خلال تجوالي في "غابة الانترنت" وليس هذا في سياق السخرية أو جنوح الخيال وانما هو وصف لواقع أعيشه يوميا كباحث يستخدم هذه الآلية السحرية التي لا أجد كلمات مناسبة للتعبير عن أهميتها لشخص مثلي يعمل في البحث والكتابة والاطلاع.. غير أنها من جانب آخر هي بلا مبالغة غابة يقابلك فيها الزهر والورود وتمرح فيها الطيور والغزلان ولكن أيضا فيها الأرانب والثعالب والذئاب وتتجول فيها الأسود والنمور والافيال والعقارب والثعابين!! فمن المنطق السليم والحال هكذا أن تبحر فيها مسلحا بكل ما من شأنه يجلب لك الوقاية مما قد تجلبه لك من مفاجآت.. هذه المرة كنت أتجول في أحد منعرجات التكنولوجيا الحديثة "اليوتيوب" ولا أكون مبالغا إذا دعوتها جامعة اليوتيوب لما فيها من معارف ومواد ومعلومات تغذي العقل بما لذ وطاب من حقول المعرفة الإنسانية.. لكن كما قلت إنها غابة يجب التعامل معها بحذر.. وأخيرا توقفت بمحرك البحث على مادة لفتت انتباهي يتحدث فيها الدكتور والمفكر المعروف عبد الله النفيسي عن نظام الإنقاذ والأخوان المسلمين في السودان ويدعي العنوان أن الأخوان المسلمين لم يفشلوا في السودان .. ودائما ما أتعجب كثيرا واستغرب وأقول مستعيذا أن لله سبحانه وتعالى في خلقه شؤون وذلك عندما اطلع على رأي مثل هذا صادر ممن هو معروف بأنه مفكر مثل الدكتور النفيسي .. اقول وبكل احترام أن كمية الأخطاء والخطايا التي ارتكبها الحكم المسمى إسلامي في السودان لا تسعفني اللغة في إيجاد كلمة لوصفها ولا يمكن وصفها بالفشل الذي نفاه عنها الدكتور .. إذ أن وصف فترة ذلك النظام البائد بعد انهياره حتى بالفشل المصطلح الذي يشترك فيه مع رسوب تلميذ الابتدائية في الامتحان يقصر هذا المصطلح كثيرا عن وصف ما حدث للبلاد والعباد خلال الثلاثين سنه من حكمه.. لقد مارست تلك العصابة صنوفا من الفساد أدى إلى تفكيك أقوى منظومة حضارية للتقدم والنماء طورها السودان عبر تاريخه وبجهود ثلة من أبنائه المخلصين أشرفوا على تبديدها وتدميرها جهلا وظلما وحقدا على مجتمع كان بعيدا عن ورافضا لكل ما يعشعش في عقولهم من فكر .. وإذا كان الدكتور النفيسي يجهل حقيقة ما جرى في السودان خلال ذلك العهد البغيض أو تجاهل ذلك ربما بسبب وشيجة تربطه بتلك التوجهات والفكر فإن شعب السودان رجالا ونساء واطفالا ذاقوا الامرين من ويلات ذلك النظام وقامت ثورة الوعي الشبابية باقتلاعه من جذوره ليستقر مدحورا في مزابل التاريخ.. لقد تم التوثيق لسوءات ذلك النظام ولا حاجة لي بتكرارها ولكن قد تسمح هذه المساحة على ضيقها ببعض الكلمات عن فكر النفيسي.. فإنه لم يقتصر على طرح مثل هذه الأفكار في احوال السودان فقط وانما قد درج على اطلاق مثل هذه البالونات الفكرية في كثير من القضايا العربية والإسلامية.. والمتابع له عبر فترة طويلة من الزمن رغم مساهماته الفكرية يجد أحيانا أن اراءه فيها تهويل ومبالغات لا تليق بمفكر حائز على درجة أكاديمية …. وهو عندما كان استاذا في جامعة الكويت استمر في اطلاق الأفكار والآراء بعد أن رجع من الغرب مبهورا بأساتذته في بريطانيا وامريكا ينشر الآراء في بعض الأحيان بشيء من الاستعلاء والفخر والتهويل وكل ما لا يليق بحامل درجة علمية أن يتصف بها والتي لو لها فائدة واحدة لكانت هي مقاومة عاطفة الانحياز الاعمى في الفكر لرأي واحد وجانب وبُعد واحد "Bias" .. ومع ذلك لمساهماته محتفى به من شريحة كبيرة تبحث فيما يبدو عن دور ما لبطل في أمة تعاني من ضربات الهزيمة في كل المجالات .. الرابط لمن أراد متابعة الحديث: