 10% فقط من انتاجه رسميا ليبيعه مجبورا لبنك السودان بالسعر الرسمي بينما يخفي باقي ال90% الي 98% من ذهبه ليبيعه لتجار الذهب الذين يعرضون مبلغا يزيد عن سعر البنك المركزي بحوالي ألفي دولار للكيلو الواحد ثم تضيف (أن ما فُقِد بين الذهب المُنتَج والمُصدَّر والمُصنَّع والمُخزَّن بلغ 48,8 طنا بنسبة وصلت إلى 77% لفاقد الذهب بين منطقة الإنتاج وبنك السودان كمشترٍ) . بعد قراءة تقرير الصحفية الوطنية هبة فقيري يشعر المرء بحسرة وألم شديدين علي ضياع مليارات الدولارت بينما يعيش معظم مواطنوا الدولة في فقر مدقع .
في أعتقادي أن الطريقة التي يتم بها حاليا استغلال ذهب السودان وهو ثروة قومية غير متجددة يعتبر جريمة في حق بلادنا. ففيه أهدار لثروة قومية غير متجددة دون الاستفادة منها لتمويل نهضة شاملة . أذن ماهو الحل ؟
لماذا لا تحتكر الدولة تعدين الذهب تماما كما تفعل حاليا مع البترول؟ ولاتوجد مقارنة بين مئات المليارات من الدولارات التي ستجنيها الدولة من احتكارها للتنقب عن الذهب وبين الفتات الذي تحصل عليه حاليا من بعض آبار البترول , ورغم ذلك فهي تحتكر مايدر عليها الفتات وتترك مايدر مئات المليارات من الدولارات في أيدي الغير . ماأدعو له هو أن تؤسس الدولة شركة توكل لها مهمة أحتكار التنقيب علي الذهب وعلي صهره وتسويقه, وتمنع سواها من فعل ذلك . يمكن لهذه الشركة الاستعانة بشركات عالمية كبري تمتلك التقنية والخبرة في هذا المجال. وياحبذا لو منحت الشركة الحكومية المحتكرة للتنقيب عن الذهب, نسبة بسيطة من أرباحها لحكومة الولاية أو الاقليم الذي يتم التعدين فيه – علي أن يتم صرف تلك الاموال في قطاعي الصحة والتعليم بالاقليم أو الولاية.
أتمني لو أن فكرة أحتكار الدولة لتعدين الذهب قد تم تضمينها في مواثيق قحت ولجان المقاومة فيما يجب فعله بعد اسقاط الانقلاب. ففي تنفيذ ذلك الخلاص من مهانة الاعتماد علي الهبات والقروض الاجنبية المشروطة التي لم تطور أي بلد في العالم . كما وأن الناتج من تصدير الذهب سيمكن الدولة من أحداث نهضة تنموية شاملة في زمن قياسي .