لم يزل المشهد السياسي الحالي يتسم بالكثير من التعقيدات والانقسامات، دون التوصل إلى صيغة توافيقة بين القوى المدنية حتى الآن على الرغم من مرور شهرين على خطاب البرهان في الرابع من يوليو الماضي الذي اعلن فيه خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية في البلاد واتاحة الفرصة أمام المدنيين للتحاور فيما بينهم، ففي وقت كان فيه المشهد قاصرا على قوى الحرية والتغيير دون سواها، ينقسم اليوم إلى اربع كتل، هي الحرية والتغيير المجلس المركزي، وقوة التوافق الوطني، ومجموعة الحزب الشيوعي المسماة بقوى التغيير الجذري، واخيرا طيف واسع من قوى اليمين اصطفت في تكتل سمته نداء اهل السودان. هذه الكتل بينها مشتركات تصل في بعضها إلى توافق كبير في الكليات ويتوقع ان ينتج عن توافقها ذاك صيغ تفضي لتوسيع كيانها لحد يمكن من انشاء تحالف يسند حكومة مدنية من كفاءات وطنية يسند إليها استكمال فترة الانتقال والترتيب لانتخابات نزيهة وشفافة بنهايتها.. توصيف الأزمة وقبل الخوض في مآلات الأزمة السياسية ومسارات حلها ،لابد من عرض المجهودات والمبادرات، ونجد ان عدد المبادرات الرئيسة المطروحة للمعالجة منذ أزمة 25 أكتوبر الماضي، والتي بلغت أكثر من ثماني مبادرات، يمكن تصنيفها إلى ثلاث مجموعات. تبنَّت المجموعة الأولى منها مبدأ المشاورات الأولية بين المكون العسكري والمكونات المدنية؛ بحثًا عن النقاط التي يمكن أن يتحاور الطرفان فيها، وكيفية تهيئة المناخ لإجراء حوار مباشر بينهما للخروج بمقترحات لحل الأزمة. واقترحت المجموعة الثانية جملة من القضايا التي يمكن أن يتحاور الطرفان فيها للتوافق حول مخرج آمن من الأزمة. أما المجموعة الثالثة فقد رفعت شعار (لا تفاوض... لا شراكة... لا شرعية) للمكوِّن العسكري، الذي أزاح المكون المدني في 25 أكتوبر، وآثرت البحث عن مسار جديد يخدم أهداف ثورة ديسمبر/ 2018، ويُحدث تغييرًا جذريًّا في بنية النظام القديم، لتحقيق انتقال ديمقراطي مستدام مراوغة الانقلابيين وعلى الرغم من المبادرات المطروحة إلا ان المتحدث باسم المكتب التنفيذي للحرية والتغيير شهاب إبراهيم يرى في حديثه ل"الإنتباهة" انه ليس ثمة مبادرات حقيقية تطرح مسار بإجراءات لعملية سياسية وان كل ما تقدم هو أحد امرين الأول هو بحد قوله محاولات من قبل الداعمين للانقلاب في اختزال الأزمة في اختيار رئيس وزراء وكأن الازمة عند حدوث الانقلاب كانت في اختياره، والثاني محاولات فتح نقاشات غير رسمية حول ابتدار تفاوض مباشر، وتابع: النتيجة هنا دائما هي استمرار تراجع الانقلابيين عن تصريحاتهم بالخروج من العملية السياسية، وهو ما يوضح مراوغتهم لكسب الوقت وفرض الانقلاب كأمر واقع، وأضاف: من الواضح ان الانقلاب يعيش صراع مراكز قوى داخلية فيه حول شروط العملية السياسية التي تنهيه، فمراكز القوى الانقلابية تبني مواقفها على مخاوفهم التي يشتركون فيها جميعا ومطامع الاستمرار في السلطة التي تتقاطع مصالحهم، وفي اعتقادنا لايمكن ان يكون هناك حل للأزمة اذا لم يتوحد الانقلابيون هو أسس حل الازمة وهو ما يتطلب منهم تقديم تنازلات كبيرة وليس القوى المقاومة للانقلاب التي مطالبه بتقديم تنازلات. التوافق وبدوره يعتقد المحلل السياسي محيي الدين محمد محيي الدين في حديثه ل "الإنتباهة" ان مسارات الحل السياسي لا تخرج عن ثلاثة سيناريوهات، الامثل فيها هو سيناريو التوافق الواسع لكل المجموعات السياسية والمبادرات، وتجميع المبادرات القريبة في طرحها خاصة مبادرة اهل السودان التي طرحت معالجات ليس بعيدة من المبادرة التي قدمتها مجموعة التوافق الوطني، وبالتالي مع حديث حزب الأمة فانه من المتوقع قبولهم بالتوافق وتشكيل حكومة من طيف واسع . اما السيناريو الثاني-بحسب محيي الدين – هو الانتخابات لعدم حصول توافق بين الفرقاء ويتم تحديد موعد للانتخابات وهذا متوقع لحد كبير، وتابع: اذا تباعدت المسافات وحدثت خلافات فان هذا يعني استمرار الوضع كما هو عليه ويظل مجلس السيادة يدير المشهد لحين الانتخابات، واضاف: السيناريو الثالث خطير جدا و هو انقلاب عسكري وربما لن يكتب له النجاح ويقود البلاد الى الفوضى وهذا وارد مع وجود الخيارات الصفرية وفي ظل وجود مجموعة التغيير الجذري التي تغازل ما تسميهم شرفاء القوات المسلحة وتريد انهاء الانقلاب، هذا وضع خطير ،في ظني السيناريو هو الأقرب نظرا لتحليل البيئة الداخلية. مفتاح الحل وفي المقابل يؤكد مقرر المجلس المركزي للحرية والتغيير كمال بولاد أن المشهد السياسي فيه كثير من التعقيدات والتي تحتاج لبصيرة وحكمة اكثر من اي وقت مضى، مشددا في حديثه ل "الإنتباهة" على أن المفتاح للحل يبدأ من إنهاء الانقلاب وإلغاء كافة ما نتج عنه من قرارات وأفعال أثرت مباشرة في نسف مرحلة الانتقال وأعادت فلول النظام المباد إلى مؤسسات الدولة الفعالة و خلط كثير من الأوراق التي صنعت هذا الواقع السياسي المأزوم. ومن جانبها ترى المحلل السياسي أسمهان إسماعيل ان الفراغ الدستوري في البلاد منذ الإجراءات التصحيحية في أكتوبر الماضي يهدد بانهيار كامل للدولة خاصة وإن الاوضاع تسوء يوما بعد يوم، مبدية اسفها في حديثها ل "الإنتباهة" على عدم تحقيق المبادرات المطروحة اي تقدم تجاه مشكلة الحكم في السودان بالرغم من انسحاب الجيش من الحياة السياسية في البلاد، وقالت: ضبابية المشهد السياسي والاقتصادي والامني تهدد السودان بالانحدار نحو الانقسام والصراعات كما هو حاصل في ليبيا واليمن، ووضع السودان الحالي يحتاج الى وفاق لم الشمل السوداني والاستعلاء فوق الخلافات السياسية والجهوية في ظل الاستقطاب الدولي الحاد الذي تشهده البلاد. الانتباهة