سألني بعض الأصدقاء عن حديث جبريل في تلفزيون الحدث عن أن السودان يمكنه السحب من حسابه في صندوق النقد الدولي من حقوق السحب الخاصة أو ما يعرف ب (Special Drawing Rights "SDR")، وهل السودان بالفعل لديه حساب في صندوق النقد الدولي؟ وهل يمكنه السحب من هذا الحساب متى ما يشاء؟ وما هي أصلًا حقوق السحب الخاصة (SDR)؟ وفيما يلي شرح لحقوق السحب الخاص وتفنيد حقيقة ما قاله جبريل لتعم الفائدة: خامسًا: أي دولة عضو في الصندوق لها حساب معين يبين مركزها المالي بالكامل لدى صندوق النقد الدولي ليس فقط لحقوق السحب ولكنه حساب يبين كافة التزامات الدولة لدى الصندوق من قروض وأقساط وحقوق السحب المصدرة والحد المستخدم والفوائد عليه وفترة سداده وأقساطه وأيضًا كافة القروض الأخرى ونوعها وتواريخها وتواريخ سدادها واستحقاقاتها ويمكن لأي شخص من أي مكان في العالم الدخول لصفحة الصندوق في الشبكة العنكبوتية والاطلاع على المركز المالي لأي دولة بكل تفاصيله وهي ليست سرًا، أو أشياءً تشترى كما يقول أمل دنقل في قصيدة (لا تصالح). سادسًا: وبالرجوع إلى حساب السودان لدى الصندوق فإن السودان لديه رصيد في حساب حقوق السحب الخاصة يبلغ حوالي 771.9 مليون وحدة حقوق سحب خاصة تقدر بحوالي 1.05 مليار دولار تمثل 96.7% من إجمالي التخصيص التراكمي البالغ حوالي 798.2 مليون وحدة حقوق سحب. وهي تقريبًا تعادل نفس الرصيد الذي كان مقيدًا في حسابات بنك السودان المركزي عند لحظة قيام الانقلاب الغاشم في 25 أكتوبر 2021م وكانت الحكومة الانتقالية تنوي استخدامه لولا حدوث الانقلاب ووقف كل التعامل مع كل مؤسسات بريتون وودز والمؤسسات المالية ذات العلاقة. علمًا بأنه قبل أغسطس 2021م أي قبل اعتماد الصندوق للإصدار الجديد البالغ 650 مليار دولار أمريكي للدول الأعضاء ومنها 860.7 مليار دولار للسودان كانت الحكومة مستخدمة كل أرصدتها من سقف حقوق السحب الخاصة المتاح لديها والتي بلغت حتى 31 ديسمبر 2020م 178.2 مليون دولار فقط لا غير حسبما هو مفصح عنه في التقرير السنوي لبنك السودان للعام 2021م جدول رقم (10-6) الخاص بوضع الاستثمار الدولي بنهاية عامي 2020 – 2021م. وقد قام جبريل بالتنسيق مع قائد الانقلاب المشئوم بالتصرف في كل أرصدة السودان من النقد الأجنبي الموجودة نقدًا في خزينة بنك السودان والتي تقدر بحولي 2.4 مليار دولار منها حوالي 1.4 مليار دولار تقريبًا عبارة عن القيمة المسحوبة من السقف الائتماني الدوار (ECF) الممنوح للسودان ضمن اتفاقية الهبك والبالغ 2,5 مليار دولار ولكن الحمد لله ربنا ستر ولم يكن بمقدورهم سحب رصيد السودان من حقوق السحب الخاصة والتي أيضًا كانت ستتبخر في نفس الفضاءات المشبوهة الخفية التي انتهت إليها ال 2.4 مليار دولار المسحوبة نقدًا والتي هي في تقديرنا جريمة جنائية مكتملة الأركان يجب مساءلة جبريل والبرهان ومحافظ بنك السودان عليها بمجرد انتصار الثورة الوشيك، والتي غالبًا ما يكون تم استغلالها في الوفاء ببعض استحقاقات اتفاقية جوبا واستيراد أدوات القمع والقتل والصرف على المليشيات العسكرية والأمنية لمواجهة الاحتجاجات الجماهيرية السلمية المستمرة حتى اليوم. وبالتالي فإن السودان لديه رصيد من حقوق السحب الخاصة، ولكن هو كما أسلفنا ليس أصلًا حقيقيًا يمتلكه السودان، ولا يمثل التزامًا قانونيًا وماليًا على الصندوق بحيث يمكن للسودان مقاضاة الصندوق للحصول عليه كحق أصيل، وإنما هو سقف تمويلي أو ائتماني قصير الأجل متاح للاستخدام لمواجهة العجز المؤقت الطارئ في احتياطيات النقد الأجنبي أو في ميزان المدفوعات وسيتحول إلى دين على السودان يتحمله المواطن السوداني بمجرد استخدامه. ولكن ما صرح به جبريل في اللقاء التلفزيوني غير صحيح وذلك للآتي: أولًا: لن يسمح الصندوق للسودان باستخدام هذا السقف حيث إن كل المعاملات مع السودان متوقفة تمامًا نتيجة للانقلاب ولن يتم استئنافها إلا بالموافقة على شروط الدول الكبرى المتحكمة في الصندوق وعلى رأسها أمريكا ودول الترويكا واليابان وهي التي تمتلك النسبة الأكبر في الحصص وفي حق التصويت والذي يفوق حق الصين إذا افترضنا أن الصين يمكن أن تدعم البرهان وجبريل. ومن أهم الشروط هو ليس فقط قيام حكومة مدنية، بل الوفاء بابتعاد العسكر من القرار السياسي واستئناف كل الموافقات التي تمت في عهد حمدوك بما فيها الموافقة على أيلولة المؤسسات الاقتصادية العسكرية والأمنية للسلطة المدنية تمهيدًا لخصخصتها برغم أن ذلك مخالف أصلًا لإرادة الجماهير ومطالبها التي ترفع لاءاتها الثلاثة وتطالب بالقصاص وبأيلولة هذه المؤسسات للشعب ولخزينة الدولة ولن تقبل خصخصتها لمصلحة الطفيلية المتحكمة. ثانيًا: حتى لو افترضنا أنه قد تم السماح للسودان بالتصرف في رصيد حقوق السحب الخاصة بموجب تسوية تعيد نفس الوضع قبل الانقلاب وإعادة تركيز السلطة والثروة في يد الطفيلية المتحكمة وحلفائها الجدد فلا يمكن استخدام هذا الرصيد في تمويل أصول طويلة الأجل وإنما قصيرة الأجل بحكم طبيعتها والهدف منها. وبالتالي فهي ستتبخر كما تبخر ما سبقها من تمويلات وإعانات ولن يلمس الشعب أي عائد فعلي منها. ولذلك فهو سيكون استخدام مرفوض من قوى الثورة، واي تصرف في هذا الاتجاه، حتى في ظل حكومة تسوية، ستتم مناهضته وإدراجه في صحيفة دعوى القوى الثورية على كل المساهمين في سرقة أموال الشعب واستغلال موارده بما فيها السقوف الائتمانية المتاحة له. ثالثًا: وكذلك إذا تم السماح للسودان باستخدام رصيد حقوق السحب الخاصة المتاح له فسيواجه صعوبة بالغة في إيجاد بلدان يمكن أن تشتري هذا الرصيد أو جزء منه فالأمر ليس بهذه السهولة كما يتخيل جبريل وصحبه. فليس من السهولة أن تقوم الدول المقتدرة بتمويل الدول الفقيرة أو دول العالم الثالث مقابل حصتها في حقوق السحب الخاصة باعتبار أن السودان بلد مثقل بالديون وعليه قيود مشددة من الصندوق والبنك الدوليين ولا زالت قضية استمرار اتفاقية الهبك المعتمدة له مجمدة إلى أجل، وهنالك احتمالات كبيرة بتراجع الدول الدائنة عما تعهدت أو وعدت به في هذا الإطار. وحتى الحائزين المعتمدين من الصندوق لحقوق السحب الخاصة والمتمثلين في بعض البنوك المركزية وبنوك التنمية الإقليمية كالبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وغيرها فلن تقبل تمويل السودان تمويل قصير الأجل مقابل حصته في حقوق السحب الخاصة بالسهولة التي يتصورها ويتمناها جبريل ومجموعته والتي ستُخضِع السودان لنفس القيود والشروط والمعايير الخاصة بمنح التمويل له ولغيره من الدول الفاشلة المتعثرة والمثقلة بالديون والتي لا يمكن تمويلها إلا وفقًا لاتفاقيات مجحفة وقاسية جدًا كاتفاقية الهبك وشروطها غير المحتملة التي التزمت بها الحكومة الانتقالية السابقة ولا زالت آثارها الكارثية ماثلة وتحيل حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق. رابعًا: وحتى لو لجأ جبريل (إذا افترضنا أن الصندوق قد عفى عنه) إلى بعض الدول الغنية التي تقوم، وقامت بعضها بالفعل خلال أزمة كورونا باستخدام حصصها لدعم الدول الفقيرة بزيادة الموارد المالية للقروض في الصندوق الائتماني للنمو والحد من الفقر (PRGT) ليتمكن من تمويل الدول المثقلة بالديون كالسودان فلن يكون ذلك متاحًا حيث أن السودان أصلًا قد سبق واستفاد من ذلك واستنفذه في التمويلات والترتيبات التمهيدية الخاصة بقبوله في اتفاقية الهبك. الحل الوحيد لجبريل والبرهان وعصبتهم هو التسليم أو الهروب فلا عاصم لهم اليوم من غضب الشعب السوداني وهتافات شبابه وزغاريد كنداكاته الداوية اليومية المستمرة دون كلل أو ملل والتي صَدَّعت رؤوسهم وأبعدت عنهم النوم والراحة ولن تتوقف إلا برميهم في مزبلة التاريخ والقصاص منهم ومحاسبتهم على كل الجرائم التي ارتكبوها ولا يزالون يرتكبونها بدمٍ بارد في حق الشعب وفي حق شبابه وكنداكاته وأطفاله. فلن تنفعهم حقوق سحب خاصة أو عامة أو إن رضيت عنهم وباركتهم كل مؤسسات التمويل الدولية، ولو أمطرت عليهم السماء ذهبًا أكثر من الذهب الذي يسرقونه من ثروات الشعب وموارده فلن ينفعهم ذلك، ولن تسعهم الدنيا بكونها وفضائها الفسيح غير المتناهي، وستصبح بالنسبة لهم أضيق من خصر الزنبور وستمر عليهم أيام يتمنون فيها من صميم قلوبهم شبر الأرض السحيق الذي ينتظرهم قريبًا جدا. الميدان